«الطيب صالح»: عميد الرواية السودانيّة بأقلام النقاد
يكتب البعض ليخلد اسمه في التاريخ الأدبي، ويكتب البعض تاريخًا أدبيًا كاملاً، ويكون علامة فارقة في مسيرة الفن والأدب، لما أضاف إليه بوعي وبصدقٍ شديدين، بل يكون علامةً على وطنه كله، ويُذكر اسمه بمجرد الحديث عن هذا الفن هناك، من هؤلاء الروائي السوداني الكبير «الطيب صالح» الذي تحل ذكرى وفاته هذه الأيام (توفي في الثامن عشر من فبراير/شباط 2009)، والذي لا زال أثره باقيًا، وكتابته الأدبية وأعماله الروائيّة علاماتٍ بارزة في مسيرة الرواية العربيّة بدءًا بروايته الأشهر «موسم الهجرة إلى الشمال»، وحتى «عرس الزين»، و«دومة ود حامد»، وانتهاءً بكتابه «منسي إنسان على طريقته».
والمطلع على الأدب السوداني والرواية السودانية تحديدًا لا شك سيتوقف طويلاً عند «الطيب صالح»، وعلى الرغم من أنه لم يكن ذلك الروائي غزير الإنتاج، فإن أعماله الأدبية اعتبرت منذ وقتٍ مبكّر علاماتٍ فارقة في مسيرة الأدب العربي كله، كتب الطيّب سبع أعمال أدبية بين الرواية والقصص القصيرة، بالإضافة إلى عدد من كتب المذكرات وأدب الرحلات.
ولد «الطيّب» في قرية كرمكول شمال السودان عام 1929، حصل على البكالريوس في العلوم من جامعة الخرطوم، ثم تخصص في الشئون الدولية السياسية من إنجلترا، عمل في القسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية، واكتشف من خلال العمل بها موهبته الأدبيّة، ثم استقال منها أيام العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وعاد للسودان وعمل بالإذاعة هناك، ثم هاجر إلى قطر وعمل وكيلاً لوزارة الإعلام فيها، حتى عمل مديرًا إقليميًا لمنظمة اليونسكو في الخليج العربي، وهو مع كل أسفاره ورحلاته وتنقلاته تلك لم ينس بلده وتفاصيل حياته في السودان، ذلك البلد الذي عبّر عن أدق تفاصيله في أعماله الأدبيّة كلها، ولم يبتعد عنه أبدًا.
الطيب صالح.. بأقلامهم
منذ وقتِ مبكّر بدأ الاحتفاء بقلم «الطيب صالح» وكتابته الروائيّة، وكان من أوائل من كتبوا عنه ولفتوا انتباه الناس لقلمه الناقد الكبير «رجاء النقّاش» الذي أطلق عليه لقب «عبقري الرواية العربيّة»، وذلك حين قرأ روايته «موسم الهجرة إلى الشمال» في أواخر السبعينيات، يوم كان كاتبها في مقتبل عمره، وفي بداية حياته الأدبية والروائيّة، ولكنه اهتم بالتعرف عليه لما وجد في الرواية من نضجٍ وفرادة، بل شعر أنها تمثل درّة من درر الكتابة الروائية العربية جاء في مقاله عنها بمجلة المصوّر المصريّة عام 1966[1]:
ربما يكون هذا المقال وهذه الرواية هي البداية الحقيقيّة والأساسيّة لذيوع وانتشار «الطيّب صالح» عربيًا، وربما عالميًا كذلك، إلى الحد الذي أعتقد فيه أن اسمه أصبح علمًا على الرواية السودانية المعاصرة، وأحد أهم أعمدتها الراسخة.
كتب عن موسم الهجرة إلى الشمال الناقد الكبير «جابر عصفور» يقول[2]؛
وعلى الرغم من شهرة «موسم الهجرة إلى الشمال» فإن نقادًا عديدين التفتوا لتجربة «الطيب صالح» الروائيّة بشكلٍ عام، واستطاعوا أن يربطوا بين رواياته ويجدوا فيها ذلك الهم العام والبحث الدءوب عن الهويّة والشخصيّة الفريدة، من هؤلاء الناقد المصري «جلال العشري» الذي كتب عنه باعتباره «زوربا السوداني» ذلك النموذج للفنان الباحث عن جذور هويته بين الشرق والغرب، انطلاقًا من قراءته لرواياته، وكتب عنه يقول[1]:
في وداع «الطيب صالح»
في الثامن عشر من فبراير/شباط 2009 فوجئ الوسط الأدبي بخبر وفاة الطيب صالح عن عمرٍ يناهز الثمانين عامًا، وكان الطيب صالح قد احتفظ خلال حياته بصداقات وعلاقات بالكثيرين من الوسط الأدبي والإعلامي الذين اقتربوا منه وتعرفوا عليه وعلى عالمه عن قرب، لذا لا نجد أفضل من كلمات هؤلاء الكبار في الأدب والصحافة الذين استطاعوا أن يعبروا عنه وعن أدبه وعلاقتهم الإنسانية والأدبية به،كتب عنه الصحفي اللبناني الكبير سمير عطا الله في وفاته يقول:
كما خصصّت جريدة أخبار الأدب عددًا خاصًا عنه، جاء فيه شهادات ورثاء له من عدد كبير من الكتّاب والأدباء من مصر والعالم العربي، كان منهم ما كتبه القاص المصري الكبير محمد المخزنجي[2]:
تسعة أعوامٍ مرّت على وفاة «الطيّب صالح» ولايزال اسمه حاضرًا في كل المحافل والمنتديات الأدبيّة علامة مهمة من علامات السرد العربي والسوداني المعاصر. حاز «الطيب صالح» على جائزة ملتقى القاهرة الثالث للإبداع الروائي العربي عام 2005، وتوفي في لندن عام 2009.
- كتاب: الطيب صالح .. عبقري الرواية العربية، مجموعة من النقاد، دار العودة، بيروت
- جريدة أخبار الأدب، بتاريخ: 22 فبراير 2009