حلب والسفير: مكر عالمي أم تتالٍ منطقي؟
نجحت أجهزة الشر العالمية في ضرب الثوار السوريين ضربة موجعة لعلها تكون سببًا في إنقاذهم من وحولة المستنقع الذي غرقوا به، إنقاذهم إلى التوحيد الحقيقي للصف الداخلي، ولكن أليس من حق السائل الآخر أن ينتقد، ويقول: لم تريدهم أن يتوحدوا على يد رجل واحد، والداعم مختلف؟ ويسأل ثالث: وهل داعمي الثورة السورية بعيدين عن محركات القوى الشرقية والغربية في تحديد هذا المسار؟!
وعلى الصعيد المقابل أليس لنا الحق في أن نقول إن ثمة عوامل داخلية تحتم على الثوّار التخلص منها، قبل كلامنا على المؤثر الخارجي على الداخل السوري؟ كل هذه الأسئلة ما زالت تطرح وما زالت المؤتمرات تجري مع جريان قتل الأنفس، اضطهاد الشعب السوري، لا بل والعراقي، واليمني، وإن حل أي أزمة في الشرق الأوسط يرتبط بالمماطلة الدولية، ونتجاوز ونقول، المماطلة المحلية والإقليمية أيضًا، ولم نعهد اجتماعًا إلا والمط والشط هو الأمل الذي لا نتعدّاه!
إن حدود سايكس وبيكو لم تساهم فقط في تقسيم الجغرافيا، لا بل تبعها أيضًا «استعمار» قام بالتقسيم النفسي، والاجتماعي، ورسم الحدود الطائفية، والإثنية، وساهم في جعل شعوب المنطقة بؤرًا من التوتر، ونقاطًا من الضعف، ليضمن بهذا عدم رجوعها إلى الوحدة، وهذا هو الهدف الأعظم والمنية الأكبر.
إننّا لن نربط لكم بين هاتين الحادثتين التي كانت إحداهما سببًا محتملًا للأخرى، أو لنصحح قولنا، أولاهما تدبيرًا محتملًا للأخرى! بل سنتكلم عن مآلات احتلال حلب على نفسية داعمي الثورة السورية، والجماهير العربية، بعدما علمنا أن القوى الداعمة لها هي من الدول المهمة في سياسة الشرق الأوسط على الأصعدة المختلفة، – نعم لن نربط – بل سنعقد مقارنة بين هاتين القضيتين لنفهم بها المكر العالمي علينا نحن، نعم نحن الذين عشنا معًا منذ قرون عدة، ولا نقول الحلبيين، أو السوريين، أو العرب فقط! بل نحن المؤمنين بالحياة مع بعضنا منذ هذه المدد الطويلة، فاحتلال حلب كُتب لها في إطارها العام أن يصنع شرخًا بين القوى الداعمة للثورة السورية ألا وهي تركيا والعالم العربي، أو على أحد التقديرات بين الجماهير التي ترى وتسمع الأحداث، وليس لها كوع ولا بوع في التغيير قدر الأنملة! وكذلك في حادثة اغتيال السفير الروسي كتب لها أن توتر العلاقات بين روسيا وتركيا.
ونقطة النظام بين هاتين الحادثتين هي أنه من المستفيد الأول؟ من الذي قد يفرح لبذر الشقاق والخلاف بين روسيا وتركيا؟ من الذي يُثلج قلبه للشرخ بين تركيا والبلدان العربية؟ إن العالم لم يعد يفرض سياساتٍ بالقوة العسكرية كما كانت عليه الدول العظمى في السابق، ولم يعد يشير بإصبعه على دولة على الخريطة لكي يحولها إلى رماد، بل بدأت الحروب في هذا الوقت تستخدم أساليب الحرب بالوكالة، واستثمار الصراعات المحلية في تحطيم الوكلاء.
لقد أبدت كل من تركيا وروسيا مواقف إيجابية على إثر اغتيال السفير الروسي، ولكن هل من الممكن أن يتعمق جرح حلب وينتقل إلى جرح تركي عربي، هل من الممكن تجاوز الخطأ النفسي العربي من البعض تجاه تركيا، نعم لم نر ردودًا رسمية تجاه هذا، ونرجو ألا يكون ثمة استخطاء نفسي بين قلوبنا، ولكن يجب أن نحذر أن المستفيد الأول يريد هذا، نعم علينا معرفة هذا جيدًا.
ويقال إن اليوم التالي لاغتيال السفير كان يوم «مناسبة العاملين في المخابرات الروسية»! والذي كلّف السيد بوتين به أجهزة المخابرات الروسية من تشديد العمل على حفظ أمن البلاد، وتشديد العيون على مصالح روسيا في العالم، وأيهم أولى بمصالحنا…
من الواضح أن الرئيسان قرّرا أن قتل السفير لن يؤدي إلى اغتيال العلاقات بينهما، ولكننا نرجو على الجهة الأخرى أيضًا مزيدًا من التعقل والعمل على تشديد الجهود في القضية السورية، فإن لم تحل القضية على الصعيد التركي_العربي، لا أعتقد أن الروس والإيرانيين أجدر من الطرف الأول في حلّها.
والذي دبّر لوضح حارس شخصي -متورط في الانقلاب يوم 15 تموز الفاشل- لرئيس جمهورية كالسيد أردوغان، لا يستبعد أن يضع مثله بالقرب من سفير! والمدبر لهذه الأعمال- إن كان من عملِ أجهزة الاستخبارات، وهو عمل مدروس دبّر بليل- سيقوم حتمًا برفع النغمة، ويوجه تهديده إلى مصالح أكبر، ليصنع منها تخريبًا أكبر يفرق به الجهود العامة التي وصلت إليها كل هذه الدول مع بعضها البعض.