مذكرات مدرب مجهول: حتى لا تقضي نحبك في الملعب الكبير
أغلب الظن أنك لا تعرفني. ربما تشعر أن وجهي مألوف بعض الشيء لكن لا عليك، في الواقع لقد اعتدت على الأمر، اعتدت أن أكون تفصيلة بسيطة من المشهد والمشهد الذي أنتمي له يعج بالتفاصيل.
ملعب كرة قدم تميل أرضيته دومًا للون الأصفر، عدد من اللاعبين يعاني معظمهم من سوء التغذية. محاولات عشوائية لتسجيل هدف ومحاولات أكثر تهورًا لمنع تسجيله. ثم أنا، الرجل الأول المسئول عن كل تلك العشوائية.
قد يبدو للجميع أنني شخص فاشل أو يعوزني الطموح، فقد قضيت أكثر من نصف قرن كمدير فني لعدد كبير من فِرق الدرجات الأدنى للدوري المصري، وفي المقابل لا أملك أي نجاحات تذكر. قبل أن تتهمني باللا مبالاة دعني أؤكد لك أن الأمر لم يكن دومًا كذلك.
في البداية كنت أتقد حماسًا فيما يتعلق بتجربة العديد من الأمور الفنية والخطط التكتيكية. كنت أردد دائمًا أنه لا عيب أن أبدأ مسيرتي في فريق مغمور أستفيد خلاله من التجربة ويستفيد الفريق من حماسي وعلمي. لكنني ومع الوقت اكتشفت أن الفرق الأساسي بين لاعبي كرة القدم جميعًا هو إدراك البديهيات.
أنت تضع الخطط وتحدد للاعبيك المهام ثم تفاجأ عند التطبيق في الملعب أن هذا اللاعب لا يعرف عن بديهيات كرة القدم شيئًا. لذا ومع الوقت أصبحت متمرسًا في شرح بديهيات كرة القدم بل وبديهيات الحياة للاعبين وصدقني هذا الأمر ليس باليسير. لقد انتهى بي الأمر بإصدار تعليمات مثل: «عرفت تشوط شوط» و«عرفت تباصي باصي» ولا تركض كثيرًا لأن الملعب الكبير حتمًا سيقطع نحبك. هل تعلم لماذا؟ لأن «هي الدنيا كده».
تلك الجمل التي تبدو لك ساخرة هي في الحقيقية الأكثر تعبيرًا عن المنطق وفقًا للاعبي كرة قدم المظاليم. لاعبو كرة يسقطون من التعب بعد الركض بطول الملعب لأنهم لا يعرفون شيئًا عن التغذية والأحمال البدنية وتقوية العضلات.
قررت أخيرًا أن أعتزل الرقعة الصفراء للأبد وأن أترك لكم خلاصة تلك النصائح البديهية التي أؤكد لكم أنها تحدث كل يوم في ملاعب كرة القدم. لكنني أردت أن يبدأ البعض من حيث أفنيت عمري.
التمريرة المستحيلة
نحن هنا رفقة اللاعب «السوبر هيرو»، الرجل الذي يعتقد أن التمرير له واجب حتمي على الجميع. إنه دومًا يرفع يده لطلب الكرة، هل يعلم ماذا سيفعل بالكرة بعد أن تصبح بين قدميه؟ بالطبع لا، هو يؤمن بنفسه كونه بطل الفريق الأوحد، إذا لم تمرر له الكرة سيبدأ في الصياح بأعلى صوت، «أنا هنا مرروها لي»، إنه دومًا يتمركز بشكل جيد طبقًا لرؤيته المحدودة.
يتسلل من بين المدافعين ليصبح في مواجهة المرمى دون رقيب ومن ثم يبدأ في الصياح كطفل جائع. العجيب أن زميله الذي بحوزته الكرة محاط بثلاثة من المنافسين، إنه ببساطة يطلب من زملائه التمريرة المستحيلة.
ولأن كثرة الصياح تضع الجميع تحت الضغط يحاول زميله أن يمرر له الكرة لعله يحرز هدفًا ويصمت للأبد. والنتيجة، أن الكرة لا تصل له أبدًا، ليبدأ على الفور بهز رأسه في استغراب. كيف أن زملاءه محدودي الموهبة فاقدي الرؤية لا يلاحظون تواجده المميز ويفشلون في التمرير له في كل مرة؟
أما أنا ولأنني رجل ذو خبرة أضع السدادات في أذني عوضًا عن قتله وإخماد صوته للأبد.
الجرينتا يا عزيزي أيبك
دعوني أعرفكم الآن إلى الرجل الذي يصر على الخسارة في كل مرة. لقد قابلت هذا الرجل مئات المرات عبر تاريخي رفقة كرة القدم، إنه المدافع الذي يقرر فجأة أن يهدي المنافس فرصة خطيرة من لا شيء.
الكرة بحوزة مهاجم المنافس على أحد طرفي الملعب دون مساندة حقيقية، ومدافعنا الهمام هو الأقرب له. إذا قرر أن يراقبه للصباح فإن المهاجم لن يأتي بجديد. إذا استطاع المهاجم أن يراوغه سيصطدم بمدافعين آخرين، وإذا استطاع التمرير فسيكون للخلف دون فائدة.
هنا وهنا تحديدًا يقرر مدافعي العزيز أن يمنح هذا المهاجم البائس فرصة جيدة لصناعة هدف، عندما يقرر أنه لن يستطيع معه صبرًا، فيزيله تمامًا من فوق أرضية الملعب. يمنحه مخالفة على أحد جانبي الملعب كي يرفعها أحدهم ويسجلها الآخر.
جرب أن تلومه على تهوره هذا وسيحدثك عن الجرينتا، ألم تشاهد جورجيو كيلليني من قبل؟ لا أعلم ما الذي أتى بمصطلح الجرينتا في أشمون على سبيل المثال؟ ولكنها الجرينتا يا عزيزي، الجرينتا التي تجعلني دومًا خاسرًا.
التمرير ليس إنجازًا
لقد مررت الكرة بالفعل. لقد سمعت هذه الجملة في كل مرة أحاول أن أشرح لأحدهم خطأ في التحرك. القصة ببساطة أن بعض اللاعبين على قناعة تامة بأن بمجرد التمرير تنتهي مسئوليتهم عن الكرة.
عندما يمتلك فريقك الكرة فأنت إما اللاعب الذي بحوزته الكرة أو أحد اللاعبين العشرة الذين يجب أن يتحركوا من أجل نفس الكرة. بمجرد أن تمرر الكرة يجب عليك تبادل الأدوار، يجب أن تنتقل فورًا من كونك ممررًا إلى خيار تمرير.
لقد قضيت أكثر من نصف حياتي أصيح بجوار الخط للجميع كي يتحرك حتى اهتديت إلى اختراع قاعدة بسيطة. إنها قاعدة الثلاث خطوات، في أي وقت يمرر اللاعب الكرة يجب أن يتخذ على الفور ثلاث خطوات على الأقل لجعل نفسه في زاوية تمرير أفضل.
يمكنني أن أقسم لكم أن أحد اللاعبين مرر الكرة وتحرك خطوتين لليمين ثم عاد لنفس المكان بخطوتين لليسار. أتعجب كثيرًا كيف نجوت من الجلطات والذبحات الصدرية طوال عمري مع كل هؤلاء.
خلف خطوط العدو
هناك اعتقاد شائع أن أفضل التحركات للمهاجم هي تلك التي تحدث خلف خطوط المدافعين. يؤمن كل مهاجم أنه سريع بما يكفي للحاق بالكرة حتى وإن كان يعاني من سمنة مفرطة. لذا بمجرد أن يراوغ لاعب الوسط أحد المنافسين ويتقدم لأعلى الملعب، يتحرك المهاجم سريعًا خلف خطوط المدافعين ليفاجأ برجل ما، لا أعرف لماذا لم يتذكره بتاتًا هو حارس المرمى؟
يجب أن يتفهم المهاجم أن سرعته المفترضة تلك ربما تفيده في حالة وجود مساحة كبيرة بين المدافعين وحارس المرمى، أما إذا انعدمت تلك المساحة فالسباق دومًا سيحسم لحارس المرمى الذي يري الملعب بشكل أفضل وياللعجب إنه يستخدم يديه أيضًا.
لا يوجد أغبى من هذا المهاجم إلا لاعب الوسط الذي يؤمن أنه بيكهام الذي سيضع الكرة خلف المدافعين بدقة متناهية. يستهلك لاعبو الوسط الوقت والمجهود لأنهم يقررون دومًا أن تلك الكرة يجب أن تسقط خلف المدافع تحديدًا والنتيجة أن معظم تلك الكرات لا تتجاوز المدافعين أبدًا لأنها لم تركل بالقوة المناسبة والسبب أن لاعبي الوسط أرادوا أن يكونوا دقيقين للغاية.
حائط بلا فائدة
ارتكب أحد اللاعبين في فريقي مخالفة على بعد 40 ياردة من المرمى ولم أكن أهتم بالأمر حينئذ، حتى وجدت حارس المرمى يصرخ أين الحائط. لم أكن أتخيل أن هناك أربعة لاعبين سيوافقونه الرأي ويلتصقون ببعضهم البعض مكونين حائطًا من الدهون خوفًا من لاعب على مسافة 40 ياردة كاملة!
يجب أن يتم تقييم قدرات مسدد الكرة بشكل واقعي فمن الصعب إحراز هدف من 40 ياردة وفي المقابل وعلى الأغلب سيرسل هذا المسدد الكرة داخل منطقة الجزاء حيث يحتاج الفريق لكل لاعب لمنع الكرة من الدخول للمرمى بدلًا من التضحية بأربعة لاعبين من أجل هذا الحائط المزعوم.
دعني أكون أكثر جرأة، إذا كانت الكرة أقرب للمرمى وتبقى فرصة سانحة لإحراز هدف مباشر فيجب عليك ألا تعطي الأولوية للحائط أبدًا. ستحتاج حينئذ لأربعة أو خمسة مدافعين لكن هل يجب اختيار الأكثر طولًا وقدرة على القفز؟ أعتقد أن تسديد ركلة مباشرة أصعب ولا يحتاج للتضحية بلاعبين مميزين سيفيدون الفريق حال إرسال عرضية حيث تزيد فرص إحراز الهدف.
يمكنني أن أتحدث معك حول تلك الأخطاء حتى غد لكنني أفضل أن اصمت الآن، إنني أشعر بوخز عنيف في صدري، لقد تذكرت هذا الحارس الذي يعتقد أنه قادر على الاحتفاظ بالكرة لنصف دقيقة لأن قاعدة الثواني الست لا تطبق إلا في كأس العالم.
يبدو أنني لست ببعيد عن الأزمات القلبية كما كنت أعتقد. أرجوكم تذكروني مع كل خطأ في كل مباراة.
كل تلك القواعد والأخطاء مستوحاة من كتاب Soccer iQ: Things That Smart Players Do للكاتب Dan Blank