امبارح كنت اتكلمت عن قانون جذب الطاقة، وإنه سبب رئيسي في مكسب الأهلي في الدقايق الأخيرة. أنا فعلًا مؤمن بقانون جذب الطاقة، وإنك بتجذب ليك إللي إنت بتفكر فيه، وعندك إصرار على تحقيقه. 
أحمد حسام «ميدو»، عبر حسابه الشخصي على تويتر

بهذه العبارات الواثقة زعم نجم منتخب مصر الأسبق والإعلامي الحالي توصله لسر القميص الأحمر وارتباطه بالفوز في الدقائق الأخيرة، تحديدًا في يوم 22 ديسمبر/كانون الأول 2021، حين استطاع الأهلي المصري معادلة النتيجة مع الرجاء المغربي في آخر أنفاس اللقاء الذي جمعهما في نهائي كأس السوبر الأفريقي، قبل أن يتوَّج المارد الأحمر باللقب بعد التغلب على نظيره المغربي بركلات الترجيح. 

أصابع اليد لا تتشابه

استند نجم «توتنهام» الأسبق في زعمه على كتاب «The Secret»، للكاتبة الأسترالية «روندا براين»؛ وهو كتاب للمساعدة الذاتية، يقوم بالأساس على مفهوم «قانون الجذب»، الذي يعد أحد أشكال العلوم الزائفة، لأنه ببساطة بُنِي على أساس خاطئ، وهو أن الأفكار الإيجابية تجلب النتائج الإيجابية، والعكس بالعكس. 

في الواقع يؤمن الكثيرون بتأثير الطاقة الإيجابية على الناتج النهائي لأي عملية يقوم بها الإنسان، وعلى الرغم من ذلك يدَّعي المتخصصون أن كل ذلك لا يتعدى كونه هراءً، يهدف من خلاله مؤلفو الكتب – مثل روندا – لبيع المزيد من النسخ، مستغلين بعض نقاط الضعف في تصميم العقل البشري، وإلا أصبحت محاكاة التجارب الناجحة أسهل من شرب الماء.

بهذا الصدد، وطبقًا لعالِمَي النفس الأمريكيين «كريستوفر تشابريس» و«دانيل سيمونز»، اللذين قاما بشرح أسباب عدم منطقية قانون جذب الطاقة، يلعب أصحاب هذه النظريات الزائفة على نقطة ضعف رئيسية عند البشر، وهي ما يُمكن تعريفه بـ «وهم الإمكانيات»، حيث يمتلك الإنسان في العموم استعدادًا للاعتقاد بامتلاكه قدرًا هائلًا من الطاقات غير المستغلة في انتظار إطلاقها.

وبغض النظر عن اختلاف المعتقدات بين شخص وآخر، لا يُمكننا سوى أن نرفُض زعم «ميدو» – على الأقل علميًّا – لكننا لا زلنا أمام نفس السؤال الذي لم يُجَب عليه، وهو لماذا يسجِّل الأهلي في الدقائق الأخيرة دائمًا؟ ولماذا لا تستطيع بقية الأندية القيام بنفس الشيء؟

الزخم النفسي: عماد متعب يجيب 

الجمهور هو العامل الرئيسي في تسجيلي للأهداف الحاسمة. 
عماد متعب، نجم الأهلي ومنتخب مصر الأسبق. 

يرى عماد متعب، الذي سبق له أن سجَّل نحو 15 هدفًا حاسمًا في الدقائق الأخيرة طوال مشواره مع الأهلي المصري، أن مؤازرة الجمهور هي السبب الحقيقي في تسجيله لهذه الأهداف، نظرًا لشعوره بثقة الجمهور في الفريق عامةً، وفي شخصه بشكل أكثر خصوصية، وهو ما ينتُج عنه شعور أكبر بالمسئولية، ومن ثم اللعب حتى صفارة النهاية. 

هذه إجابة بديهية جديدة، تصلُح للاستهلاك الجماهيري، لكنها في نفس الوقت تفتح بابًا لنقاش أكثر أهمية من التصريح نفسه؛ وهو السؤال عن سبب ثقة الجماهير في الفريق، ومن ثم ثقة الفريق في تحقيق الفوز، حتى ولو بدا صعب المنال.

الزخم النفسي هو التغيير الإيجابي أو السلبي في الإدراك – الوظائف والسلوك – الناجم عن  سلسلة من الأحداث التي تؤثر إما على تصورات المنافسين، أو ربما على جودة الأداء ونتائج المنافسة.

يرتبط الزخم النفسي الإيجابي بسلاسل الانتصارات التي تحققها أي مجموعة، بينما ينشأ زخم سلبي حول المجموعات التي تختبر فترات طويلة من الهزائم.

تمتلك جماهير أندية كرة القدم الكبيرة ثقة في عناصرها بناءً على نتائجها السابقة، وتظهر هذه الثقة على هيئة تشجيع متواصل دون النظر إلى صعوبة المباراة، وهذا ما يمكن تعريفه ضمنيًّا بـ «بناء الزخم النفسي الإيجابي» حول اللاعبين الذي ينعكس – في الغالب – عليهم، بتقديم أضعاف المردود الطبيعي، تحديدًا في اللحظات الحرجة. 

طبقًا لدراسة قام بها مجموعة من الباحثين من قسم «علوم الحركة» بجامعة «ميريلاند» الأمريكية، النجاح في المستويات العالية من التنافس يساعد على بناء الزخم النفسي الإيجابي، ومع اختبار هذا الشعور بشكل متكرر يتحول السعي للنجاح لعملية غير واعية يقوم بها الرياضي من تلقاء نفسه. 

لكن الأهم هو انعكاس تأثير النجاح المتكرر على غير المنخرطين بالعملية – الجمهور – وإمكانية توقُّعهم للنتائج الأفضل في المنافسات التي لم تنتهِ بعد، حتى ولو لم تظهر أي دلائل تشير لإمكانية حدوث هذا النجاح. وهذا ما يجعلنا نتفهَّم ثقة جماهير أندية القمة في الفوز، أيًّا ما كانت الظروف. 

المستضعفون في الأرض

بالأرقام، يُعد النادي الأهلي أكثر الأندية المصرية والأفريقية تحقيقًا للألقاب، بالتالي يدخُل الخصوم المباريات ضده كطرف أضعف – في أغلب الأوقات – ولأن كرة القدم رياضة تتطلب مواجهات مباشرة، وجهًا لوجه، في الغالب يمتلك الطرف الأضعف على الورق صورة نمطية عن منافسه، وهي أنه يمتلك حظوظًا أعلى في الفوز. 

وبسبب هذه التوقعات التي تسبق بداية المنافسة ينشأ ما يُعرف بـ «تهديد الصورة النمطية»، وهو ارتباط صورة سلبية بمجموعة ما، تنعكس بشكل متكرر على سلوكياتهم ونتائجهم، خاصة عند التعرض للضغط. 

يتمثل الضغط في هذه الحالة في مواجهة فريق أفضل فنيًّا وبدنيًّا، إضافة لامتلاكه لسجل حافل من سلاسل الانتصارات، لذلك وطبقًا لدراسة نشرت في «Journal of experimental social psychology»، فإدراك عناصر الفريق صاحب الحظوظ الأقل لهذه الصورة النمطية قد يرفع من احتمالات الفشل بالفعل، حيث تزداد احتمالية ارتكاب الرياضيين لأخطاء ساذجة، لم يكونوا ليرتكبوها في الظروف العادية. 

مانشيستر: حتى لا تخدعك الانطباعات 

 لمزيد من الموضوعية لا يعني كل ما سبق أن الفوز حكر على أندية بعينها، وأن الهزيمة مصير البقية، لكنها عملية معقَّدة، تتداخل بها العديد من العوامل.

وحتى نضع ما سبق في سياق، علينا الذهاب لنموذج آخر، وهو مانشستر يونايتد، تحديدًا تحت إمرة الاسكتلندي «أليكس فيرجسون»، الذي طالما عُرف عنه الفوز كذلك في الدقائق الأخيرة.

بشكل ساخر، أثبتت الأرقام أن مانشستر يونايتد لم يكُن الأكثر استفادة من «الفيرجي تايم» بالدوري الإنجليزي الممتاز، طوال فترة تولِّي «السير أليكس فيرجسون» قيادة الفريق منذ موسم 1992/1993 وحتى موسم 2012/2013، بل إنَّه أتى خامسًا (16 هدفًا) على سلم ترتيب الأندية التي تسجل في الوقت بدل الضائع بعد كلٍّ من ليفربول (24 هدفًا)، أرسنال (19 هدفًا)، تشيلسي (18 هدفًا)، وإيفرتون (16 هدفًا). 

تنقلنا هذه الحقيقة إلى المشكلة الرئيسية عند التعاطي مع قصة النادي الأهلي والدقيقة 90، وهي الانطباعات. بالتأكيد لم يستطع الأهلي تدارك النتيجة في الدقائق الأخيرة أحيانًا، وفشل في تحقيق الفوز في أخرى، بل إنه لربما خسر نقاطًا جرَّاء تلقيه أهدافًا بالدقائق الأخيرة أيضًا، أمام منافسين أقل جودة وجاهزية منه. 

تُعرف هذه الظاهرة في علم النفس باسم «الانحياز التأكيدي»، وهي أحد أشهر المغالطات التي يرتكبها مشجع كرة القدم، حيث يبحث الجميع عن أدلة، ولو زائفة، لدعم معتقداتهم الراسخة في أذهانهم، وتجاهل كل المعلومات التي تتعارض معها. 

ربما سقط «ميدو» في هذا الفخ، حين افترض أن السبب في فوز الأهلي بالدقائق الأخيرة هو قانون الجذب، وربما سقطنا بعده حين افترضنا أن السبب الحقيقي هو الزخم النفسي الذي يدفع اللاعبين لتقديم أضعاف مردودهم الطبيعي؛ لأننا قررنا معًا أن نتجاهل حقيقة أن الفوز أو الخسارة بآخر الدقائق في رياضة عشوائية مثل كرة القدم محكومة بالكثير من المتغيرات، مثل الاستعداد الفني والبدني والنفسي لكل فريق، التحكيم، عاملي الأرض والجمهور، وأحيانًا الحظ. 

لذلك، نعتذر عن عدم الوصول لسر القميص الأحمر الذي يجلب الانتصار في الرمق الأخير؛ لأن القميص نفسه «أحيانًا» يفشل في تحقيق الانتصار.