ألبير كامو في ذكرى ميلاده: بين العبثية والإيجابية
اليوم 7 نوفمبر/تشرين الأول يوافق ذكرى ميلاد الأديب الفرنسي «ألبير كامو»، الحاصل على جائزة نوبل للآداب عام 1957. حيث حصل عليها وهو عمره 44 عامًا فقط، وهو يعتبر من القلائل الذين حصلوا على الجائزة في سن مبكرة.
ولد كامو عام 1913 في الجزائر، لأب فرنسي قتل عام 1914 في وسط معارك الحرب العالمية الأولى، وأم أسبانية مصابة بالصم. على الرغم من صعوبة طفولته استطاع كامو النجاح في الثانوية بتفوق، وحصل على منحة للدراسة في جامعة الجزائر، انخرط في مقاومة الاحتلال الألماني لفرنسا أثناء الحرب العالمية الثانية، وتعرف على العديد من فلاسفة وأدباء هذا العصر كجان بول سارتر.
بدأ أعماله الأدبية عام 1942 برواية «الغريب» و«أسطورة سيزيف»، وهما من أهم الأعمال التي ناقشت مفهومي العبث والتمرد، ورواية «الطاعون» التي نشرت عام 1947، وكتب رواية «المقصلة» التي تعتبر واحدة من أهم الوثائق التي تعترض على حكم الإعدام، لرواية المقصلة نسخة مترجمة للعربية على يد جورج طرابيشي. بعد حصوله على الجائزة بفترة قليلة. توفي ألبير كامو في حادث سيارة عن عمر يناهز ال47. ولكن برغم من وفاته في هذه السن الصغيرة ولكن ظل كامو في ذاكرة الأدب.
معالجة كامو للعدمية nihilism
في أحد فصول كتاب الفنان التشكيلي الكبير رمسيس يونان المعنون بـ «دراسات في الفن»، تحدث فيه يونان عن فلسفة كامو، حيث بدأ الفصل باستعراضه لإقرار نيتشه بالحقيقة الواقعة، وهي سقوط الآلهة والمثل العليا والقيم الخالدة، ومحاولات الفلاسفة لملء فراغ هذا السقوط، سواء قبل وجود نيتشه أو بعده، واستعرض معالجة أربعة من الفلاسفة لهذا الأمر وهم «كير كجورد» و«هيديجر» و«ياسبرز» و«هوسرل».
يرى يونان أن هؤلاء الفلاسفة يجمعهم اليأس من المعرفة وينتهي بهم المطاف بحلول مطمئنة خارج حدود العقل. وهذا على عكس رؤية كامو لهذه الحلول، لخص يونان وجهة نظر كامو في هذه الفقرة «أما ألبير كامو فلا يعتبر اختلاف هذه الحلول إلا نوعًا من الانتحار الفلسفي: وليس ذلك لأنه يؤمن بالعقل وقدرته على اختراق الحجب والنفاذ إلى الأسرار التي من شأنها أن تضفي معنى على هذا الوجود الذي يبدوا مجردًا من كل مغزى، وإنما لأنه لا يريد أن يتخلى عن هذا العقل بالرغم من قصوره الفاضح».
إذا نظرنا في أدب كامو فسنجد أنه يحاول الوصول لمعنى العبثية من خلال نظرتين: الأولى في حالة الفراغ والحياة الرتيبة، وهذا يظهر في رواية الغريب وأسطورة سيزيف وكذلك «الإنسان المتمرد»، والثانية هي الحروب والمهازل الكبرى وهذه ظهرت رمزيتها في رواية الطاعون.
والعبث عند كامو هو تصادم بين رغبة الإنسان المستمرة في الفهم والمعرفة، وبين طريقه إلى هذه المعرفة ومحاولة الكشف عن القانون الأعلى الذي يسيطر على الكون. وهذا ما لا يستطيع العقل الوصول له. يرفض كامو أي يقين كمحاولة لحل أزمة عدم المعرفة، سواء يقين العصور السابقة وهو اليقين الديني والإلهي، أو الإيمان الحداثي بالعلم، فهذه اليقينيات تحد من تجربة الإنسان في فهم «صمت الكون».
الانتحار والتمرد عند كامو
يرفض كامو الانتحار، فيرى أن الإنسان يتكون من جزأين، هم الجسد والعقل، الجسد يسبق العقل وأكثر رغبة في الحياة، فالجنس البشري سبب وصوله وبقاءه حتي الآن هو رغبة الجسد في الاستمرار، ويصف الجسد بأنه الأصل أما العقل الذي يصنع المنطق، وبالتالي يقود للانتحار أحيانًا فهو الفرع. يعتبر كامو أن هذا العالم يجب أن يأخذ على محمل السخرية، والانتحار يتعارض مع هذا المبدأ.
لماذا اهتم كامو بفكرة الانتحار عن غيرها من المباحث الوجودية؟ يرى كامو أن العلم في فترته الحالية لن يصل لشيء بخصوص أصل الوجود، ومع سقوط المثل العليا والإيمان بالعبثية يبقى السؤال هل تستحق الحياة المعاناة والبقاء فيها؟ يرى كامو أن هذا التساؤل الأهم واجب الإجابة.
قسم كامو في كتاباته التمرد لنوعين: تمرد ميتافيزيقي وتمرد تاريخي. «التمرد الميتافيزيقي» هو الذي يؤدي لمرحلة العبث المطلق وهذا يؤدي لنتائج خطيرة، في رواية الإنسان المتمرد وهي تركز على مفهوم القتل، والمقصود بالقتل هنا القتل الجماعي، والمذابح الكبرى وخلافه، يرى كامو أن هذه الأنواع من القتل قد تكون نتيجة التمرد الميتافيزيقي، ووضع مثل عليا كبرى ومن أجلها يتم إجازة القتل الجماعي باسم أهداف سامية، مثل تجربة ستالين. أما «التمرد التاريخي» فيقصد به تمرد الرغبة في حياة أفضل، وهذا ما يراه كامو واجبًا على إنسان العصر، حيث أن التمرد هو ما يصنع التضامن الإنساني في مواجهة صمت الكون، وهو ما يصنع الثورات والتجارب الاجتماعية المتطورة.
رحلة في رواية «الطاعون»
لرواية «الطاعون» أهمية في وصف الكوارث الحديثة، بترميز قديم الطابع. فالطاعون مرض لا يلاحظه الجميع في البدايات، مجرد موت جماعي للفئران ثم موت أحد المصابين ويزداد ويضاعف العدد بمتوالية هندسية، ويعتقد أهل المدينة المصابة أن الحادث ليس جللًا، ولكنهم يدركون هول المصيبة في المنتصف. حين تكون حياتهم معرضة للخطر، ووجودهم الإنساني، كل أسرة ستفقد أحدها على الأقل، سينتشر الجوع والهستريا والوحشية. إنها مثل الحروب العالمية والأهلية هذا ما حدث في الحرب العالمية الأولى والثانية، وكما يحدث الآن في سوريا، يبدأ كل شيء بسيطًا ثم يتحول لغول ليس له نهاية.
خاض كامو أحداث الحرب العالمية الثانية، وهو في روايته الطاعون يعبر عن هذه المأساة العبثية. في تلك اللحظات تطفوا الأسئلة الثقيلة، لماذا يحدث كل هذا؟ هل الله موجود ليعوض هؤلاء الضحايا عن حياتهم المهدرة، ولو وجد لماذا لا يتدخل لمنع الكابوس، عندها قد تتبدل الأحوال، فالمادي قد يغير عقيدته ويؤمن بضرورة وجود الله، والمثالي المتدين قد يصدم مما يحدث فيقرر الابتعاد عن الله. إنها تساؤلات الكوارث والحروب التي ستظل في مواجهة الإنسان المعاصر وسط المعاناة.