العدسات اللاصقة الذكية: السباق التقني نحو عينيك
العين، هي ما تغزل به الشعراء العرب والكتاب عمومًا، قديمًا وحديثًا، نافذة الروح وصاحبة لغةٍ كاملةٍ خاصةٍ بها، لكن ما الذي قد يحدث عندما نضع الحواسيب الذكيّة في أعيننا؟
تخيّل معي، أنّك تعود مساءً إلى المنزل بعد نهارٍ مرهقٍ في العمل، تجلس على كرسيك المريح، لتخرج جهاز تحكم وبضغطات بسيطة تستطيع أن تشاهد على عينيك مباشرةً ذلك الشاطئ الذي قضيت عليه الإجازة الصيف الماضي، سترى كلّ ما سبق ورأيته، السماء الزرقاء الصافية والظل الوافر وأمواج البحر.
هذا ما يعدنا به مسلسل Black Mirror، الذي يتحدث عن تأثير التكنولوجيا الحديثة في حياتنا، وربما آثارها الجانبيّة الضارّة جدًا، ففي الحلقة الثالثة المُسمّاة The Entire history of you، يخوض البرنامج في فكرة زرعة الذاكرة، جهاز يُسجّل كلّ ماتراه عيناك بالفيديو، الصوت والصورة، لتستطيع أن ترى كلّ ما عايشته مرةً أخرى، لتدقق وتبحث عن التفاصيل التي فاتتك في المرة الأولى. سترى كلّ شيءٍ على عينيك بشكلٍ مباشر أو تستطيع عرض التسجيل على هاتفك الذكي أو حتى شاشة تلفاز صالون العائلة، وبإمكانك أيضًا وقف التسجيل في أيّ لحظة والتكبير في أنحاء الصورة الملتقطة. الوعد بأنّك لن تفقد ذكرياتك بعد الآن، ولن تنسى الأسماء، إن كنت ممن يعاني من ذلك!
لكن هل تُصبح هذه الفكرة واقعًا؟ نحن بعيدون عن ذلك حاليًا، لكن الأمر ليس مستبعدًا، فاليوم العديد من الشركات تُقدّم طلبات تسجيل براءة اختراع لعدساتٍ لاصقةٍ ذكيّة تستطيع مجاراة زرعة مسلسل Black Mirror، أو على الأقل تحقيق خطوةٍ أولى نحوه، وفي هذا السياق تتسابق الشركات الكبرى للوصول إلى التقنية المُثلى القابلة للارتداء على العين، جوجل، سامسونج وحتى سوني، كلّها قدّمت براءات اختراع تتشابه في المجمل وتختلف في التفاصيل.
تُشابه هذه الفكرة فكرةً تحدثت عنها بإسهاب مسبقًا، وهي فكرة ال Biohacking، لدمج التقنيّة الحديثة مع أجسامنا البيولوجيّة، للوصول إلى المستوى القادم من البشريّة، ما بعد الإنسان.
لكن ماذا يمكن للعدسات اللاصقة الذكية – المزمعة- فعله، وما هي مميزاتها حقًا وهل هي عمليةٌ حقًا؟
جوجل ليست شركةً تقليديّة، ولن تكون واحدة منهم
سواءً في جوجل سابقًا، ألفابيت حاليًا، يستمر سيرجي ولاري وموظفو جوجل بطرح أفكارٍ متميّزة وجديدة، أو تحديث الأفكار التي تمّ طرحها سابقًا وإنعاشها بطريقة جديدة، ولم تتأخر الشركة الكبرى أبدًا في مجال العدسات اللاصقة الذكيّة، ونقلت جميع براءات الاختراعات والاتفاقات التي قامت بها جوجل إلى Verily فرع ألفابيت المُختصّ بعلوم الحياة، لكن ماذا تقدم جوجل في هذا المجال؟
فلنتكلم بدايةً عن عدسات جوجل الذكيّة المعتمدة على الطاقة الشمسية، فقد حصلت جوجل على الموافقة لتسجيل براءة اختراع لعدسةٍ ذكيّة تستمد طاقتها من المصادر الضوئيّة كضوء الشمس والمصابيح وحتى فلاش الكاميرا، وتستطيع هذه العدسة القيام بمهام عديدة، كقياس درجة حرارة مرتديها، أو تحديد مستوى الكحول في دمه وتحذيره من وجود مؤرجات قد تؤدي إلى حالة حساسيّة، وحسب براءة الاختراع، فإنّ هذه العدسة تُرسل المعلومات إلى جهاز آخر وتستطيع التواصل مع الحواسيب وأجهزة الهاتف الذكيّة، بل تستطيع أيضًا قراءة الأسعار على المنتجات!
مخطط عدسات جوجل التي تعمل بالطاقة الشمسية. (المصدر:United States Patent and Trademark Office)
قد تكون هذه مجرد إضافةٍ على مشروع جوجل الأصلي، أو فلنسمِه مشروع Verily الآن، وهو مشروع بالشراكة مع Novartis لصنع وتصميم عدسات لاصقة ذكيّة تُساعد المصابين بمرضى السكري بمراقبة مستويات الجلوكوز في الدم، وقد بدأ هذا المشروع في 2014 فعلًا، وما زلنا ننتظر.
هذه العدسات تستخدم حساساتٍ متناهيةً في الصغر، إضافةً لهوائيٍ أرق من الشعرة البشرية الواحدة، وبواسطة هذا الجهاز المتكامل يراقب المريض مستويات الجلوكوز في دمه بشكلٍ مستمرٍ في الوقت الفعلي. وبعد أن يحصل الحساس على قيمة الجلوكوز، يرسلها بواسطة الهوائي إلى أداة خارجية، الهاتف الذكيّ ربما؟
إذًا ستوفر هذه العدسة الكثير من آلام وخز الأصابع المتكرر لمرضى السكريّ.
لكن قد تكون هناك فائدةٌ أخرى لهذه العدسات، فالدمع يحوي على مادةٍ كيميائيّة تُسمى Lacryglobin، هذه المادة تُعتبر واسمًا حيويًا للعديد من السرطانات، أيّ أنّنا بتحديد مستوى هذه المادة نستطيع تقدير نشاط الخلايا السرطانية وبمتابعة مستوى هذه المادة في الدمع نستطيع التنبؤ بدرجة خمود أو نشاط السرطان.
لماذا لم نرَ هذه التقنيّة حتى الآن؟ لا جواب محدد، ربما العمل ما يزال مستمرًا لتطوير المزيد من المزايا لهذه العدسة، لكن الجواب قد يكمن في السعر، فالعدسات اللاصقة تحتاج لتغيير متكرر، والتكلفة سوف تكون باهظةً لعدسةٍ يحتاجها المريض بشكلٍ مستمرٍ لقياس مستويات مواد معيّنة في دمه، لكن ربما تحلّ Verliy هذه المشكلة قريبًا.
إذًا يحصل المستخدم على قيمٍ وأرقام تفيده في الوقاية من الأمراض وحالات الإغماء والحالات الإسعافية في مرض السكري، لكن ما الفائدة التي تجنيها ألفابيت؟ علينا التذكر دومًا، بدأت جوجل كشركة جمع المعلومات وترتيبها، هذا ما تجيد جوجل فعله حقًا، وهو ما تريد ألفابيت الاستمرار به، فلنتذكر صفقة شراء نيست، والتي كلّفت جوجل آنذاك حوالي 3.2 مليارات دولار، صفقة للحصول على معلومات استخدام الأشخاص للطاقة، أنت الآن تستخدم خدمة جوجل للبحث، وخدمة جوجل للبريد الإلكتروني Gmail، كلّ ذلك يوفّر لجوجل معلومات تريدها وتستطيع استخدامها، لخدمتك أحيانًا ولمصلحتها أيضًا، كلّ ذلك بموافقتك.
صفقة قد تكون رابحةً للجميع، على الأقل هذا ما تعتقده جوجل: هي توفر لك أرقامًا لمراقبة صحتك، وهي تحصل على الإحصائيات التي تحتاجها، لكن هل ستكون هذه الطريقة ناجعة، أم تصل لنفس النهاية التي لاقاها مشروع Google Health، ذلك ليس معروفًا لأحدٍ حتى الآن.
وفي شراكة أخرى مع جوجل، تعمل Sensimed السويسرية للبدء في إنتاج عدساتها اللاصقة المصممة لعلاج الجلوكوما، وهو سبب شائع للعمى، تحتوي هذه العدسة على حساس ميكروي يستطيع قياس التغيرات في ضغط العين، مما يمكن الأطباء من تتبع حالة المريض والتدخل بشكلٍ سريع لمنع الضرر. يمكن للمريض ارتداء هذه العدسات حتى أثناء النوم، مما يسهل مراقبة الضغط داخل العين خلال كامل اليوم
ما وراء العدسة
لكن آندرو كونارد، رئيس شركة Verliy لا يريد هذه العدسات اللاصقة فحسب، فقد اخترع آندرو شيئًا آخر، شيئًا أعمق من مجرد عدسة، يريد آندرو أن يزرع في عينك جهازه الجديد، كأيّ زرعةٍ جراحيّة، وتقول براءة الاختراع جهاز آندر: «جهاز داخل العين يتضمن عدسةً إلكترونيّةً يمكن التحكّم بها للتحكم بالجهاز بشكلٍ كامل، ويُوضع الجهاز بشكل يتكيف مع السطح الداخلي لمحفظة عدسة العين، وبواسطة قوى المطابقة الطبيعية للعدسة تتغيّر القوة البصريّة للجهاز، ويمكن قياس هذه القوى بواسطة حساسٍ خاص للجهاز.»
لم تطرح خطوات العمليّة بدقةٍ حتى الآن، لكنّ يبدو أنّك ستضطر للتضحيّة بعدسة عينك الطبيعية في البداية، ثم يُحقن سائلٌ في عينك ليندمج في محفظة العدسة ويتصلب، هنا في هذا السائل تعيش عدستك الإلكترونيّة الجديدة، التي تحوي حساساتٍ وبطاريةً وإلكترونيّات دقيقةً أخرى، لتحسّن من حدّة بصرك وتخلصك من ارتداء النظارات إلى الأبد.
لكن جوجل،أو ألفابت، ليست الوحيدة في السعي نحو هذه التقنيّة، ماذا عن المنافسين الآخرين في عالم التقنية، ماذا عن سامسونج وسوني؟
كلّ تلك الشركات وغيرها تسعى للسباق نحو عينيك، وزرع تقنياتها في داخل عينك، هل سيكون ذلك لصالحنا، أم أنّ تلك الأحلام ستبقى أحلامًا على ورق؟
نتابع حديثنا عن طموح الشركات المنافسة في المقال القادم.