أنغامي: رحلة الموسيقى إلى بورصة نازداك
في الأيام القليلة الماضية تم الإعلان عن طرح منصة أنغامي -المنصة الرائدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في عالم الموسيقى- للاكتتاب العام، من خلال اندماجها مع شركة الاستحواذ فيستاك (Vistas Media Acquisition Company (VMAC))، لتصبح أول شركة تقنية عربية تُطرح في بورصة نازداك في نيويورك. إذًا كيف نجحت رحلة الموسيقى لشركة أنغامي في الوصول إلى البورصة؟
الحصول على بعض الموسيقى مباشرةً: هكذا بدأت القصة
في أحد الأيام داخل لبنان خرج إيلي حبيب برفقة صديقه إيدي مارون للتزلج. حكى الأخير عن معاناته في الحصول على بعض المقاطع الموسيقية على جهازه الأيبود في كل مرة يخرج للتزلج. في هذا الوقت لم يكن تطبيق (ITunes) قد طُوِّر بعد في لبنان.
لذا في كل مرة يضطر إيدي إلى شراء المقاطع الموسيقية، ويضعها على جهاز الأيبود بعد نقلها من الكمبيوتر، وهو الأمر المرهق بالنسبة له حسب وصفه، لذا كان يبحث عن طريقة أسهل لفعل ذلك. فكَّر إيلي في الأمر جيدًا، ثم في النهاية أخبر إيدي بوجود حل لذلك، وبدآ العمل معًا على أنغامي؛ المنصة التي تعني أنَّه أصبح لديك الآن ألحانك وأنغامك الخاصة.
قد تبدو الفكرة بسيطة جدًّا في نظر البعض، لكن واقع ريادة الأعمال يخبرنا أنَّه ليس ضروريًّا امتلاك فكرة لا مثيل لها، ربما هذا النوع من الأفكار لا يتواجد من الأساس. بدلًا من ذلك، من المهم دراسة الاحتياجات الخاصة بالجمهور جيدًا، حتى لو تمثل ذلك في أمرٍ بسيط؛ العبرة في آلية الاستفادة من ذلك.
تأسست منصة أنغامي رسميًّا في نهاية عام 2012، كمنصة رائدة في بث الموسيقى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. تقدم الشركة خدماتها لأكثر من 70 مليون مستخدم مسجل، مع متوسط تدفق لمليار شخص شهريًّا.
نموذج العمل: كيف تستثمر جميع عناصره؟
عندما تبدأ الشركات في اختيار نموذج العمل (Business Model) الخاص بها، فإنَّها توجِّه تركيزها نحو خلق قيمة حقيقية، تقدمها إلى شرائح الجمهور المناسبة، مع التفكير في الآلية المثالية لتحقيق الإيرادات، والتحكم في هيكل التكاليف. بالطبع يحتوي نموذج العمل على ما هو أكثر من هذه النقاط الأربعة.
لكن بالنظر إلى الواقع، فانشغال الشركات في عملياتها يجعلها لا تفكِّر كثيرًا في بقية العناصر بما تستحقه، فتكتفي دائمًا بالتصور الأكثر بساطة لها، الذي يجعلها قادرة على إدارة عملياتها بالشكل الملائم. من الأشياء التي تميَّزت بها منصة أنغامي تركيزها على عناصر أخرى في النموذج، ربما كانت هي السبب في نجاحها الحالي؛ قنوات الوصول والشركاء.
قنوات الوصول: أين يتواجد جمهورك؟
نجحت أنغامي في بناء قنوات الوصول الخاصة بها على البيانات، وهي الشيء الذي لا يكذب أبدًا، إذ يمكن من خلالها جذب المستخدمين الجدد، وتوظيف رغباتهم في تجهيز الرسائل التسويقية. ترتب على ذلك، بدلًا من إرسال نفس الرسالة التسويقية للجميع، أن أصبحت الرسائل مخصصة لجذب انتباه كل شخص على المنصة.
أدَّى هذا النهج إلى توطيد العلاقات مع المستخدمين، وتنمية التسويق الشفهي. ظهر هذا الأمر في زيادة عدد الزيارات غير المدفوعة مقابل الزيارات المدفوعة بشكل ملحوظ. إذ يقوم المستخدمون الحاليون بترشيح الخدمة لأصدقائهم، وينقلون ثقتهم بها إليهم، بالتالي يقبلون تجربتها.
كذلك في بدء العمل على الخدمة اعتمدت الشركة على تقليد النهج التسويقي الذي نجح في الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض الدول الأخرى، مع الخدمات الشبيهة لأنغامي. لكن هذا الأمر لم ينجح، إذ أدرك القائمون على التسويق في أنغامي اختلاف احتياجات المستخدم في المنطقة، بالتالي ضرورة تطوير المنتج وفقًا للسوق الذي تعمل به.
من ناحية أخرى، لم يقتصر الأمر على التسويق الإلكتروني، إذ أدركت الشركة أهمية الاعتماد على التسويق خارج الإنترنت، أي التسويق المعتاد الذي يظن البعض أنه لم يعد ملائمًا لهم. كانت الفكرة من وراء ذلك، هي صعوبة وصول الرسائل التسويقية على الإنترنت كما ترغب الشركة، نظرًا للكم الكبير من الرسائل التي يتعرض لها الجمهور يوميًّا.
في حين أن اللجوء إلى التسويق خارج الإنترنت، بالاعتماد على اللوحات الإعلانية، أدَّى إلى تعزيز قيمة العلامة التجارية بالنسبة للمستخدمين، وبدأوا يحبون الخدمة أكثر، مما نتج عنه زيادة في عدد المستخدمين مع الوقت.
لا يمكن لأي مشروع تحقيق النجاح دون الاستعانة بالتسويق، لذا يمكنك دائمًا توظيف أفضل المحترفين في التسويق على موقع مستقل، لمساعدتك في بناء استراتيجية تسويقية كاملة، للوصول إلى عملائك في مختلف المراحل التي يمرون بها، حتى اتِّخاذ قرار الشراء وما بعد البيع.
الشركاء: طريقك إلى التوسع في تقديم خدماتك
تعتمد آلية عمل منصة أنغامي على وجود الموسيقى حصريًّا من خلال التطبيق، وهو الأمر الذي يجعلها الخيار الأفضل للمستخدمين، لذا تمثل الشراكات جزءًا أساسيًّا في سبيل تحقيق ذلك، والوصول إلى تقديم عدد كبير من المقاطع الموسيقية.
نجحت الشركة في تأمين اتفاقها مع مجموعة روتانا من البداية، باعتبارها شركة الإنتاج الموسيقي الأكثر شهرة في المنطقة، فلا بد من ضمان وجودها كشريك أساسي وحصري على المنصة، وكانت مدة العقد الأول ثلاث سنوات.
يمكن أيضًا للشراكات منح الشركة الفرصة الحقيقية للنمو والتوسع، من خلال تقديم الدعم المناسب. هذا ما حدث من خلال الاتفاق مع مجموعة MBC، التي اتفقت مع المؤسسين على تقديم دعاية تسويقية، تُقدَّر قيمتها بعدة ملايين من الدولارات سنويًّا، ولمدة ثلاث سنوات، في مقابل حصول MBC على حصة من الأسهم.
على الرغم من أثر ذلك على المؤسسين، وتأثر حصص الملكية الخاصة بهم، فإن هذه الشراكة تستحق التنازل، فهي تعني الحصول على دعم تسويقي كبير، وهو ما ظهرت نتائجه سريعًا. إذ بمجرد بدء MBC في الترويج زاد عدد مستخدمي الخدمة من 30 ألفًا إلى 200 ألف في ثوانٍ قليلة.
نجحت الشركة أيضًا في عقد اتفاقيات مع شركات الهاتف المحمول. إذ أظهرت الأخيرة اهتمامها بتقديم العديد من الخدمات إلى عملائها، فوافقت على أحد الخيارين: الدفع أو التسويق لأنغامي. وهو الأمر الذي حقق فائدة كبيرة، فإمَّا الحصول على دعم مادي، أو زيادة عدد المستخدمين.
كذلك أمكن الاستفادة من هذه الشراكة في خدمة أنغامي بلس، من خلال دمجها مع شركات الهاتف المحمول، فيكون بإمكان عملاء هذه الشركات الترقية إليها، وهو ما جعل أكثر من ثلاثة أرباع إيرادات الخدمة ناتجة منهم. أثبتت شركة أنغامي القيمة الكبيرة للشركاء كجزء ناجح ومؤثر، يؤدي إلى زيادة فاعلية نموذج العمل بالشكل الأمثل.
المنافسة: إلى أين يذهب سوق المحتوى الصوتي؟
في يناير عام 2020 وصل عدد البودكاست (التدوين الصوتي) حول العالم إلى 850 ألف بودكاست نشط. تشير مختلف الأرقام الخاصة بالمحتوى الصوتي إلى النمو، إذ من ناحية ازداد إقبال المستخدمين عليها، ومن الناحية الأخرى، يوجد العديد من الشركات التي تستخدم المحتوى الصوتي كفكرة لمشروعها، أو كطريقة تسويق. من أهم أنواع المحتوى الصوتي:
1. البودكاست
يمثل البودكاست المحتوى المدون صوتيًّا. إذ يتم تسجيل المحتوى، وعرضه لاحقًا على الجمهور. يوجد العديد من المنصات التي تقدم خدمات استضافة هذا المحتوى، مثل: google podcast، apple podcast.
2. الراديو
جميعنا نعرف الراديو، وسبق لنا الاستماع إليه في المنزل أو أثناء القيادة. يعتمد المحتوى في الراديو على البث الحي. في الوقت الحالي، توجد بعض التطبيقات التي تستخدم مبدأ الراديو في عملها، مثل تطبيق Clubhouse.
3. الكتب الصوتية
من أشهر الأمثلة على المحتوى الصوتي هو الكتب الصوتية. إذ تشتري المنصات حقوق تسجيل وعرض محتوى الكتب المقروءة، وتحوِّله إلى محتوى صوتي يمكن للجمهور الاستماع إليه.
في الوقت الحالي، يسعى العديد من الشركات التي تقدم خدمات الموسيقى إلى الاستفادة من هذا التطور في سوق المحتوى الصوتي، لا سيَّما أنَّ هذا يساعدها في استقطاب المزيد من المستخدمين إلى خدماتها، بالتالي يمكنها تحقيق المزيد من الأرباح. إذًا، كيف واجهت أنغامي هذه المنافسة؟
كيف تعاملت أنغامي مع منافسيها؟
عندما بدأت أنغامي عملها لم يكن هناك مقدمون لخدمة بث الموسيقى في المنطقة، إذ أغلبهم لم يكن قد وصل بعد. حولت الشركة هذه المسألة إلى فرصة، من خلال نشر ثقافة بث الموسيقى، وتعليم المؤسسات والمستخدمين هذا الأمر، وهو ما جعلها تضع وتثبت أقدامها كمنصة رائدة في هذا المجال.
يوجد أكثر من منافس لأنغامي، من بينهم بالطبع مقدمو الخدمة المشابهة مثل سبوتيفاي وديزر ويوتيوب. تواجه الشركة أيضًا منافسة شرسة مع القرصنة، إذ يلجأ الكثير من المستخدمين إلى الخدمات غير القانونية، وهو ما يجعل نسبة المستخدمين المحتملين لأنغامي تقل.
تمكنت أنغامي من التعامل مع هذا الأمر، فلم تقتصر خدماتها فقط على بث الموسيقى، لكنَّها قدَّمت الخدمات الأخرى مثل: البودكاست، الراديو المباشر، الحفلات الحصرية، بالتالي يمكِّنها هذا من جذب المستخدمين الذين يبحثون عن هذه الخدمات، والاستفادة من الانتشار الكبير لأنغامي في المنطقة.
تسعى الشركة أيضًا إلى تقديم خدماتها بما يتوافق مع المستخدمين وإمكانياتهم، فيمكن لمن لديهم اتصال محدود بالإنترنت الحصول على بث عالي الجودة، إضافة إلى خدمة عملاء تقدم حلولًا سريعة لمشكلات العملاء. تقدم الشركة جزءًا من خدماتها إلى المستخدمين مجانًا، في مقابل تحقيق الأرباح منهم عبر الإعلانات التي تظهر لهم أثناء استخدام الخدمة.
أما المشتركون في أنغامي بلس -التي يُدفَع مقابل الاشتراك بها- فيحصلون على مجموعة من المميزات الأخرى، من بينها تنزيل الأغاني وتشغيل الموسيقى في وضع عدم الاتصال، وكذلك عرض كلمات الأغاني، وغيرها من الخدمات، بدون ظهور إعلانات لهم أثناء ذلك، مما يمنحهم الحرية الكاملة في الاستخدام.
الاستثمار: كيف تفاعلت الشركة مع المستثمرين؟
عندما بدأت أنغامي عملها كانت تسعى إلى جمع 2.2 مليون دولار لبدء العمل، لكنَّها لم تحصل على موافقات لذلك. على العكس، كانت أغلب الردود محبطة للشركة، إذ لم يكن الأمر مقنعًا بالنسبة للمستثمرين. أخيرًا، نجحت الشركة في تأمين استثمارها الأول بقيمة مليون دولار، وهي أقل من نصف القيمة التي استهدفتها للبدء.
على الرغم من ذلك تمكنت الشركة من إدارة أمورها بالشكل المناسب في هذه الفترة، من خلال التركيز على الأولويات، واعتماد الفريق على نفسه في أغلب الأمور، وهو ما منحهم الثقة في أدائهم، وجعلهم أكثر اقتناعًا بالمشروع، وقدرتهم على إدارته حتى مع نقص الإمكانيات.
في نفس الوقت تعلمت الشركة تركيز وتوجيه مجهودها نحو تحقيق الإيرادات. ربما هذا ما دفع الشركة إلى عدم الاستماع لطلبات المستثمرين بتنمية شريحة المستخدمين، واستمرارها في طريق تحقيق الإيرادات، حتى لا تواجه أي أزمة مالية.
منذ البداية نجحت الشركة في تأمين 7 جولات تمويلية، كانت آخرها هي التي تبنت الشركة من خلالها قرار الطرح في البورصة، إذ بلغت قيمة هذه الجولة المجمعة 40 مليون دولار: 30 من مؤسسة شعاع كابيتال الإماراتية، و10 من فيستاس ميديا كابيتال في سنغافورة (الشركة الأم لرعاية VMAC). من المتوقع لأنغامي امتلاك قرابة 142 مليون دولار نقدًا في ميزانيتها العمومية عند الإغلاق.
أنغامي: النزول في بورصة نازداك
ستعمل الشركة المندمجة تحت اسم أنغامي، وستتداول تحت الرمز الجديد “ANGH”، ومن المتوقع الانتهاء من الصفقة في الربع الثاني من العام الحالي، وطرح الأسهم للتداول في شهر يونيو. يعود سبب الطرح في بورصة نازداك إلى أنَّها تتيح إدراج الشركات لديها من خلال أسلوب الاندماج Special Purpose Acquisition Company (SPAC).
شركة الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة هي شركة لا تملك عمليات تجارية، ويكون الهدف منها هو زيادة رأس المال عند الطرح الأول، بهدف الاستحواذ على شركات قائمة حاليًّا، وتعرف أيضًا باسم “شركات الشيكات الفارغة”.
ازدادت شهرة هذه الشركات في السنوات الماضية، إذ نجحت في جذب المزيد من المستثمرين للمشاركة بها. في العام الماضي منذ بدء شهر أغسطس شُكلت أكثر من 50 شركة استحواذ ذات أغراض خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، ونجحت في جمع حوالي 21.5 مليار دولار.
في حالتنا، فإنَّ شركة الاستحواذ هي فيستاك، والشركة القائمة هي أنغامي. وتشير القيمة المبدئية للمؤسسة المندمجة إلى 220 مليون دولار، وهو ما يعادل 2.5 ضعف الإيرادات المقدرة لأنغامي في عام 2022. لتصبح الشركة العربية الثانية التي تُدرج في بورصة نازداك بعد أرامكس، وشركة التقنية الأولى التي تقوم بذلك.
يعد الطرح في البورصة أحد خيارات التخارج (Exit) التي تلجأ إليها الشركات الناشئة، سواء بواسطة أصحاب الشركة أو المستثمرين. تختلف بالطبع الأسباب لكلٍّ منهما، لكن الرغبة واحدة؛ التنازل عن حصص الملكية المملوكة حاليًّا لصالح جهات أخرى.
توجد بعض الخيارات الإضافية للتخارج، مثل: الاستحواذ الكامل على الشركة بواسطة شركة أخرى، مثلما فعلت أمازون مع سوق، وكذلك أوبر مع كريم. يمكن للمستثمر أيضًا الخروج من خلال بيع حصصه لمستثمر أكبر، أو عبر استرداد أصحاب الشركة لهذه الحصص منه، ودفع القيمة المقدرة لها الآن.
تبدو خطوة أنغامي للطرح في البورصة واعدة لشركات التقنية الأخرى، لأنَّها تقدم لنا تجربة فريدة، وربما ملهمة للعديد من أصحاب الشركات، أنَّه بإمكانهم الوصول بأحلامهم إلى أبعد النقاط، وأنَّ الفكرة البسيطة المخطط لها جيدًا قد تكون هي الفرصة المثالية للنجاح.