بين الطلبة والعمال
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
في ذروة الحركة المناهضة للحرب في الستينيات، أقام الطلبة الراديكاليون حوارًا ساخنًا عن دورهم في نضال العمال. وما زال هذاالحوار ذا صلة بالواقع اليوم.
في أغسطس من عام 1966، حضر موفدون من جميع أنحاء الولايات المتحدة المؤتمر السنوي لحركة «طلاب من أجل مجتمع ديمقراطي Students for a Democratic Society: SDS» في مدينة كلير ليك في ولاية آيوا. وبدأت المنظمة، الواقعة في وسط شمال آيوا وفي مؤتمرها المنعقد بمعسكر ميثودي، في الحوار حول مستقبلها.
كانت الحركة في مفترق طرق عام 1966. فطبقًا لمؤرخ الحركة كيرباتريك سيل، نمت الحركة حتى أصبحت أكبر حركة طلابية راديكالية في الولايات المتحدة، وكانت تمر بتحولٍ رئيسي في العضوية وبتحول سياسي.
كان مؤتمر كلير ليك، والذي حضره 350 ممثلًا من 140 فرعًا، بالنسبة للحضور رمزيًا. إذ إن قيادة الحركة قد انتقلت ساعتها من أعضائها الأصليين إلى أعضاء جدد؛ فمن هؤلاء الذين نشأوا في التقاليد اليسارية الساحلية إلى نشطاء وسط أمريكا. لقد كان هذا صعودًا «للنفوذ الريفي».
كان الموضوع الأكبر للمؤتمر هو الاتجاه الذي يجب أن تتخذه الحركة. وقدّم الوفد الصغير الممثل لجمعيات الاشتراكيين المستقلين (ISCs، وهي نواة الاشتراكيين العالميين) مقترحًا للمؤتمر.
كيم موودي، وفريد إيبشتاينر، ومايك بفلاج في نحو الطبقة العاملة: ورقة موقف مقدمة لمؤتمر حركة طلاب من أجل مجتمع ديمقراطي (TTWC)
لقد كانت تلك من أولى المحاولات التي عملت على محورة اليسار الجديد حول النضال الجماهيري لعمال الولايات المتحدة. وكان كتيب شتان فاير «الولايات المتحدة الأمريكية: ثورة العمال» خارطة طريق استخدمها العديد من الاشتراكيين في فهم التمرد الجماهيري المتنامي الذي بدأ في منتصف الخمسينيات، والذي كان بعيدًا عن الإعلام وأصبح ظاهرًا للجميع في منتصف الستينيات، وتصدرت أخباره الصفحات الأولى.
تختلف الأوضاع الآن بشدة، لكن أما تزال هذه النقاشات التي مر عليها نصف قرن ذات صلة بالواقع اليوم؟
يمكن تذكر عام 1966 باعتباره العام الذي أعلن فيه قائد اللجنة السلمية للتنسيق الطلابي ستوكلي كارميشيل (والمعروف لاحقًا بكوامي توريه) في مسيرة ميريديث ضد الخوف بأن «ما نحتاجه هو القوة السوداء».
سيطر هذا الشعار على مخيلة جيل كامل من الثوريين الشباب السود المُحبطين من وعود الليبرالية الأمريكية المنكوثة، وطالبوا بتحول راديكالي في المجتمع.
وتبعهم العديد من المجموعات التي اضطهدت لفترة طويلة من النساء والأمريكيين الأصليين والمثليين.
ولم يكن موودي وإيبشتاينر وبفلاج أقل اهتمامًا بقضايا السلطة والتحرر. فقد كان الثلاثةُ خبراءَ مُحنكين في حركة الحقوق المدنية في بالتيمور، ونشطاء في حركة طلاب من أجل مجتمع ديمقراطي في بالتيمور في جامعة جون هوبكنز.
وكان موودي نشطًا كذلك في المشروع المجتمعي الخاص بحركة طلاب من أجل مجتمع ديمقراطي في بالتيمور [المسمى] U-Join «الاتحاد من أجل الوظائف والدخل فورًا». كان موودي وإيبشتاينر عضوين في جمعية الاشتراكيين المستقلين، بينما كان بفلاج عضوًا في جريدة «الأخبار والرسائل».
لقد نشأت جمعية الاشتراكيين المستقلين نتيجة انشقاق في يمين الحزب الاشتراكي. وكان الملهم السياسي لها هو الاشتراكي الثوري المُحنك هال درابر، صاحب الكتيب الشهير «عقلية كلارك كير»، الذي كان اختبارًا لأفكار ونظام رئيس جامعة كاليفورنيا من أجل الجامعة الحديثة، وأصبح إنجيل حركة حرية التعبير في بيركلي.
وبعد ذلك، أشاع هال درابر أيضًا عبارة «الاشتراكية من أسفل» في مجلة New Politics، محاولًا استعادة روح إيمان كارل ماركس الثورية الديمقراطية بأن الاشتراكية لا يمكن تحقيقها إلا من خلال «تحرير الطبقة العاملة لنفسها».
لقد كانت «الاشتراكية من أسفل» عبارة سريعة وواضحة في التفرقة بين السياسة الاشتراكية الثورية وبين «الاشتراكية من أعلى» الخاصة بالاشتراكية الديمقراطية والستالينية. لقد كان دعم هذا النوع من الماركسية «الكلاسيكية» سيرًا ضد السائد، في الوقت الذي كانت الثورية فيه تعني محاربًا يحمل رشاشًا من نوع AK-47 في بلدٍ بعيدة.
أطلق مؤلفو ورقة «نحو الحركة العاملة TTWC» على أنفسهم «راديكاليون يدعمون مفهوم القوة السوداء»، لكنهم نظروا إلى قضية السلطة والتحرر من زاوية مختلفة، فقالوا: «نحن، الاشتراكيون والراديكاليون، ننظر إلى جماهير العمال باعتبارهم حلفاءنا المحتملين».
وكان إضراب عمال الماكينات الذي عطّل خطوط الركاب الجوية في جميع أنحاء الولايات المتحدة، مثالًا قويًا على هذه الاحتمالية التي تحدثوا عنها.
«فلينظر من لديه شكوك في إرادة العمال النضال من أجل غايات تقدمية على إضراب الاتحاد العالمي لعمال الماكينات (IAM) في شركة الخطوط الجوية. فهم لم يصمدوا في وجه أمر صادر عن الكونجرس فقط، بل كانت لديهم الشجاعة كي يرفضوا بشكل قاطع تسويةً قدمها الرئيس جونسون نفسه.
ومن الجوانب السياسية المضيئة والمثيرة للاهتمام هو كون أربعة من أعضاء الاتحاد IAM قاموا بالدعوة مؤخرًا للقطع مع الحزب الديمقراطي، وتشكيل حزب ثالث. وتذكر أن هذا النضال قد حدث دون أي فائدة تعود على المنظمين الراديكاليين، فقد كان بصور متعددة فعلًا عفويًا».
وفيما يخص موقف الطلاب باعتبارهم داعمين خارجيين للحركة العمالية، يقول مؤلفو جمعية الاشتراكيين المستقلين:
لقد أرادوا أن يوضحوا للممثلين أنهم لا يحطون من شأن تنظيم الاتحادات، «لكنكم لا يمكنكم القيام بعمل سياسي راديكالي حقيقي من هذا الموقع».
ولممارسة هذا «العمل السياسي الراديكالي الحقيقي» يجب على الطلبة أن يقوموا بتحول جدّي: «فحركة طلاب من أجل مجتمع ديمقراطي، كمؤسسة، وكأعضاء، يجب عليهم أن يتوجهوا صوب الطبقة العاملة باعتبارها القطاع الاجتماعي الحاسم في تحقيق تحول المجتمع الأمريكي».
لقد كانت الأوضاع مختلفة بشكل كبير في 1966 عن اليوم كي نتحدث عن منظور جماهيري. فقد كانت الاتحادات مؤسسات رئيسية في الحياة الأمريكية الاقتصادية واليومية، حيث كان يطلق عليها «العمال الكبار». وكان التمرد الجماهيري بين عمال هائجين، في جميع أنحاء البلاد، يسبب قلقًا سياسيًا كبيرًا وأزمة للقادة المتنفذين في اتحادات التجارة الأمريكية.
وأمسكت مجلة الحياة LIFE بالوضع جيدًا عندما صدّرت غلافها بعنوان «حمى الإضراب»، مُظهرة صورة أحد المُضربين يصوّت بلا إصبعين. ويفصّل العرض الجانبي بقوله «قادة العمال في مأزق»، و«حرب عنيفة جديدة».
[لكن] على الرغم من الظروف الإيجابية، أخبرني كيم موودي مؤخرًا، المؤلف المشارك في TTWC، أن «ورقتنا نالت اهتمامًا ضئيلًا بينما كان الاهتمام الرئيسي هو التحول من قيادة (الحرس القديم) إلى (الجيل) الجديد الذي اجتاح الحركة. وكنا نأمل في أن نؤثر على بعض الشباب الأصغر سنًا المنضمين إليها».
ظهرت ورقة «نحو الطبقة العاملة» بعد المؤتمر فيNew Left Notes في عدد التاسع من سبتمبر عام 1966. وتم رفض الخطة في مقابل خطة كارل ديفيدسون، التي رمت إلى حركة نقابية طلابية جديدة تركز على الحُرُم الجامعية.
ومن وجهة نظر متأخرة زمنيًا، كان من الخطأ الظن أن تُحوّل الحركةُ نفسها كليةً في فترة قصيرة كهذه. فقد كان هناك أسباب باقية كي تنمو الحركة الطلابية، وخاصةً مع نمو الحركة المناهضة للحرب في الحُرُم الجامعية والتي كانت حركة طلاب من أجل مجتمع ديمقراطي في القلب منها.
ولكن لا يمكن للمرء إلا أن ينظر للوراء ويشعر أنها كانت فرصةً ضائعة. فهل عندما قامت المنظمات الشيوعية والاشتراكية المتعددة -التي نشأت من رحم اليسار الجديد بعد سنوات، في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات- بالتحول نحو تنظيم طبقة عمال المصانع، كان الأمر متأخرًا؟
إحياء النقاش
لقد أضعفت التغيرات المزعجة، خلال العقود الأربعة الأخيرة، التي مرت بها طبقة عمال المصانع، بشكل واضح، إن لم تكن قد دمّرت، الاتحادات الصناعية في أجزاء متعددة من الاقتصاد الصناعي الأمريكي، والتي كانت قوية فيما مضى. وبقي اليسار الذي حاول بناء الاتحادات الصناعية مهمشًا.
ومع ذلك، كان من آثار العمل السياسي الذي قام به الاشتراكيون العالميون قيام حركة إصلاحية بين سائقي الشاحنات في السبعينيات.
ولعب «سائقو الشاحنات من أجل اتحاد ديمقراطي TDU» دورًا رئيسيًا في انتخاب أول رئيس إصلاحي لسائقي الشاحنات في 1991، وإضراب «خدمة الطرود المتحدة» في 1997، والفوز بفارق ضئيل لرئيس سائقي الشاحنات الحالي جيمس هوفا.
واليوم، مرة أخرى، يناقش جيل جديد من الراديكاليين قضية القمع، والسلطة والتغيير الراديكالي. فكيف نقوم بنقاش مماثل لما قام به طلاب من أجل مجتمع ديمقراطي في 1966 ولكن بجمهور أوسع؟
يقوم الاقتصاد الصناعي الحديث اليوم على الصناعات اللوجستية. فكما كتب كيم موودي العام الماضي:
وإن صدقت أمازون Amazon في وعدها بزيادة عدد عمالها في الولايات المتحدة بمقدار مائة ألف عامل، سيصبح إجمالي عدد عمالها 200 ألف، لتصبح بذلك أحد أكبر أصحاب العمل في الولايات المتحدة، وأحد أكبر أصحاب العمل غير المرتبطة بالنقابات.
ويعد تعلم كيفية تنظيم أماكن العمل هذه جيلًا جديدًا من الأنشطة الاشتراكية الواجب تعلمها.
وقد بدأ هذا الجيل في الانتظام بالفعل. فهناك يسار جديد ينشأ في الولايات المتحدة. وتعد الملايين التي خرجت في المظاهرات الضخمة مرحبةً بالأسابيع الأولى لترامب في منصبه أكثر إشارةٍ واضحة على هذا الأمر، وكذلك النمو السريع للاشتراكيين الديمقراطيين من أجل أمريكا DSA، بجانب الاهتمام الواسع بالأفكار الاشتراكية العامة وتاريخها ومنظماتها.
يجب على الراديكاليين النشطين بكل هذا أن يستمدوا من كتاب موودي وإيبشتاينر وبفلاج ويوجهوا هذا النشاط نحو الطبقة العاملة.
وبالطبع، لا يجب علينا أن نستخف بالعقبات التي تواجهنا. فالمهمة جليلة: أن نقوم بخلق حركة اشتراكية جديدة، وحركة نقابية صناعية جديدة، تقريبًا من الصفر تمامًا. فنحن نحتاج إلى القيام بحملات تنشر الأفكار الاشتراكية وتنظم «العمال في» الصناعات اللوجستية في مدن محددة.