فيلم «الحارث»: 5 خطوات لصناعة فيلم رديء
هناك توليفة معروفة لنجاح الأعمال الفنية، كل الأعمال الفنية العظيمة أو حتى الناجحة لم يكن نجاحها لدى الجمهور وليد الصدفة أو حدث عرضًا، هناك الكثير من المجهود الذي يجب بذله، الكثير من الاهتمام بالتفاصيل، الكثير من الأموال المدفوعة، الكثير من التعب في الكتابة التي هي جسد العمل، الكثير من الدراسة ومشاهدة الأعمال الفنية لكبار صناع السينما حتى يكون جسد العمل متقنًا، يتطلب نجاح الأعمال الفنية أيضًا تمثيلاً مشرفًا، الممثل يجب أن يمنح موهبته الكثير لتمنحه هي بالمقابل، الكثير من ورش التمثيل والمحاكاة، الكثير من ساعات الدراسة، الكثير من التأثر بالمدارس التمثيلية المختلفة، والقليل من الغرور، لأن التمثيل هو الروح التي تحرك جسد العمل الفني، النجاح صعب ومرهق، ولكنه بالتأكيد يستحق.
حسنًا، فلتنس كل ما قلناه في الفقرة السابقة، لأننا اليوم بصدد الحديث عن فيلم مختلف تمامًا عن كل هذا، فيلم نجح في أن يوحد آراء الجمهور على ازدرائه، فيلم الحارث الذي لو بحثت عنه على أي منصة من منصات التواصل سوف ترى الكثير من الآراء السلبية، بل السباب الموجه للفيلم وصناعه والمشاركين فيه، حتى أن أحد مراجعي الأفلام على يوتيوب صدر الفيديو الذي يراجع فيه الفيلم بأنه “حاجة تقرف”، فيلم الحارث –الذي عرض حصريًا على منصة شاهد المدفوعة قبل العرض السينمائي وهو من بطولة أحمد الفيشاوي وياسمين رئيس وعلي الطيب، وهو التجربة السينمائية الأولى للمؤلف محمد إسماعيل أمين والأولى أيضًا للمخرج محمد نادر- يعتبر مانفيستو مفيدًا جدًا لكيف تصنع فيلمًا رديئًا، وإليكم فيما يلي الوصفة.
1. اختلق أسطورة في بلد يعج بالأساطير
نحن في مصر، في كل محافظة تقريبًا هناك أسطورة حضرية ما، تراث السحر والغرائبيات وحكايات العجائز أحد العناصر المهمة في الثقافة المصرية، المجتمع لا زال أصلاً متمسكًا بتلك الحكايات ويتداولها ويحكي عنها وكأن الزمن لم يتطور، لماذا تضطر أنت لاختلاق أسطورة مزيفة في بلد كهذا؟ لديك ميراث كبير من أساطير الجن والعفاريت والنداهة والحطمة وأم الشعور وشياطين الصحراء، البدو بالتحديد لديهم حكايات لا تنضب عن الجن الذي يسكن صحاريهم، اترك كل التراث الإنساني البديع هذا والحكايات المحكمة، واختلق أسطورة ليست أصيلة ولا أصلية وابدأ في البناء الدرامي بناء عليها، اخلق جسدًا مشوهًا لعملك الفني، هذه هي خطوتك الأولى نحو الفشل.
2. لا تقم بتجارب أداء
تجارب الأداء أو الأوديشن كما يسميها ممثلو الجانب الآخر من العالم شيء أساسي في اختيار الممثلين للأعمال الفنية، حتى لو كان هذا الممثل بحجم وتاريخ جوني دب أو ليوناردو دي كابريو، هذا ليس تشكيكًا في مواهبهم ولا انتقاصًا من قدرهم، ولكنك مهما كانت موهبتك هذه ليست ضمانة كي “يليق” الدور على الممثل، تجربة الأداء مع الممثلين المخضرمين هدفها هو أن يعرف المخرج والممثل هل الدور مناسب للممثل في هذه المرحلة العمرية بهذا الشكل بهذا التاريخ أم أنه أكبر أو أقل منه.
نحن لا نزعم أن أحمد الفيشاوي أو ياسمين رئيس مخضرمان، ولكن الفيشاوي كان واعدًا، فماذا حدث ليتكلم بهذه النبرة العميقة البطيئة؟ لماذا هذا التمثيل الجامد؟ ولماذا لم يكتشف أحد حتى الآن أن ياسمين رئيس لا تجيد التمثيل، وأن محمد خان لن يتكرر وبالتالي ففتاة المصنع كان صناعة محمد خان وليس لها يد فيه، الفيشاوي لم يتحدث بهذه الطريقة منذ فيلم زي النهاردة، وقد كان أداؤه فيه أفضل من الحارث، هل استحى المخرج من أن يخبره أن نبرته موترة جدًا ولا تصلح للدور؟ الصحفيون لا يتحدثون بهذه النبرة المستفزة والصوت الأجش العميق المصطنع.
3. لا تشاهد أفلامًا
في تحفة لارس فون ترير Antichrist، نرى زوجًا وزوجة يفقدان طفلهما بقفزه من النافذة أثناء انشغالهم ليلاً، بالطبع فيلم فون ترير أعمق من أن نقارن فلسفته بفيلم الحارث، ولكن تراجيديا فقد الطفل بهذه الطريقة الصادمة، والتفكير في أن هذا الفقد حدث ليعاقب به أحد أطراف العلاقة الطرف الآخر، والتغيرات النفسية التي يجب أن تحدث للطرفين بعد هذه الصدمة المروعة، كلها أشياء كان يجب أن يأخذها صناع فيلم الحارث في الحسبان، خاصة أن إيقاع الفيلم البطيء جدًا كان سيمنحهم مساحة كافية لاستعراض كل تلك التعقيدات خاصة أنهم أصروا أن تكون لحظات التنوير كلها في آخر ربع ساعة من الفيلم، إذن كان أمامنا حوالي ستون دقيقة كاملة من الحزن والغضب والتفكير والمشاحنات لم نرَ منهم سوى مستوى بارد جدًا من الانفعالات بين ياسمين رئيس وأحمد الفيشاوي، رغم أنهم لو كانوا شاهدوا فيلم فون ترير أو شاهده المخرج كان سوف يستفيد من ساعة كاملة لم يحدث فيها شيء على الإطلاق سوى أن يأخذ الفيشاوي أجازة من عمله وتصحو ياسمين رئيس مفزوعة من نومها، وتتكرر هذه المشاهد بإصرار مثير للإعجاب.
4. خصص ميزانية ضئيلة للفيلم وامنحها كلها أجورًا للنجوم
فيلم الحارث فيلم رعب، ونحن في عام 2020، إذن يجب أن تتطور مفردات الرعب عن قطة سوداء تعبث في طبق به بقايا طعام، وتعليق الممثلين بحبال غير مرئية، وثعبان بلاستيكي يسعى على الفراش، لا يجب أن يكون أقصى خدع الكاميرا التي تستخدمها في صناعة فيلم رعب في هذا الزمن هو أن تبدأ المشاهد بكادر طبيعي ثم تبتعد الكاميرا مع تدويرها رأسًا على عقب لينتهي المشهد بالكادر مقلوبًا، ولا أن يكون أقصى مؤثراتك البصرية هو أن يتبخر الممثلون تباعًا في المشهد الرئيسي في الفيلم، وبالطبع لا يجب أبدًا في 2020 أن تصنع ظلالاً تجري من أمام الكاميرا وتصور المشاهد المرعبة بكاميرا محمولة حتى يرتعب المشاهد، الأمور تطورت كثيرًا عن فيلم التعويذة والإنس والجن، أصبح هناك شركات عالمية تصنع الخدع السينمائية.
هل المشكلة في الميزانية؟ اصنع فيلمًا رائعًا وامنح بطولته لممثلين جدد بأجور قليلة واستخدم ميزانيتك في خدمة مشروعك، أو لا تصنع فيلمًا على الإطلاق، لكن أن تصنع فيلماً مهلهلاً بهذا الشكل في هذا الزمن المفتوح!
5 لا تقرأ… لا تدرس
في صناعة السينما هناك تكنيك يسمى الغرس، الغرس هو باختصار أن تنثر علامات حتى لو كانت بسيطة جدًا وخفية على مدار العمل الفني إذا كان هناك تحول في النهاية سوف يغير مجرى الأحداث، وبذلك عندما تكشف الحقيقة ينير عقل المشاهد ويشعر أنك ذكي جدًا لأنك منحته مفاتيح لم ينتبه لها، وقتها سوف يحدث لغط بين الجمهور، بعضهم يصرخ فرحًا أنه تنبأ بالتحول في الأحداث وبعضهم يشهد لصناع الفيلم أنهم خدعوه واستحوذوا على اهتمامه حتى لحظة التكشف والتنوير، لو قرأت في صناعة السينما حتى لو على ويكيبيديا بالتأكيد سوف يقابلك هذا المصطلح، ولو درست سينما بالتأكيد أيضًا كان سيقابلك، ولو شاهدت سينما جيدة كنت ستعرف التكنيك حتى لو لم تعرف ماذا يطلق عليه.
في الحارث حدثت النقلة بطريقة حادة وسريعة في آخر ربع ساعة من الفيلم، تحولات بالجملة، واكتشافات لم يغرس لها المؤلف والمخرج طوال الفيلم، فجأة يبدأ الحديث عن الهلوسة والأدوية، وضرورة العلاج، ثم فجأة أخرى نعرف أن صديقة البطلة شفافة بطريقة مبهرة وتحلم بالحقائق، ثم فجأة ثالثة غير الفجأتين الأوليين نكتشف أن السبب في كل هذا هو شخص لم يشارك في الأحداث تقريبًا طوال الفيلم، ثم فجأة رابعة تتغير فيها مشاعر الجميع نحو الجميع بطريقة غير مفهومة ولا مستساغة ولا ذكية.
فيلم الحارث لو كان نجح في أي شيء فهو نجح في أن يوحد آراء الجمهور الذين لم يستطيعوا حتى أن يتغافلوا عن مدى رداءة الفيلم كرامة لممثليهم المفضلين، ونجح في أن يصنع دعاية عكسية لمكان من أجمل الأماكن المصرية، فأهل سيوة في الفيلم تقريبًا متواطئون مع الشيطان ويصطادون الأبرياء كي يلقوهم في جحيم التجربة، نجح الفيلم أيضًا في أن يرسخ لانتصار الخرافة في زمن تصنع فيه أفلام الرعب حتى الرخيص التركي منها لهدم الأساطير، ولكن فيلم الحارث ينتهي نهاية غرائبية لا تعرف ما الهدف منها، هل الهدف منها هو إرساء فلسفة الصراع الأبدي بين الإنس والجن، أم الهدف منها هو لا قدر الله صناعة جزء ثانٍ من فيلم الحارث؟