حرائق غابات الأمازون: «رئة الكوكب» تختنق
في تحفة المخرج كريستوفر نولان، فيلم «Interstellar» عام 2014، كانت تهب العواصف الرملية بصورة متكررة على الأرض، كالرياح التي تهب كل يوم. متسببةً في أضرار هائلة لصحة البشر. لذلك، يتعين عليهم إيجاد كوكب بديل فيما بين النجوم، إن أرادوا البقاء على قيد الحياة في السنوات المقبلة، فالأرض ستصبح غير صالحة للحياة نظرًا للظروف المناخية التي تزداد سوءًا يومًا بعد يوم. كان هناك احتمال أن الجيل القادم من البشر يمكن أن يكون الجيل الأخير، الذي يعيش على سطح كوكب الأرض.
في وقت سابق من شهر أغسطس/آب الجاري، أعلنت البرازيل حالة الطوارئ بسبب ارتفاع عدد الحرائق في غابات الأمازون المطيرة. غرقت أكبر مدن البرازيل، ساو باولو، في الظلام. غيوم سوداء ملأت السماء لتقلب ظهيرة يوم الاثنين الماضي إلى ليل دامس الظلام على أرجاء المدينة.
تصاعدت أعمدة الدخان، والتي أمكن رؤيتها من الفضاء، حيث اندلعت الحرائق الهائلة في أكبر غابات العالم. غابات الأمازون المطيرة تحترق بمعدل قياسي؛ منذ بداية العام وحتى الآن، اكتشف مركز أبحاث الفضاء في البرازيل «INPE» ما يقرب من 73000 حريق. ما يمثل زيادةً بنسبة 83% عن عام 2018 في نفس الفترة الزمنية، وهو أعلى رقم مسجل للحرائق منذ أن بدأت عملية رصدها في العام 2013.
البشر يحرقون الغابات
يستحضر مفهوم الغابة المطيرة صورًا لمناخ رطب وأمطار مستمرة، لكن تمر غابات الأمازون بموسم جاف في شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب، وهو أيضًا موسم حرائق الغابات، وغالبًا ما تحدث الحرائق في هذا الموسم. ولكن يمكن بدء هذه الحرائق أيضًا عن عمد لإزالة الغابات بطريقة غير قانونية من أجل تربية الماشية.
وذكر مركز أبحاث الفضاء في البرازيل أنه رصد أكثر من 9500 حريق في الغابات منذ يوم الخميس الماضي 15 أغسطس/آب، معظمها في منطقة الأمازون. هذه الحرائق شائعة الحدوث، لكن الطريقة التي تنتشر بها هي ما تثير القلق. كما ذكر المركز أن 99% من الحرائق ناتجة عن أفعال بشرية، إما عن عمد أو عن طريق الصدفة.
كانت غابات الأمازون المطيرة مقاومة للحرائق نسبيًا في معظم تاريخها بسبب بيئتها الطبيعية التي تتميز بالرطوبة، ولكنها يمكن أن تتعرض لنوبات ارتفاع الحرارة. تنجم الحرائق اليوم بسبب مزيج من الجفاف والنشاط البشري؛ حيث ترتبط شدة وتواتر حالات الجفاف بدورها بازدياد إزالة الغابات. ومع تغير المناخ شهدت غابات الأمازون المطيرة ثلاث حالات جفاف كبرى، والتي من المفترض أن تعتبر أحداثًا لمرة واحدة في كل قرن، في عام 2005 وعام 2010 وموسم 2015-2016.
عندما تقل كمية المياه التي تصل إلى الأشجار أثناء الجفاف، فإنها تُسقط المزيد من أوراقها أو تموت، تاركةً هذه الأوراق والبقايا على أرض الغابة. بدون مظلة كثيفة من أوراق الشجر للاحتفاظ بالرطوبة، فتفقد الغابة جزءًا كبيرًا من رطوبتها. كما تؤدي ممارسات القطع والحرق الانتقائي لأنواع محددة من الأشجار إلى تدمير تلك المظلة بشكل أكبر. ليؤدي هذا في نهاية المطاف لتعرض الغابات لدرجات الحرارة المرتفعة وبدء هذه الحرائق الهائلة.
رئة الكوكب
الأنشطة البشرية، مثل الزراعة والتعدين والحفر، هي ما تؤدي إلى تفاقم الوضع الآن. وفي الأماكن التي تتوسع بها الحدود الزراعية في البرازيل وتُدفع إلى حوض الغابات؛ سُجل المزيد من إزالة الغابات وارتفاع معدل الحرائق. ويقدر الصندوق العالمي للحياة البرية أن أكثر من ربع منطقة الأمازون سيكون بلا أشجار بحلول العام 2030 إذا استمر المعدل الحالي لإزالة الغابات.
انتشرت معلومة خلال الأيام الماضية بأن غابات الأمازون تنتج أكثر من 20% من الأكسجين في العالم، لكن هذه المعلومة خاطئة؛ فالغابات المطيرة في الأمازون تنتج أقل من 10% من الأكسجين في العالم، وحوالي 16% من الأكسجين الناتج عن النباتات البرية، وكذلك 10% من التنوع البيولوجي المعروف لدينا. كما تعد غابات الأمازون موطنًا لأكثر من 16000 نوع مختلف من الأشجار، 2.5 مليون نوع من الحشرات، 40000 نوع من النباتات، 2200 نوع من الأسماك، 1300 نوع من الطيور، 427 من الثدييات، 430 نوعًا من البرمائيات، 380 نوعًا من الزواحف.
تتجاوز آثار الأضرار التي لحقت بالأمازون البرازيل وجيرانها، ووفقًا للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، تطلق هذه الحرائق ملوثات كثيرة، بما في ذلك الجسيمات والغازات السامة مثل أول أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين والمركبات العضوية، في الغلاف الجوي.
غالبًا ما توصف الأمازون بأنها واحدة من أكثر المناطق فعالية لتخفيف تأثير تغير المناخ. بالإضافة إلى توفير أكثر من خُمس الأكسجين في الكوكب، يمتص النظام البيئي للغابات ملايين الأطنان من انبعاثات الكربون كل عام. وعندما يتم قطع هذه الأشجار أو حرقها، فإنها لا تطلق الكربون الذي كانت تخزنه فحسب، بل ستختفي أداة هامة للغاية لامتصاص انبعاثات الكربون. مما يزيد من كمية الحرارة التي يمتصها الغلاف الجوي، والمعروفة باسم الاحتباس الحراري.
ويشار إلى غابات الأمازون المطيرة باسم «رئة الكوكب»، وتلعب دورًا رئيسيًا في تنظيم المناخ. سيتغير العالم تغيرًا جذريًا إذا اختفت هذه الغابات المطيرة، مما سيترك آثاره السلبية على كل شيء، بدايةً من المزارع ومياه الشرب إلى قدرتنا على تنفس الهواء.
وفي حين أن حرائق غابات الأمازون ستملك تأثيرًا سلبيًا على الكوكب بأكمله، إلا أن سكان البرازيل يشهدون أسوأ التأثيرات بشكل مباشر. تسببت الحرائق في تغطية سماء مدينة ساو باولو بسحب الدخان الكثيفة، مما جعل منتصف النهار يبدو وكأنه منتصف الليل.
التقط القمر الصناعي «Aqua» التابع لوكالة الفضاء الدولية ناسا صورًا للعديد من الحرائق المشتعلة في ولايات روندونيا وأمازوناس وبارا وماتو غروسو في 11 و13 أغسطس/آب الجاري.
السياسة أحد الأسباب
أوقف الرئيس البرازيلي الحالي جايير بولسونارو، الذي تولى منصبه في يناير/كانون الثاني الماضي، تمويل المنظمات غير الحكومية التي تحمي الغابات المطيرة، مما منح موافقةً ضمنيةً للممارسات غير القانونية بإزالة الغابات للمزارعين.
أُطلق على بولسونارو لقب «ترامب الاستوائي»، وهو رجل يميني متطرف يشارك الرئيس الأمريكي عداءه للديمقراطية والميل لتصريحات مسيئة للغاية بخصوص النساء والأقليات. وتمتد أوجه التشابه إلى سياسات التعامل مع المناخ؛ حيث وصف ترامب تغير المناخ بأنه خدعة صينية، وانسحب من اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ. هدد بولسونارو أيضًا بانسحاب البرازيل من اتفاقية باريس وقال إنه يريد تطوير منطقة الأمازون.
ألقى بولسونارو تهمًا على المنظمات غير الحكومية بإحراق غابات الأمازون المطيرة من أجل إلحاق الأذى بحكومته، كرد فعل على قيام إدارته بقطع التمويل عنها، في الوقت الذي تصاعد فيه الاحتجاج العالمي المتزايد على حرائق الغابات من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
ومع ذلك، عندما طُلب منه دليل يدعم هذه الفرضية، لم يكن لديه ما يقدمه، وقال: «ليست هكذا تتم الأمور». كما ادّعى أن أرقام مركز الفضاء البرازيلي بشأن الحرائق هذا العام ليست سوى أكاذيب.
تفاعلت المنظمات والناشطون ومستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي في جميع أنحاء العالم مع أخبار الحرائق بقلق، ويطالب الكثيرون بمساءلة الرئيس البرازيلي بولسونارو بشأن حرائق الغابات. وبدون الدعم المطلوب من الحكومة البرازيلية، قد تكون غابات الأمازون المطيرة في مأزق خطير للغاية، مما يعني أن المناخ سيستمر في التغير نحو الأسوأ.
حتى لا نبحث عن كوكب بديل!
مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة العالمية، ستزيد احتمالية حدوث المزيد من حالات الجفاف، كما ستزداد شدة العواصف. مع تبخر المزيد من بخار الماء في الغلاف الجوي، سيتحول إلى وقود تتطور من خلاله عواصف أكثر قوة. وستزيد حالات الجفاف من حرائق الغابات حول العالم.
لقد كان هذا بالفعل عامًا وحشيًا بالنسبة للحرائق المدمرة في جميع أنحاء العالم. لقد شاهدنا من الأرض والفضاء كيف احترقت الغابات في روسيا وجرينلاند وألاسكا وكاليفورنيا، مما تسبب في انبعاث كميات هائلة من الدخان. وجاء حريق غابات الأمازون ليكمل مسلسل الرعب المناخي المستمر.
ووفقًا للباحثين، يشكل تغير المناخ تهديدًا وجوديًا قريب الأمد للحضارة الإنسانية بأكملها، وهناك احتمالية كبيرة أن ينهار المجتمع البشري بحلول العام 2050، إذا لم يتم اتخاذ إجراءات جدية للتخفيف من التغير المناخي في العقد القادم.
أعتقد أنه في فيلم «Interstellar»، كانت المشكلة التي واجهها سكان الأرض مجرد واحدة من تلك المشاكل التي لم يهتم بها أحد، سوى بعد فوات الأوان. بحلول الوقت الذي عرفوا فيه ما كان يحدث، كانت قد وصلت المشكلة إلى نقطة التحول بالفعل. وكان كل ما يمكنهم فعله هو الجلوس والبحث عن كوكب آخر يصلح للحياة.
كوكبنا كائنٌ معقدٌ للغاية؛ حتى مع كل معارفنا وأدواتنا وتقنياتنا في القرن الحادي والعشرين، قد يكون من الصعب جدًا توقع الآثار التي قد تحدثها أفعالنا على نطاق عالمي. لكننا بالفعل عرفنا المشكلة، ويجب أن نبدأ بالبحث عن حلول جذرية، فقد لا نملك الحظ الكافي لإيجاد كوكب بديل يصلح لحياة الأجيال القادمة.