الساعدي القذافي: خليفة مارادونا الذي اعتاد تعذيب زملائه
كونك ابنًا لرئيس بلدٍ من أكبر مصدري النفط في العالم، فربما كان ذلك دافعًا للكسل والتراخي، فحياتك وحياة أبنائك مؤمّنة دون عناء، لكن ماذا تفعل إذا كانت مواهبك أكبر من ذلك، ولا تحب الكسل والخمول؟
سيصير الاختيار بين تلك المواهب أمرًا محيرًا، لكن الأفضل أن تحاول استخدامها جميعًا إن استطعت، هذه قصة الساعدي القذافي وهو أحد القلائل الذين نجحوا في ذلك، دعنا نبدأ.
في بيت القذافي
ولد في عام 1973، وهو الابن الثالث من بين سبعة أبناء للزعيم الليبي السابق معمر القذافي. قضى طفولة مرفهة كإخوته، لكنه لم يكن مهتمًا بالتعليم مثلهم، حيث درس أخوه «سيف الإسلام» الاقتصاد في فرنسا، ودرست أخته «عائشة» القانون في بريطانيا، لكن الساعدي ومنذ طفولته، تعلق بشيءٍ واحدٍ فقط: كرة القدم.
في تلك الفترة لم تكن كرة القدم الليبية في أفضل فتراتها، بل كادت أن تختفي تقريبًا منذ تولي والده الحكم، وفُرضت عليها الكثير من القيود، من وجهة نظر الزعيم كانت «الرياضة نشاطًا عامًا يجب ممارسته بدلاً من مشاهدته» على حد تعبيره في الكتاب الأخضر الشهير.
لكن الطفل الذي أحب اللعبة بجنون، أخذ على عاتقه أن يغير وجهة نظر والده عنها، ورويدًا رويدًا بدأ يقتنع وينزع قبضته ويسمح ببعض التطور، واستمر ذلك حتى عام 1996، حين تولى الساعدي رئاسة اتحاد كرة القدم بنفسه.
نجح الساعدي في إعادة كرة القدم الليبية للواجهة مرة أخرى بالفعل، وتعاقد مع أشهر المدربين ليرفع مستوى المنتخب، كان منهم كارلوس بيلاردو الذي قاد الأرجنتين لكأس العالم 1986.
شهدت هذه الفترة الكثير من إثارة الجدل، لعل أبرزها هو ما حدث في 11 يوليو 1996، حين واجه أهلي طرابلس نادي الاتحاد، واتخذ الحكم عدة قرارات لصالح الأهلي الذي شجعه الساعدي، وهو ما استفز الجمهور في المدرجات، وهتف ضده وضد ووالده، قبل أن تدخل فرقة عسكرية للملعب وتفتح نيران أسلحتها على الجماهير، وبينما اعتقد البعض أنها ستهددهم فقط وتطلق في الهواء، بدأت الدماء تسيل على جنبات المدرج، وقتل عدد كبير في ذلك اليوم يقدره البعض بأكثر من خمسين شخصًا.
خليفة مارادونا
الآن يبلغ الساعدي 27 من عمره، وإن كانت كرة القدم في البلاد كلها تحت سيطرته فهو لم يرضَ بذلك ولم ينسَ حلمه الطفولي القديم، يريد أن يلعب كرة القدم بنفسه، وأن يحييه الجمهور في الشوارع، كان مغرمًا بمارادونا وأراد أن يصبح مثله.
ماذا ينقص الساعدي ليمارس اللعبة؟ لا شيء، عليه أن يختار النادي الذي يريده والمركز الذي سيلعب فيه فقط، وهو ما حدث بالفعل ووقع الاختيار على نادي الاتحاد واختار اللعب كمهاجم، ولعب مع الاتحاد لفترة، قبل أن ينتقل إلى أهلي طرابلس، ويصير لاعبًا ورئيسًا للنادي في الوقت نفسه.
في هذه الفترة مثل الساعدي عنصرًا دائمًا في المنتخب الوطني وقائده، واستبعاد مدرب له كان كافيًا لإقالته خلال ساعات كما حدث مع الإيطالي فرانكو سكوليو في عام 2002، ولم يسجل مع المنتخب سوى هدفين، واكتفى بهذا الفيديو كأشهر لقطة له في مسيرته الدولية.
شارك الساعدي خلال الفترة من «2000-2003» في نحو 80 مباراة، كان النجم الأوحد رغم أنف الجميع، ومرر الجميع الكرة له ونفذوا تعليماته لأن البديل كان سجن «أبو سليم» بكل بساطة، أو ربما مصير مجهول كمصير «بشير الرياني».
بشير كان لاعبًا ومدربًا ليبيًا معروفًا وكان صديقًا للساعدي في فترة من الفترات، لكنه في لحظة تحدث عن الساعدي بشكل لم يعجبه وقال إنه لم يمتلك القدرات ليكون لاعب كرة قدم من الأصل، وهو ما أثار غضب الساعدي، فاستدعى بشير لاستراحته، ثم اختلفت الروايات بعد ذلك في طريقة مقتله، ورغم تبرئة المحكمة الليبية للساعدي من هذه التهمة قبل عامين، فإن الجميع بمن فيهم أولاد اللاعب السابق، ما زالوا يتهمون الساعدي في مقتله.
رحلة احتراف
على ما يبدو فإن الساعدي لم يرَ في الأندية الليبية مكانًا مناسبًا لموهبته، وقرر أن يخوض رحلة احترافية لعله يجد البيئة المناسبة للتألق والازدهار، وكان قراره بالاتجاه نحو إيطاليا، حليف والده الجديد.
كان الساعدي جزءًا مهمًا في المفاوضات والاتفاقات التجارية الجديدة التي أعقبت فك الحظر العالمي عن ليبيا مطلع الألفية، وكان العنصر الأبرز في عملية استثمار ليبيا، ممثلة في «الشركة الليبية العربية للاستثمار» في يوفنتوس عام 2000، حين اشترى 5.3 % تقريبًا من أسهم الفريق، وأراد اللعب هناك لكن لم يتمكن من ذلك.
لم تأتِ الفرصة في يوفنتوس كما تمنى، لكنها جاءت في بيروجيا، الذي كان يرأسه في ذلك الوقت لوتشيانو جوتشي، رجل مجنون بالظهور والشهرة، وله علاقات ممتدة بالسياسيين ورجال الأعمال المهتمين بتوطيد العلاقة بنظام القذافي.
أعلن جوتشي تعاقده مع الساعدي في عام 2003، والذي ارتدى رقم 19 واكتفى باسمه فقط على القميص دون اسم العائلة، قد خمنت السبب بالطبع، لئلا يعتقد البعض زورًا أنه وصل هناك بالعلاقات وليس بموهبته.
يعتقد البعض أن هذه الصفقة كانت بطلب من بيرلسكوني شخصيًا، لكن ابن «جوتشي» أكد لـ «بليتشر ريبورت»، أن ذلك كان نابعًا من والده دون تأثير، هو أراد الشهرة وأن يذكره الناس بأي شيء، والساعدي ضمن له ذلك، وجعله ضيفًا دائمًا في الصحف والتلفاز.
ظهور الساعدي مع بيروجيا تأخر قليلًا بسبب إصابة في الظهر، وبعد عودته وفي مباراته الأولى على دكة الاحتياط، خضع لاختبار المنشطات بشكل عشوائي، وللصدفة، خرجت نتيجته إيجابية، وتقرر إيقافه لمدة 3 أشهر.
يبدو أن الساعدي حاول التعلم بالفعل، وقد استقدم العداء الكندي بن جونسون الأشهر في العالم في ذلك الوقت لأجل مساعدته في زيادة سرعته، وتعاقد مع مارادونا لتعليمه بعض المهارات، لكن لم تفلح محاولات الثنائي معه للأسف.
بعد العودة من الإيقاف، لم يشارك الساعدي مع بيروجيا إلا في مباراة واحدة كانت ضد يوفنتوس، ويعتقد أن ذلك كان شرطًا في العقد، ولم يلمس الكرة خلالها سوى مرات معدودة.
في أحد الأيام، أقام الساعدي حفلة بمناسبة تقدم ليبيا بملف لاستضافة كأس العالم 2010، وأنفق عليها عشرات الملايين، وكانت مجرد حجة ليلتقي بالممثلة الشهيرة نيكول كيدمان الذي أراد مواعدتها، وقد دعاها إلى الحفل بالفعل، وحين جاء الموعد داهمت الساعدي آلام الزائدة وخضع لجراحة ففاته الحفل، ولم تفكر كيدمان في الحضور من الأصل واعتذرت.
انتقل الساعدي بعد ذلك إلى أودينيزي، ولا توجد كرة قدم لنحكي لك عنها، لم يلعب سوى 20 دقيقة أخرى في مباراة محسومة، لكن كانت فترته مليئة بالترف والبذخ كما تعود.
استأجر طابقًا كاملًا في أشهر فنادق المدينة كما فعل في بيروجيا، ومنح كلبته «دينا» غرفة مخصصة وسريرًا، ومارس العديد من الطقوس الغريبة، كان يطلب الكثير من الكافيار، واستنفدت زوجته مخزون اللبن في الفندق لأنها كانت تفضل الاستحمام به، هذه معلومات غريبة وتافهة على الأرجح، لكن هذه بالفعل كانت مسيرة الساعدي في إيطاليا، ليس أكثر من ذلك.
انتقل بعد ذلك إلى سامبدوريا لكنه لم يشارك معهم، ولا يوجد عن هذه الفترة سوى دعوى أقامها عليه فندق أقام به لمدة 40 يومًا بسبب أنه تخلف عن سداد الفاتورة التي بلغت 392 ألف يورو، رغم أنه ترك سيارته الرياضية التي تبلغ الملايين خلفه في الفندق أيضًا.
في ذلك الوقت، قرر والده أن يمنعه من استكمال مسيرته ووقف عقبة في سبيل تحقيق حلمه، حين أمره في عام 2007 بالعودة من إيطاليا، وحينها انتهت رحلته الاحترافية قبل أوانها للأسف.
مغامرة جديدة
عاد بعد ذلك لمتابعة عمله في ليبيا، تولى اتحاد الكرة من جديد، وأدار شركته «تايم أويل» العاملة في تكرير النفط، وعاد لقيادة كتيبته في الجيش، صحيح، نسينا أن نخبرك، الساعدي ترقى في الجيش حتى وصل إلى رتبة عميد، من الجيد تعدد المواهب فعلًا.
مغامرة الساعدي التالية كانت نحو هوليوود، كان الساعدي شغوفًا بالسينما منذ الصغر، وكانت لديه أفكار عن أفلام عديدة أراد إنتاجها، وضخ في شركته التي أسسها نحو 100 مليون يورو، وقد أنتجت بعض الأفلام بالفعل، لكنها لم تستمر طويلًا.
قامت بعد ذلك في ليبيا ثورة 17 فبراير، وشارك الساعدي حينها على رأس كتائب القذافي في قمع الثورة، لكنه فشل في أغلب مهماته، وأدرك أن الخسارة قادمة، ففر إلى النيجر خوفًا من أن يدركه الثوار، وهناك ألقي القبض عليه، وتم تسليمه لليبيا وسجن هناك.
وجهت له العديد من التهم، وظهر في عدة فيديوهات يعترف بجرائمه، واستمر في السجن لسنوات، لكن أفرج عنه قبل أسابيع، طبقًا لاتفاق مع الحكومة الوطنية الحالية.
يتواجد الساعدي الآن في تركيا، وبعض الأخبار تقول بأن هناك مغامرة قادمة للساعدي وأخيه سيف الإسلام، حيث يبدو الثنائي عازمًا على خوض الانتخابات الرئاسية من جديد، كانت حياة الساعدي ورحلته مع كرة القدم غريبة، لكن عودته للحكم لو حدثت ستكون أغرب شيء ممكن تخيله، لكن لم يعد شيء يثير دهشتنا في هذا الرجل صاحب المواهب المتعددة.