محتوى مترجم
المصدر
edge
التاريخ
2016/03/01
الكاتب
edge

«يلفت ريتش الانتباه بمقاله الرائع للغاية بموقع إيدج عن علم الجينوم القديم. أعرف معظم عمله – فأنا أقدم دورة عن علم الجينات البشرية التطوري – لكنني لم أعرف شيئًا عن درجة الاختلاط الجيني الهندي، على سبيل المثال، وهو الأروع مع تفاعله مع زيجات الأقارب واسعة النطاق، المرتبطة بفظائع مثل «جرائم القتل بدافع الشرف». وعلى هذا النحو، يمكن عند ذلك تحليل أحجام العينات الضخمة للغاية التي يولدها علم الوراثة بسهولة بحثًا عن عناصر قديمة بطرق تكون عادة مذهلة.

وإلا فكيف لنا أن نعرف أن اختلاط جين الإنسان البدائي منذ حوالي 40,000 عام على الأقل (~3% من جميع الجينات في الشعوب الأوروبية الآسيوية الحديثة) مرتبط بـ: 1) لون البشرة الفاتح 2) العيون الزرقاء 3) الشعر الأملس 4) الجينات الجديدة المقاومة للطفيليات إلى مستويات تقارب الحساسية؟! بارك الله علم الآثار وعلم مستحاثات البشر، لكن علم الجينوم يمكنه الآن أن يخبرنا المزيد بشأن ما كان يجري في أرض اليوروبا قبل 8500 عام، وفي أوروبا قبل 10000 عام، أكثر مما قد تخبرنا به هذه المجالات. بالفعل، يمكن لعلم الجينوم أن يقدم لنا صورة أوسع كثيرًا أيضًا، حيث أظهر مؤخرًا أنه كان هناك اختلاط متواضع للجينات البشرية في البشر البدائيين قبل حوالي 100,000 عام، وبعض الحركة الطفيفة لجينات الإنسان الحديث بالعودة إلى شمال أفريقيا قبل حوالي 4000 عام. بالتأكيد مثلما يوضح ريتش، تكامل علم الوراثة مع علم اللغات والمجالات الأخرى مفيد للغاية لكن علم الجينوم سيستمر في اكتساب المزيد من القوة سريعًا، ليهيمن على الأنواع الأخرى من الأدلة، كلما حدث أي تعارض.»

روبرت تريفوس متخصص في علم الأحياء التطوري، أستاذ الأنثروبولوجيا والعلوم البيولوجية بجامعة روتجرز، ومؤلف كتاب Wild Life: Adventures of an Evolutionary Biologist.


مقدمة

ديفيد ريتش متخصص بعلم الوراثة وأستاذ قسم علم الوراثة بكلية طب هارفارد

اشتملت تجربتي في التعاون مع سفانتي بابو منذ عام 2007 على أن البيانات التي فحصناها من العينات المدهشة التي كانت لديهم قد أسفرت عن مفاجأة تلو الأخرى. لم يتسن لأحد الفرصة لفحص مثل هذه البيانات من قبل. أولًا، كان هناك البشر البدائيون، ثم كانت هناك عظمة الخنصر من جنوب سيبيريا. في نهاية مشروع الإنسان البدائي أخبرني سفانتي أن لدينا هذه البيانات الرائعة على نطاق الجينوم من إنسان آخر قديم، من عظمة خنصر صغيرة خاصة بفتاة صغيرة من كهف بجنوب سيبيريا، وسألني إذا ما كنت مهتمًا بالمشاركة في تحليلها.

عندما حللناها، وجدنا مفاجأة لا تصدق: فذلك الفرد لم يكن إنسانًا بدائيًا. بل كان في الواقع له صلة بالإنسان البدائي أبعد بكثير بالمقارنة بأي إنسانين اليوم، ولم يكن إنسانًا معاصرًا. بل كان أحد الأقارب البعيدين للإنسان البدائي الذي كان يعيش في سيبيريا في آسيا الوسطى في الوقت الذي عاشت فيه هذه الفتاة.

عندما حللنا جينوم هذه الفتاة الصغيرة، وجدنا أنها كانت على صلة بأشخاص في غينيا الجديدة وأستراليا. ساهم أحد أقربائها بحوالي 5 بالمئة من جينومات أشخاص في غينيا الجديدة وأستراليا وأقارب آخرين – وهو حدث تزاوج لم يعلم بشأنه أحد من قبل. كان الأمر غير متوقع بالكامل. لم يكن ضمن فلسفة أو توقع أحد. كان حدثًا جديدًا قادته البيانات، وليس افتراضات الأشخاص أو أفكارهم السابقة.

هذا هو ما يفعله الحمض النووي القديم لنا. عندما تفحص هذه البيانات، فإنها لا توصلك دائمًا إلى نظرية شخص ما أو آخر؛ لا توصلنا إلى فرضية السهب الهندو أوروبي أو فرضية الأناضول. أحيانًا تثير أمرًا جديدًا تمامًا، مثل عظمة إصبع دينيسوفان وتهجين تدفق الجينات من دينيسوفان إلى الأستراليين وسكان غينيا الجديدة.


ثورة الحمض النووي القديم والجينوم

David Reich

أنا متخصص في علم الوراثة السكانية. أدرس أنماط الاختلاف والتنوع الوراثي فيما بين الشعوب البشرية حول العالم. يتعلق اهتمامي الأكبر بكيفية وصول البشر لما هم عليه اليوم، وكيف أصبحت الاختلافات بين الشعوب البشرية على ما هي عليه اليوم. كنت تلميذًا لديفيد جولدشتاين الذي كان، بدوره، تلميذًا للوكا كافالي سفورزا.

يمكنك أخذ الاختلافات فيما بين جينومات أشخاصٍ مختلفين من حول العالم وأن تستخدمها لتعرف أيهم مرتبط بشكل وثيق بأي شعب، وأي شعوبٍ أكثر ارتباطًا بأي شعوبٍ آخرى.

لوكا كافالي سفورزا يعد بمثابة الجد لمجال دراسة التطور البشري وتاريخ الشعوب الإنسانية. لقد أدرك، مثلما فعل آلان ويلسون، أنه يمكنك أخذ الاختلافات فيما بين جينومات أشخاصٍ مختلفين من حول العالم وأن تستخدمها لتعرف أيهم مرتبط بشكل وثيق بأي شعب، وأي شعوبٍ أكثر ارتباطًا بشكل وثيق بأي شعوبٍ آخرى.

في الوقت الذي أديت فيه رسالة الدكتوراه خاصتي، الذي كان في أواخر التسعينيات، كان قدر البيانات المتاحة أقل بحوالي 100,000 مرة مقارنة باليوم، وكان هذا هو نوع البيانات الذي توافر للوكا كافالي سفورزا. كانت القدرة على المعرفة بشأن التاريخ محدودة جدًا في تلك الفترة، لكن بالفعل، تمكن هو وآخرون من رؤية أن البشر قد خرجوا من أفريقيا من شعب واحد مؤسس قبل حوالي 100,000 أو 50,000 عام، وأن البشر الذين خرجوا من أفريقيا تشتتوا حول العالم. لكن التفاصيل كان من المستحيل استشفافها من البيانات التي كانت متاحة في تلك الفترة.

لوكا شخص مستغرق بشدة في علم الآثار، التاريخ وعلم اللغة، وكان يطلع علاوة على هذه المجالات الغنية على المعلومات القليلة الإضافية التي أمكن لعلم الوراثة أن يقدمها. ما حدث منذ ذلك الحين – الأعوام الـ15 الأخيرة – هو أن علم الوراثة أصبح نوعًا قويًا للغاية من المعلومات. إنه هام من حيث المعلومات التي يمكنه تقديمها عن عصر ما قبل التاريخ مثل علم الآثار وعلم اللغة، وينشأ كطريقة ثالثة لإجراء التحقيقات عن الماضي الذي سبق الكتابة. وهذا هو ما أنا مهتم بأن أعرف المزيد بشأنه – أي، محاولة الاستفادة من هذا المصدر الجديد للمعلومات لفهم كيفية ارتباط البشر ببعضهم البعض.

بدأت مسيرتي المهنية كتلميذ للوكا كافالي سفورزا، الذي كان بمثابة جدي الأكاديمي، فعملت مبدأيا على بعض البيانات التي كانت متاحة ومنتجَةً من قبله وزملائه، ومن ثم الاستفادة من الثورة الجينومية واستخدام هذه المعلومات لمعرفة المزيد بشأن التاريخ و، تحديدًا، بشأن الحمض النووي القديم في السنوات الخمسة إلى السبعة الأخيرة.

في الماضي، كان فهم ما كانت عليه التحولات السكانية، وكيف كانت أنماط الحياة، من الاختصاص الحصري لعلماء الآثار وعلماء الأنثروبولوجيا الثقافية.

هناك ظاهرة مثيرة للاهتمام لها علاقة بهذا النوع الجديد من المعلومات، وهي أن يصبح هذا النوع الجديد من البيانات فجأة متاحًا بينما لم يكن كذلك من قبل. في الماضي، كان فهم ما كانت عليه التحولات السكانية، ما كانت عليه أهلية أجزاء محددة من العالم، كيف كانت أنماط الحياة، من الاختصاص الحصري لعلماء الآثار وعلماء الأنثروبولوجيا الثقافية، أو الأنثروبولوجيا الحيوية وعلماء الحفريات. والآن، تصبح هذه المعلومات متاحة وتناقش العديد من هذه الأسئلة. جزئيًا، هناك احتكاك مثير للاهتمام مرتبط بالنوع الجديد من المعلومات التي تتاح في أحد المجالات، الذي لم تتوفر له مسبقًا هذه المعلومات. الأمر مُهدِدٌ للأشخاص المنخرطين في هذه المجالات بالفعل – أن هناك نوعًا جديدًا من المعلومات.

أمر آخر يحدث هو أن علماء الوراثة السكانية، كحالي، يعدون غير مدربين قليلًا. فنحن لم نمر بكلية الدراسات العليا في الأنثروبولوجيا، أو علم اللغة، أو التاريخ، ومع ذلك، ندلي بتصريحات قوية جدًا بشأن هذه المجالات. الأمر أشبه قليلًا بدخول البرابرة إلى غرفتك، ولا يكمنك تجاهلهم لأن لديهم معلومات، أسلحة، وتكنولوجيا لم تكن متاحة لك من قبل.

يتضح مثالٌ ملموس على ذلك في العمل المتعلق بتاريخ السكان في الهند الذي كنت مشاركًا فيه والذي استمر بالمشاركة فيه بشكل مكثف جدًا. تاريخ الشعوب الهندية ثري للغاية؛ إنه أحد الأماكن الأكثر تنوعًا في العالم، بوجود جميع تلك الجماعات العرقية.

هناك أكثر من 4000 جماعة عرقية واضحة المعالم تمارس زواج الأقارب المتبادل ولا تختلط ببعضها البعض عمليًا. إنه مكان معقد للغاية. الناس يبدو مختلفين للغاية، لديهم ثقافات وتواريخ وعادات مختلفة للغاية. هناك قدر كبير من الأنثروبولوجيا والدراسة الأنثروبولوجية التي جرت في الهند لمحاولة فهم تاريخ السكان وسياق العلاقات بأماكن خارج الهند.

في مطلع عام 2007، بدأنا الدراسة على مستوى الجينوم بأكمله، الحمض النووي من 25 شعبًا مختلف من الهنود بشكل مبدئي. وللآن قد قمنا بدراسة أكثر من 200 شعب

في مطلع عام 2007، بدأنا الدراسة على مستوى الجينوم بأكمله، مستوى الكائن الحي بالكامل، الحمض النووي من 25 شعب مختلف من الهنود بشكل مبدئي. وللآن قد قمنا بدراسة أكثر من 200 شعب. اخترنا تلك الشعوب لنحافظ على أكبر قدر من التنوع، لالتقاط التنوعية اللغوية في الهند. ففي جنوب الهند، يتحدث السكان لغات تسمى درافيديون، وهي ليس لها علاقة باللغات خارج شبه القاهرة الهندية. في الشمال، يتحدث السكان اللغات الهندو أوروبية، المرتبطة بلغات أوروبا وأرمينيا وإيران. هناك مجموعات لغوية أخرى، لكننا اخترنا أشخاصًا لتمثيل تنوع تلك المجموعات اللغوية وتنوع الحالات الاجتماعية مثلما هي مرمزة في النظام الطبقي، ودرسنا الاختلاف الوراثي.

ما رأيناه كان نمطًا بسيطًا بشكل مذهل: انطوى النمط البسيط على أن الأغلبية العظمى من الجماعات الهندية اليوم تنحدر من خليط من شعبين فقط من الأسلاف في الأساس، أحدهما نطلق عليه الهندي الشمالي القديم، والآخر نطلق عليه الهندي الجنوبي. الجميع في الهند مختلط بلا استثناء. حتى الجماعات الأكثر انعزالًا، المتكونة من صيادين يعيشون في الغابة أو الأماكن المعزولة، الجميع مختلط بنسبة 20 بالمئة على الأقل من كلٍ من هذه الأصول.

إنه مفاجأة يقدمها علم الوراثة. ليس هناك أي قطاع من الهنود نقي غير مخلوط الأنساب. الأشخاص الدرافيديون، الذين يأتون من جنوب الهند، يميلون إلى امتلاك المزيد من الأصل الهندي الجنوبي القديم. والأشخاص من الشمال، الأشخاص الذين يتحدثون الهندو أوروربية، يميلون إلى امتلاك المزيد من الأصل الهندي الشمالي. لكن هناك تغير في النسبة؛ فالأشخاص المنتمين لطبقة أعلى تقليديًا من جنوب أو شمال الهند يميلون إلى امتلاك المزيد من الأصل الهندي الشمالي القديم. إذن، فماذا يوضح ذلك؟

الأمر الآخر الذي يمكنك أن تراه في البيانات هو أن هناك تحيزًا جنسيًا شديدًا للحدث. إن فحصت نسب الأشخاص من الأصل الهندي الشمالي القديم، الذي يتراوح بين 20 بالمئة و80 بالمئة اعتمادًا على أي جماعة تفحصها، يأتي الأصل الهندي الشمالي القديم بشكل رئيسي من جهة الأب. معظم الأصل الذي تعتبره هندي شمالي، المرتبط بالأوراسيويون الغربيين، مرتبط بالشرق أوسطيين وسكان آسيا الوسطى والأوروبيين بشكل متساوي، معظم هذا الأصل يأتي من جهة الذكر. بينما يأتي معظم أصلك الهندي الجنوبي القديم من جانبك الأنثوي. هذا النوع من الأصل ليس مرتبطًا بأي شيء خارج شبه القارة الهندية؛ الأمر محلي بالكامل.

ما يوضحه ذلك هو حدث خلط تاريخي ملتف وعميق بشكل مذهل. كان ذلك مثيرًا للإهتمام جدًا لأن ما عناه كان ظاهرة تاريخية ما، والتي لم يتم توثيقها بوضوح من قبل علم الآثار أو الأنثروبولوجيا، والتي دار بشأنها نقاشات، لكن لم يكن هناك شك في أن ذلك قد حدث.

الكثير من بحثنا بصدد تاريخ الشعب البدائي، الذي عملت عليه بشكل وثيق جدًا مع سفانتي بابو، كان مدفوعًا من حيث النهج التي طورناها بهذه السؤال المتعلق بالهند ومحاولة فهم ما حدث في تاريخ السكان بالهند. عندما تابعنا هذا، كان سؤالنا الأكبر هو متى حدث هذا الاختلاط بين الأصل الهندي الشمالي والأصل الهندي الجنوبي؟ لأنه كان خليطًا عميقًا وملتفًا أثر على جميع شعوب الهند دون استثناء.

ما طورناه هو مجموعة من الأساليب الإحصائية التي استخدمت مبدأً بسيطًا جدًا لمحاولة تقدير العصر الذي حدث فيه الخليط، وأصل الإنسان الحالي.

ما طورناه هو مجموعة من الأساليب الإحصائية التي استخدمت مبدأً بسيطًا جدًا لمحاولة تقدير العصر الذي حدث فيه الخليط، وأصل الإنسان الحالي. طريقة عمل هذه الفكرة بسيطة جدًا: على سبيل المثال، عندما تكون خليطًا من شخصين من عرقين مختلفين، يكون لديك نسختين من كل كروموسوم، أي يكون لديك 23 زوجًا من الكروموسومات، وأول جيل من ذرية شخص من أصل هندي جنوبي قديم وهندي شمالي قديم، كمثال، سيكون لديه كروموسوم واحد من ثلاثة من أصل هندي شمالي قديم بالكامل، والكروموسوم الآخر واحد من ثلاثة من أصل هندي جنوبي قديم بالكامل.

عندما ينتجان نسلًا مختلطًا، أي طفل، سيكسران هذه الكروموسومات مرة أو مرتين لكل كروموسوم لكل جيل ويرسلان كروموسومًا هجينًا كالفسيفساء، إلى طفلهما، الذي سيكون لديه على الأرجح أول ثلث من أصل هندي شمالي، الثلث التالي من أصل هندي جنوبي، والثلث التالي من أصل هندي شمالي. لذلك فلديك كسر منتظم يحدث مرة أو مرتين لكل جيل حتى اليوم، لديك كروموسوم مكسور حيث يعكس عدد مرات الكسر عدد الأجيال التي مرت. يمكنك عد الكسرات فقط لتعرف مقدار الوقت الذي مر على الخليط.

سنكمل المحادثة في الجزء القادم