ألكسندر باين: العالم يسير في الاتجاه الخطأ دائمًا
7 أفلام روائية طويلة فقط تمثل رصيد المخرج الأمريكي اليوناني ألكسندر باين حتى الآن، أغلبها حقق نجاحًا جماهيريًا ونقديًا كبيرًا لقدرته على مناقشة المشاكل الاجتماعية والسياسية بذكاء والغوص فيها بشكل كوميدي ساخر يمتع للمتلقي ويظل في الذاكرة، بداية من فيلم «Citizen Ruth 1996»، و«Election 1999»، ثم «About Schmidt 2002»، و«Sideways 2004»، و«The Descendants 2011»، و«Nebraska 2013»، وأخيرًا «Downsizing 2017»، الذي يمثل الفشل الأكبر في مسيرة باين، المخرج وكاتب السيناريو الحائز على جائزتي أوسكار وخمسة ترشيحات أخرى.
غاب باين عن السينما في السنوات الست الماضية بينما يستعد حاليًا لعرض فيلمه الثامن «The Holdovers» مع ممثله المفضل بول جياماتي في نوفمبر المقبل، المقرر أن يبدأ عرضه بجولة في بعض المهرجانات العالمية ثم في صالات السينما، ومن بين المهرجانات التي أعلنت عن رغبتها في استضافة الفيلم سالونيك السينمائي الدولي الذي تسعى إدارته لجذب باين لجذوره اليونانية من آن إلى آخر، وأعادت عرض «Downsizing» في افتتاح النسخة الثانية من مشروع ايفيا السينمائي Evia Film Project الشهر الماضي.
فوجئ باين بردود الفعل بعد عرض الفيلم، حيث إن عرضه في سياق مختلف وبعد سنوات من فشله في العرض التجاري الأول، جدد حيوية الفيلم وجذب جمهور إيفيا، لأن موضوعه ملائم لفكرة مشروع إيفيا ويتناول قضايا البيئة والتلوث، التي تهدد الكوكب، نظم مهرجان سالونيك مشروع إيفيا السينمائي للعام الثاني على التوالي بدعم من وزارة الثقافة والرياضة اليونانية وبالتعاون مع بلدية إيفيا بهدف إعادة إعمار وترميم جزيرة إيفيا ثاني أكبر جزيرة في اليونان بعد جزيرة كريت ووضعها على خريطة السياحة من جديد بعد الحرائق الهائلة التي تعرضت لها في صيف 2021 نتيجة لتغيرات المناخ، والتهمت جزءًا كبيرًا من الجزيرة.
عن فيلمه الجديد وعرض «Downsizing» في إيفيا كان لنا معه هذا الحوار في إطار مائدة مستديرة ضمت بعض صحفيات اليونان:
كيف كان شعورك عندما شاهدت «Downsizing» مع الجمهور بعد أكثر من 6 سنوات من عرضه الأول؟
كنت قد نسيت الفيلم تمامًا، لأنه يعتبر أكبر فشل تعرضت له في حياتي المهنية، لم يشاهده أحد عند عرضه في صالات السينما، وكرهه الجمهور والنقاد على حد سواء، وبعد فترة أصبح كأنه لم يكن، حاولت تجاوز الأمر ونسيت الفيلم، ولكن بعد مشاهدته مؤخرًا مع جمهور إيفيا أشعر أن الزمن كان رحيمًا به فقد استمتعوا به، وبإعادة النظر بعد هذه السنوات أعتقد أنه لم يكن سيئًا لهذه الدرجة، هناك بعض الجوانب التي تميزه، على رغم من مشاكله التي أعرفها جيدًا.
وما مشكلة الفيلم من وجهة نظرك؟
فكرة الفيلم بدأت كفكرة كوميدية تدور حول حجم الأشياء المادية التي يمكن للإنسان التخلي عنها إذا كان جسده صغير الحجم، لكن الفيلم أًصبح يعكس أيضًا مجموعة من الأفكار الكبيرة عن البيئة وتغيرات المناخ وكذلك الطبقات الاجتماعية والتمييز والعنصرية والمخاطر التي يتعرض لها المهاجرون غير الشرعيين وغيرها، حاولت أثناء كتابة السيناريو مع صديقي جيم تايلور طرح كل هذه الأفكار في إطار لطيف ومرح بعيدًا عن الوعظ، لكن «Downsizing» فيلم تجاري، والمتطلبات التي تجعل منه فيلمًا تجاريًا تضع المخرج في موقف البحث عن التوازن بين الأفكار الكبيرة واللحظات الإنسانية الصغيرة التي تهمني أكثر كمخرج، لذلك تحول في النهاية إلى فيلم غريب، ومن يشاهده يشعر بهذا النزاع، فهو مثير للاهتمام لكنه غريب، ومع ذلك أحب البعض مشاهدته، لأنه مرح وممتع وشخصياته صادقة، وأعتقد أن واحدة من أهم مميزاته هي فريق التمثيل ووجود ممثلة رائعة مثل هونج تشاو التي حازت على ترشيح الأوسكار عن دورها في فيلم «الحوت»، بينما كان فيلمي من أوائل الأعمال التي ظهرت فيها وكشف موهبتها.
وهل تؤمن بأن الفيلم أو السينما بشكل عام تحمل رسائل؟
لا، لا أومن أن الفيلم يحمل رسالة أو قضية أو يسعى للتغيير، وفي حال وجود رسالة من وراء الفيلم أحب أن أعتبرها رسالة إنسانية وليست سياسية، فنحن جميعًا نعرف المشاكل البيئية والسياسية وتأثيرها السلبي على حياتنا ونتمنى حلها، ولكن يظل الأهم في النهاية اللحظات الإنسانية الجميلة وقدرتنا على الاهتمام ببعضنا البعض وتقديم المساعدة لمن حولنا، وهي النتيجة التي وصل إليها بطل الفيلم في النهاية، لا أومن بأن السينما قادرة على صنع التغيير، فالعالم يسير في الاتجاه الخطأ مع الأسف، بدليل أن كل ما تناوله الفيلم منذ 6 سنوات لا يزال حاضرًا وربما أصبح أسوأ من الماضي، وحتى قضية الإجهاض التي تناولها فيلمي الأول «Citizen Ruth» أو «المواطنة روث» مع لورا ديرن فى 1996، لا تزال تشكل أزمة كبيرة في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا كلها.
بلغت ميزانية الفيلم 68 مليون دولار وهي الأعلى في تاريخك المهني، فهل العمل بميزانية ضخمة ومع أستوديوهات هوليوود الكبرى يفرض عليك ضغوطًا كمخرج؟
نعم بالطبع أشعر بالضغط عندما أعمل مع الأستوديوهات، بخاصة في أثناء مرحلة اختيار الممثلين على سبيل المثال كتبت «Downsizing» في الأساس لممثلي المفضل بول جياماتي، فأنا أفكر فيه لكل أعمالي تقريبًا، ولكن العمل مع الأستوديو يفرض عليه شروطًا معينة، لذا لم يتمكن من الحصول على الميزانية اللازمة لإنتاج الفيلم مع وجود جياماتي بما أنه لا يعد نجم صف أول، وكان لا بد من البحث عن نجم سينمائي يقبل به الأستوديو، وفي الوقت نفسه يبدو كشخص عادي ولديه حس فكاهة ومن المريح العمل معه، ومات ديمون تنطبق عليه هذه المواصفات، وأعتقد أنه قدم الشخصية بشكل جيد وصادق وكان لديه لحظات إنسانية جميلة.
لكنك تمكنت من العودة للعمل مع جياماتي في فيلمك الجديد «The Holdovers»، كيف حدث ذلك؟
نعم، أنا سعيد جدًا بذلك، فعلى الرغم من أني أفكر فيه دائمًا فإننا قدمنا معًا فيلمًا واحدًا وهو «Sideways»، والآن تحققت أمنيتي مرة أخرى في «The Holdovers» ولكن كان علي الالتزام بميزانية صغيرة، بحيث تتاح لي حرية أكبر في العمل على فكرة وموضوع الفيلم وكذلك في اختيار الممثلين، وانتهينا من الفيلم ومن المنتظر عرضه في الخريف وأبدت عدة مهرجانات اهتمامها بعرضه من بينها سالونيك ولندن وجوتنبرج وغيرها، ونعمل على توزيعه حاليًا مع شركة الإنتاج والتوزيع.
لماذا تفكر في جياماتي دائمًا، ما سر علاقتك به؟
أعتبر علاقتي بجياماتى علاقة خاصة جدًا بين ممثل ومخرج، فنحن بيننا درجة عالية من التفاهم ولا أحتاج لكثير من الشرح والحوارات حتى يعرف ما أريده منه ومن الشخصية، وأرى أن علاقتنا تشبه الكثير من النماذج التي نعرفها في تاريخ السينما جون فورد وجون وأين، وأكيرا كوروساوا وتوشيرو ميفوني، وفيدريكو فيللينى ومارسيلو ماسترويانى، وأخيرًا مارتن سكورسيزي وروبرت دى نيرو، جياماتي أفضل ممثل من وجهة نظري ولم أحظ بهذا الشكل من العلاقة المريحة مع ممثل آخر غيره.
قدمت 8 أفلام فقط حتى فلماذا يتطلب الأمر منك عدة سنوات لتقديم فيلم واحد، وأحيانًا تصل إلى 6 أو 7 سنوات؟
هذا خطأ كبير فعلًا، أحب صناعة الأفلام وأشعر أني محظوظ جدًا لاستطاعتي القيام بذلك، ولكن المرحلة البطيئة بالنسبة لي هي مرحلة كتابة السيناريو، أتمنى أن أتمكن من صناعة فيلم في كل يوم فى حياتي، ولكني في الوقت نفسه أرى أنه من الأفضل أن يتحدث المرء عندما يكون لديه شيء ليقوله، وبالنسبة لي لست سريعًا في كتابة العمل السينمائي، وبالتأكيد كل شيء يعتمد على النص في النهاية، ومن جانب آخر لا أرفض العمل على سيناريوهات كتبها آخرون، بالعكس أحب هذا إذا توفر لدي سيناريو جيد وقريب إلى حد ما من إحساسي وأفكاري، وربما أقوم بتعديلات بسيطة تجعله أقرب لرؤيتي، ولكن على مدار مسيرتي وجدت سيناريو واحدًا فقط تنطبق عليه هذه المواصفات وهو (نبراسكا) تأليف بول نيلسون، وبالمناقشات أصبح قريبًا مني، والآن «The Holdovers» مع ديفيد هيمنجسون، فالفكرة فكرتي ولكن لم يكن لدي التجربة الحياتية التي تساعدني على كتابة السيناريو لذلك استعنت بديفيد وكنا نتناقش طوال الوقت خلال مرحلة الكتابة.
ما قصة فيلم «The Holdovers»؟
يتناول اللحظات الإنسانية بين 3 شخصيات جمعت بينهم الظروف في فترة إجازة الكريسماس، حيث تدور أحداثه في مدرسة داخلية للأولاد بولاية ماساتشوستس الأمريكية عام 1970، عن طالب لا يستطيع العودة للمنزل في إجازة الكريسماس بما أن والديه على وشك الطلاق، ومدرس غير محبوب يقع الاختيار عليه ليبقى مع الطلبة العالقين في المدرسة خلال فترة الإجازات، وطباخة المدرسة الأفريقية اﻷمريكية التي ربت ابنها بمفردها ودرس في هذه المدرسة بمعونة خيرية، ولكن عندما لم تتمكن من إرساله إلى الجامعة، تم تجنيده في الجيش، ووصلها توا خبر مقتله في فيتنام، ورغم أنه من المفترض ألا أقول هذا فإني أرى أن الفيلم جيد ومختلف، يشعر معه المتلقي أنه يعيش أجواء سبعينيات القرن الماضي، فاللعبة السينمائية التي استخدمها في التنفيذ جعلت منه فيلمًا يشبه هذه الفترة على مستوى الحالة العامة والصوت والصورة.
على الرغم من أصولك اليونانية فإن أفلامك أمريكية تمامًا، ألا تفكر في تقديم فيلم في اليونان بخاصة بعد حصولك على الجنسية في العام الماضي؟
ولدت ونشأت في أوماها، نبراسكا بالولايات المتحدة الأمريكية واقتصرت علاقتي باليونان على عدد محدود من الزيارات وكانت المرة الأولى عام 1966، وبالطبع سعدت بحصولي على الجنسية، وإذا وجدت قصة جيدة مناسبة لليونان سأقدمها، ولكن لا يتوفر ذلك في الوقت الحالي، وهي من جانب آخر جنسية أوروبية وبالتالي ستوفر لي الفرصة للعمل على أفلام سينمائية في أوروبا كلها وبلغة غير الإنجليزية، والاحتمال الأكبر أن فيلمي الأوروبي الأول سيكون في فرنسا، لأن لدي سيناريو تدور أحداثه في فرنسا.