أحمد مراد: أحلام فتى «البيست سيلر» وكوابيس سكورسيزي
تُصنع الأخبار من تصريحات مجتزئة ويتولد النقاش من التشبث بها، ولا دخان بدون نار، ولا إيقاع بدون ضرورة، ولا سينما بدون قصة، ولا رواية بدون روح، ولا بيست سيلر بدون حبكة، ولا نوبل بحبكة، ولا أحمد مراد بدون غرائبية، ولا سكورسيزي بدون واقعية، ولا مارفيل بدون خيال، ولا سينما ولا رواية ولا بيست سيلر بدون إبداع.
عندما يتعلق الأمر بالإيقاع لا تحدثني عن الحداثة، لا تحدثني عن بروست، أو كافكا، جويس أو فوكنر بل جيليان فلين، وستيفين كينج، جيمس باتيرسون وجون جريشمان، دان براون ودانيلا ستيل، نورا روبرتس وجورج مارتين. وعندما يتعلق الأمر بالإيقاع فلا ضرورة للحديث عن الرواية وأهميتها، عن الأدب كفن ناقل للواقع متلاعب به مضاد له ومنبثق منه، بل كمادة ترفيهية تصلح اليوم للطباعة وغدًا لدور السينما. تقدم وجبة خفيفة لقارئ ملول، لا تثير في عقله إلا المنبهات، ولا يتبقى منها بعد نهايتها إلا أثر الوقت الضائع.
قدمت تصريحات الكاتب أحمد مراد مساحة للنقاش، بدأت بهجمة أولى من محبي نجيب محفوظ، ثم تلتها هجمة مضادة من المدافعين عن حرية الرأي ومحبي الاختلاف. لكن التصريحات المجتزئة لأحمد مراد والتي لا يمكن أن يدلي بها عاقل بالصيغة الأولى التي نشرتها اليوم السابع فتحت مجالًا للتراشق أولًا، فيما كانت تصريحاته الأخرى في الشروق أو التلفزيون تأكيدًا على الفكرة الأساسية التي ربما غابت عن الكثير واكتفوا بالدفاع عن نجيب محفوظ في معركة لم يدخلها ولا يفترض أن يدخلها.
يفترض أحمد مراد أن للسينما إيقاعًا، وأن هذا الإيقاع يفرض على الرواية أن تتغير عندما تتحول من كتاب لسيناريو، وهو افتراض سليم تمامًا، ففن الرواية يختلف عن فن السينما ولكل متطلباته التي حتى لو توافقت مرة فلن تتوافق كل مرة. لكن مراد يفرض إيقاعًا خاصًّا للسينما، ومن ثم يفرضه على الرواية التي يرى أنها تحتاج للتطور حتى تواكب هذا الإيقاع السريع للسينما فتحقق كما السينما ملايين الجنيهات.
يفترض مراد أن السينما هي مارفيل وعوالمها، مليارات من الدولارات في كل فيلم من أفلام السلسلة، خدع بصرية وحبكات متتالية وإيقاع سريع، ساعات لا نهائية من اللا شيء، لا شيء ينتج مليارات الدولارات، هي وصفة سحرية، ربما حتى إعجازية بالنسبة للمنتجين، بالنسبة لحسابات الممثلين البنكية، لكنها في النهاية لا شيء، بقيت أو اختفت، تحولت لموجه قصيرة أو خط يسير عليه العالم لمائة سنة قادمة، ما قدمت مارفيل للعالم هو آلة لقتل الوقت والمال لا أكثر.
أتصور مارتن سكورسيزي يقرأ تصريحات مراد عن الرواية، يجب أن تنضج الرواية وترفع من إيقاعها لتناسب السينما، يعرف سكورسيزي جيدًا أي سينما يتحدث عنها مراد، افتتح مقاله في النيويورك تايمز: «السينما هي شكل فني يقدم لك غير المتوقع، في أفلام الأبطال الخارقين لا شيء معرض للخطر»، ما يقدمه مراد وغيره هو المتوقع جدًّا مع تأكيدات وطمأنات أنه غير متوقع على الإطلاق.
يقول سكورسيزي إن الفارق بين الأفلام التي نشأ على حبها وبين ما تقدمه مارفيل هو أربع سنوات ضوئية، كما الفارق بين مجموعتنا الشمسية وأقرب مجموعة شمسية لنا. هذا الفارق الخيالي هو نفسه الموجود بين روايات أحمد مراد وما نراه كشكل للرواية المفترضة، ولكن لا تمنع ملايين الكيلومترات نجاح روايات مراد وأفلام مارفيل، ولكنها ستقف حائلًا هائلًا بين الفن كوسيلة للولوج لغير المتوقع وكونها وسيلة لوضعك على قائمة البيست سيلر، فهنيئًا لمراد روايته وأفلامه وسحقًا لسكورسيزي والساعين وراء غير المتوقع في عالم ينتصر للمألوف والعادي.