تتسم الديموقراطية الأمريكية بسمتين رئيسيتين هما: الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، بحيث لا يمكن للشخص الذي يتولى منصباً تنفيذياً أن يتولى منصباً تشريعياً أو قضائياً؛ والفيدرالية، أي تشكل الدولة من وحدات جغرافية تسمى «الولايات»، تملك، وخلافاً للتقسيمات الإدارية في الدول المركزية، بعض الصلاحيات المنفصلة عن صلاحيات الحكومة المركزية ككل.

في ظل هذا النظام الفيدرالي، لا ينتخب الأمريكيون الرئيس أو أعضاء الكونجرس بمجلسيه الشيوخ والنواب فقط، بل يمتد الأمر إلى انتخاب المسئولين العمومين الذين يصل عددهم لأكثر من 500 ألف مسئول، أي أكثر ممن يُنتخبون في أي ديمقراطية أخرى. فالأمريكيون ينتخبون التنفيذيين والمشرعين، وفي بعض الحالات القضاة، على المستوى الفيدرالي ومستوى الولاية والمستوى المحلي.

وعادة ما تتم هذه الانتخابات بوقت واحد، حيث يتم اختيار رئيس الجمهورية ونائبه وأعضاء مجلسي الشيوخ والنواب عن كل ولاية، إضافة إلى حاكم الولاية ذاتها ونائبه، وبعض المسئولين التنفيذين، وربما بعض القضاة على مستوى الولاية وعلى المستوى المحلي.

 لكن في ظل الأهمية التي يحظى بها منصب الرئيس، فالزخم الإعلامي الأكبر ينصب على الانتخابات الرئاسية، وكذلك هو الحال بالنسبة للأمريكيين ذاتهم، حيث يركز كثير منهم على الانتخابات الرئاسية، ويعير الانتخابات الأخرى للمناصب اهتمامًا أقل، ولا يصوت بعضهم إلا في انتخابات شغل المناصب العليا فيتركون الاختيارات الأخرى فارغة، ويمكن أن يصل حجم هذه الظاهرة إلى أكثر من 25% من المواطنين.

يتميز النظام الأمريكي أيضاً بصفة أخرى وهي الثبات والاستقرار، فبمجرد انتخاب المسئول أياً كان تنفيذياً أو تشريعياً، يجب أن يشغل مدته كاملة، ولا يملك جمهور الناخبين الفرصة للتعبير عن آرائهم ريثما تنتهي المدة المحددة، الأمر الذي يعني عدم إمكانية إسقاط حكومة أمريكية نتيجة فشلها في الاستجابة لأزمة ما. فإذا مات رئيس أثناء ولايته (أو استقال كما في حالة الرئيس ريتشارد نيكسون)، يخلفه نائب الرئيس طوال المدة المتبقية من ولايته، لكن لا يُجرى انتخاب جديد حتى التاريخ التالي المقرر دورياً.

وتجلى هذا في خضم الحرب العالمية الثانية عقب وفاة الرئيس فرانكلين روزفلت في أبريل/نيسان 1945، حينها خلفه نائبه هاري إسترومان، وقاد المجهود الحربي وفترة ما بعد الحرب دون مواجهة جمهور الناخبين، وذلك حتى نوفمبر/تشرين الثاني 1948.

المجمع الانتخابي

يتميز النظام الأمريكي بأنه ثنائي الحزبية، حيث يهيمن عليه حزبان: الحزب الديموقراطي، والحزب الجهوري. لهذين الحزبين دور كبير في الانتخابات الرئاسية، حيث يقوم كل منهما باختيار مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية، عبر انتخابات تمهيدية داخل الحزب نفسه، ثم الانتخابات العامة التي تجري بين المتنافسين من الحزبين.

ورغم أن الانتخابات الرئاسية تُجرى بنظام الاقتراع المباشر عبر إدلاء الناخبين بأصواتهم في مراكز الاقتراع، لكن هذا لا يعني انتخابهم الرئيس مباشرة، فالمرشح الذي يحصل على أكبر عدد من أصوات الناخبين لن يكون بالضرورة الرئيس القادم، وسيظل مصيره رهناً بيد مجموعة تسمى المجمع الانتخابي (Electoral College).

يتكون هذا المجمع من 538 مندوباً، ترشحهم كل ولاية، ليصبحوا ممثلين لها، ويتم اختيار هؤلاء المندوبين الممثلين إما عن طريق التصويت الشعبي عبر وضعهم على ورقة الاقتراع‎، أو المؤتمرات العامة للأحزاب في الولاية، أو من خلال الكونجرس المحلي لكل ولاية.

داخل هذا المجمع، يُخصص لكل ولاية لها عدد من أصوات المندوبين يساوي عدد نوابها مضافاً إليه عدد شيوخها، وهما شيخان في كل الأحوال. لكن مقاطعة كولومبيا التي توجد بها العاصمة واشنطن، تمثل استثناء بين ذلك، حيث تمثل بـ3 أعضاء داخل المجمع.

وبهذا النظام الانتخابي، فالولاية تعتبر دائرة انتخابية واحدة، ويحصل الفائز بها على كل شيء، فإن حصل على أغلبية أصوات الناخبين في إحدى الولايات، يحصل على جميع أصوات أعضاء المجمع الانتخابي الممثلين لهذه الولاية بغض النظر عن نسبة الأصوات الشعبية التي حصل عليها في تلك الولاية.

 فإن حصل أحد المرشحين على أغلبية بسيطة في ولاية كاليفورنيا على سبيل المثال، فإنه يفوز بجميع أصوات المجمع الانتخابي للولاية البالغ عددها 55. ويستثنى من هذا النظام ولايتا نبراسكا وماين، اللتان تطبقان نظاماً نسبياً، بحيث يحصل كل مرشح على عدد من أصوات أعضاء المجمع الانتخابي يتناسب مع نسبة ما حصل عليه من أصوات الناخبين.

لكن إن حدث، ولم يفز أحد المرشحين لمنصب الرئيس على أغلبية أصوات المندوبين بالمجمع الانتخابي، يُناط بمجلس النواب انتخاب الرئيس من بين المتسابقين الثلاثة الأعلى أصواتاً، على أن يكون لكل ولاية صوت واحد وبشرط الحصول على أغلبية أصوات الولايات للفوز، وفي هذه الحالة يُعهد إلى مجلس الشيوخ انتخاب نائب الرئيس. أما إذا لم يستطع مجلس النواب اختيار الرئيس قبل حلول موعد التنصيب، وهو 20 يناير/كانون الثاني، يقوم نائب الرئيس بتصريف شئون البلاد حتى تمام الأمر.

الاستثمار في ولايات الحسم

نتج عن نظام المجمع الانتخاب عدد من الاعتبارات الاستراتيجية التي جاء في مقدمتها عدم إيلاء المرشحين للرئاسة الاهتمام الكافي لأصوات الناخبين، وتوجيهه بشكل أكبر نحو أصوات المندوبين بالمجمع، حيث يحتاج الفائز بمنصب الرئيس إلى الحصول على 270 صوتاً من أصوات المجمع أو الرقم السحري كما يطلق عليه، والذي يمثل نصف العدد الكلي للمندوبين +1.

في سبيل الوصول لهذا الرقم، عادة ما تبدأ حملات المرشحين بقاعدتهم الانتخابية، أي الولايات التي يعرفون أنهم سيفوزون بها وهي ولايات نيو إنجلاند ونيويورك وكاليفورنيا بالنسبة للديمقراطيين، وولايات الوسط ومعظم الجنوب بالنسبة للجمهوريين، ولا تتطلب الحملة الانتخابية بهذه الولايات سوى قليل من الجهد. ولا يجب على أي من الطرفين الاستثمار أو بذل جهد في القاعدة الانتخابية الخاصة بالطرف الآخر، لأنه لن يحرز أي تقدم، فالنتيجة بهذه القواعد مقررة سلفاً.

أما خارج هذه الولايات، تبدأ المنافسة الحقيقية بين الجمهوريين والديموقراطيين، وتسير الحملات الانتخابية بها على مساريين متوازيين. فإذا كثف الديمقراطيون حملاتهم في ولاية نيوهامشير على سبيل المثال، يلجأ الجمهوريون إلى الموازنة وحساب ثقل الولاية وكم تستحق منهم الدفاع عنها، وهل سيتمكنون من الفوز بها أم لا؟ وإذا حاول الجمهوريون الفوز بالأغلبية في وست فيرجينيا (مثالاً)، فكيف سيستجيب الديمقراطيون؟

وهكذا تُراجع القرارات على مدار الحملة الانتخابية، ويستطلع كلا المعسكرين الآراء في الولايات المحورية، فإذا جاءت نتائج الاستطلاعات متقاربة، استثمروا المزيد من الموارد، وإذا كانوا متقدمين أو متأخرين فإنهم يكيفون أفعالهم وفقاً لذلك.

وكما سبقت الإشارة، جاءت هذه الاستراتيجية نتيجة لنظام المجمع الانتخابي الذي لو لم يكن معمولًا به، لاختلفت استراتيجيات المرشحين، الذين كانوا سيركزون على مناطق قوتهم، نظراً لأن إقبال الأنصار على التصويت سيكون كبيراً ومؤثراً. وعلى العكس من النظام الحالي، ما كان للمرشحين أن يركزا على الولايات التي يُرجح أن تكون نتائج التصويت فيها متقاربة (تشكل عادة 15 ولاية) خشية اجتذاب أنصار خصومهم إلى صناديق الاقتراع.

ديمقراطية بعيدة عن الكمال

رغم التباهي بالعملية الانتخابية والديموقراطية الأمريكية من جانب الأمريكيين أنفسهم أو غيرهم من الشعوب، لكن واقع الحال يشير إلى أن تلك الديموقراطية تعتريها اختلالات وثغرات تجعلها بعيدة عن الكمال.

المحاباة

فالنظام الحالي يحابي الولايات التي يحتمل أن تكون فيها نتيجة الانتخابات متقاربة، حيث يركز المرشحون للرئاسة على تلك الولايات التي من شأنها حسم النتيجة النهائية. وتلك المحاباة، قد تمتد إلى الرؤساء الفعليين الذين ينشدون الدعم وإعادة انتخابهم في تلك الولايات بتوجيه إجراءات تصب في مصلحتهم وهم في سدة الحكم.

مستوى المشاركة

رغم الزخم الكبير الذي تلقاه الانتخابات الرئاسية الأمريكية محلياً ودولياً، لكن هذا الزخم لا ينعكس على نسبة المشاركة المنخفضة من جانب المواطنين، والتي هي أقل كثيراً من نظيرتها من الدول الغربية، حيث يصل متوسط الإقبال في الدانمارك وألمانيا في الانتخابات التشريعية نحو 90%، وفي بولندا وسويسرا تقترب تلك النسبة من 50%، أما في أمريكا فعادة ما تتراوح بين 35 و40%، وهو أمر يرجع في أحد جوانبه إلى نظام الأغلبية الذي عادة ما يحقق معدلات مشاركة أقل مقارنة بنظام التمثيل النسبي.

غياب المنافسة

النظام الانتخابي الأمريكي شديد التنافسية من جوانب معينة، ويفتقدها في جوانب أخرى، فإذا نظرنا إلى ذلك النظام من منظور عام نجده يتمتع بقدر كبير من التنافسية، حيث يتنافس الحزبان الرئيسيان على مختلف الولايات الأمريكية، لكن على أرض الواقع، فالمنافسة الحقيقية مقتصرة إلى حد كبير على الولايات المتقاربة في الأصوات (15 ولاية تقريباً) والتي لا تدخل ضمن القاعدة الانتخابية لأي من الحزبين وبالتالي مرشحيهما للرئاسة، أما الولايات الـ35 الأخرى والتي تدخل ضمن القاعدة الانتخابية للحزبين فعادة ما تكون النتيجة شبه معروفة مسبقاً.

**المقال قراءة في كتاب «الانتخابات والأحزاب السياسية الأمريكية: مقدمة قصيرة جدًا»، إل ساندل مايسل (2007)، ترجمة: خالد غريب علي، مراجعة: محمد فتحي خضر، مؤسسة هنداوي (2013).