فيلم «الخلية»: الفرص المهدرة بين الدراما والأكشن
يحسب لصناع فيلم «هروب اضطراري» والذي عرض في عيد الفطر الماضي، أنهم حددوا أولوياتهم وأهدافهم بدقة، وأصابوا أغلبها إن لم يكن كل الأهداف التي أرادوها، فهروب اضطراري فيلم أكشن خالص، خال من أي دراما سوى التي تمهد لتقديم مشاهد أكشن أكثر.
يبدو أن صناع فيلم «الخلية» أرادوا أن يسيروا على درب صناع «هروب اضطراري»، ولكن مخرج الأول «طارق العريان» والذي لديه تاريخ جيد وقديم في السينما المصرية، ودرجة تأثيره وتحكمه بمقاليد الفيلم، تختلف تماما عن «أحمد خالد موسى» الذي يمكن وصف مهمته بأنه موظف من أجل تحقيق رؤية ورغبات الممثلين والمنتج في الفيلم. ويبدو للوهلة الأولى أن صناع «هروب اضطراري» أصابوا أهدافهم، بينما تخبط طارق العريان بين تحقيق أكثر من هدف.
ولكن قبل الخوض فيما حققه أو أخفق الخلية في تحقيقه، علينا ملاحظة أنه للموسم السينمائي الثاني على التوالي، يتصدر فيلم الأكشن الخالص الإيرادات بفارق جيد عن منافسيه. فهروب اضطراري تصدر أفلام عيد الفطر رغم وجود منافسين شرسين كفيلم «عنتر ابن ابن شداد» لـ«محمد هنيدي»، وفيلم «الأصليين» والذي توفر فيه عوامل جذب الجمهور وخصوصاً الشباب.
هذا العيد تفوق فيلم «الخلية» على فيلم «الكنز» بمخرجه «شريف عرفه» وأبطاله «محمد سعد»، و«محمد رمضان»، و«هند صبري» وغيرهم. إذن يبدو أن جمهور السينما أصبح أكثر انجذابا لأفلام الأكشن التي تشبه الأفلام الأمريكية.
الأكشن المتقن
يمكن القول إن مشاهد الأكشن في الفيلم متقنة بدرجة كبيرة، والشكل العام جيد، فلم نجد أخطاء كبيرة في التصوير. تصوير المشاهد الليلية وتحريك المجموعات والمكياج وتصميم الإنتاج لا ينقصه شيء. وما زاد من تميز بعض هذه المشاهد هو اللمسة الكوميدية. كمشهد مطاردة السيارة وربط التدمير الذي حدث بسيارة صابر «محمد ممدوح»، برد فعل زوجته التي تعتني بكل شيء فيها.
ولكن هناك سلبيتان رئيسيتان في أغلب مشاهد الأكشن في الفيلم؛ كثرة القطعات المونتاجية وتقصير اللقطات، بحيث لا تتعدى اللقطة ثانيتين. عادةً يكون الدافع الرئيسي لكثرة القطعات المونتاجية هو؛ إما أن المخرج يريد تقليل كمية الأخطاء في التصوير قدر الإمكان وأن تبدو المشاهد متقنة، أو أنه يظن أن كثرة التقطيع تسرع الإيقاع.
وقد نجح طارق العريان بالفعل في تحقيق الدافعين بدرجة كبيرة. ولكن تظل المشاهد الأطول والتي لا ينقصها الإتقان هي الأكثر إثارة للمشاهد. فلقطات الأكشن الطويلة، والتي تكون الكاميرا في وسط الأحداث. هي التي تشعر المشاهد وكأنه جزء من المشهد ومتورط مع البطل في مسعاه، وهذا ما لم ينجح طارق العريان في تحقيقه.
كما لم نجد أي مخاطرة في تصوير المشاهد من قبل الممثلين أو حتى البدلاء، أو مخاطرة في اختيار زاوية تصوير صعبة، بالمقارنة مع هروب اضطراري الذي قدم الكثير من اللقطات القصيرة والمشاهد خالية الخطورة، ولكنه حاول في مشاهد أخرى تقديم لقطات طويلة وخطرة، وهذا ما يميزه عن الخلية في مشاهد الأكشن.
الدراما الضعيفة
قصة الفيلم تقليدية للغاية، فهي عن ضابط العمليات «سيف» الذي فقد زميله وصديقه «عمرو» في إحدى العمليات التي تستهدف خلية إرهابية خطرة. يسعى سيف للانتقام لزميله، وتواجهه أسئلة أخلاقية؛ مثل هل يقدر القانون على إعادة الحق، أم يجب اللجوء للطرق غير القانونية والأخلاقية؟ ، مثل تعذيب المتهمين وتعريض حياتهم للخطر من أجل الحصول على اعترافاتهم. لا يعيب الفيلم تقليدية قصته ولكن ما يعيبه حقاً ضعف التنفيذ.
تمر قصة الفيلم بثلاث مراحل متوقعة خالية من أي التواء في الحبكة: المرحلة الأولى وهي أقواهم والتي تم تقديم الشخصيات فيها بطريقة جيدة ووافية، خصوصاً شخصية الضابط سيف «أحمد عز» صاحب القلب الطيب، والروح المرحة، والمتفاني والمخلص لعمله، وعلاقة سيف بعمرو وابنه. انتهت هذه المرحلة بموت عمرو وإصابة سيف. وكذلك شخصية مروان «سامر المصري» قائد الخلية، وقدم بطريقة جيدة، فهو يحب زوجته ولها في قلبه مكانة خاصة، وبالتالي هو شرير من (لحم ودم).
المرحلة الثانية وهي ما بعد مقتل عمرو وإصابة سيف ومحاولته الانتقام، وهذه المرحلة هي التي أدت لخروج الفيلم من تصنيف أكشن خالص كهروب اضطراري لفيلم دراما مطعم ببعض مشاهد الأكشن الجيدة. فقد أخذت وقتا طويلا من أحداث الفيلم، ولم يحدث فيها مشهد أكشن كبير، أو أحداث مؤثرة.
لا يوجد إرهابي لا يعلم أنه نصاب ومستغل حقا. تلك هي القاعدة التي تسير عليها الأفلام المصرية في تعاملها مع الإرهاب. فدائما الإرهابي القائد يعترف في حواراته أن لديه أغراضا أخرى، وأنه يستغل الدين للوصول لها. وذلك هو عنوان الفصل الأخير من الخلية، الذي تظهر فيه أغراض قائد الخلية الذي لا يهمه تحقيق الشريعة ونصرة الأسلام (من منظوره). وأن أغلب قادة وشيوخ تلك الحركات، قاموا بجرائم حتى داخل كياناتهم الإرهابية، كقتل رفاقهم وشركائهم من أجل الوصول لبعض الأهداف ومنها بالطبع الأهداف الجنسية.
والحقيقة أن هذه المرحلة من أحداث الفيلم ضعف بها كل شيء تقريباً، سواء الدراما أو قوة الأكشن، وكثرت فيها الحوارات السياسية والفكرية المباشرة. للدرجة التي تتوقع أن يكسر فيها سيف الحائط الرابع ويقول للمشاهدين (أن داعش لا تمثل الإسلام الصحيح وتلعب بعقول الشباب). بالإضافة كذلك لتحسين صورة الداخلية وضابط أمن الدولة «صابر» الذي يرفض التعذيب رفضاً قاطعاً.
ومن الإضافات الدرامية التي لم يكن لها داع شخصية أمينة خليل، فتبدو هذه الشخصية وكأنها مقحمة في الأحداث، لضرورة وجود طرف أنثوي جذاب مع وسامة عز لجذب الجمهور. لم يكن أداء الممثلين سيئا وتألق الثلاثة أحمد عز، وسامر المصري، ومحمد ممدوح في تأدية أدوارهم، كذلك ريهام عبد الغفور. أما أمينة خليل فقد أدت أداء تجاريا لا يمكن وصفه بالجيد أو السيئ.
فيلم الخلية ليس فيلما سيئا على الإطلاق، فقط عابه التشتت في أهدافه بين الدراما والأكشن، فلم يخرج الأكشن بصورة تكاد تكون منافسة للأفلام الأمريكية كفيلم هروب اضطراري، ولم تخرج الدراما بشكل جيد كعمل طارق العريان السابق «أولاد رزق»، والذي جمعه بأحمد عز ومحمد ممدوح.