الشاهنامة: «قرآن العجم» الذي أنقذ الفارسية من الضياع
هناك مثل عربي شهير يقول: «لولا الإسلام لأكلت تغلب العرب»، تعبيراً عن القوة والمَنعة التي بلغتها قبيلة تغلب حتى كادت أن تسود الجزيرة لولا ظهور الإسلام الذي أمَّن سيادة العرب لقريش حتى الآن.
إن عدَّلنا هذا المثل قليلاً وقُلنا: «لولا الشاهنامة لأكلت العربية الفُرس» لا نكون أبدًا مُبالغين. فلولا هذا الكتاب الملحمي لانصرف الفُرس عن الفارسية وانصهروا في بوتقة العربية حتى الآن.
فما قصة هذه الستين ألف بيتٍ شعري التي منحها الفُرس مكانةً لم يصل إليها أي مخطوط آخر؟
تعني «الشاهنامة» «كتاب الملوك» أو «ملحمة الملوك»، وهي لم تتوقف عن إخبار الأخبار وإنما تطرقت إلى صنوفٍ شتى من المعرفة الإنسانية كالفلسفة واللغة والعبرة والعشق والفلسفة والتاريخ.
وبالرغم من أن الشاهنامة حكت عن قصص موغلة في القدم، لأبطال إيرانيين فإنها لم تقع في فخ المحلية أبداً، وإنما تجاوزت كل حدود العرق والدين والجغرافيا والزمن.
بلغ أبياتها 60 ألفاً، امتزج فيها الواقع مع التاريخ مع المغامرة، والشعر بالنثر والأغاني، جعلتها أقدم وأطول قصيدة في تاريخ البشرية، فحجمها يبلغ 7 أضعاف ملحمة هوميروس.
إلا أنها ضمنت لنفسها مكاناً بارزاً في عقول وقلوب كل من يقرأها، فعشقها كل الإيرانيين مهما اختلفت أحوالهم وأنظمة حُكمهم، كما وقع في غرامها العثمانيون والمغول، ولا تزال حتى الآن تحظى بالتبجيل في العديد من البلدان مثل تركيا وجورجيا وطاجيستان.
ألهمت صنَّاع العديد من الأعمال الفنية مثل «اسمي أحمر» (My Name is Red) للروائي التركي أورهان باموق، و«عدَّاء الطائرة الورقية» (The Kite Runner) للأديب الأفغاني خالد حسيني، كما رسمت من وحيها الفنانة الإيرانية شيرين نشأت سلسلة لوحات خالدة.
ويعتبر الكثيرون أن مكانة الفردوسي في الثقافة الإيرانية لا تقل أبداً عن مكانة شكسبير عند الإنجليز ولا هوميروس عند اليونانيين، لأنه تمكَّن من الحفاظ على الثقافة الفارسية من الضياع في عصرٍ كادت اللغة العربية تكتسح فيه كل شيء.
يقول المستشرق الإنجلیزی إدوار كوویل (Edward Cowell):
وبالرغم من أن هذا الكتاب الذي يُؤرِّخ لملوك إيران في مرحلة ما قبل الإسلام، لم يحظَ بالكثير من الترحيب الرسمي في كنف الثورة الإسلامية الخومينية إلا أن أحداً لم يملك أبداً مصادرته من أرفف المكتبات ومن قلوب الإيرانيين الذين لطالموا تمسَّكوا بأهداب أمجادهم الإمبراطورية.
حاربوا الظلام العربي بملاحم الأجداد
تقول الباحثة نهال حمدي في أطروحتها «يزدجرد الثالث في شاهنامة الفردوسي»، إن إيران من أكثر البلاد التي اشتهرت بالشعر القصصي وتدوين التاريخ، وترعرع على أرضها الكثير من الشعراء الذين راجت قصائدهم، ويرجع ذلك إلى المخزون القصصي الهائل لدى الإيرانيين، والذي استقوا جزءاً منه من الهنود بحُكم انتمائهم جميعاً لذات الجنس الآري، لكن الهنود سبقوهم إلى رواية القصص ومزجها بالأساطير والخرافة.
وتضيف:
كان «الأفستا» هو أول كُتب فن الملاحم في إيران، وبعدها كرَّت مسبحة إصدار هذه النوعية من الأعمال بتشجيعٍ من القادة الساسانيين الذين حكموا الأراضي الفارسية حتى عام 652م، فظهرت أعمال مثل «كارنامة أدشير» الذي يحكي قصة أردشير بابكان مؤسس الدولة الساسانية، و«أياتكار زريران»، الذي دُوِّن في القرن الخامس الميلادي، ويدور حول حربٍ خاضها الإيرانيون بسبب اعتناقهم ديانة زرادشت، و«دينكرت» المؤلف من 9 مجلدات تدعو للدين الزرادشتي، وأخيراً «خداي نامة»، الذي أُلف في عهد كسرى أنوشيروان.
وفيما بعد، حرصت الأسر الإيرانية الحاكمة على هذه العادة وكتابتها على أوراقٍ مصنوعة من جلود الحيوانات ولحاء الأشجار، وكان أول كتاب يضم أجزاءً من أساطير الفرس القديمة هو كتاب «الأفستا»، الذي يتجاوز عمره الـ 3 آلاف عام، ويُعدُّ أقدم وثيقة تاريخية مكتوبة تعكس المراسم والأفكار والطقوس الدينية للمجتمع البدائي الإيراني، وصوَّر الملوك بحالة من القدسية رفعتهم إلى مرتبة الآلهة كأحد أشكال التأثر بالأساطير الهندية واليونانية، ووُصف هذا العمل بأنه «الكتاب المقدس للديانة الزرادشيتة».
وبعد أعوام خيَّم فيها الحُكم العربي على جنبات فارس، انطفأت فيها شعلات معابد المجوس، وحُوربت الزرادشيتة باعتبارها هرطقة مُعادية للإسلام، ومنذ عهد الدولة الأموية بذل ولاتها جهوداً كبيرةً لصبغ الإيرانيين بالثقافة العربية ودمجهم في كيان الدولة الإسلامية.
ومنذ أن دانت السُّلطة للسامانيين عام 819م، سعوا لإحياء مجد أمتهم الفارسية، بعد أن استقلوا بها عن الحُكم العربي، وأرادوا بعث الهوية الإيرانية من تحت الأنقاض مُجدداً، فأعلنوا إعادة الاعتماد على الفارسية كلغة رسمية للدولة مع تنقيتها من أي ألفاظٍ عربية، وأحيوا العادات والتقاليد الإيرانية القديمة، وسعوا بكل السُّبُل لزيادة معدلات ضخِّ القومية الإيرانية في شرايين الدولة.
وكان أحد وسائل «الضخ الفارسي» هو الشاعر الفردوسي.
لا يُعرف عن حياة الرجل الكثير، عدا أنه مسلم شيعي، اسمه هو أبو القاسم منصور بن حسن بن شرف شاه، وُلِد في مدينة «طوس»، إحدى مدن خراسان شمال شرق إيران، في النصف الأول من القرن الرابع الهجري، وانتمى لعائلة إقطاعية على درجةٍ من الثراء عُرفت بلقب «دهقان» (Dehqan) الذي كان يُطلق على مُلاك الأراضي، ما ساعده على تكريس حياته لشِعره، تزوَّج مرة واحدةً وأنجب مرتين.
أما عن لقب «الفردوسي»، فلا نمتلك رواية يقينية عن الوسيلة التي امتلكه بها، البعض قال إنه تحلَّى به بسبب امتلاك عائلته بساتين يانعة كالفردوس، وآخرون ذكروا أن السلطان محمود توَّجه به بسبب جزالة ألفاظ شِعره.
ويبدو أنه حقَّق شهرة شعرية كبيرة في زمنه أهلته ليتلقى تكليفًا من الملك الساماني منصور الأول عام 307هـ بتأليف ملحمة تختصر تاريخ البلاد القديم بين دفتي كتاب، وتحكي تاريخ 4 آلاف سنة عاشتها الأمة الفارسية منذ فجر التاريخ وحتى الفتح الإسلامي، وهي المهمة التي حاول تنفيذها الشاعر الفارسي الشهير أبو منصور الدقيقي، لكن القدر لم يواته الفرصة بعدما توفي عقب نظمه ألف بيتٍ فقط من «الشاهنامة» الخاصة به حكت قصة صعود الحكيم/النبي زرادشت.
يحكي أبو القاسم أن الدقيقي ظهر له في المنام وحثَّه على استكمال مسيرته انطلاقاً من الألف بيت التي وضعها، لاستكمال مهمته في حفظ التاريخ الفارسي والزرادشتي.
وعد لم يتمكن من تنفيذه بعدما استغرق ما بين 25 عاماً و30 عاماً لتنفيذ مهمته، بعدما تضافر ثراء الميثولوجيا الفارسية مع عبقرية الفردوسي الفنية وحماسه الشديد لقوميته الإيرانية التي ما كان لها أبداً أن تخضع للحكم العربي لمنحه كل الأسباب الوجيهة للصبر على عمله حتى يخرج إلى النور في أكمل وجه.
قَبِلَ الفردوسي بالمهمة وغادر البلاط الساماني واعداً الملك بإنجازها في أقرب وقتٍ ممكن.
اجتهد الفردوسي في قراءة كل سير الملوك التي سبقته مثل «خداي نامة» الذي ترجمه ابن المقفع إلى العربية في القرن الثاني الهجري تحت عنوان «تاريخ الرسل والملوك»، ووجَّه الفردوسي الشُّكر إلى صاحبه في مقدمة كتابه لأنه «نهب الأرض من أجل إبقاء المعلومات التي استقاها من الكهنة الزرادشتية حيَّة».
وبخلاف هذا العمل، اطَّلع الفردوسي أيضاً على عددٍ من الشاهنامات النثرية كشاهنامة أبي المؤيد البلخي وشاهنامة أبي منصوري التي وُضعت في زمنٍ مُعاصر لحياة الفردوسي.
بعدها عمل على استيعاب كل دقائق التاريخ الفارسي عبر الكتب والحكايات الشفوية حتى استودع مخزونها داخل عقله وبات قادراً على التعبير عنها شعراً، ليكون خير مُعبِّر عن المقولة الفارسية «القصص تتناقل من صدر إلى صدر».
سعى الفردوسي لاعتصار كل هذه الجهود واستقطارها في عملٍ واحد يُخلِّد حكايات الملوك الفرس العظام علاوة على عددٍ من القصص الكلاسيكية ذات الحيثية الكبيرة في العقلية الفارسية مثل قصص حب خسرو وشيرين، بيزهان ومنيزه، وأساطير البطل رستم.
في البداية، قرر المسعودي الاعتماد على أسلوب «المثنوي» (يُسميها الشعراء العرب «المزدوج») في عرض شِعره، وهو قالب شعري يُبنى على الأبيات المستقلة التي تنتهي بقافية واحدة، اعتمد عليه الشعراء الفرس منذ بداية القرن الثالث في أعمالهم التي تتغنى بقوميتهم الإيرانية وتهجو العرب، وفي النهاية قدَّم 62 قصة في عمله عبر 990 فصلاً مُفصَّلة إلى أكثر من 50 ألف بيت.
اعتنت الشاهنامة بتاريخ أكثر من 50 ملكاً (منهم 3 نساء) تبادلوا حُكم فارس، بداية من سلالة البشداديان (Pishdadiyan) الأسطورية التي وضعت أول بذور الحضارة الفارسية وحاربت قوى الشر، وبطل هذا الجزء هو الشاه غيومارت، الرجل الأسطوري الذي علَّم البشر جميعاً فنون الحياة، وحتى الساسانيين السلالة المجيدة التي حكمت إيران وصنعت منها إمبراطورية عُظمى وأنهاها بزوغ الدولة الإسلامية من الجزيرة العربية، فكان آخر ملك فارسي عبَّر عنه هو يزدجرد الثالث الذي ذهبت دولته في معركة القادسية على يدي الصحابي سعد بن أبي وقاص وجنوده، الذين وصفهم الفردسي بأنهم «جيوش الظلام».
أفرد المسعودي 886 بيتاً كاملين لحكاية قصته الحزينة التي انتهت بانحناء الفُرس أمام العرب لأول مرة في تاريخهم، والتي يُمكن تتويجها ببيتين شعريين أتيا على لسان رستم قائد الجيوش الفارسية قال فيهما:
وبالرغم مما عُرف عن الفردوسي بكونه مُسلماً شيعياً إلا أنه تخلَّى تمامًا عن الثقافة الإسلامية خلال عمله ولم يضم أي جانبٍ منها خلال الأبيات ولو عَرْضاً كعادة كتَّاب عصره، وإنما اعتمد بشكلٍ كامل على الأساطير الفارسية القديمة لعرض مادته.
يقول الكاتب المصري تامر مندور: وصفت الشاهنامة نشوء الحضارة الإيرانية وتطورها، وقصَّت تاريخ الإيرانيين بملوكهم وأبطالهم وكبرائهم في القرون المتطاولة، وأظهرت عما كان بينهم وبين الأمم المجاورة من عداء ومودة وحرب وسلم. فهي المنظومة العجيبة التي تتناول حوادث قرون وأمم كثيرة.
ولهذا فإن قصص الفردوسي لم تتقوقع فقط في حدود إيران وإنما شملت أيضاً قصصاً كثيرة لها علاقة ببلاد فارس جرت بعض أحداثها في مصر وفلسطين وروما والهند واليونان والصين.
ويعتبر دكتور الأدب مصطفى البكور أن الهدف الأصلي من هذه القصص ليس مُجرد نظم وقائع ملوك إيران وحواديتهم، بل محاولة طموحة من الفردوسي لرسم ملامحِ الملكِ المثاليِّ أو الحاكم النموذجي القادر على تلبية آمال الشعب، ولهذا فإن الفردوسي لم يكن في هذا العمل مؤرخاً بقدر ما كان حكيماً وفيلسوفاً، يعرض التاريخ لا لتوثيقه وإنما لأخذ العبر منه والاتعاظ من أخطائه.
خلال سنوات إعدادها الطويلة أُطيح بالسامانيين الإيرانيين الشيعة من الحكم وتولَّى أمور البلاد بدلاً منهم الغزنويون التركمان السُّنة.
لم يجد الفردوسي بداً من السفر إلى غزنة (تقع الآن ضمن حدود أفغانستان) في سنة 389هـ/999م، ليهدي عمله إلى سُلطانها محمود بن سبكتكين، الذي لم يُعرف عنه ولعاً كبيراً بالثقافة الفارسية كسلفه بسبب أصوله التركمانية.
وبالرغم من أن الروايات التاريخية تزعم أن بلاط السُّلطان كان مؤلفاً من 400 رجلٍ من أنجب الشعراء، فإن الفردوسي نجح في جذب انتباه الملك بملحمته الفريدة حتى إنه أسكنه في قصره وأمر بإمداده بكمٍّ هائل من المخطوطات التاريخية ثم أمره بعدها بضمِّ أحداثها إلى ملحمته على وعدٍ منه أن يُعطيه ديناراً ذهبياً نظير كل بيت.
أثارت المكافأة الضخمة لعاب الفردوسي فاجتهد قدْر وسعه لتأليف ملحمة ضخمة شاملة حافلة بأكثر من 50 ألف بيت شعري طمح وطمع إلى أن تُدرَّ له دخلاً هائلاً.
وعندما انتهى من عمله خابت آماله، بعدما استكثر بعض بطانة السلطان محمود العطاء الضخم المتوقع فأوغروا صدره عليه بدعوى أنه «شيعي زنديق»، فاستجاب لهم الرجل وكافأ الفردوسي بثلاثين ألف درهم فضي بدلاً من 50 ألف دينار ذهبي
أغضب هذا التقهقر السُّلطاني الفردوسي وأراد التعبير عن احتقاره لهذا العطاء غير المكتمل فوزَّع الأموال في حانة على خادم الحمَّام وبائع الشراب وباقي الحضور.
أغضبت هذه الواقعة السلطان محمود فأمر بالقبض عليه، لكن كان نجح في الهرب إلى مدينة شيرزاد في طبرستان حيث عاش في كنف أميرها شهريار، حيث نظم قصيدة يهجو فيها السلطان محمود، خشي الأمير شهريار من أن تصل هذه الأبيات القادحة إلى الرجل وتشتعل الحرب بينهما فاشترى القصيدة بمائة ألف درهم وأتلفها لكن تسرَّبت منها بعض الأبيات.
غادر بعدها الفردوسي إلى بغداد، وكتب فيها قصة شعرية طويلة عن يوسف وزليخا، ثم عاد إلى طوس وكان حينها شيخاً في السادسة والسبعين من عُمره، ونظم فيها آخر أبياته التي قال فيها:
وتحكي المرويات التاريخية أن السلطان محمود في أحد الأيام كان يتجوَّل في مملكته فسمع بيتاً من الشعر، أُعجب بروعة لغته وجزالة ألفاظه، ولما سأل عن صاحبه عرف أنه الفردوسي، فأبدى ندمه على ما فعله معه، فأرسل إلى منزله في طوس قافلة تحمل مكافأة سخية ورسالة اعتذار حارة.
لكنها فور دخولها المدينة حتى التقت بجنازة الفردوسي، الذي تمتَّع بموهبة كبيرة لم تشفع له أن يعيش حياة سعيدة ومات فقيراً منكسر القلب، ودُفن في بستانه الخاص بعدما رفض أهالي المدينة دفنه في مقبرته بسبب مذهبه الشيعي.
ولمَّا عرض الوفد السلطاني على ابنته هبتهم المتأخرة عشرات السنوات رفضتها.
وحتى الآن لا يزال قبر الفردوسي قائماً، وأعلنت الحكومة الفارسية إدراجه ضمن قائمة المعالم الوطنية منذ العام 1962م، وهو يُشكِّل مقصداً دائماً لكل محبي الثقافة الفارسية حول العالم، في إطار اهتمام الشاه بتوطيد دعائم القومية الفارسية في نفوس شعبه.
القرآن الفارسي
بحلول القرن 14 الميلادي، اعتاد كل ملك فارسي جديد أن يأمر بكتابة نسخة جديدة من الشاهنامة، تُوضع فيه حكاياته وقصصه، وتُزوَّد برسوم يقوم بها أفضل خطاطي العصر.
وهو ما أدى لزيادة حجمها الأصلي من 50 ألف بيت إلى 60 ألف بيت تقريباً وشيوع عددٍ كبير من الاختلافات بين النُّسخ المتداولة، كما أن هذا الطقس منحنا كماً كبيراً من المخطوطات المُصوَّرة لهذا النص المُدهش، التي ظهرت في العصور المغولية والتيمورية والصفوية، والقاجارية انتشرت في المتاحف والمكتبات في جميع أنحاء العالم، في روسيا، والقاهرة، وإسطنبول، وبرلين، وبومباي، وطهران، وطشقند.
ليكون حظها أفضل من حظ المخطوطة الأصلية للعمل والتي لم تصلنا أبداً، أما أقدم نسخة متداولة بيننا فهي مكتوبة بعد وفاة الفردوسي بأكثر من 200 عامٍ.
وبدءاً من القرن الثالث عشر تُرجمت إلى العربية لأول مرة على يدي الفتح بن علي البنداري، كما قدَّم عبد الوهاب عزَّام ترجمةً أخرى لها في القرن العشرين الميلادي أكثر اكتمالاً ونُضجاً.
في العام 1838م ظهرت ترجمتها الفرنسية، وهي الأولى بأي لغة غربية، واعتمدت على المقاربة بين 35 مخطوطة وبلغ حجمها 7 مجلدات. هذه النسخة الفرنسية اعتمدت عليها النسخة الإنجليزية الأولى التي قام بها المترجمان وارنر وآرثر وإدموند وارنر وظهرت إلى النور عام 1905م وبلغ حجمها 9 مجلدات! وفي العام 1966م ظهرت نسختها الأولى باللغة الروسية.
ولقد تأثر بها العديد من كبار الأدباء الأوروبيين مثل الشاعر الفرنسي لامارتین (1790-1869م) الذي قدم شرحاً لقصة رستم، إحدى قصص الشاهنامة، كما أشاد بها الشاعر الألماني غوته.
كما أحدثت أثراً هائلاً في الأدب الفارسي لا يزال ملموساً حتى الآن، وإزاء هذه المكانة لم يكن غريباً أن يُطلق الأديب الإيراني محمد تقي بهار، المعروف بِاسم ملك الشعراء، على الشاهنامة اسم «قرآن العجم»، وهو إعادة صياغة لذات الصفة التي ألصقها المؤرخ الشهير ابن الأثير بـ «الشاهنامة»، والتي أسماها «القرآن الفارسي».