عين الحلوة: محنة جديدة للفلسطينيين في لبنان
محنة جديدة ألمت باللاجئين الفلسطينيين في لبنان، حيث اشتعلت مواجهات عسكرية بين فصائل فلسطينية مسلحة في مخيّم عين الحلوة جنوب البلاد أسفرت عن سقوط عدد من القتلى وإصابة العشرات، إضافة إلى نزوح جماعي للسكان من المخيم الذي يضم ما يقدر بنحو 55 ألف نسمة.
وأعلنت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، التي تقدم الخدمات الأساسية لسكان المخيم، تعليق جميع عملياتها، كما تم وقف العمل في الإدارات الرسمية في مدينة صيدا القريبة.
واستُخدمت قذائف صاروخية ورشاشات ثقيلة وأسلحة قنص، وأعلن الجيش اللبناني إصابة عدد من منتسبيه بعد تعرض مواقعهم لإطلاق نار خلال الاشتباكات، ومع ذلك نفت قيادة الجيش في بيان لها التحضير لتنفيذ عملية عسكرية في المخيم.
وبعد عدة اجتماعات لهيئة العمل الفلسطيني المشتركة في السفارة الفلسطينية في بيروت، تم الاتفاق على تشكيل لجنة لتثبيت وقف إطلاق النار.
عين الحلوة
تم إنشاء المخيم، بالقرب من مدينة صيدا جنوبي البلاد عام النكبة الفلسطينية 1948 على مساحة كيلومتر واحد، على يد الصليب الأحمر لإيواء اللاجئين القادمين من شمال فلسطين، وفي البداية تم إسكانهم في خيام بشكل مؤقت لحين تمكن الجيوش العربية من استعادة أرضهم من الاحتلال الإسرائيلي لكن بعدما اتضح لهم أن انتظارهم سيطول، واهترأت خيامهم، تم بناء منازل إسمنتية، وسُمي هذا الاسم لكونه بني قرب مصدر للمياه العذبة.
بدأ المخيم بخمسة عشر ألف لاجئ تزايد عددهم مع مرور الوقت، وانضم إليهم خلال الأعوام الماضية آلاف الفلسطينيين الفارين من النزاع في سوريا، وأصبح المخيم عاصمة الشتات الفلسطيني.
وتقع مسئولية حفظ الأمن بالمخيم على عاتق الفصائل الفلسطينية، وهناك قوة أمنية مشتركة لحفظ الأمن، وهناك تنسيق بين الفصائل والدولة اللبنانية لتسليم المطلوبين لها لمحاكمتهم بموجب اتفاق بين منظمة التحرير الفلسطينية ولبنان، لكن أحيانًا كثيرة تحدث مصادمات بين الفصائل أو عمليات اغتيال.
ويعيش نحو 400 ألف لاجئ أو أكثر في مخيمات الفلسطينيين في لبنان، ووفقًا لاتفاقية القاهرة التي وقّعت عليها بيروت عام 1969، تم شرعنة حمل الفلسطينيين للسلاح في لبنان «على أن تكون وجهته فلسطين»، وتم إلغاء الاتفاق منذ عام 1987، وفي عام 2006، قرر لبنان رسميًا إنهاء حالة السلاح خارج المخيمات فورًا، ومنح مهلة ستة أشهر لإنهائه داخلها، لكن عمليًا لم يغير القرار أي شيء تقريبًا حتى اليوم.
وتقود حركة فتح المشهد الأمني في المخيمات ومنها عين الحلوة، لكن توجد فصائل مسلحة أخرى بعضها توصف بأنها إسلامية مقربة من حزب الله وإيران.
ووقع انشقاق في حركة فتح في عين الحلوة مطلع التسعينيات فظهر تنظيم «أنصار الله» (عُرف لاحقاً بـ«عصبة الأنصار») وتبنى أطروحات حزب الله السياسية، وشكل امتدادًا له في الوسط الفلسطيني، واعتبره البعض الفرع الفلسطيني له، ووقعت مصادمات عدة بينه وحركة فتح حتى أجرت العصبة مراجعات فكرية، وانضمت إلى «هيئة العمل الفلسطيني المشترك»، وأصبحت تنسق مع الفصائل الفلسطينية الأخرى، لكنها تعرضت لانشقاقات، وشكّل المنشقون تنظيمات أخرى مثل «جند الشام» وغيرها من المجموعات الجهادية وشكلوا في ما بينهم تجمعًا أطلقوا عليه «الشباب المسلم»، بقيادة هيثم الشعبي وبلال بدر، وهما مطلوبان للأمن اللبناني ومتهمان بالإرهاب.
في عام 2017، تمكنت قوات الأمن الوطني الفلسطيني بزعامة القيادي الفتحاوي، أبو أشرف محمد العرموشي، من السيطرة على معقل بلال بدر في المخيم بعد اشتباكات عنيفة استمرت لأسبوع تقريبًا، فهرب الأخير إلى خارج المخيم لبعض الوقت، ومرت فترة استقرار نسبي حتى اغتيال العنصر في حركة فتح، محمود زبيدات، في آذار/ مارس الماضي، فانفتحت بوابة الجحيم على المخيم وأهله جراء هذه الواقعة.
انفجار الأزمة
تم تسليم خالد علاء الدين (الشهير بالخميني) المتهم بقتل زبيدات، بعد توتر بين فتح وعصبة الأنصار، إذ استقدمت الأولى تعزيزات بشرية وحصنت مواقعها خاصة القريبة من حي الصفصاف معقل عصبة الأنصار لإجبارها على تسليمه، وبالفعل تسلمته القوة الفلسطينية المشتركة من عصبة الأنصار وتم إعلان تسليمه إلى مخابرات الجيش اللبناني.
وبحسب «اندبندنت عربية»، فقد تدخلت حركة أمل كوسيط، لأن الشاب ينتمي إلى عائلة شيعية من جهة والدته، وقيل إنه تم تهريبه ولم يتم تسليمه إلى مخابرات الجيش كما أُعلن، فاعتبر أهل القتيل أنهم خُدعوا وأن القاتل لم يُعاقب، بل هرب إلى مكان آمن بمساعدة حزب الله صاحب النفوذ في الجنوب اللبناني، فقرر محمد الملقب بـ«الصومالي»، شقيق القتيل، الثأر له عبر اغتيال ثلاثة من تنظيم «جند الشام» رغم أن الخميني ينتمي إلى «عصبة الأنصار»! وكلاهما تنظيمان إسلاميان مسلحان.
وأثناء مرورهم في حي الجميزة بالمخيم، قُتل عبد فرهود وجرح عيسى حمد وأبو قتادة محمود خليل، وأعلن آل زبيدات أنهم لم يأخذوا بثأر محمود ولن يسلموا شقيقه محمد (الصومالي)، فعقدت هيئة العمل الفلسطيني المشترك اجتماعًا طارئًا، وطالبت بتسليم الصومالي، فانطلق قائد الأمن الوطني الفلسطيني في صيدا، اللواء أبو أشرف العرموشي، إلى منطقة البركسات لاعتقاله، لكن تم تصفية اللواء ومرافقيه في كمين بالبساتين وهي منطقة مختلطة النفوذ بين الإسلاميين و«فتح».
نعت حركة فتح العرموشي ورفاقه، مهند قاسم، وطارق خلف، وموسى فندي، وبلال عبيد، واتهم قائد قوات الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان، اللواء صبحي أبو عرب، تنظيمَ جند الشام باغتياله، ووُجهت أصابع الاتهام إلى 3 أشخاص وهم بلال بدر، وعمر الناطور، ومحمد عزب، رغم أن البعض وجه أصابع الاتهام لجهات في فتح نفسها بالتورط في الواقعة لخلافات داخلية.
اشتعلت مواجهات عسكرية بين الأحياء المختلفة بحسب انتمائها الإسلامي أو الفتحاوي، وتوسعت الاشتباكات إلى باقي مناطق المخيم، وأصيب محيطه بالقصف، وتم تفسير ذلك بأن الفصائل المناهضة لفتح استهدفت مدينة صيدا ومواقع الجيش اللبناني للضغط من أجل التدخل لوقف القتال، لأن أوضاعهم الميدانية صعبة.
وتدخلت هيئة العمل الفلسطيني المشترك لوقف إطلاق النار لمدة 24 ساعة يوم الأربعاء، لكن الهدنة لم تصمد إلا لبعض الوقت فقط، ووقعت اشتباكات استخدمت فيها القذائف الصاروخية، وتدخل وجهاء ومسئولون لبنانيون للوساطة ولملمة الأمور،وبعد جهود مضنية توقف القتال.
تهديد الوجود الفلسطيني في لبنان
رغم توقف القتال فإن هناك تحذيرات من أن عدم تسليم قتلة اللواء العرموشي، يعني تلقائياً تجدد الاشتباكات، أو الاغتيالات، وفضلاً عن ذلك فإن دخول حزب الله يسهم في تعقيد الوضع، فرغم نفي الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، الوقوف وراء أحداث المخيم، إلا أن عضو المجلس الثوري لحركة فتح، محمد الحوراني، اتهم الحزب بأنه تورط في التنسيق لدخول المسلحين المطلوبين للسلطات اللبنانية إلى المخيم، لكن الطرفين في النهاية سعياً إلى لملمة الوضع وأعلنت فتح تثمينها لدور حزب الله.
وتردد صدى الخلاف بين فتح وحماس في غزة والضفة في أحداث المخيم؛ ففتح ترى أن هناك من يحاول تحجيم نفوذها المستمر في مخيمات لبنان منذ عشرات السنوات، وأن ما يحدث ليس سوى مخطط لمحاصرة السلطة الوطنية الفلسطينية وذراعها المسلّحة في المخيمات لتسليمها لحماس والإسلاميين المقربين من إيران وحزب الله وما يسمى «محور المقاومة»، ويُتهم فادي الصالح، المقرب من حماس، بتدبير عودة مجموعة من المطلوبين للسلطات اللبنانية من تركيا عبر سوريا منذ أسابيع، منهم عيسى حمد، الذي أصيب على يد الصومالي.
ووجه رئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية، رسالة إلى حسن نصر الله، ونبيه بري، زعيم حركة أمل ورئيس مجلس النواب اللبناني، للتدخل لتهدئة الأوضاع.
وأعلنت حركة فتح أن التوقيت ليس صدفة بل الهدف من هذه الاشتباكات المدبرة هو تدمير المخيم وإنهاء حالة اللجوء الفلسطيني في مخيم عين الحلوة في هذا الظرف الدقيق التي تعيشه القضية الفلسطينية بخاصة في ظل اجتماع ممثلي الفصائل الفلسطينية في مصر.
وانطلقت حملة جمع تبرعات بالفرش والطعام من المخيمات الأخرى وسط خشية من تكرار تجربة مخيم نهر البارد الكارثية عام 2007، عندما وقعت أحداث مشابهة تدخل فيها الجيش اللبناني وسقط العديد من عناصره قتلى وجرحى وتم تدمير المخيم وتشريد سكانه، وانتقل الكثير منهم إلى عين الحلوة ليجدوا أنفسهم اليوم أمام نفس أزمة مماثلة وتهجير جديد.
وتلقي هذه الأحداث بظلال قاتمة على وضع الفلسطينيين في لبنان في ظل رفض قوى لبنانية كالتيار الوطني الحر بزعامة جبران باسيل، حليف حزب الله، لاستمرار الوجود الفلسطيني على الأراضي اللبنانية، بخاصة مع وجود جهات تشجع على إعادة تهجير الفلسطينيين إلى الدول الغربية، ومع سوء الأوضاع الاقتصادية في لبنان هاجر اللاجئون الفلسطينيون في لبنان بمعدلات عالية خلال السنوات الماضية، ويُتوقع أن تزيد مثل هذه الأزمات من وتيرة الهجرة، وبالتالي مزيد من الإضعاف للقضية وحق العودة.