أماريتا وزيكولا: الأرض التي لا تشبه أرضنا.. لكن شعوبها نحن!
أرض زيكولا، لو أنك من الأشخاص المتابعين لمواقع التواصل الاجتماعي يوميًا، فإن هذا الاسم لا بد وأنه عبر إلى ذاكرتك، فهو من أشهر الأعمال المنتشرة في أوساط الشباب حاليًا. تتكون رواية أرض زيكولا من جزأين لكاتبهما عمرو عبد الحميد، وهذه المراجعة تخص الجزء الثاني من الرواية، أي أرض زيكولا 2 والمعروف باسم «أماريتا». لذلك سوف نبدأ المقال بتلخيص سريع لأحداث الجزء الأول، حتى يتسنى لنا فهم هذه المراجعة بشكل أفضل.
أرض زيكولا 1:
تحكي أرض زيكولا عن خالد الذي يريد أن يصنع أسطورة لنفسه، فيقرر أن يعبر من «سرداب فوريك» ليجد نفسه في أرض زيكولا، والتي يعتمد التعامل فيها على استخدام وحدات الذكاء بدلًا من المال، فكل شيء هناك يعتمد على الذكاء فقط.
يبدأ خالد في اكتشاف هذا الأمر، ويلتقي في مغامراته هناك مع العديد من الأشخاص مثل: يامن، إياد، نادين، والطبيبة أسيل. حيث إنه يشعر بوجود مشاعر في داخله ناحية الأخيرة، وكذلك هي تبادله الشعور.
يريد خالد أن يهرب من زيكولا في اليوم الذي يُفتح فيه بابها، والذي يصادف أنه يوم زيكولا الذي يتم اختيار أكثر الأشخاص فقرًا في زيكولا لذبحه، ويقع الاختيار على خالد، وتكون أسيل هي الشخص الذي يختاره، ثم تساعده أسيل بعد ذلك في الهرب، ويعرف الناس أن أسيل هي السبب في هروبه بعد أن وشى بهم بعض الأشخاص الذين تم استخدامهم، وتعرض أسيل نفسها للعقاب. في الوقت الذي يعود فيه خالد إلى منزله، ويتزوج من منى خطيبته التي أعتقد أنها تركته عندما رحل إلى زيكولا.
أرض زيكولا 2 «أماريتا»:
«إن أكثر الشعوب لعنة شعوب عانى فقراؤها كي ينعم أغنياؤها». بهذا الاقتباس يفتتح الكاتب الجزء الثاني من السلسلة، والذي يقسمه إلى ثلاثة أجزاء رئيسية: حياة جديدة، عهد الرسل القديم، حربٌ كبرى. وسوف يصبحك هذا الاقتباس طوال أحداث الرواية، في بعض الأوقات سوف تتعاطف مع الفقراء، لكنك في بعض الأوقات، سوف تجد نفسك ناقمًا عليهم، لأنهم في سبيل التخلص من فقرهم، يظلمون آخرين معهم من أجل فعل ذلك.
تقول أسيل في الجزء الأول من أماريتا: «إنه القدر سيدي.. يضع أمامنا طرقًا شتى، ويوحي لنا بأننا نملك اختيار طريقنا، ثم نكتشف نهاية الأمر أنه من اختار لنا طريقًا ساقتنا إليه أقدامنا باختياراتنا نحن».
لعل هذه الفكرة طرحت تساؤلًا يطرح كثيرًا في النقاشات الفلسفية، وله بعد ديني بالطبع، حول قضية القدر والاختيارات، وتكرار طرح هذه القضية أحيانًا يأخذ طابعًا عبثيًا لدى أفراده، لكنه في الرواية أخذ بعدًا رائعًا جدًا، حيث إن أسيل تقرر في كل مرة أن تختار، وتتقبل ثمن اختياراتها في النهاية.
تقول أسيل أيضًا: «القوانين غير العادلة ليست بقوانين سيدي». وهي من أهم الأفكار التي تطرحها الرواية بالنسبة لي، فعلى الرغم من أن الجميع في زيكولا أجمع على قانون الخيانة، لكن هذا حدث لأنهم سوف يحصلون على استفادة منه، وما حدث بأسيل كان غير عادلٍ بالمرة. حتى تميم، ملك أماريتا، الذي يرى أن دولته تطبق قانونًا عادلًا، بأنها توظف فقراء المدن الأخرى للعمل لديها في مقابل ديون هذه الدول، لم يدرك أنه يمتهن آدمية هؤلاء الأشخاص، وأنه إن بدا القانون عادلًا لدولته، لكنه غير عادلٍ لمن يطبق عليهم، حيث لا ذنب لهم فيما حدث.
وهذا يجعلنا نتساءل من خلال أحداث الرواية عن القوانين العادلة وغير العادلة، ومن يمكنه أن يحدد هذا الأمر في الأساس، وما هو المنهج أو المقياس الذي يحكم عملية وضع القوانين وتجربتها في أرض الواقع.
في الجزء الثاني تقول إحدى شخصيات الرواية قمر خادمة الطبيبة أسيل: «إنها لعنة أن تولد فقيرًا في بلد فاسد ضعيف»، وكأنها تصفنا نحن في حديثها لا تتحدث عن عالمها فقط.
في هذا الجزء نجح عمرو أن يضع قدمه ككاتب له أسلوبه الخاص في رأيي، فعندما قرأت الجزء الأول كنت أشعر أنها حكاية يرويها أحدهم، أما هذا الجزء فاشتمل على أسلوب كتابة متميز، من حيث الترابط والحبكة القوية من أول الأحداث إلى نهايتها، وكأن عمرو بكتابته هذا الجزء أراد أن يقدم نفسه ككاتب له أسلوبه الأدبيّ الخاص.
أعجبني كثيرًا انتقال عمرو بالحديث بين الشخصيات، حيث إنه خلال كل فصول الرواية تجد أن الراوي يختلف من شخص لآخر، وهو الشيء الذي يجعلك تحيا التفاصيل بعين كل شخصية عندما تتولى زمام الحديث.
ما زلت أرى أن طرح فكرة استخدام وحدات الذكاء في التعامل هو خيال رائع جدًا، ورأيت فيه كيف أن البشر لا يختلفون بينهم، فشعوبنا تستخدم المال في التعامل بينها، وبعضهم يفعل مثلما فعله أهل زيكولا، يجمعون المال والذكاء دون أن يستمتعوا بهما؛ خوفًا من المستقبل أو المجهول، والصواب في رأيي هو أن الإنسان يحتاج إلى أن يقرر استغلال ما منحه الله إياه، دون النظر إلى أي شيءٍ آخر.
ربما أطال عمرو في الوصف قليلًا، البعض يجد هذا الأمر رائعًا، لكنني رأيت أن التفاصيل الموجودة التي يتم وصفها هي تفاصيل لا تهمني من الأساس كوصف الممرات مثلًا، وبالتالي لم أستمتع بها كثيرًا، لكن مع ذلك أرى أن أسلوب عمرو في الوصف جيد جدًا، وأتمنى أن أراه في عمل آخر وأستمتع به.
ربما لم يعجبني أبدًا طرح فكرة الحب من منظور تميم، الذي يقرر أن يجعل شعبه يخوض الحرب من أجل أسيل، ليس اعتراضًا على أن يسعى إلى إنقاذ من يُحب، فأنا أرى أن من يحب عليه أن يحارب من أجل محبوبته، لكني أتحدث عن كونه الملك، ولا يجب أن تتدخل الأهواء الشخصية في الحكم هنا، فعلى الرغم من محبتي لشخصية الطبيبة أسيل، لكنني أرى الأمر من منظور الشعب الذي لا يجب أن ندفعه إلى معارك لا تخصه أبدًا.
لذلك أحببت كثيرًا منظور نادين عن الحب، عندما قررت أن تذهب إلى خالد في أرضه وتستدعيه لمساعدتهم، فهي لم تفعل ذلك من أجل أي شخص، وفي البداية رفضت المساعدة، لكنها فعلت ذلك في النهاية من أجل يامن، الفتى الذي تحبه والذي ترى أنه جعلها شخصًا له قيمة في الحياة. فما فعلته نادين هنا يخصها وحدها، ولن تضر أحدهم بفعلها إن ذهبت إلى هناك وحدث لها شيء.
في الرواية أؤمن قطعًا أنه من حق الكاتب أن يختلق من الأحداث ما يشاء، ما دام قادرًا على إقناعي بالحدث فعلًا، لذلك عندما تبادل كل من أسيل وتميم الحديث، لم أجد ذلك الشيء الذي دفع تميم إلى أن يعفو عن أسيل، وكأن الأمر حدث لأنه مقدرٌ له ذلك في الرواية، لا لأن سياق الحديث بينهما يدفعه إلى الحدوث، لذلك شعرت بأنني لم أعجب بهذه الحادثة أبدًا.
لا مزيد من أرض زيكولا.
ختامًا، يمكنني أن أقول إنني استمتعت بتجربة أرض زيكولا، أحببت الخيال الموجود لدى عمرو، وقدرته على سرد الأحداث واختلاق عوالم جديدة من زيكولا العالم الأصلي.
من يقرأ النهاية قد يشعر بأن الكاتب يمهد الطريق لكتابة جزء ثالث من القصة، لكنني أتمنى ألا يكون هناك المزيد، فهذا الجزء على قدر الإبداع الموجود به، إلا أنه جعلني أشعر بأنني قد اكتفيت من عالم زيكولا، وما حولها من المدن.
نجح عمرو في أن يصنع لنفسه نجاحًا رائعًا جدًا، لا سيما بين أسرته الأصلية وهم قراء عصير الكتب، لكنني أتمنى أن ينطلق في رحلته نحو عوالم أخرى، وأن يترك عالم زيكولا للقارئ ليتخيل ما يمكنه أن يحدث طبقًا لما جاء في نهاية الرواية، أو هكذا أتمنى أنا.