من الحكم الكنعاني إلى الاحتلال الإسرائيلي؛ القدس عبر التاريخ
هي البقعة المقدسة التي تضم أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، هي المزار الديني الذي يحج إليه البشر من مختلف الأديان ومن كافة أرجاء العالم، هي الموقع الجغرافي الفريد الذي جعلها محط أنظار وأطماع أمم وشعوب العالم.كانت مدينة القدس مستهدفة على فترات التاريخ القديم والحديث من قبل القوى الكبرى، بمختلف جنسياتها: الفراعنة، واليونانيين، والرومانيين، والأشوريين، والفرس، والبابليين، والعبرانيين، وغيرهم. وظلت مستهدفة إلى أن وصل لها الاستعمار البريطاني الذي مهّد الطريق للحركة الصهيونية الاستعمارية لبناء ما يُسمى “دولة إسرائيل”، وبدأت الهجمة التهويدية الحقيقية لمدينة القدس عندما انعقد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل السويسرية عام 1897، عندما أعلن زعيم الحركة الصهيونية أن فلسطين هي أرض إسرائيل، وقال: نريد فلسطين أرضًا بلا شعب، لشعبٍ بلا وطن.
القدس تحت الحكم الكنعاني
تعد مدينة القدس من المدن القديمة عبر التاريخ، فكانت في البداية صحراء جرداء، تتكون فقط من الأودية والجبال. وقبل الميلاد بثلاثة آلاف عام، هاجرت أولى القبائل العربية الكنعانية من شبه الجزيرة العربية إليها، واستوطنوا في الضفة الواقعة غرب نهر الأردن (الضفة الغربية)، إلى أن امتدت جذورها إلى البحر الأبيض المتوسط، وأطلق على الأرض اسم “أرض كنعان”، وكانت القدس مركزاً رئيسيًا لهم، وبعد فترة من الزمن أسموها يبوس.
القدس تحت حكم النفوذ المصري (الفراعنة)
في القرن السادس عشر قبل الميلاد، استولى الفراعنة على مدينة القدس، وحكموها، إلى أن تعرضت المدينة في أيام حكم الملك أخناتون لغزو العبرانيين (الخابيرو)، حيث بقوا مسيطرين عليها إلى أن استعادها الفراعنة في عهد الملك سيتي الأول.
القدس تحت الحكم اليوناني
دخلت مدينة القدس تحت الحكم اليوناني أيام الإسكندر الأكبر، وبعد وفاته استلم خلفاؤه البطالمة والمقدونيون الحكم، وفي عام 323 قبل الميلاد، سيطر على المدينة بطليموس وضمها إلى مملكته في مصر، ثم أصبحت المدينة تابعة للسلوقيين في سوريا في عام 198 قبل الميلاد، وتأثر سكان المدينة بالثقافة الإغريقية.
القدس تحت الحكم الروماني والبيزنطي
في عام 63 قبل الميلاد، استولى الرومان على مدينة القدس بقيادة القائد الروماني بومبيجي الذي ضمها إلى إمبراطوريته، وبعد ذلك نشبت خلافات داخل الإمبراطورية الرومانية أدت لانقسامها لقسمين؛ شرقي وغربي. وكانت مدينة القدس من نصيب حكم القسم الشرقي البيزنطي، وكانت المدينة في حكمهم مستقرة؛ الأمر الذي عمل على ازدهارها تجاريًا، ونموها اقتصاديًا، وازدهار موسم الحج للأماكن المقدسة.
القدس تحت الحكم الفارسي
بعد مئتي عام من الاستقرار في مدينة القدس أيام حكم البيزنطيين، استولى ملك الفرس كسرى الثاني على المدينة، وذلك بعد ما استولى على سوريا، وقد عمل ملك الفرس على تدمير جميع الكنائس في القدس، وخاصة كنيسة القبر المقدس، ويُحدِّث التاريخ بأن اليهود انضموا إلى صفوف جيش الفرس في هذه الحملة، وذلك لينتقموا من النصرانيين في المدينة، لكن احتلال القدس من قبل الفرس لم يدُم فترة طويلة، إذ عمل إمبراطور البيزنطيين هرقل على إعادة القدس إلى حكمهم، وقام باسترجاع الصليب المقدس من بلاد فارس، وذلك عام 628م.
القدس في العصور الإسلامية (منذ الفتح الإسلامي حتى الحكم العثماني)
تم الفتح الإسلامي للقدس في عهد خلافة الراشدين، أيام حكم الخليفة عمر بن الخطاب، حيث انتصر جيش المسلمين بقيادة أبي عبيدة عامر بن الجراح على جيش الروم، وتم استلام المدينة بكتابة العهدة العمرية وتسليمها إلى البطريرك صفرونيوس.في عهد الأمويين والعباسيين، أصبحت مدينة القدس ذات طابع إسلامي بحق، حيث ازدهرت المدينة بالعلوم المختلفة، وفي زمن حكم العباسيين ظهرت العملة العباسية الأولى التي تحمل اسم القدس. وامتد حكم الأمويين من عام 661م إلى 750م، أما حكم العباسيين امتد من عام 750م إلى 878م.بعد فترة من حكم العباسيين، نشبت صراعات داخلية عسكرية بين العباسيين والفاطميين والقرامطة، وعلى إثر تلك الصراعات، استولى على مدينة القدس السلاجقة وذلك عام 1071م، وظلت القدس تحت حكم السلجوقيين إلى أن ضُمت المدينة إلى مصر في العهد الطولوني والإخشيدي والفاطمي.ظلت الصراعات قائمة على المدينة من قبل السلاجقة أنفسهم من جهة، والسلاجقة والفاطميين من جهة أخرى، إلى أن استولى الصليبيون على مدينة القدس، ضمن حملاتهم المتتالية على المشرق العربي.في عام 1187م في معركة حطين، استرد القائد الإسلامي صلاح الدين الأيوبي مدينة القدس، وحررها من أيدي الصليبيين، وقام بإزالة الصليب عن مسجد قبة الصخرة، وعامل أهل المدينة معاملة طيبة، وعمل على تعمير المدينة وتحصينها، وفي حكمه أهدى القدس منبره المشهور الذي صنع في مدينة حلب.سيطر الصليبيون أيام حكم الملك فريدريك على مدينة القدس مرة أخرى، وذلك بعد وفاة صلاح الدين الأيوبي، لكن لم يستمر احتلالهم أكثر من 11 عامًا؛ إذ استردها الملك الصالح نجم الدين أيوب وحررها من أيديهم، وذلك عام 1244م. وكادت القدس أن تقع في أيدي المغول، لولا انتصار المماليك عليهم بقيادة سيف الدين قطز في موقعة عين جالوت عام 1259م.وفي عام 1516م، دخلت مدينة القدس تحت الحكم العثماني، حيث قام الشيوخ والعلماء بتسليم مفاتيح المدينة إلى السلطان سليم الأول الذي كان في زيارة للمدينة المقدسة، واستمر الحكم العثماني لها مدة أربعمئة عام، اهتموا خلالها بالمدينة وعمارتها، وحصّنوها بالأسوار، وخاصة سور القدس القائم حتى يومنا هذا، والذي بناه السلطان سليمان القانوني، وانتهى الحكم العثماني عام 1917م.
القدس في قبضة اليهود
في الثامن من ديسمبر عام 1917م، منحت عصبة الأمم دولة بريطانيا الحق في الانتداب على فلسطين عامة، وأصبحت مدينة القدس في عهد الانتداب البريطاني عاصمة لفلسطين، حيث سهلت بريطانيا عمليات تهويد القدس على مدار فترة انتدابها.وذلك حتى يوم الرابع عشر من مايو عام 1948م، عندما انسحبت بريطانيا من فلسطين والقدس، وأعلن عن قيام ما يسمى بـ “دولة إسرائيل” في العام نفسه، وقد حاولت الجيوش العربية جاهدة في استرداد المدينة من أيديهم لكنهم فشلوا، وسقطت الجهة الغربية من مدينة القدس، وأجزاء من فلسطين في أيدي الاحتلال الإسرائيلي. وفي عام 1967م، اندلعت حرب حزيران، ومع انتهاء الحرب استولت إسرائيل على بقية أجزاء مدينة القدس.ومنذ ذلك الحين حاول الاحتلال الإسرائيلي تغيير معالم مدينة القدس، وتزييف هويتها، وتاريخها، بهدف فرض واقع جديد، وتأكيد صحة روايته التاريخية المزعومة.ولكن، الشعب الفلسطيني متيقن أن الاحتلال الإسرائيلي هو حلقة من حلقات تاريخ المدينة المقدس، والذي سيزول لا محالة بفضل كفاح أبنائه.