شبح أمازون: كيف تدمر التجارة الإلكترونية حياة الناس؟
في أواخر عام 2018، ظهر للعيان تقارير تفيد بأن مسئولي مدينة نيويورك بمن فيهم حاكم الولاية ذاته «أندرو كومو» يضغطون بقوة لاستضافة مقر رئيسي ثانٍ لعملاق البيع بالتجزئة «أمازون» في مدينتهم. مقر كهذا كفيل بخلق آلاف الوظائف وجذب الاستثمارات للمدينة.
لكن هذه الأخبار لم تكن جيدة بالنسبة لسكان المدينة، بل أثارت رد فعل شعبي غاضب، خاصة عندما ترددت أخبار أخرى عن نية نيويورك تقديم ثلاثة مليارات دولار من الحوافز والإعلانات الممولة من القطاع العام إلى أمازون.
حاربت «أوكاسيو كورتيز» النائبة في الكونجرس الأمريكي، تلك الفكرة وكانت خصمًا صريحًا لها. لم تكن وحدها، بل دعمها في ذلك العديد من الموظفين العموميين والمشرعين والمقيمين في «كوينز» التي كان من المقرر أن يُقام على أرضها ذلك المقر. علاوة على الحملات التي دشنها شباب أمريكي على وسائل التواصل الاجتماعي، رفضًا لتلك الخطط تحت هاشتاج noAmazonNYC#.
في النهاية سحب مجلس المدينة قرار الترحيب بإنشاء أمازون فرعًا ثانيًا لها في نيويورك، وفي فبراير/شباط 2019، رضخت أمازون للرفض الشعبي، وأعلنت أنها لم تعد تخطط لذلك.
ضحايا التجارة الإلكترونية
للتجارة الإلكترونية وجهٌ آخر رغم مميزاتها العديدة التي انعكس صداها على المستهلكين، فجعلت حياتهم أكثر سهولة ويسرًا. وذلك نظرًا لتأثيرها المباشر والسلبي على الأعمال المحلية، كأصحاب الشركات والمتاجر الصغيرة.
ظهرت أوبر كحل بديل وأكثر رحمة للمستهلكين عن الوقوف بالساعات في انتظار سيارات أجرة فارغة لإيصالهم إلى الوجهة التي أرادوها، كل ما يحتاجه الناس أن يمتلكوا هاتفًا ذكيًا وتطبيق أوبر، وبضغطة زر واحدة تصل السياراة إليهم حيثما كانوا.
انتشار أوبر في جميع أنحاء العالم انعكس سلبيًا على سائقي سيارات الأجرة التقليدية الذين لم يجدوا لأنفسهم مكانًا وسط ذلك العالم التكنولوجي. فباتت سياراتهم تصطف خلف بعضها في شكل بائس بانتظار من يركبها، مما اضطر بعضهم لترك المهنة تمامًا.
وفي محاولة منهم لتحسين أوضاعهم عمدوا لتكوين جمعيات ورابطات لحماية حقوقهم والبحث في أحوالهم. وبالفعل خرج العديد من تلك الجمعيات في دول كثيرة كإيران وبريطانيا وتركيا وإندونيسيا، ومؤخرًا مصر، إلى إنشاء تطبيقات تحاكي فيها تطبيق أوبر.
بيد أن محاولات الكيانات الصغيرة لمحاكاة الأساليب التكنولوجية للشركات العملاقة لا تنجح بسهولة، بل عادة ما يواجهها الكثير من العقبات أثناء مرحلة التنفيذ. وعلى رأسها عدم قدرة الشركات والجمعيات الصغيرة على تخصيص مبلغ ضخم لعمل حملة تسويقية لتطبيقها أو موقعها الجديد.
شركات البيع بالتجزئة والمتاجر الصغيرة
وفقًا لدراسة دراسة «إتش آر سي» الاستشارية للبيع بالتجزئة، انخفضت أرباح الشركات الصغيرة بنسبة وصلت إلى 25%، وذلك نتيجة لتراجع المبيعات داخل متاجرها لحساب المبيعات عبر الإنترنت.
ووفقًا لتقرير لمحطة «سي إن إن» فقد أغلق في 2017 ثلاثة أضعاف عدد المتاجر التي أغلقت في 2016. وبحسب تحليل لفونج العالمية للتقنية وتجارة التجزئة كان هناك نحو 7000 إعلان عن متاجر قررت الإغلاق، بخلاف 662 متجرًا أشهروا إفلاسهم.
وخلال عام 2018 اضطر الكثير من المتاجر إلى الإغلاق، كمجوعة آن تيلون لبيع الملابس التي قررت إغلاق ما لا يقل عن 268 متجرًا لها، كما أُغلق 379 منفذًا لمتجر تيفانا للمفروشات، ونحو 102 متجر لشركة بروكستون للبيع بالتجزئة، إضافة إلى حوالي 250 متجرًا من أفضل محلات الهواتف المحمولة، وغيرها الكثير.
ومن المتوقع خلال العقد القادم، وفق آراء خبراء، أن يُغلق نحو 30% من إجمالي المتاجر على مستوى العالم لعدم قدرتهم على الإيفاء بالتزاماتهم كتجديد عقود الإيجار ودفع مستحقات العاملين فيها.
القصة لا تنتهي عند ذلك فحسب، فإغلاق المتاجر يتسبب في تشريد الكثير من العاملين، الذين كان بعضهم أصحاب شركات ومحال وأعمال تجارية خاصة بهم، ليجدوا أنفسهم مضطرين للبحث عن عمل لدى تلك الشركات العملاقة، التي كانت سببًا في خراب أعمالهم وبيوتهم، ولكن المأساة لا تقف عند هذا الحد.
العاملون في الشركات العملاقة
يعيش العاملون في الشركات العملاقة وسط ظروف عمل قاسية، ولا تعرف الرحمة.
وليس من الغريب أن تأتي في المقدمة شركة أمازون، التي تضاعف عدد العاملين فيها ليتجاوز 613 ألف موظف في جميع أنحاء العالم، وفق تقرير الأرباح الفصلية الصادر عن الشركة في عام 2018.
فنتيجة لظروف العمل الضاغطة على العاملين في الشركة، والتي تتطلب منهم إنجاز قرابة 400 مهمة خلال الساعة الواحدة، على حد قول أحد العاملين في مركز الوفاء مقر نيويورك، لم يكن بإمكانهم أخذ حقهم الطبيعي في الحصول على استراحات الأكل أو الحمام خلال عملهم.
ما دفع العاملين للسعي لإنشاء نقابة لهم، وفي بيان لهم أثناء الإعلان عن إنشاء النقابة أكد أحد الرافضين لسياسات الشركة «رشاد لونج» أن العمال يعرضون للإرهاق والضغوط نظرًا للإجراءات التأديبية التي توقع عليهم بين الفينة والأخرى قائلًا:
مكاسب هائلة وضرائب هزيلة
تمتلك أمازون نفوذًا اقتصاديًا كبير في الولايات المتحدة بما لديها من أرباح هائلة وقوة عاملة عملاقة، ما يمكنها من التأثير على الاقتصاد الأمريكي بأكمله.
ليس ذلك فحسب، فالتكاليف العامة للشركة أقل بكثير من تكاليف تجار التجزئة الآخرين، مما يمنح أمازون القدرة على تخفيض الأسعار والعمل على هوامش ربح عالية، وهو ما يجعل مراقبي الاقتصاد يشعرون بالقلق إزاء «تأثير أمازون» على أصحاب المتاجر.
إلى جانب ذلك، تحصل أمازون، وغيرها من الشركات العملاقة، على إعفاءات ضريبية تقدر بمليارات الدولارات.
فوفق ما كشفه تحليل أجرته النيويورك تايمز في عام 2016، فإن أمازون خلال الفترة من 2007 إلى 2015، قد دفعت ضرائب بمعدل 13% فقط، أي ما يقرب من نصف المتوسط الذي تدفعه الشركات الأخرى بمعدل 26.9%.
بيد أن أمازون ليست الوحيدة التي تحصل على إعفاءات ضريبية هائلة، فعمالقة التكنولوجيا كـ«فيس بوك» و«آبل» لديهم معدل ضرائب أقل بكثير من المتوسط.
الأمر الذي دفع السناتور الأمريكي «بيرني ساندرز» إلى تقديم مشروع قانون في سبتمبر/أيلول 2018 ليطالب فيه بضرورة فرض ضرائب على الشركات الكبيرة موازية لحجم مكاسبها.
الدعوة لهكذا ضريبة تمثل محاولة لاستعادة التوازن، كيلا يكون المال دولة فقط بين الأغنياء أصحاب الشركات العملاقة، بينما يضطر بقية الناس لإغلاق محالهم وشركاتهم ليعملوا لدى أولئك الأثرياء.