علي شمخاني: العربي الذي أوكلت له إيران أمنها القومي
يعد علي شمخاني، من أبرز القادة السياسيين الإيرانيين فله تاريخ حافل بعديد من المناصب المهمة، ويتولى اليوم منصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الذي يختص بتقرير سياسات الدفاع والأمن القومي. ويشتهر بأنه أول عربي يشغل هذا المنصب الذي يعكس تمتعه بثقة المرشد الأعلى للثورة، علي خامنئي، وشدة ولائه للنظام.
مسيرة الأدميرال
وُلِد شمخاني عام 1955 في مدينة الأحواز العربية جنوب غربي إيران، حيث ينتسب إلى عشيرة الشماخنة العربية من قبيلة بني ربيعة، ويشكك المعارضون الأحوازيون في عروبته وينسبونه إلى عائلة مستوطنة قديمة تحمل اسم شمع خاني، استوطنت الأحواز منذ احتلالها على يد الشاه رضا بهلوي، واندمجوا مع عشائر وقبائل عربية واختلطت الأنساب بسبب مخالطتهم لهم وصاروا يتحدثون العربية بطلاقة واعتقد الناس أنهم عرب.
تخرج في كلية الزراعة بجامعة الأهواز، ثم حصل على شهادتي ماجستير في الشئون العسكرية والإدارة، وتزوج من امرأة فارسية، وخلال العهد البهلوي شارك في أنشطة المعارضة، ولما نجحت الثورة الإيرانية عام 1979، انضم لقوات الحرس الثوري منذ البداية، وأصبح أول قائد لهذه القوات في إقليم خوزستان (الاسم الفارسي للأحواز).
حينما اندلعت الحرب العراقية الإيرانية عام 1980 شارك فيها بقوة، إذ كانت رحاها تدور في الأحواز بشكل أساسي، وتم تعيينه نائباً لقائد الحرس الثوري وقاد القوات البرية، وفي نهاية حرب الثماني سنوات مثَّل الجانب الإيراني في الإشراف على تنفيذ قرار مجلس الأمن الذي أوقف الحرب.
في عام 1988عُين شمخاني وزيراً لشئون الحرس الثوري حتى تم إلغاء الوزارة في العام التالي وتعيينه أدميرالًا ليقود بحرية الجيش ثم قائدًا لبحرية الحرس الثوري حتى عينه الرئيس محمد خاتمي وزيرًا للدفاع، وظل في هذا الموقع طيلة فترتي رئاسة خاتمي الممتدة بين عاميّ 1997 و2005، رغم أنه ترشح ضده في الانتخابات الرئاسية عام 2001 وخسر خسارة مدوية إذ لم يحصل سوى على نحو 7% من الأصوات، وانتقد في أكثر من خطاب انتخابي برامج حكومة خاتمي مما كشف عن عدم اقتناعه ببرامجه الإصلاحية.
وعند انتهاء ولاية خاتمي الثانية عام 2005 تم إسناد رئاسة مركز الدراسات الاستراتيجية للقوات المسلحة إلى شمخاني حتى تم تعيينه أميناً لمجلس الأمن القومي عام 2013.
خصم القضية الأحوازية
يُعد الانتماء العربي لشمخاني من مؤهلاته التي جعلت النظام الإيراني يحرص على وضعه في الواجهة دائماً، فكونه من أبناء الشعب العربي الأحوازي يُضعف من زخم القضية الأحوازية؛ فمجرد وجود هذا الشخص في السلطة يُسهم في إضعاف مصداقية سرديات اضطهاد العرب تحت حكم الفرس، ويجعل حركات المقاومة الأحوازية الساعية للاستقلال تظهر وكأنها تفتقر لمبررات وجودها في ظل نظام يفتح ذراعيه لكل القوميات، ولذلك تصفه المنظمات الأحوازية بأنه «صمام أمان النظام».
وتعد القضية الأحوازية من أشد القضايا حساسية بالنسبة لطهران إذ يطالب كثير من أبناء الشعب العربي بالاستقلال في حين يطالب آخرون بنوع من الحكم الذاتي والاستفادة من خيرات منطقتهم الغنية بالنفط التي تُنفق على إيران كلها، ويُحرم أهلها من ثروات أرضهم ولا ينالهم من النفط إلا عوادمه ونفاياته وتهجيرهم من أراضيهم ومصادرتها لصالح شركات التنقيب والصناعات بينما يعيشون في أوضاع شديدة البؤس بشكل متعمد على عكس أوضاع المستوطنين الفرس الذين تنقلهم الحكومة بهدف تغيير المنطقة ديموغرافياً.
وقد واجه شمخاني مبكراً اختباراً في الولاء لنظام الملالي بعد نجاح الثورة حين اشتبك النظام الجديد مع الشعب العربي، فشارك شمخاني في مواجهة المنتفضين الأحوازيين، ويُتهم بالمسؤلية المباشرة عن مجزرة الأربعاء الأسود في المحمرة في نهاية مايو/ أيار 1979، حين دفعت السلطات الإيرانية بالمدرعات إلى قلب المدينة لسحق المقاومين الأحوازيين، وحصلت اشتباكات عنيفة سقط خلالها ما يقدر بمائتي قتيل وأضعافهم من الجرحى، بسبب مطالبة العرب بحقوقهم الثقافية والسياسية.
وخلال الحرب العراقية- الإيرانية، كان الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، يعوّل على انضمام الاحوازيين له لأنه طالب بتحرير أراضيهم من الاحتلال الفارسي، ومن هنا كان دور شمخاني مهمًا جدا لطهران لأنه وقف مع أتباعه في وجه جيش العراق وحشد الجهود في الأحواز لمواجهته، وفقد شقيقين له في تلك الحرب.
ولطالما عمل على مقاومة النزعة الاستقلالية في الأحواز، لذا كان يتم ترقيته ووضعه في الصدارة كمثال على سياسة النظام في إظهار التزامه الجاد بإشراك القوميات غير الفارسية في السلطة، وعندما اندلعت الاحتجاجات في الأحواز عام 2005، على خلفية تسرب خطة حكومية لتغيير النسيج السكاني للإقليم، حاول الرجل التوسط لدى المنتفضين، وحينها قابله الأهالي بقذف الحجارة في حي الدايرة.
وفي يوليو/ تموز من العام الماضي ومع استمرار انتفاضة الجماهير الأحوازية بسبب مخطط تحويل مياه الأنهار لمناطق أخرى، وعجز قوات الأمن عن قمعهم، حاول شمخاني تهدئة الجماهير عن طريق لقائه مع رئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي ونشر تغريدة على موقع «تويتر» عن هذه المقابلة قائلًا إن «معضلة الجفاف واقع لا يمكن إنكاره» متجاهلًا ذكر قمع السكان واستهدافهم بالرصاص الحي من جانب السلطة المركزية.
وترتبط بشمخاني وعائلته اتهامات بالفساد؛ ففي مايو/ أيار الماضي اندلعت احتجاجات شعبية ضد الفساد على خلفية انهيار برج متربول غير المطابق للمواصفات الفنية في مدينة عبادان بالأحواز مخلفًا 37 قتيلاً، وانتشرت تقارير عن علاقة أسرة شمخاني بملاك البرج المنهار وهو ما نفاه أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، متهماً من سماهم «الانفصاليين» بنشر هذه التقارير.
المندوب السامي الإيراني
نظراً لانتمائه العربي عُرف شمخاني بتواصله مع الدول العربية المجاورة؛ ففي عام 1999 كان أول وزير دفاع إيراني يزور المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الجمهورية الإيرانية، وحصل على وسام الملك عبد العزيز آل سعود، في عهد الملك فهد بن عبد العزيز لدوره في تحسين العلاقات بين البلدين، ووقع اتفاقية أمنية مع المملكة مما أسهم في تخفيف التوترات بين الخصمين الإقليميين.
وفي عام 2013، حين تم تعيينه أميناً لمجلس الأعلى للأمن القومي، عمل شمخاني في الوقت نفسه كممثل المرشد الأعلى في المجلس، وهو مؤشر آخر على ثقة المرشد به.
وأتاح هذا الموقع للرجل ليمارس أدوارًا خارجية أكثر تأثيرًا وفعالية وأصبح له دور بارز في متابعة الأوضاع السياسية في الدول التي تدور في فلك طهران طبقًا لمفهوم الأمن القومي الإيراني الذي يشمل نفوذ طهران في المنطقة العربية.
وطبقاً للدستور الإيراني فإن مسؤوليات مجلس الأمن القومي تشمل تحديد سياسات الدفاع والأمن القومي وتنسيق الأنشطة السياسية والمخابراتية والاقتصادية المتعلقة بأمن البلاد، ومواجهة التهديدات الداخلية والخارجية.
وكان لشمخاني دور مؤثر على القرار السياسي في الدول التي تتدخل فيها إيران؛ فيُعزى إليه قرار إقصاء رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي عن السلطة، والإتيان بحيدر العبادي ليخلفه خلال أزمة ما بعد انتخابات 2014 التي تزامنت مع اجتياح تنظيم داعش.
وبعد اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس عام 2020، كان العراق يموج بالخلافات حول تشكيل الحكومة، ولم يتم حسم الأمر حتى وصل أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني إلى العراق، والتقى الكاظمي، ثم بدأ الاسم بالتداول كرئيس للحكومة المقبلة وهو ما تم عقب اعتذار عدنان الزرفي عن تولي المنصب.
ويقبع أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني على لائحة العقوبات الأمريكية منذ عام 2020، حين فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات عليه مع مسؤولين آخرين لاتهامهم بالتورط في شن ضربات صاروخية باليستية على قاعدة عين الأسد العراقية التي تضم قوات أمريكية انتقامًا لمقتل سليماني.
وخلال الاحتجاجات الشعبية الحالية تم اعتقال الآلاف من المحتجين أكثرهم من الشباب، وشارك أمين مجلس الأمن القومي في هذه الإجراءات، ووجه له التيار الإصلاحي انتقادات في رسالة مفتوحة نشرت على الصفحة الأولى لصحيفة «اعتماد» الإصلاحية تتضمن دعوته إلى الكف عن تنفيذ الاعتقالات غير المبررة في صفوف المواطنين.