استعدادًا لحربهما: الجزائر والمغرب يكدسّان السلاح
في أول نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 قُتل ثلاثة جزائريين في إقليم الصحراء الغربية المتنازع عليه بين الجزائر والمغرب. الجزائر أصدرت بيانًا تتهم فيه المغرب باستخدام سلاح متطور للهجوم على القافلة الجزائرية ما أدى لقتل المواطنين الثلاثة. توعدت الجزائر بالانتقام دون أن توضح كيف ستفعله. وفي 5 نوفمبر/ تشرين الثاني وقف رمضان لعمامرة، وزير الخارجية الجزائري، أمام الأمم المتحدة قائلًا بأن إرهاب الدولة الذي يمارسه المغرب يجب أن يتوقف.
من جهته أعلن الملك محمد السادس أن المغرب سوف يحتفظ بسيادته على الصحراء الغربية المتنازع عليها. وأنه يفضل الحل السلمي، لكن يمكن لبلاده أن تضطر لحلول أخرى غير سلمية. التصريحات المتبادلة زادت حدتها كون الحدث الأخير لم يكن الأول من نوعه، ولا تزال الصحراء الغربية محل نزاع من سنوات طويلة. لكن يبدو أن عام 2021 قد شهد تحولًا في الصراع من السجالات الكلامية إلى ما يشبه الحرب الباردة.
فقد أصبحت المنطقة وجهةً تقليدية لصادرات الأسلحة، سواء الأسلحة المعتادة كالبنادق والقنابل، أو أسلحة متطورة كالطائرات بدون طيار. ووفقًا لبيانات التسلح للعام المنصرم فالجزائر والمغرب هما أكبر مستورد للأسلحة في كامل قارة أفريقيا. الجزائر الأولى أفريقيًا، وفي المرتبة 24 عالميًا. المغرب الثاني أفريقيًا، وفي المرتبة 40 عالميًا.
قد يكون سباق التسلح بين البلدين أمرًا غير جديد، لكنه يأتي حاليًا في سياقات مختلفة من التصعيد غير المسبوق. فقد قامت الجزائر بقطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، وأغلقت المجال الجوي في وجه الطيران المغربي، كما رفعت من جاهزية جيشها على الحدود. والوتيرة التي تحرص بها الدولتان على اقتناء السلاح، ولو كان على حساب رفاهية شعوبهما وحاجتهما الأساسية، تنذر بأن الوضع قد صار كالقنبلة الموقوتة، فقد ينتظر أول من يضغط زر التشغيل.
سباق بدأ من عقود
من أوائل الستينيّات، مرورًا بحرب الرمال، ثم عام 1975 حين أصبح الصراع على الصحراء الغربية ممكنًا أن يقود لحرب مفتوحة بين الطرفين تضاعف الإنفاق على السلاح. فالجزائر كانت تنفق قرابة مليار دولار فباتت تنفق 2.5 مليار دولار. أما المغرب فاعتاد إنفاق 900 مليون دولار، فأضحى ينفق 1.6 مليار دولار.
السنوات الأربعة بين 2006 و2010 شهدت زيادة حادة في الإنفاق، فارتفع الإنفاق الجزائري من 3 مليار دولار إلى 5.3 مليار. وارتفع إنفاق المغرب من 2.3 مليار دولار إلى3.1 مليار دولار. وبعد 6 سنوات لاحقة لم يكن الإنفاق المغربي قد زاد إلا زيادة طفيفة، بينما تضاعف إنفاق الجزائر على السلاح فوصل إلى 11 مليار دولار. وبذلك الرقم باتت الجزائر أكبر دولة أفريقية تكرس أكبر نسبة من دخلها القومي للتسلح العسكري.
وإجمالًا، فقد أنفقت الدولتان خلال الأحد عشر عامًا الأخيرة 140 مليار دولار أمريكي على التسلح، الجزائر أنفقت منهم 100، والمغرب 40. تلك الأرقام تنزع عما يحدث بين الجزائر والمغرب لفظ السباق، فلا يمكن وصف الإنفاق الجزائري الضخم بأنه في سباق مع إنفاق المغرب المتواضع. كما أنه من الواضح أن الدولتين لن تصلا إلى مرحلة يتساويان فيها، أو حتى يتقدم فيها المغرب. يرجع ذلك لصادرات الغاز والنفط الجزائرية التي تتيح للجزائر قدرة على الإنفاق بشكل مستمر على السلاح.
لكن حتى إذا نزعنا لقب السباق لتقدم الجزائر اللافت، فلا يمكن التغاضي عن حقيقة أن الدولتين تحرصان على اقتناء نوع السلاح الذي تعرف أن جارتها قد اقتنته. أو الأسلحة المضادة للنوع الذي اقتنته الدولة الأخرى. كما يحاول المغرب الحفاظ على نوع من التوازن النسبي مع الجزائر عبر التركيز على نوعية وجودة الأسلحة التي يقتنيها بغض النظر عن كميتها وحجمها.
صراع روسي أمريكي
الجانب الآخر للقصة أن تحول المغرب والجزائر لسوق سلاح ضخم بهذه الصورة يعني أنه سيحذب اللاعبين الكبار في سوق السلاح للتنافس حول المنطقة. وهو ما حدث بالفعل، فالمنطقة تشهد تنافسًا روسيًا صينيًا من جهة وأمريكيًا فرنسيًا من جهة أخرى.
روسيا صارت أكبر مورد للسلاح للجزائر بنسبة 67%، ثم الصين بنسبة 13%، وبعدهما تأتي ألمانيا بنسبة 11%. لكن على الجهة الأخرى فقد احتلت الولايات المتحدة الأمريكية المرتبة الأولى بنسبة 91% ضمن مزودي المغرب بالسلاح. ثم فرنسا بنسبة 8.9%، وفي المرتبة الثالثة تأتي المملكة المتحدة بنسبة أقل من 1%. ولا تبدو تلك الاختيارات غريبة على البلدين، فقد اختار كل منهما نفس الخندق الذي اختاره طيلة الحرب الباردة في السابق.
لهذا يمكن أن نستعيد لفظ التسابق مرة أخرى، فهو تسابق على توطيد العلاقات مع الحلفاء عبر شراء الأسلحة، وفتح باب أمام حلفاء محتملين عبر تقديم النفس كمشترِ جيد للسلاح لأجل الشراء فحسب. فدوافع البلدين من كل تلك الأسلحة لا يمكن فهمها إلا أنها مشتريات من أجل انتزاع لقب القوة الإقليمية الأكبر. أما الدوافع الداخلية المتعلقة بالأمن الداخلي وبحرب الصحراء، فما تمتلكه الدولتان يكفي لقيام حرب متكافئة بينهما.
وبالنسبة للجزائر فقد فرض الجيش الجزائري نفسه كلاعب أساسي في الحياة السياسية، لهذا لا يمكن استغراب ذلك الإنفاق الضخم على الجانب الدفاعي. فالجيش يُخصص لنفسه اقتطاعات كبيرة من الميزانية. وقد انتهز من اشتراك الجزائر في الحدود مع دول تمزقها الصراعات، مالي وليبيا وتونس والجماعات الإرهابية في الصحراء الكبرى، فرصةً لإنعاش وتحديث منظومته التسليحية.
أما المغرب فقد كسب مزيدًا من القوة بعد تطبيعه العلاقات مع إسرائيل، وحصوله على اعتراف أمريكي بتبعية الصحراء الغربية له. وما يرافق ذلك من دعم أمريكي للمغرب في مواجهة من يحاول انتزاع المنطقة منه. لذا فقد أشعل حادث مقتل المواطنين الثلاثة غضب الجزائر، وسوف يدفعها نحو مزيد من اقتناء الأسلحة إدراكًا منها أن الحرب، حال قيامها، ستكون حربًا مع المغرب حليف إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.
الشعب يدفع الثمن
مع كل مرتبة يرتفعها طرف من الاثنين في مراتب التصنيف العسكري والقوى الإقليمية ينخفض مرتبةَ في القدرة الشرائية لشعبه. فالبلدان يعانيان حالةً من الهشاشة الاجتماعية والتدهور الاقتصادي وارتفاع نسبة البطالة وتردي البنية التحتية. لكن رغم ذلك يستمر الطرفان في زيادة الإنفاق في التسلح على حساب قطاعات أخرى شديدة الحيوية. وهو ما يبدو غائبًا عن القيادات السياسية في البلدين، ففي حالة قامت حرب تستلزم كل تلك الأسلحة، فإنها بالتأكيد سوف تحطم الشعبين المنهكين من الأساس.
خصوصًا مع الأزمات العالمية التي تؤثر على مختلف الدول بسبب تداعيات الجائحة الوبائية. وتوجه دول العالم إلى تقديم معونات للقطاعات المتأثرة من الشعب. فالمغرب على سبيل المثال قد سجل ركودًا اقتصاديًا هو الأعلى في تاريخه منذ 24 عامًا. ولا يتوقع المصرف المغربي انتعاشًا قريبًا للاقتصاد من ذلك الركود، بل تبدو التوقعات متشائمة بعض الشيء. ويؤكد المصرف المغربي أن تعافي الاقتصاد من أزمة كورونا ومن حالة الجفاف التي ضربت المغرب محاط بالعديد من الشكوك. فقد خسر قرابة 20% من الأيدي العاملة وظائفهم، وارتفع عجز الموازنة العام إلى 7.6%، بعد أن كان 4.1% في 2019.
الجزائر لا تبدو أحسن حالًا من المغرب، فقد وجه لها صندوق النقد الدولي تحذيرات للجزائر بضرورة استعادة الاقتصاد الكلي للبلاد. خصوصًا أن الجزائر اتجهت لحالة من طبع النقود دون غطاء نقدي. وانخفض الدخل القومي للجزائر بقرابة 10 مليار دولار عام 2020 بسبب انخفاض سعر برميل النفط، وما رافقه من خفض الإنتاج الذي فرضته أوبك على أعضائها. ورغم هذا الانخفاض فإن مشتريات الأسلحة لم تتأثر، بل حافظت على مستويات مرتفعة عن الأعوام السابقة.
الشعب في الدولتين سوف يتأثر لأن أبرز الحلول التي سيلجأ لها الطرفان لحل مشاكلهما النقدية هو بطباعة العملة، ما يترك الشعب تحت رحمة التضخم، أو الاقتراض من صندوق النقد الدولي ما يعني فرض إجراءات تقشفية إجبارية على المواطنين، أو الحل الذي تفكر فيه الجزائر وهو تحصيل الضرائب غير المحصلة عبر السنوات الماضية، ما يعني أيضًا إثقالًا لكاهل المواطن، ومشاركة الدولة له في دخله القليل من الأصل.