وكلاء اللاعبين: «مينو رايولا» وثورة الطرف الثالث
بعد إعلان النهاية السعيدة بتوقيع العقود وإنهاء كافة إجراءات الصفقة، وأثناء مغادرة «مينو رايولا» مقر إدارة يوفنتوس متوجهًا نحو سيارته، إذا بجماهير السيدة العجوز الواقفة خارجًا تهتف باسمه، في مشهد غير مألوف بالنسبة لوكلاء اللاعبين.
اندمج «رايولا» مع المشهد، وأشار لهم بيده رادًا التحية ثم استقل السيارة. بالنسبة لشخص مثله، لا يكترث سوى بحجم عمولته، فقد يكون مشهدًا عابرًا، لكن تخيل نفسك كمشجع معتاد على الهتاف باسم فريقك ولاعبيه، ثم فجأة تهتف لشخص لا علاقة له بناديك سوى أنه كان أحد أطراف صفقة قد لا تفيد فريقك في المستقبل. وبقدر غرابة الموقف، إلا أن محاولة تفسيره قد تضفي عليه بعضًا من المنطق.
الكائن الطفيلي
في عام 2001، أي قبل نيمار وبوجبا وأموال الخليج، قدمت صحيفة التليجراف البريطانية مقالاً بعنوان: «Rise of agents is out of control»، صعود وكلاء اللاعبين خارج عن السيطرة. وكانت مخاوفهم في تلك الفترة مختلفة تمامًا عن الآن، إذ كان التركيز منصبًا على أمرين: الأول، اعتبار الوكيل كائنًا طفيليًا يعيش في أو على اللعبة للحصول على الغذاء، والثاني معايير الوظيفة.
ارتبطت زيادة أعداد وكلاء اللاعبين بقانون جديد في الانتقالات سمي بقانون بوسمان والذي صدر في عام 1995، والذي بفضله بات مسموحًا للاعبين بالرحيل عن أنديتهم فور انتهاء عقودهم، بعد أن كان النادي مسيطرًا على لاعبيه أثناء وبعد انتهاء العقد. وبالتبعية ازداد السوق نشاطًا، وبات مهيئًا لدخول الطرف الثالث دون شروط.
فقط عليك أن تملأ استمارة ببياناتك، ثم تودع مبلغ 100 ألف باوند في البنك السويسري «Swiss Bank»، لتصبح وكيل لاعبين معتمد. ثم أضاف الاتحاد الدولي لكرة القدم في مارس 2001 – اختبارًا يتضمن 20 سؤالاً متعدد الاختيارات، ويكفيك نسبة نجاح 66% لتجاوزه.
وبسبب هذه المعايير الهشة، ازداد الإقبال على الوظيفة من لاعبين سابقين، وآباء لاعبين، وغيرهم من المتطفلين من خارج المجال. بالتالي لا يمكن توقع أثر إيجابي لدخول هؤلاء، وكانت البداية بالتأثير على علاقة النادي بلاعبيه بفضل بضع استشارات قانونية. ثم امتدت الشكوك لتشمل أيضًا التأثير على شفافية اللعبة، وتقليل حجم سلطات المدرب. إيعاز صغير من الوكيل للاعبه بالتمرد، فيخرج اللاعب عن سيطرة مدربه، ثم بقية اللاعبين ثم تتأثر النتائج سلبًا، وينتهي الحال بالمدرب باحثًا عن نادٍ جديد.
شبكة علاقات
هكذا كان الحديث في 2001، حينما كانت كرة الثلج صغيرة، أما اليوم فبات حجمها أكبر من اللازم، وما زالت تواصل التدحرج. تغلغل وكلاء اللاعبين بشكل أكبر، وازدادوا خبرة ونفوذًا، ولم يكتفوا فقط بالتحكم في مزاجية لاعبيهم، بل امتد نفوذهم للتحكم بالأندية نفسها.
نحن نتحدث بالتحديد عن مجموعة بعينها يطلق عليهم اسم «Super Agents»، وتشمل الخماسي: مينو رايولا، خورخي مينديز، فيرناندو فيلتسيفيتش، جوناثان بارنيت، كيا جورابشيان. في يناير عام 2018، تحصل هذا الخماسي على عمولات تصل إلى 200 مليون باوند في آخر 12 شهرًا، مع تحكمهم في لاعبين تبلغ قيمتهم السوقية ما يزيد عن الـ 2 بليون باوند.
كل منهم لديه طريقته، لكن الثنائي مينديز ورايولا قد يكونان الأكثر لفتًا للانتباه. لنبدأ بشبكة اتصالات «مينديز»، والموضحة بالصورة التالية.
أوضح المحاضر في إدارة الأعمال الرياضية، دكتور دين باريل، أن نسبة كبيرة من أعمال الوكيل البرتغالي تتركز في مسقط رأس، بتمويل الثلاثي الكبير بنفيكا، بورتو، سبورتنج لشبونة بما يحتاجونه، والاعتماد على نوادي منتصف الجدول، لتمثل وجهة جيدة لأحد لاعبيه كبار السن، أو اختبارًا لموهبة شابة.
عدد كافٍ من اللاعبين، والمدربين، مع رسم خطوط بينهم وبين الأندية. في النهاية يجد مينديز نفسه متحكمًا في البائع، والمشتري، وبالطبع السلعة نفسها.
لم يكتفِ وكيل أعمال رونالدو بهذا فقط، بل إنه تمادى لتوجيه معظم عمليات الشراء لنادٍ معين، عبر إتمامه عددًا من الصفقات للاعبيه الشباب مع نادي ولفرهامبتون المملوك لمجموعة «فوسون إنترناشيونال الصينية» التي تمتلك أيضًا حصة في شركة «جستيفوت» التابعة لمينديز.
يُعد ذلك تحايلاً على قانون منع ملكية الطرف الثالث، الذي يحظر على النادي إجراء أي اتفاقات تتيح لغير اللاعب التحكم في قراراته خلال عمليات البيع والشراء والتفاوض، حيث تقضي ملكية الطرف الثالث بمنح الحق للوكلاء أو المستثمرين في شراء نسبة من ملكية اللاعبين الشبان، وكأنهم سلعة، في مقابل الحصول على نسبة من عقودهم المستقبلية.
طريقة «مينديز» الفعالة تتطلب الكثير من التخطيط والجهد والأموال، وبالتالي تكرارها ليس سهلاً. ومن هنا سننتقل إلى رجل العصابات «مينو رايولا».
رجل العصابات
يقدم «رايولا» نموذجًا مختلفًا تمامًا، يمكن أن نقول إنه أقل احترافية، لكن أكثر مباشرة. فهو يختصر كل هذه الخطوط والاتصالات في أمر واحد فقط: التحكم بالسلعة، إذ يعتمد على بناء علاقة أقوى من المعتاد مع لاعبيه، تدفعهم للثقة العمياء به.
هو يقدم نفسه عبر شخصية رجل العصابات الذي يجيد كل الأعمال القذرة، لكنه يتمتع بقدر كبير من الشهامة والولاء لرجاله. متى احتاجوه يجدونه بجوراهم، وفي سبيل ذلك سيعبر أي خطوط حمراء، حتى لو وصل الأمر لإغضاب السير أليكس فيرجسون، أو معاداة بيب جوارديولا، ريال مدريد، بول سكولز وأي شخص قد يعكر مزاج أحد موكليه.
عبر تلك العلاقة العائلية، يتحكم رايولا بموكليه، حتى تقتنع الأندية بأن كل الخيوط بين يديه، ولا سبيل للمضي قدمًا سوى بإرضائه ودفع العمولة التي يريد. عندما استطاع مانشستر يونايتد إرضاءه، تحصلوا على إبراهيموفيتش، بوجبا، مختاريان، ثم لوكاكو. وفي المقابل، حصل هو على عمولة وصلت إلى 48 مليون باوند من صفقة بوجبا فقط، ما يقارب الـ 50% من قيمة الصفقة.
وقد تسير الأمور بشكل أكثر تعقيدًا كما حدث في صفقة دي ليخت، مدافع أياكس السابق. كان تحليل الكاتب الرياضي ومشجع يوفنتوس، محمد عواد، الأكثر منطقية لتفسير ما قام به رايولا. كان باريس سان جيرمان ينافس يوفنتوس على صفقة دي ليخت، فمنح الأول ناشئ برشلونة المميز تشافي سيمونز، والثاني حصل على المدافع الهولندي.
وقد يكون هذا هو السبب الخفي لرفض بيريز التعامل مع رايولا وجلب بوجبا، لأنه يرغب في استمرار تحكمه في انتقالات ريال مدريد منفردًا دون أن تمارس عليه مثل هذه الضغوط.
وإذا عدنا بالذاكرة لأخبار يوفنتوس في الانتقالات الصيفية، سنتذكر بحث النادي عن مهاجم ثم استغناءه عن المهاجم الواعد مويس كين. لكن إذا علمت أن وكيل مويس كين هو مينو رايولا، فستبدأ علامات الاستغراب في الزوال. وعلى الأرجح قد تكون صفقة كين هي جزء من رد الجميل بين رايولا ويوفنتوس، في إطار سعيه لخروج لاعبه من دكة البدلاء وتسويقه بالشكل الأمثل.
هذا النموذج المصغر قد يكرره رايولا في المستقبل، وقد يكون كرره بالفعل دون أن يلاحظه أحد، ومع ازدياد حجم الإنفاق سيطمع رايولا وغيره في الحصول على المزيد، طالما لم يضع أحد قوانين للتحكم بما يُنفَق فوق وتحت الطاولة. أما مشهد الهتاف له، فقد يكون مجرد مشهد رمزي يعبر عن واقع جديد في كرة القدم، حيث ستقتنع الجماهير بأن اسم النادي ومشروعه لا يكفيان لإقناع اللاعب، وأن إرضاء الطرف الثالث هو الأهم.