أحمد وحيدي: عصا النظام الإيراني الغليظة ضد الاحتجاجات
في خضم الاحتجاجات الشعبية الدامية التي تشهدها إيران بسبب مقتل الشابة الكردية مهسا أميني بعد ضربها على أيدي عناصر شرطة الأخلاق، اعتبرت الولايات المتحدة أن وزير الداخلية الإيراني، أحمد وحيدي، هو «أداة النظام الرئيسية في عملية القمع»، وفرضت عليه، الخميس، عقوبات اقتصادية مع ستة مسؤولين آخرين لقيادتهم الحملة ضد المتظاهرين، وتشمل العقوبات تجميد أصولهم في الولايات المتحدة ومنع وصولهم للنظام المالي الدولي.
وبقدر ما تشكل هذه العقوبات خطوة ضغط رمزية على طهران فإنها تسلط الأضواء مجددًا على وزير الداخلية الذي يتصدر المشهد الحالي، ويقف في مواجهة المظاهرات المتعاطفة مع مهسا أميني، التي ينكر تعرضها لأي نوع من الضرب أو حتى الإهانة، ويوجه الاتهامات إلى مواقع التواصل الاجتماعي في إثارة أعمال الشغب على حد وصفه.
وكانت عائلة أميني رفعت شكوى ضد عناصر الشرطة المشتبه بهم، لكن هيئة الطب الشرعي الحكومية قالت إن حادثة موتها لم تكن بسبب الضرب، بل ناتجة عن عملية جراحية أجرتها مهسا حين كانت في سن الثامنة من عمرها.
رجل الحرس الثوري
ولد أحمد وحيدي في مدينة شيراز عام 1963، وعُرف بعدة أسماء مثل «أحمد شاه شراغي»، و«أحمد شريفي»، وانضم لقوات الحرس الثوري مبكراً، وكان مقربا من القيادي محسن رضائي، النائب الحالي لرئيس الجمهورية، وبعد تعيين الأخير قائداً للحرس عام 1981، تولى وحيدي قيادة مخابرات الحرس الثوري، ومسئولية قاعدة بلال المعنية بمتابعة العمليات الخارجية في دول العالم المختلفة، وهو موقع أتاح له الإشراف على أنشطة الحرس في لبنان في وقت كانت ميليشيا حزب الله في طور التأسيس. وفي عام 1983، اتُهمت قوات الحرس بتنفيذ تفجيرات في بيروت أسفرت عن مقتل أكثر من 380 شخصاً منهم 241 عسكرياً أمريكياً، واعتُبرت من أسباب انسحاب القوات الأمريكية والفرنسية من لبنان.
ويوصف وحيدي بأنه الحاكم العسكري الوحيد لإحدى المدن في تاريخ الجمهورية الإيرانية، ففي ظرف استثنائي شنت قوات مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة عملية عسكرية تحت مسمى «الضياء الخالد» في 25 يوليو/ تموز 1988، انطلاقاً من الأراضي العراقية، وكادوا يستولون على مدينة كرمانشاه، أهم مدينة في غرب البلاد، قبيل وقف الحرب العراقية-الإيرانية، وحينها تم تعيين وحيدي حاكماً عسكرياً لكرمانشاه، في ظل وجود كبار قادة الحرس الثوري الآخرين هناك، وتم صد الهجوم وتنفيذ إعدامات سريعة لأشخاص اتهموا بالتعاون مع مجاهدي خلق، وتعرض وحيدي للاعتقال بسبب أفعاله في هذه الواقعة، لكن أطلق سراحه بأمر من علي أكبر هاشمي رفسنجاني، القائد الأعلى للقوات الإيرانية المسلحة آنذاك.
وفي عام 1990، مع تحويل «المخابرات العسكرية للحرس الثوري» إلى «فيلق القدس»، الذي أصبح الذراع الخارجية للحرس، كان وحيدي أول قائد له، واستمر في قيادته لمدة 7 سنوات (1990-1997).
وخلال فترة رئاسته للفيلق تم تنفيذ العديد من العمليات في الخارج منها اغتيال معارضين ورموز النظام الملكي مثل غلام علي اُويسي، قائد الجيش الإمبراطوري البهلوي، وشابور بختيار، آخر رئيس وزراء في العهد الملكي، ووفقاً لما أحصته الحكومة الأمريكية فقد وقعت 50 جريمة قتل معارضين سياسيين إيرانيين وغيرهم في الخارج في تلك الأعوام.
وفي 18يوليو/ تموز 1994، تم تفجير المركز اليهودي في العاصمة الأرجنتينية، بوينس آيرس، مما أدى إلى مقتل 85 شخصاً وإصابة العشرات، ووُجهت أصابع الاتهام إلى الفيلق، وصار وحيدي أحد المتهمين الرئيسيين في القضية والمطلوبين من قبل المدعي العام الأرجنتيني، وكذلك البوليس الدولي (الإنتربول) الذي أصدر بحقه في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2007، النشرة الحمراء وهي مذكرة توقيف تصدر بحق المجرمين الفارّين من العدالة حول العالم بعد موافقة الجمعية العامة للإنتربول، وهي الهيئة الإدارية العليا بالمنظمة على هذا القرار.
وفي عام 1997 تم تسليم قيادة فيلق القدس، إلى قاسم سليماني، لكن ظل وحيدي من أهم القيادات المؤثرة في الدولة، فهو حاصل على شهادة الدكتوراه في الإدارة الاستراتيجية، ويعد من العقول المفكرة في الجناح المتشدد، وعمل عميداً لجامعة الدفاع الوطني العليا، وترأس مركز أبحاث الدفاع الإستراتيجي، الذي يؤدي دوراً مؤثراً في صياغة الإستراتيجيات الإيرانية، وفقاً يؤكده الدكتور فراس إلياس، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في العراق.
ومع تنقل الرجل بين العديد من المناصب السياسية والعسكرية فإن وجوده في بعض المؤسسات البحثية، يأتي بهدف الاستفادة من خبراته المتراكمة خلال فترات خدمته في مواقع مختلفة، وهي طريقة يلجأ إليها النظام الإيراني أيضاً لضمان استبقاء ولاء بعض القادة بعد تنحيتهم عن مناصبهم مع احتمال الاستفادة منهم لاحقاً في مناصب أخرى.
جلاد النظام في مواجهة الاحتجاجات
ترأس وحيدي مؤسسة الصناعات الجوية الإيرانية التابعة للقوات المسلحة، وأسهم في تطوير البرنامج الصاروخي الإيراني الذي يثير قلق الدول الكبرى، وخلال الولاية الأولى للرئيس أحمدي نجاد (2005-2009) عمل نائباً لوزير الدفاع، ثم ترقى ليصبح وزيراً الدفاع في الولاية الثانية لنجاد (2009-2013)، وحينها حصل على أكبر عدد من المؤيدين في البرلمان في جلسة التصويت على الثقة بأعضاء الحكومة، وهو ما اعتبرته الولايات المتحدة «خطوة الى الوراء» في الجهود التي تبذلها طهران للخروج من عزلتها.
وفي عام 2013 في أواخر عهد نجاد، أعلن وزير الخارجية الأرجنتيني الاتفاق مع طهران على إنشاء «لجنة لتقصي الحقائق»، وخضوع وحيدي لتحقيق في طهران لكشف ملابسات حادثة تفجير المركز اليهودي عام 1994، إلا أن هذا الاتفاق لم يسهم في تحقيق أي تقدم ملموس في القضية.
وفي 18 يناير/كانون الثاني 2015، تم العثور على جثة المدعي العام الأرجنتيني، ألبرتو نيسمان، ميتًا في ظروف غامضة، قبل يوم من موعد تقديمه إفادة لمجلس النواب عن نتائج التحقيقات، بعد أن كان أعلن أنه ينوي مقاضاة رئيس الأرجنتين ووزير الخارجية لتورطهم في تفاهمات غير قانونية مع طهران لتبرئة المتهمين في تفجير المركز اليهودي مقابل صفقة تجارية بين البلدين. وعلى مدار سنوات، شهدت بوينس آيرس مظاهرات واحتجاجات على خلفية هذا الأمر، وما زالت القضية حتى اليوم تتسبب في صداع للنظام الأرجنتيني، وتثير كثيراً من الجدل والنزاع.
ولم تؤثر الاتهامات الموجهة لوحيدي داخلياً وخارجياً على فرص ترقيه سلباً، بل بالعكس؛ فقد اختاره المرشد الأعلى، لعضوية مجمع تشخيص مصلحة النظام (مجلس يختص بفصل النزاعات بين البرلمان ومجلس صيانة الدستور)، ورئيساً للجنة السياسية والدفاعية والأمنية لذلك المجلس.
وكذلك اختاره رئيس الجمهورية الحالي، إبراهيم رئيسي، بعد فوزه في صيف العام الماضي، وزيراً للداخلية في حكومته، مما أثار انتقادات خارجية كان أبرزها من الأرجنتين التي اعتبرت تعيينه إهانة لجهازها القضائي وانتقدته الخارجية الإسرائيلية كذلك.
وفي سبتمبر/ أيلول 2021، أصدر المرشد الأعلى، علي خامنئي، بصفته القائد العام الأعلى للقوات المسلحة، قراراً بتعيين وحيدي نائباً للقائد العام للقوات المسلحة في الشؤون العسكرية، وفي نفس الشهر أصدر رئيس الجمهورية، بصفته رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي أيضاً، مرسوماً بتعيينه رئيساً لمجلس الأمن الداخلي، التابع للمجلس الأعلى للأمن القومي، وهو موقع يتيح له التنسيق والاستفادة من جميع إمكانيات الأجهزة الأمنية المختلفة.
وجاء تعيين وحيدي في الأساس لمواجهة الانتفاضات التي بدأت في 2017، بحسبما يؤكد حسين داعي الإسلام، عضو المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية التابع لمنظمة مجاهدي خلق، فقد صارت الاحتجاجات ظاهرة متكررة تهدد بقاء نظام ولاية الفقيه وتنذر بانهياره في أي لحظة.
وعكست هذه الترقيات المتلاحقة والمناصب المتزامنة، وجود رغبة لدى رأس النظام في تقوية موقف الرجل ليكون مشاركاً بقوة في إدارة المشهد الأمني وبالتالي السياسي في البلاد في مرحلة يواجه فيها النظام تحديات داخلية كبيرة، ويبدو مقبلاً على مرحلة اختيار خليفة للمرشد، وهو توجه لجأ إليه النظام خلال السنوات الأخيرة حين تعاظم إحساسه بالخطر فعمد إلى تصعيد الوجوه المتشددة وتمكينهم، حتى من لا يمتلك منهم شعبية تذكر بين المواطنين، على اعتبار أن المرحلة الحالية تتطلب وجوهاً من أهل الثقة الذين لا يُشك بولائهم.
ولا يبدو وحيدي قلِقاً وهو يواجه المتظاهرين بأعتى ألوان القمع والتنكيل، وهو المطلوب منه تماماً في هذه المرحلة، فالتظاهرات اليوم تطالب بتغيير النظام لا تغيير سلوكه كما كان الحال في الموجات الأولى للاحتجاجات، ومعركة البقاء لا هوادة فيها أياً كان الثمن وتتطلب وجوهاً مثل وحيدي.