القواعد الأمريكية في الخليج العربي: احتلال أم حماية؟
في العام 2004 كتب تشالمرز جونسون -الباحث العلمي والمستشار السابق لوكالة المخابرات المركزية– أنّه بعكس باقي شعوب العالم فإن الشعب الأمريكي لا يدرك – أو بمعنى أدق لا يريد أن يدرك– أن الولايات المُتحدة تُهيمن على العالم من خلال قوتها العسكرية، لا من خلال الدبلوماسية، وأن القواعد العسكرية الأمريكيّة تُطوّق كوكب الأرض بكامله.وعلى الرغم من عدم وجود قواعد عسكرية لدول أجنبيّة على الأراضي الأمريكيّة، فإنّ الولايات المُتحدة تمتلك أكثر من 800 قاعدة عسكرية في مختلف بلدان العالم، منها 174 في ألمانيا وحدها، رغم مرور 70 عامًا على الحرب العالمية الثانية، ومنها 113 في اليابان، و83 في كوريا الجنوبيّة، رغم مرور 62 عامًا على الحرب الكوريّة، و106 قواعد في العراق طبقًا لإحصائيات دولية. ويكفيك أن تعلم أن الإمبراطورية الرومانية في أوج قوتها كانت تمتلك حوالي 37 قاعدة عكسرية فقط، وأنّ إمبراطورية بريطانيا العظمى التي لا تغيب عنها الشمس كانت تمتلك ما يُقارب الـ 36 قاعدة فقط هي الأخرى.تتابين تلك القواعد في أحجامها وأشكالها، فمنها ما يبلغ حجم مدينة صغيرة، وتُعرف بـ «أمريكا المُصغرّة» كقاعدة رامشتاين الجويّة في ألمانيا، وتحتوى تلك القواعد على البُنى التحتية للمدن الحقيقية كالمدارس، المستشفيات، محطات الطاقة، المُجمعات السكنية، بالإضافة إلى المرافق الترفيهية كصالات البولينج ومحلات «البرجر» الأمريكيّة الشهيرة. ومنها ما هو صغيرٌ جدًا كسلسلة قواعد «Lily Pad»، والتي تُمثل مهبطًا للطائرات بدون طيار وطائرات الاستطلاع، ويكثر وجودها في أفريقيا وأوروبا الشرقية، حيث يميل التمثيل الأمريكيّ إلى الحذر في الحضور.
ما وراء القواعد العسكرية الأمريكية في الخليج
تنوعت ا لأهداف المُعلنة من الولايات المُتحدة حول أسباب وجود قواعدها العسكرية، لكن اللافت في هذا التنوع أنه كان متغيرًا بتغير الزمن والأحداث؛ فحين بدأت فكرة القواعد العسكرية تداعب الخيال الأمريكي كان مبرر الإدراة الأمريكية هو إنشاء قوةٍ عسكرية قادرة على مُجابهة قوة الاتحاد السوفيتي، ولم يكن الاتحاد السوفيتي هو الستار للإدراة الأمريكيّة لإنشاء قواعدها فحسب، بل كان السبب وراء عدم انتباه المعارضين لفكرة الوجود العسكري لضخامة ما تبنيه الولايات المتحدة في دول العالم. وكان أيضًا السبب وراء سكوت دافعي الضرائب عن ذهاب أموالهم لبناء قواعد عسكرية لا يؤمنون بجدواها. ولكن بعد زوال الاتحاد السوفيتي أصبحت الإدراة الأمريكية مكشوفة؛ و أُثيرت التساؤلات في الداخل الأمريكي عن هذه القواعد وجدواها؛ حيث يُكلف الاحتفاظ بتلك القواعد دافعي الضرائب ما يُقارب 156 مليار دولار سنويًا. وتسكينًا للتساؤلات بدأت الولايات المُتحدة بالزج باسم القاعدة، ومُكافحة الإرهاب، وحديثًا انضم مصطلح «مواجهة داعش» إلى مُبررات وجود تلك القواعد.إلا أنّ تمدد القواعد جهة الخليج العربي زاد من الشكوك داخليًا وخارجيًا حول حقيقة أن تلك القواعد كانت من أجل مُجابهة الاتحاد السوفيتي، أو لردع الإرهاب فقط. وبالنظر إلى الوراء قليلًا، ما قبل القاعدة وداعش، نجد أن الرئيس الأمريكيّ جيمي كارتر في عام 1980 قد أرسى عقيدة كارتر؛ حيث أكدّ أن الولايات المُتحدة سوف تعمل على ضمان النفط والغاز الطبيعي الموجود في منطقة الشرق الأوسط بأي وسيلةٍ مُمكنة بما في ذلك القوة العسكرية.وجاءت حرب الخليج الأولى عام 1991 لتشهد نقلةً نوعيةً في الوجود العسكريّ الأمريكيّ في المنطقة، حيث عملت الولايات المُتحدة على إنزال مئات الآلاف من الجنود في السعودية والدول المُجاورة، ولكن بعد انتهاء الحرب لم يعد العديد من هؤلاء الجنود إلى أوطانهم، وذلك وفقًا لما ورد في كتاب لـ دايفيد فين «أمة القواعد، كيف تضر القواعد الأمريكية الولايات المتحدة».مما يقودنا إلى التوزيع الحالي للقوات الأمريكيّة في منطقة الخليج العربي، وبالأخص دول الأزمة الأخيرة؛ إذ بعد اشتعال الأزمة الأخيرة تعلقت قلوب العديدين بأستار البيت الأبيض مُترقبين إلى أي كفةٍ يميل. ليس لكون الولايات المُتحدة هي أستاذ العالم الحالي أحادي القطب، بل لسبب أكثر وجاهة، وهو الوجود العسكري المتمثل في القواعد الكثيرة الموجودة في جميع الدول المُشتركة في الأزمة، فقد تكون القاعدة الأمريكيّة هي الدرع الحامية، ولكنّها كذلك قد تكون مركز الزلزال!
قطر والقاعدة الأمريكية الأكبر
أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ووزير الخارجية الأمريكي السابق، جون كيري
بدأ التعاون القطري-الأمريكي في العام 1991 بعد فترةٍ وجيزةٍ من حرب الخليج الأولى، حيث وقّعت الولايات المتحدة وقطر اتفاقًا للتعاون فى مجال الدفاع. أصبح من حق الولايات المُتحدة بموجب هذا الاتفاق إنشاء قاعدة عمليات عسكرية فى قطر. وكان من نتائج تلك الاتفاقيّة، بالإضافة إلى القاعدتيّن التالي ذكرُهما، معسكر سنوبي،والطريف أن سنوبي ليس سوى شخصية كرتونية أمريكية تمثل كلبًا أبيض، يقوم بمُغامراتٍ طريفةٍ.لكن المُعسكر لم يدم طويلًا وتم إغلاقه، ولم يدم إغلاقُه فترةً طويلةً كذلك وأُعيد فتحه في عام 1996. ثم شهد عام 2000 توسعاتٍ شارك فيها أعضاء الحرس الوطنيّ بولايتي بنسلفانيا وأوهايو وأفرادٌ من مشاة البحرية الأمريكية الذين شيدوا 15 مشروعًا أمنيًا، شمل مرافق ترفيهيةً، ومرافق صيانة للطائرات. كان المعسكر مُعدًا لاستيعاب لوائين مدرعين، مع كتيبة مشاة ميكانيكية، أُغْلِق المعسكر عام 2004 وتوزيع مهامه العسكرية على قاعدتي العديد والسيلية.تضم قطر أكبر قاعدتين في الشرق الأوسط، أولهما قاعدة العديد التي تبعد 20 ميلًا فقط عن العاصمة الدوحة، وبها ما يُقارب 11 ألف جندي أمريكي. والقاعدة بها أطول مُدرج في الخليج العربي، والبالغ طوله 12.500 قدم، والقادر على استيعاب 120 طائرة، وتضم القاعدة أكثر من 1000 قاذفة ومقاتلة وطائرات استطلاع، كما تحتوي القاعدة على سرب طائرات F -16.ووفقًا لورقةٍ بحثيةٍ رعاها الكونجرس وقام بها المُتخصص في الشرق الأوسط كريستوفر بلانشار، فقطر قد استثمرت حوالي مليار دولار من نفقتها الخاصة في التسعينيات لبناء قاعدةٍ جوية؛ مما عَمّق من التعاون مع القوات العسكرية الأمريكيّة. وطبقًا لما ذكرته قيادة القوات الجويّة في القاعدة، فإن تلك القاعدة تُشرف على الضربات الجوية الأمريكيّة في أفغانستان، سوريا، العراق، و18 دولةً أخرى. ووصفت القيادةُ الجويةُ القاعدةَ بـ«المركز العصبي» للحملات الجويّة في جميع أنحاء المنطقة.والقاعدة الثانيّة هي قاعدة السيلية؛ وأُنشئت القاعدة في عام 1995، وتقع هذه القاعدة خارج العاصمة القطرية الدوحة على بُعد 30 كم، وجرى تطويرها لاستضافة قيادة الجيش الثالث الأمريكي والقيادة المركزية الأمريكية. وتُقدر كُلفة بناء تلك القاعدة بـ 110 ملايين دولار، وتحوي 150 دبابة «إم 1 إبرامز» وكذلك 116 مدرعة «إم 2 برادلي» بالإضافة إلى 112 ناقلة جنود ومشاة مختلفة الطراز. وتبلغ مساحة القاعدة الإجمالية 1.6 مليون قدم مربعة، وبها طرق يصل طولها إلى أكثر من 10 كيلومترات.وتحتوى قطر كذلك على مخازن الكرعانة، وهى منبعُ تسليح القوات الأمريكية الموجودة في كل القواعد العسكرية الأمريكيّة في قطر؛ حيث تخزن الولايات المتحدة الألغام والقذائف المضادة للأفراد فيها، وتحتوي هذه المخازن على ما يقرب من 614 قاذفًا من طراز آدام، وتشمل كل منها 7776 لغمًا مضادًا للأفراد.ولكل ما سبق ذكره؛ أصبحت القواعد الأمريكية في قطر أكبر قواعد أمريكية خارج حدودها في جميع أنحاء العالم، وأكثرها حيويةً. ولعل حيوية هذه القواعد ومركزيّتها بالنسبة للبنتاجون هما السبب وراء تصريحات البنتاجون المُتحفظة بشأن الأزمة الخليجيّة الأخيرة، وعدم انسياقه وراء جنون ترامب في إشعال الأزمة أكثر وأكثر. فكما صرّح المقدم داميين بيكارد، المتحدث باسم القوات الجوية التابعة للقيادة المركزية العسكرية للولايات المتحدة، وذكر أنّ الولايات المُتحدة ممتنةٌ للدوحة لدعمها للوجود العسكريّ طويل الأمد في قطر، والتزامها الثابت بتعهداتها تجاه الأمن الإقليمي.
السعودية وضرب العراق
تُعد المملكة العربية السعودية من أهم الحلفاء الاستراتيجيين للولايات المُتحدة؛ فمنذ عام 1990 كانت المملكة السعوديّة قد بدأت باستضافة عددٍ من القواعد العسكريّة شبه الدائمة، وحين حدثت هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، كان للقيادة المركزيّة الأمريكيّة 13 مرفقًا خاصًا بها، بالإضافة إلى حقها باستخدام 66 مرفقًا تابعًا للقوات المسلحة السعودية. تُجدر الإشارة إلى أنّه على الرغم من الحديث المعلن عن رفض المملكة السعودية انطلاق الضربات الأمريكية للعراق من أراضيها، فإن تقارير تؤكد أن المملكة تكفلت بأكثر من خمسين بالمائة من العمليات اللوجيستية غير القتالية ضد العراق بشكل سري، وسمحت السعودية للطائرات الأمريكية بحرية الحركة في أجوائها، كما سُمح لقوات العمليات الخاصة الأمريكية وغيرها أن تنطلق من الجوف في شمال السعودية باتجاه العراق.في مشهدٍ دراميّ قد يُخيّل للناظر أنّ السعودية لم تعد سوى مرتعًا للقوات الأمريكيّة، ونظرًا لكثرة وتنوع أحجام الوجود الأمريكيّ في المملكة السعوديّة، سوف نكتفي بإيراد المحطات الرئيسيّة لهذا الوجود. أولًا: مدينة الملك خالد العسكرية، وهي أكبر المدن العسكرية في البلاد ومن أكبر المدن العسكرية في العالم، بلغت تكلفة إنشائها 18 مليار ريال، وتستوعب 50 ألف نسمة، ومساحتها 2400 كم مربع، تضم مقرًا لأركان القوات المسلحة البحرية، الجوية والبرية، غرف عمليات تحت الأرض، مركزًا للقيادة العامة، مدرسةً لسلاح الهندسة، وتحميها أنظمة صواريخ وأسراب عدة من الطائرات، وكانت هذه القاعدة هي مركز القوات الأمريكية في مواجهتها للقوات العراقية وإخراجها من الكويت.ثانيًا: قاعدة الملك عبد العزيز الجوية بالظهران، ويُمكن وصفها بالقاعدة الأم لجميع القواعد الأمريكية في الشرق، وحلقة الوصل الأساسيّة بين القواعد الأمريكية في أوروبا وغرب آسيا، وقد أنشأها الجيش الأمريكي باتفاقٍ مع الملك عبد العزيز بن سعود ضمن شروطٍ بين الطرفين، أبرزها تعهد أمريكا بحماية النظام السعودي من أي تهديد داخلي أو خارجي. ولم تزل القاعدة منطلق الطائرات الحربية الأمريكية.ثالثًا: قاعدة الأمير سلطان الجوية المُشتركة في الخرج، وهي مقر القوات الجوية الأمريكية، البريطانية والفرنسية الآن. ولكّنها كانت في الأصل لإيواء الطائرات الأمريكية القادمة من عُمان والولايات المتحدة، حتى طُوِّرت ووُسِّعت لاستقرار القوات الجوية الأمريكية والبريطانية والفرنسية.رابعًا: قاعدة الرياض الجوية في مدينة الرياض: للطائرات الأمريكية والبريطانية والفرنسية والطائرات المحلية، وكذلك لطائرات التزود بالوقود، وطائرات الأواكس، وطائرات النقل، ومن هذه القاعدة كانت تنطلق صواريخ باتريوت أثناء حرب الخليج الثانية.واللافت في الشأن السعودي ليس ضخامة القواعد العسكرية ولا بناءها المُرفّه المُحكم، بل المُثير أنّ الممكلة أخضعت مطاراتها المدنية الواحد والعشرين المنتشرة في البلاد للاستخدام العسكري، حيث أضافت لها مدارج جديدة وعدلت أطوال بعض المدارج القديمة لتصبح صالحة لاستقبال طائرات النقل العملاقة سي 5، وأنشأت أعدادًا كبيرة من المهابط الإضافية في المنطقة الشرقية وفي مدينة الملك خالد العسكرية. بل قَسَّمت المطارات وخصصت لكل واحدٍ منها مهمة مُحددة، على سبيل المثال:
- مطار جدة ـ لطائرات التزود بالوقود الأمريكية التي تأتي إلى المنطقة مباشرةً من قواعدها الأمريكية من ديجو جارسيا في المحيط الهندي، ومن مورون في إسبانيا، ومن بريطانيا.
- مطار الملك فهد بالدمام ـ تحوّل إلى قاعدةٍ للقوات الأمريكية المتجهة من الموانئ والمطارات الشرقية إلى حفر الباطن.
- مطار القيصومة ـ للطائرات الأمريكية المُضادة للدبابات من نوع A-10.
- أُعِدَّت مهابط ترابية لطائرات C-130 في الصحراء لإسناد القوات الأمريكية والغربية أثناء الحرب البرية في عاصفة الصحراء.
الإمارات إذ تسعى للتفوق على جارتها قطر
وقعت الإمارات اتفاقية التعاون العسكري والدفاع المُشترك مع الولايات المُتحدة عام 1994، وبمُوجب هذه الاتفاقية حصلت الولايات المُتحدة على تسهيلاتٍ بخصوص إنشاء قواعد عسكريّة -بحرية بالأخص- في ميناء زايد، جبل علي، دبي، والفجيرة ﻗﺎﻋدة اﻟظﻔرة الجوية؛ وتضم اﻟﻔرﻗﺔ الجوية الأمريكية رﻗم 380، وتحتوي على منصات انطلاق لطائرات استطلاع يو-2، وطائرات إﻋﺎدة اﻟﺘزود بالوقود وتنتشر أيضًا طائرات أمريكية من نوع جلوبال هوك وطائرات الأواكس، وحسب التقديرات تصل القوات الأمريكية في قاعدة الظفرة الجوية إلى 5000 فرد من القوات الأمريكية، كما يوجد في ميناء جبل علي سفينة حربية كبيرة، بالإضافة إلى أن ميناء وليد ورشيد مُستعدان لاستقبال السفن الأمريكية. المُميز في تلك القاعدة –وفق تقرير لواشنطن بوست– أنّها القاعدة الوحيدة في العالم التي يوجد بها مُقاتلات إف-22. وسبب تميّز الإمارات بتلك الأسلحة المُتقدمة، كما يذكر يوسف العتيبة سفير الإمارات لدى الولايات المُتحدة، أنّ الإمارات مُختلفة عن جيرانها. يشرح أنطوني زيني -القائد السابق للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط- هذا الاختلاف بقوله إن الإمارات مستعدةٌ لإرسال جنودها لأخطر المناطق من أجل إبهار الولايات المتحدة. ويصدق ذلك إرسال الإمارات العربية ست مقاتلات إف-16 لدعم عمليات الناتو في أفغانستان. ونشر القوات الإماراتية في قندهار بينما كانت القوات الأوروبية تخفف من وجودها هناك.
البحرين
قاعدة الجفير؛ تم إنشاؤها عام 1997، تقع جنوب شرق العاصمة البحرينية المنامة. وتضم مركز القيادة البحرية للأسطول الخامس الأمريكي. وتستخدم أمريكا القاعدة للتدريبات البحرية والدعم اللوجيستي. وسبق أن استخدمتها عام 2003 في غزوها للعراق.يتكوّن الأسطول الخامس الموجود في القاعدة من 4200 جندي أمريكيّ، ويضم حاملة طائرات أمريكية وعددًا من الغواصات الهجومية والمدمرات البحرية وأكثر من 70 مقاتلة، إضافة لقاذفات القنابل والمقاتلات التكتيكية وطائرات التزود بالوقود المتمركزة بقاعدة الشيخ عيسى الجوية.قاعدة الشيخ عيسى الجوية؛ أُنْشِئت عام 1988، تقع في جنوب البحرين، اسْتُخْدِمت في الحرب على أفغانستان. كما أنشأت القوة الجوية الأمريكية عام 2009 مخيمًا للدعم الجوي داخل القاعدة. والتي تضم جنبًا إلى جنب مع الوجود الأمريكيّ الجناحَ المُقاتل لسلاح الجو الملكيّ البحريني.هل هو احتلال بمباركة وطنية؟
ألا تُثير تلك القواعد المهولة والأسلحة المتطورة الموجودة في عقر الدول وفي عواصمها شُبهة الاحتلال في نفوس الحكام والمواطنين؟ يحق لنا أن نسأل لماذا ترغب الدول – دول الخليج خاصةً- في احتضان هذا العدد الضخم من القواعد العسكرية. وكيف تقنع الدول شعوبها باستضافتها لقوات «الشيطان الأكبر»؟أما الإجابة عن السؤال الأول: فلعدة أسباب، منها أن دول الخليج متصالحة مع فكرة أنّها لا تستطيع الدفاع عن نفسها بمفردها؛ ولذا فهي بحاجةٍ إلى قوة أكبر تحتمي خلفها إذا دعت الحاجة. هذا بجانب أن العنصر البشري في تلك الدول ضعيف وغير قادر على استخدام تلك الأسلحة المهولة التي تشتريها دول الخليج، مثل ما حدث مع السعودية في حرب اليمن، حيث تكبدت خسائر فادحة بسبب عدم قدرة جنودها على التحكم في الآلات الحربية، ونقص خبرتهم العسكرية، إذ عانت المملكة من خسائر بشرية تمثلت في مقتل 2326 جنديًا و36 ضابطًا و22 جنرالًا من الرًتب العليا، في الحرب مع عصابات الحوثي!يوسف العتيبة-السفير الإمارتي لدى واشنطن
ولعل ما يكسبه وجود القاعدة الأمريكية للدولة المضيفة من تفوقٍ في القوى على جيرانها، ومن قدرة تفاوضيّة أعلى، هو السبب وراء سعي الإمارات الحثيث من أجل إقناع الولايات المُتحدة بنقل قاعدة العديد من قطر إلى الإمارات، أو كما ذكر يوسف العتيبة، إن لم يكن إلى الإمارات فلتُفكك القاعدة وتُوَزَّع على عدد من الدول بدلًا من قطر وحدها. وأكد أن البنية التحتية جاهزة في الإمارات لاستقبال القاعدة بأكلمها.وفي بعض الحالات يكون وجود القوات الأمريكية أكبر من إرادة الدولة المُضيفة؛ حيث حطت عليها القوات الأمريكية في فترة ضعفها وقلة خبرتها العسكرية كحالة السعودية، التي تلقفتها يد الولايات المتحدة في بداية ظهور النفط، حين كانت السعودية أضعف وأفقر من أن تبدي رأيها في الوجود الأمريكي. وقد لعبت الولايات المتحدة جيدًا على وتر رغبات صدام حسين التوسعية، والتي تُرجمت بالفعل في غزو الكويت، واستطاعت إقناع دول الخليج أنّ وجود قواعدها هو الخيار الآمن لكي لا تلقى تلك الدول مصير الكويت.أما السؤال الثاني: كيف تقنع الدول شعوبها؟فالحقيقة أن الدول لا تقنع شعوبها بشيء. فالدول إما تختار السكوت عن القواعد وتغليفها بالسرية، وإمّا تختار تجنب الحديث عن الأمر مع شعوبها. وحين يصل الأمر إلى مفترق طرقٍ كما حدث مع السعودية في غزو العراق فإن الدولة تختار الكذب.ففي تلك الحالة تحديدًا، أعلنت السعودية رفضها القاطع لاستخدام القواعد العسكرية الأمريكيّة مُنطلقًا لدّك العراق. ولم يأت هذا الرفض المعلن وقتها على لسان وزير الخارجية سعود الفيصل ونائب وزير الدفاع عبدالرحمن بن عبدالعزيز فحسب، بل ورد على لسان ملك السعودية، حيث أكد أن السعودية لن تشارك في حرب العراق، وأنّ الشغل الشاغل للمملكة هو وحدة العراق وسلامة أراضيه.وعللت السعودية موقفها بخوفها من ردود الفعل المحليّة الغاضبة إذا استخدمت الولايات المتحدة أراضيها لقصف دولة عربية مسلمة أخرى. لكن كما أوردنا في سابق المقال، بأن القواعد الموجودة بالسعودية كانت رأس الحربة في الحرب على العراق.وفي كل الأحوال، فكما ذكر جورج أوريل في روايته 1984؛ فإنّ الشعوب قادرة على أن تقتنع بالأمر ونقيضه في آن واحد. فحكام الخليج يقنعون شعوبهم السنيّة العربيّة أن أمريكا هي الشيطان الاكبر الذي يهدف إلى السيطرة على مقدرات أي دولة، وأنهم إذا دخلوا أي دولة أفسدوها، وجعلوا عزّها ذُلًا. وفي الوقت نفسه يُقنعونهم أن الوجود الأمريكي هو ما يحمي بلادهم من أطماع جيرانهم.