بعد سيطرتها على الأرض: كيف تخطط إسرائيل للقضاء على السكان؟
يقوم التصور الاستراتيجي الإسرائيلي الذي تتداوله النخب ومراكز التفكير الإسرائيلي ومناقشات الرسميين الإسرائيليين حاليًا على معادلة محددة بدقة وهي: بعد الاستيلاء على الأرض الفلسطينية جاءت مرحلة التخلص من السكان الفلسطينيين. لكن كيف؟
للإجابة على هذا السؤال الصعب للغاية نتوقف عند المؤشرات التالية:
أولًا: الاستيلاء على الأرض: يسيطر الإسرائيليون حاليًا على ما يلي:
أ- أراضي 1948: تشكل مساحة هذه الأراضي والتي أقيمت عليها إسرائيل 78% من مساحة فلسطين، يسيطر اليهود على حوالي 75% منها، ويعيش العرب الفلسطينيون على حوالي 3% منها، لا سيما في منطقة الجليل.
ب- 9% من مساحة فلسطين الكلية (أو 42 % من الضفة الغربية) تم الاستيلاء عليها بعد حرب 1967، وهي المساحة التي استولت عليها إسرائيل في الضفة الغربية للاستيطان، لا سيما في المنطقة (ج)، وتضم هذه المنطقة حوالي 87% من الموارد الطبيعية في الضفة وحوالي 50% من مساحة الطرق وأكثر من 88% من مساحة الغابات.
ت- قطاع غزة ويمثل حوالي 1.3% من مساحة فلسطين الكلية.
ذلك يعني أن الفلسطينيين يعيشون على 13% في الضفة الغربية + 3% من أراضي 1948 + 1.3% هي مساحة قطاع غزة، مما يجعل إجمالي المساحة التي يعيش عليها الفلسطينيون حاليا هي 17.3 من مساحة فلسطين كلها . ذلك يعني أن الكثافة السكانية للعرب واليهود في فلسطين هي على النحو التالي: (دون حساب المساحة البحرية):
1. يعيش 1302 من الفلسطينيين في الكيلو متر المربع الواحد.
2. يعيش 301 يهود في الكيلو متر المربع الواحد.
لكن العقل الاستراتيجي الإسرائيلي يضع تصوره المستقبلي على أساس أن إسرائيل حاليًا هي صاحبة أعلى معدل كثافة سكانية بين الدول الصناعية، إلى جانب أن عدد سكان إسرائيل من اليهود يزيد 5 ملايين نسمة كل عشرين سنة، وهو ما يعني أن عدد يهود إسرائيل عام 2038 سيكون حوالي 14 مليون يهودي، وهو ما يجعل الحاجة الماسة لمزيد من المساحة أمرًا لا مناص منه.
ثانيًا: تشير دراسات ألون تل «الأستاذ في جامعة تل أبيب»، ورفائيل إسرائيلي «الأستاذ في الجامعة العبرية» ودراسات أوفر زالزبورغ وتصريحات نتنياهو وليبرمان والرئيس الإسرائيلي روبين ريفلين .. إلخ، إلى أن الخطوة التالية هي كيفية التخلص من السكان العرب بعد السيطرة على أغلب مساحة فلسطين، وهذا التخلص سيتركز على الضفة الغربية والجليل، وهنا تدور المناقشات حول الاحتمالات التالية:
أ- نموذج غزة: أي التخلي عن مساحات قليلة، لكنها تضم عددًا كبيرًا من الفلسطينيين (فمثلًا أدى الانسحاب من 365 كيلو في غزة إلى التخلص من عبء حوالي مليون و940 ألف نسمة حاليًا من الفلسطينيين).
ب- تشجيع الهجرة من الريف الفلسطيني للمدن الفلسطينية، ويعيش حاليًا في المدن الفلسطينية حوالي 74% من السكان وحوالي 10% في المخيمات، بينما يعيش في الريف 16%، يسير المخطط الصهيوني على أساس تجميع السكان في مناطق ضيقة ثم التخلي والانسحاب من هذه المناطق لا سيما ذات العدد السكاني الأكبر، على غرار نموذج غزة.
ت- التهجير القسري من خلال سحب الجنسيات، الضغط الاقتصادي والاجتماعي، افتعال اضطرابات بين القوى الفلسطينية وخلق نوع من الحرب الأهلية بين الفلسطينيين لدفعهم للهروب نحو الجوار.
ث- دفع الدول العربية لمزيد من التطبيع مع إسرائيل تمهيدًا لفتح الأسواق العربية للبطالة الفلسطينية وامتصاصها في هذه الأسواق ثم تجنيس هذه الجماعات الفلسطينية المهاجرة بحثًا عن العمل.
ج- تبادل أراضٍ على غرار مشروع سيناء وتوسيع قطاع غزة لامتصاص أكبر قدر من السكان الفلسطينيين خارج فلسطين.
ح- تجميع الفلسطينيين في مناطق شمال الضفة الغربية (بشكل تدريجي) والانفصال عنهم وتحويلهم لأقاليم سياسية، يتم دمجها مع كيان عربي آخر كالأردن مثلًا، وهو ما طرحه رافائيل إسرائيلي، وغيره من الباحثين والسياسيين الإسرائيلطيين في عدة مساهمات فكرية لهم.
ذلك يعني أن العقل الصهيوني مشغول حاليًا بكيفية التخلص من أكبر قدر من السكان الفلسطينيين بعد سيطرته على أكبر قدر من الأراضي الفلسطينية، وقد يعتقد البعض من العرب أن إنجاز هذا المخطط الصهيوني غير ممكن، ولكني أقول إن رخاوة البيئة العربية وانشغالها بهمومها الداخلية، وهشاشة الوضع الفلسطيني الداخلي وكوابح التنسيق الأمني لمنع أي حركة مقاومة، ووجود إدارة رعناء على غرار إدارة ترامب في الولايات المتحدة، ولا مبالاة صناع القرار الأوروبي، والتقارب الصيني الإسرائيلي … إلخ، كلها عوامل تسمح للعقل الصهيوني أن يذهب بعيدًا، وربما أبعد من ذلك!