النحاس وميدو وإيهاب جلال: هل يتطور التدريب حقًا في مصر؟
من المؤكد أنك تعرف تلك المقولة جيدًا. فهكذا كان يصف المعلق العبقري ميمي الشربيني مهنة التدريب بمجرد أن تلتقط الكاميرا أحد المدربين غارقًا في التفكير خلال مباريات الدوري المصري في مشهد متكرر آلاف المرات خلال حقبة ربما انتهت باختفاء كابتن ميمي نفسه عن الأنظار.
لكن ترى أي المدربين تحديدًا جال بخاطرك وأنت تستعيد هذا المشهد الكلاسيكي. الحقيقة أن الإجابة مهما تنوعت فهي لن تخرج عن عدد محدود من الأسماء التي تمحورت حولها مهنة المدير الفني في مصر.
قبل ما يزيد عن عشرة أعوام فقط من الآن كانت أسماء مثل: فاروق جعفر وأنور سلامة وطه بصري وطلعت يوسف ومختار مختار ومحمد عامر وحلمي طولان تتعامل مع مهنة التدريب في مصر فيما يشبه بلعبة الكراسي الموسيقية.
بعض تلك الأسماء اختفت والبعض الباقي بقي ثابتًا كصخر يتلقى أمواج التغيير دون أن يكترث. موجات حملت لنا أسماء مثل حسام البدري وطارق العشري وحسام حسن، ثم أخيرًا جاءت الموجة الأخيرة بتحمل أسماء مثل عماد النحاس وأحمد حسام ميدو وإيهاب جلال.
تلك الموجة الأخيرة تبدو مختلفة بالفعل لأنها تعبر بشكل حقيقي عن عدد من المتغيرات في صميم الكرة في مصر. لقد أصبح المشاهد المصري منفتحًا على الكرة الأوروبية وأصبحت ألفاظًا مثل الاستحواذ وركن الحافلة وشجرة الكريسماس ألفاظًا مستساغة في نقاشات الكرة في مصر.
هذا التغير انتقل من المتفرج إلى قنوات التحليل في خطوة منطقية لمواكبة ما يفضل المشاهد رؤيته ثم أخيرًا يزعم البعض أن هذا التغير الجذري والمنفتح على الكرة العالمية وصل أخيرًا مهنة التدريب عن طريق الثلاثة المدربين ميدو – عماد النحاس – إيهاب جلال.
فهل يحمل الثلاثي بالفعل تطور جديد للكرة المصرية أم أنه تطور شكلي فرضه المناخ الجديد للكرة في مصر دون تأثير جوهري. دعنا نبدأ مع العالمي ميدو.
ميدو: تأثير هام لكن خارج الملعب
يبدأ المدرب المصري رحلته عادةً من بوابة أندية الدرجة الثالثة أو كمساعد لعشرات السنين في أحد الأندية الكبرى. يؤمن المسئولون عن الكرة في مصر أن المدير الفني لن يكتسب احترام اللاعبين إلا إذا خالط الشيب شعره وذاق مرارة التدريب في ملاعب لا خطوط لها. لذا فأهم ما قدمه ميدو للكرة المصرية هو نموذج المدرب صغير السن الذي يمتلك هالة أكبر من نجوم الفريق.
تكمن أزمة ميدو في أن كل ما قدمه من تطور كان خارج ملعب الكرة، سواء بقرار جريء في البدايات بالاستغناء عن كبار لاعبي الزمالك والاستعانة ببعض الشباب، أو الصدام الذي لم يرضخ خلاله ميدو أمام حسني عبد ربه في نادي الإسماعيلي، ثم عدد من اللاعبين صغار السن في دجلة.
لكن على الجانب الآخر لم يقدم ميدو تكتيكًا مميزًا أو كرة قدم ذات طابع متطور أو حتى خلق هوية محددة لأي فريق باشر تدريبه.
ربما أكبر ما يعيق ميدو عن التطور مع الوقت هو إصراره على لعب دور المُعلم ورسول الكرة الأوروبية والتكتيك المعقد في مصر مع العديد المسميات الإنجليزية التي ربما لا يتفهمها اللاعب المصري من الأساس. كذلك يصر ميدو على إطلاق عدد من الوعود والتصريحات التي لا تتناسب تمامًا مع ما يحدث في الواقع.
بدأت الجماهير مع الوقت تلصق بميدو تهمة الادعاء، وهو الأمر الذي لا يعبر عن الحقيقة بقدر كبير. يمتلك ميدو أدوات تدريبية واضحة في قراءة الخصوم ومحاولة استغلال قدرات لاعبيه لإحداث الفارق لكنه فقط يحتاج للاستفادة من أخطائه بدلًا من اتهامه المتكرر وغير الواقعي للجميع بعدم إدراكهم لحقيقة ما يقدمه من تطور.
إيهاب جلال: تطور يحتاج لمشروع متكامل
تدرج بناء الهجمة من الخلف وأهمية الاحتفاظ بالكرة والحفاظ على شكل الفريق من لاعبين ونمط تخطيطي. تلك هي فلسفة إيهاب جلال التي يعرفها الجميع، والتي يطبقها جلال بوضوح متأثرًا بالتطور المنطقي لتكتيك الكرة في العالم.
يعترف إيهاب جلال أنه لا يعتد بحسابات الإدارة والجمهور، وهو أمر فيصلي تمامًا في مسيرة إيهاب جلال. يصر إيهاب جلال على تنفيذ معتقداته دون النظر لمدى ملائمة تلك الفلسفة لإمكانيات لاعبيه ويراهن على تفهم اللاعبين لتلك الفلسفة مع الوقت.
يشعر الجميع بالتطور الذي يحدثه جلال في الفريق الذي يشرف على تدريبه لكنه في مرحلة محددة تصبح مطالبات الجماهير وإدارات الأندية متعلقة بالنتائج أولًا قبل التكتيك ما يجعل جلال عرضة لعدم اكتمال مشروعه بشكل متكامل.
أهم ما قدمه إيهاب جلال للكرة المصرية هو التكتيك المتأثر بالملعب الأوروبي، لكن على الجانب الآخر يحتاج الأمر لتحول هذا الطابع لهوية محددة للفريق سواء باستمرار إيهاب على رأس الإدارة الفنية للفريق لعدد من السنوات دون الإخلال بقوام الفريق الذي يكتسب فلسفة المدرب مع الوقت، بالتوازي مع إطلاق يد جلال في الإشراف على فرق كرة القدم بأعمارها المختلفة.
لم تحافظ الإدارة لجلال على قوام فريق المقاصة ولم تمهله إدارة الزمالك الوقت الكافي لتطبيق فلسفته، ثم جاءت تجربة المصري التي أوضحت أن إيهاب جلال يحتاج كثيرًا لمرونة تكتيكية في الملعب واجتماعية في التعامل مع طلبات الجماهير، وفقًا لما يمتلكه من لاعبين خاصة في الدوري المصري.
عماد النحاس: المزيج من كل شيء
يتبقى لنا الحديث عن عماد النحاس المدرب الحالي لفريق المقاولون. يبدو النحاس مزيجًا من ميدو وإيهاب جلال، أو بمعنى أدق استفاد النحاس من تجربة كليهما. تبدو رحلة النحاس التي بدأت بصعود أسوان للدوري الممتاز وصولًا لأداء رائع رفقة فريق المقاولون حاليًا رحلة تصاعدية نحو صناعة مدير فني متطور.
يتفهم النحاس تمامًا طبيعة الكرة في مصر، خاصة بعد تدريبه لعدد من الفرق التي تعاني من شبح الهبوط. لذا فهو يمتلك أدوات تدريبية واقعية للغاية. لا يتحدث النحاس عن الفلسفة التكتيكية ولا عن عبقرية تأثيره في الكرة في مصر، بل يتحدث دومًا عن أهمية الجدية في التدريب وعلاقة اللاعبين بالمدرب والالتفات لخطورة التشبع وغياب الحماس عن اللاعبين ومدى أهمية التأثير النفسي للفوز المتتالي والخسارات المتتالية.
أما عن الجانب التكتيكي فيمتاز النحاس بقدرته على تحويل فريقه إلى فريق هجومي شرس أمام الفريق الأقل شأنًا وفريق متوازن أمام الفرق الكبرى. يمتلك المرونة اللازمة لاستخدام ما يمتلك من لاعبين لاستغلال نقاط ضعف الخصم دون أن يلزم نفسه بنمط ثابت أو طريقة محددة. يثبت النحاس كل مباراة أنه درس خصمه بشكل جيد للغاية.
قدم لنا النحاس الطابع الأوروبي، لكن بشكل شديد المحلية، عن طريق محاولة خلق فريق قوي ذي عناصر متعددة، سواء سرعة أو قوة أو مهارة. فريق تم تدريبه جيدًا بعد دراسة الخصم بشكل مفصل ومطعم بنصائح لا يقدمها سوى رجل يحمل طابع الكرة المصرية بشكل واضح.