ألكسندر دوماس: الكاتب الدنجوان والفارس المغامر
إن لم تكن قرأت رواياته، فأنت بالتأكيد شاهدت أحد أفلامه. الكاتب الفرنسي العظيم ألكسندر دوماس، الذي تُرجمت رواياته إلى ما يقرب من 100 لغة، ومُثلت فيما يقارب المائتي فيلم، فإن لم تكن قد قرأت «الفرسان الثلاثة» أو «الرجل ذو القناع الحديدي»، فأنت بالتأكيد قد شاهدت فيلم «الكونت دي مونت كريستو»، سواء في نسخته الأجنبية أو المعربة، وقد كانت هذه القصة بالذات مقررًا دراسيًا للكثيرين فى الوطن العربي.
ألكسندر دوماس لم يكن ذا خيال خصب وحسب، بل كان أشبه بأبطال رواياته، فقد كان دنجوانًا ومغامرًا أيضًا في حياته.
نشأته
ولد ألكسندر دوماس لأب عرف عنه أنه كان محاربًا شجاعًا بالجيش الفرنسي، واتصافه بالكثير من صفات النبل. وكان جده (دافي دي لاباتري) أرستقراطيًا ثريًا اشتهر بحبه للمغامرة. وقد توجه الجد في أحد الأيام إلى جزيرة، ليصبح أشبه بالملك على «الزنوج» الذين يعيشون فيها، وقد أنجبت له أحد رعاياه، (وتدعى لويز دوماس) ابنه توماس ألكسندر. وقد رفض الجد أن يحمل ابنه توماس صاحب البشرة السمراء اسمه. فما كان من الحفيد ألكسندر دوماس عندما دارت الأيام، بعد هزيمة نابليون، أن يرفض عرض أمه بالانتساب لاسم جده الأرستقراطي، وما يتبعه هذا من حقه في الحصول على الثروة والمكانة، وأن يحتفظ باسم دوماس المجهول.
اضطر ألكسندر إلى العمل كناسخ بأحد مكاتب موثقي العقود، وعلى الرغم من كراهيته للدراسة والتحصيل ومحاولات أمه العديدة معه، إلا أنه كان نهمًا للقراءة بشكل غريب، وظهر هذا في أثناء عمله كناسخ، مما أثار استياء صاحب العمل منه.
وبمقر عمله بدأ يستغل وسامته ليوقع في شباكه الفتيات الجميلات. وشعر ألكسندر بأن مؤهلاته وطموحاته أكبر من أن يضيعها في بلدة مثل بلدته الصغيرة، فرحل إلى باريس متغلبًا على فقره وإيراده الضئيل بعزيمة وإصرار لا يلين.
نقطة التحول وموقف نبيل
بباريس قابل تالما: ممثلها الأشهر في غرفته بالمسرح. والذي لم يلبث أن أعجب به، وقام بمباركته حسب طلب ألكسندر، وهو في دخيلة نفسه غير جاد بما يفعله. إلا أن هذا الفعل كان بمثابة نقطة التحول في حياة الشاب، فقد تفجر في نفسه حافز هائل جعله يشعر بأنه سيضارع الكتاب العظام أمثال شكسبير وكورني. وعكف على كتابة المسرحيات والقصص، ولم ينسَ غرامياته أيضًا في ذلك الحين، وكان يقابل بالرفض من الناشرين، إلا أن هذا لم يفت في عضده، حتى انتصر في النهاية بفضل مثابرته الحميدة.
قُبلت إحدى مسرحياته لتمثل على المسرح الفرنسي، وبدأ التجهيز لعرضها، ويفاجئ الشاب الجميع بسحب مسرحيته، لإعطاء الفرصة لكاتب عجوز لم يظفر من قبل بتمثيل إحدى رواياته.
بعدها كتب دوماس مسرحية أخرى، عن هنري الثالث، تعد من بدايات الثورة الرومانسية في المسرح في ذلك الوقت، وقد حقق بها نجاحًا ساحقًا.
زواج الدنجوان وقصص المغامرات
وتتابعت الانتصارات والمغامرات والغراميات في حياته من بعدها، فمن انتقاله من عشيقة إلى أخرى، ومرضه، واشتغاله بالسياسة، وهجرها، إلى محاولته بأن يكون رجل دين، وفقًا لأهوائه ومزاجه الشخصي، حتى أتى عليه العام 1832م. في هذا العام قابل إيدا فيرييه الممثلة الموهوبة التي وقفت لأول مرة على خشبة المسرح لتمثيل مسرحيته المسماه: تيريز، وكانت عشيقته في البداية، ثم لم يلبث أن تزوجها.
ملّ دوماس من حياة الاستقرار، ومن تأليفه للمسرحيات، فلم يلبث أن عاد إلى غراميات جديدة، وفي نفس الوقت اتجه إلى تأليف قصص المغامرات ذات الأصل التاريخي، وساعده في تحقيق ذلك عدد من المساعدين، أهمهم شاب نابه يدعى أوجست ماكيه، كان متخصصًا في الدراسات التاريخية.
أبرز أعماله
وكانت رواية «الفرسان الثلاثة» هي أولى أعماله في هذا المجال، وصدرت في العام 1844م، وتحكي عن الشاب دارتانيان المغامر الذي يقابل الفرسان الثلاثة الذين يقومون بحماية الملك، والمؤامرات الدائرة في ذلك العصر، وقد أصدر دوماس تكملة هذه القصة في العام 1845 تحت عنوان «بعد عشرين عامًا».
ورواية «الكونت دي مونت كريستو» عام 1846، التي يتآمر فيها مجموعة من الأصدقاء على إدموند دانتي، وينجحون في سجنه، ويهرب إدموند بعد ذلك من السجن ويعود للانتقام خاصة بعدما نجح في العثور على كنز.
وكذلك «الرجل ذو القناع الحديدي»، والتي تعتبر خاتمة قصة الفرسان الثلاثة، وتدور حول السجين الغامض المحبوس خلف قناع من الحديد في سجون الملك. وقد تحول العمل إلى فيلم سينمائي في العام 1998م من بطولة النجم ليوناردو دي كابريو.
وتوالت روائعه مثل «الزنبقة السوداء» و«قلادة الملكة»، وغيرها الكثير، وجدير بالذكر أن روايته الأخيرة «فارس سانت هيرمين» التي لم يكملها بسبب وفاته، قد تمكن أحد الباحثين من إكمالها لتنشر بالفرنسية في العام 2005م، ثم بعد ذلك باللغة الإنجليزية تحت عنوان «الفارس الأخير».
السخاء غير المحدود.. والمنافس
كان يعكف على الكتابة لمدة اثنتي عشرة ساعة متواصلة دونما كلل أو ملل. وقد درت أرباح قصصه عليه مكاسب كثيرة، فكان سخاؤه بلا حدود، وكان بيته لا يخلو من الزوار المتطفلين، وكثيرًا ما كان المحضر يأتيه لغرقه في الديون.
وكان له منافس قريب للغاية منه هو ألكسندر دوماس الابن، الذي كتب رائعته غادة الكاميليا»، فحققت نجاحًا مبهرًا فاق نجاح الأب، وقد اعترف الأب ببنوته له، فقد كان له العديد من الأبناء غير الشرعيين.
النشاط العجيب وآخر مغامراته
وعلى الرغم من تقدم دوماس في السن، إلا أنه كان لديه نشاط عجيب، فحاول المشاركة في الثورة التي نشبت في العام 1848م، ليقود الحرس الوطني إلى باريس، ولكنه فشل وتنازل عن ثروته لقضية تحرير إيطاليا.
في سن الثامنة والستين، خلد دوماس إلى الراحة قليلًا بعد أن انتهى من مغامرة عاطفية مع ممثلة أمريكية (كان عمرها يبلغ نصف عمره)، ماتت بعد السقوط عن جوادها مما أثر في نفسيته إلى حد كبير.
النهاية
توفي دوماس في العام 1870 ليدفن بمسقط رأسه، إلا أن الرئيس الفرنسي جاك شيراك في الاحتفال بمئوية دوماس الثانية، أمر بنقل جثمانه إلى مقبرة العظماء بباريس في جنازة مشهودة نقلها التليفزيون الفرنسي، كما جعل بيته متحفًا للجمهور.
وبالرغم من وفاته، إلا أنه ترك لنا إرثًا كبيرًا من القصص والمسرحيات الممتعة بعد حياة حافلة عاشها كمغامر حقيقي، وحتى آخر لحظة في حياته.