ما بعد العاصفة: إعادة الأمل أم خيبة أمل؟!
كما بدأت عاصفة الحزم بصورة مفاجئة كزوبعة كبيرة، انتهت أيضا بصورة مفاجئة. وكما كان لبدايتها زخم كبير، فسيكون لنهايتها الكثير من التداعيات علي السياسة الخارجية السعودية وعلاقاتها الاقليمية، وفي الغالب، استثماراتها المالية في جيوش المنطقة.
بدأت عاصفة الحزم يوم 26 مارس 2015 بقيادة سعودية أرادت لها أن تكون افتتاحا لدورها الاقليمي في المنطقة فانضمت لها دول الخليج والمغرب ومصر وباكستان وأعلنت تركيا دعمها وتأييدها للعاصفة. وأرادت السعودية أن تعلن قيادتها المنفردة فاستبقت القمة العربية المنعقدة بشرم الشيخ بإعلان منفرد عن التحالف.
ولكن ما هي المواقف الحقيقية لبعض الدول التي عولت السعودية على دعمها في عاصفة الحزم؟!
1- باكستان:
عزفت اسلام اباد عن المشاركة الجدية مع المملكة السعودية التي تربطها بها علاقات وثيقة. فأولا تمتلك ايران مع باكستان حدودا ممتدة يعد الدفاع عنها أمرا صعبا. وثانيا تمتلك ايران مشروعا لتزويد باكستان بالغاز عبر خط أنابيب؛ صحيح أن هذا المشروع تعثر للخوف الباكستاني من العقوبات الأمريكية على إيران، ولكن بعد رفع العقوبات المرتقب أن يتم، فسيصبح هذا المشروع أحد أعمدة الطاقة لباكستان التي تعاني في هذا المجال. ثم ثالثا، توجد داخل باكستان أقلية شيعية (20%) تربطها علاقات وثيقة بإيران، مما يجعل مخاطرة كبيرة لإسلام آباد، أن تتدخل في صراع تروج له السعودية على أنه صراع سني/شيعي أو فارسي/عربي.
2- تركيا:
تجمع تركيا وإيران علاقات اقتصادية مميزة رغم الخلافات السياسية المتجذرة، فمن المتوقع أن ينمو التبادل التجاري بين البلدين إلى 30 مليار دولار. وسيكون من الصعب على حكومة العدالة والتنمية التخلي عن الاقتصاد لصالح السياسة وسط الأعاصير وتقلبات المواقف التي تحدث في المنطقة.
3- مصر:
تعاني مصر من وضع داخلي متدهور ووضع منفلت وحرب أهلية في شبه جزيرة سيناء. كما تمتلك تجربة تاريخية سيئة في المعترك اليمني. لذا سيكون من الصعب علي الجيش المصري المغامرة في جبال اليمن خصوصا مع البرود الملحوظ في العلاقات المصرية السعودية بعد موت الملك عبد الله.
قراءة استراتيجية لعاصفة الحزم:
تخوض السعودية منفردة حربا غير متكافئة في باحتها الخلفية. ورغم هيمنة السلاح الجوي السعودي، إلا أنه لن يتمكن من تحقيق النصر على الأرض، خصوصا في غياب قوات برية كفأة وقادرة على الإنجاز.
فهنا لدينا قوات متناثرة تتبع الرئيس هادي يعاونها قصف جوي شديد من القوات السعودية؛ وفي المقابل ميليشيات حوثية يصعب تفريقها عن المدنيين متحالفة مع قوات علي عبدالله صالح. هذه القوات تتحرك وسط المدنيين كما أن مخازن أسلحتها أو مقراتها توجد أيضا بين البيوت وفي قلب المدن. إذن أي تحرك جوي سينتج عنه بالضرورة خسائر كبيرة في المدنيين بما يرفع تكلفة الحرب ويزيد من الغضب الشعبي على التدخل السعودي وربما يدفع بأهل صنعاء وما حولها إلى تقبل الحوثي، كونه خيرا لهم من ضربات لا تميز المدني من المسلح. وبمرور الوقت، وبغياب تدخل بري فعال يستفيد من القصف، يتناقص بنك أهداف عاصفة الحزم وتتضاءل فرصه في تحقيق أهدافه بينما يثبت الحوثيون أقدامهم على الأرض.
(انفجار بمخزن للذخيرة قصفته قوات التحالف يؤدي الي مقتل 18 من المدنيين)
ومع الأخذ في الاعتبار الوضع الإنساني الذي تسببت به عاصفة الحزم، حيث راح ضحيتها ما يقارب الألف قتيل، هذا غير الجرحى والمشردين، وأيضا استحالة تحقيق نصر في زمن قياسي مع غياب قوات برية على الأرض، فسوف يكون من المفهوم لماذا توجهت السعودية إلى إيقاف عاصفة الحزم وإعلان “إعادة الأمل”.
ماذا وراء اعادة الأمل؟
بعد 26 يوما من بداية العمليات أعلنت السعودية وبصورة مفاجئة انتهاء عاصفة الحزم بتحقيقها أهدافها الاستراتيجية وبداية ما سمته عملية “إعادة الأمل”؛ ولكن يمكن لأي قارئ أن يدرك أن السعودية لم تحقق أهدافها؛ فلم يتوقف تقدم الحوثيين علي الأرض، وبالطبع لم تظهر بادرة أمل بعودة الرئيس هادي إلى صنعاء.
يمكننا من قراءة خطاب العسيري أن نلاحظ اختلافا في التوجه السعودي، حيث ينصب معظم الخطاب على الجهود السياسية والدبلوماسية والإنسانية مع عدم استبعاد التدخل العسكري مرة أخرى.
كما نلمح في الأفق ما يشير إلى ضغوط دولية لإنهاء الأزمة والوصول إلى حل دبلوماسي. فقبل الإعلان عن انتهاء عاصفة الحزم بعدة ساعات، أعلن مساعد وزير الخارجية الإيراني للشئون العربية عن تفاؤله بقرب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في اليمن وجلوس الفرقاء على مائدة المفاوضات. وقبل ذلك بيومين، استضافت القاهرة لقاء بين أبو بكر القربي وزير الخارجية السابق ومسئولين مصريين. ثم زار بعدها سامح شكري وزير الخارجية المصري، الرياض، في زيارة سريعة وغير معلنة.
كما أشارت عدة صحف إلى أن الرئيس باراك أوباما يمارس ضغطا على العاهل السعودي لوقف عاصفة الحزم، لما تحدثه من خسائر كبيرة في المدنيين وأيضا نتيجة تزايد نفوذ القاعدة على الأرض.السيناريوهات المتوقعة:
1- مبدئيا، ندرك جميعا استحالة تحقيق أهداف عاصفة الحزم من خلال القصف الجوي وحده، ولكن يتطلب هذا تدخلا بريا. ومع تراجع باكستان ومصر، تزداد صعوبة الخيار العسكري. ولكن من الواضح أن السعودية تبقيه مفتوحا خصوصا مع استدعاء الحرس الوطني بأمر من الملك سلمان؛ ومع ذلك يظل هذا الخيار مستبعدا في الوقت الراهن.
2- يصبح الحل الدبلوماسي إذن هو الأقرب للتحقق إذا أخذنا في الاعتبار العديد من المعطيات؛ أهمها: التقرير الذي نشرته الهافنجتون بوست على لسان مسئول إيراني يقول فيه أن طهران نصحت الحوثي بعدم التقدم صوب صنعاء. ومع تزايد التكهنات عن حل دبلوماسي برعاية عمانية وبضغط أمريكي كما أشارت صحف أمريكية عدة. وفي مقابلة أجراها باراك أوباما الثلاثاء الماضي قال: ||هناك العديد من الناس الذين يعانون داخل اليمن. ما نحتاجه هو أن نجمع كل القرقاء معا وأن نجد اتفاقا سياسا|| سوف تسعي السعودية بالتوازي مع ذلك إلى الحد من قدرات الحوثي علي التسلح، بمعاونة أمريكية عن طريق محاصرة الحدود البحرية واستمرار القصف لحين إعلان الحوثي موافقته على الحوار. ففي الساعات القليلة التي تلت إيقاف عملية عاصفة الحزم، لم تتوقف هجمات الطائرات السعودية، كما لم تتوقف حركة الحوثيين على الأرض، حيث هاجموا مقر الفرقة 35 بتعز المؤيدة للرئيس هادي. كما تحركت حاملة طائرات أمريكية مع سفينة حربية مرافقة لها إلى الحدود البحرية اليمنية، وقال مسئولون أمريكيون أنها تهدف إلى اعتراض شحنات الأسلحة المتوجهة من إيران إلى الحوثيين.
*****
إذن هناك ضغوط على السعودية كما على الحوثي للتوجه إلى حل دبلوماسي. ويمكن أن يعد إعلان نهاية عاصفة الحزم بادرة جيدة من الجانب السعودي تنتظر مثيلها من الحوثي. ولكن ليس من الأكيد هل سيستجيب الحوثي للضغوط الايرانية أم لا. ولذلك تبقي السعودية خيارها العسكري مطروحا على طاولة المفاوضات في حال فشلت المبادرة العمانية أو فشلت فكرة الحوار بالجملة، ولمنع الحوثي من تحقيق المزيد من المكاسب على الأرض. هذه المكاسب التي ستتحول لاحقا إلى أوراق على طاولة المفاوضات.
ختاما..
إن التحالف الذي بدأ بقيادة السعودية كان بالتأكيد اختبارا ناجحا للدبلوماسية السعودية وتمييزا لمنعطف جديد في السياسة السعودية -في عهد الملك سلمان- تظهر فيه كقوة إقليمية في إطار سياسة أمريكية جديدة في المنطقة تتجه نحو خلق توازن اقليمي بين السعودية وإيران، فهو في النهاية جزء من إعادة تموضع للقوى الإقليمية في المنطقة تلعب فيه السعودية دورا كبيرا. وبالتأكيد أخذت عاصفة الحزم إيران والحوثيين على حين غرة، فلم يضم التحالف فقط الدول العربية وانما اتسع ليشمل الجار النووي لإيران (باكستان) وبدعم من تركيا. ولكن بمرور الوقت الذي سمح للطرف الإيراني بامتصاص صدمة المفاجئة، بدأت الدول المشاركة تتملل تدريجيا لتصبح مشاركتها أقرب للمشاركة الاسمية منها للمساهمة الفعالة مما أصاب السعودية بخيبة أمل بعد الملايين التي استثمرتها في سياستها الخارجية.
وحتي الآن، تبدو عملية إعادة الأمل محاطة بالضباب والتكهنات التي سوف تكشف عنها الأيام المقبلة. لكن بالتأكيد فإن أثرها على المنطقة سوف يدوم لسنوات قادمةفيما يخص تحالفاتها الاقليمية وخياراتها الاستراتيجية.
1- U.S. trying to restrain Saudi Arabia on deadly Yemen airstrikes
2- In search of a new balance of power in the Middle East
3- ANALYSIS: Is Saudi-led coalition’s ceasefire just smoke and mirrors?
4- مأرب برس تكشف صفقة إيقاف “عاصفة الحزم “.. انسحاب الحوثيين واتباع صالح من المدن سيبدأ الخميس
5- وقف كل العمليات العسكرية والانتقال إلى الحوار
اقرأ المزيد:
كيف تمدد الحوثيون من “صعدة” إلى “عدن”؟ (1/ 3)
كيف تمدد الحوثيون من صعدة إلى عدن؟ (2/ 3): الطريق إلى صنعاء
كيف تمدد الحوثيون من «صعدة» إلى «عدن» (3/3)؟ الطريق إلى عدن والعاصفة