بعد أن انفض «المولد»: الإخوان المسلمون 90 عامًا
في حدود خوارزميتي التي اختارها لي «مارك»، فقد عجّ حسابي على «فيسبوك» خلال اليومين الماضيين بالموضوعات والتعليقات حول إحياء الذكرى التسعين لتأسيس جماعة الإخوان المسلمين، واليوم بعد أن انفض «المولد»، اسمحوا لي أن أشارككم رأيي المتواضع: ستظل نشأة جماعة الإخوان المسلمين كرد فعل على إسقاط الخلافة الإسلامية والهجمة الاستعمارية التي استهدفت عقل وروح ودين الأمة بعد أن احتلت أراضيها، هي واحدة من أهم المحطات في تاريخ هذه الأمة، شاء من شاء وأبى من أبى.
سيظل الأثر الذي تركته تربية الإخوان المسلمين ومنهجهم المعتدل، روحًا تسري في الأمة من جيل إلى جيل ومن بلد لآخر، متجاوزة كل العوائق الفكرية التي وضعها الطغاة على العقول، وكل الحدود الجغرافية التي وضعها الاستعمار لتقسيم جسد هذه الأمة، ولا يمكن لعدو أن ينكر ذلك فضلًا عن الصديق.
ستظل روح الجهاد التي أحيتها جماعة الإخوان المسلمين في القناة وفلسطين نبراسًا لكل مقاوم، وسط زمن لم يعد فيه حكومة أو دولة أو نظام يرفع راية الإسلام، ويذود عنه ضد كل معتد يستهدف الأرض والإنسان. ولكن.. عطاء وبذل وإنجازات السلف لا تجزئ عن عجز وأخطاء الخلف.
العبرة ليست بإحياء الذكرى، ولكن كيف نحييها، لنتمثل القيم والأهداف والغايات الكبرى والمركزية في رؤية الجماعة. فهل تم التحضير بفاعليات ومؤتمرات عالمية تستكتب باحثين حول العالم، ليساهموا بأوراق عمل حول تقييم أداء الجماعة واستشراف مستقبلها، في ظل المتغيرات السياسية على المستويات العالمية والإقليمية والقطرية والاجتماعية؟ هل تم إنتاج فيلم وثائقي ضخم حول واقع الجماعة الممتدة عبر 70 دولة وأكثر، وعرضه خلال هذه الفاعلية؟ هل هناك موقع إلكتروني عالمي لتنظيم الإخوان المسلمين يمثل وكالة أنباء لكل أنشطتها في كل الأقطار، ويهتم بأخبار المسلمين والأقليات المسلمة حول العالم بأكثر من لغة؟ من هو الجمهور المستهدف بهذه الفاعلية، وما رسالتها، وكيف أدتها؟
أيها السادة: العمل المنبت عن رؤية متكاملة يجعلك تضع هدفًا في مرماك وليس في مرمى الخصم! ويظل يثير تناقضات لم ولن تنتهي.
عالمية الجماعة عمل متراكم ودءوب يظهر أثره على الأرض، خاصة في الأوقات الفارقة والأحداث الحرجة، فتكون الفاعليات هي مجرد عنوان لتأكيده وتسويقه للرأي العام، ولكن الفاعليات الاحتفائية ما كانت لتقنع الناس بعكس ما هو موجود على الأرض، فإن غاب الفعل لا يغني ألف ألف قول.
لا تستغني جماعة عن خبرة شيوخها ولا قوة شبابها ولا حاضنة مجتمعها، فلا تهدموا الجسور ولا تقطعوا الأوصال.
لكل فعل رد فعل مساو له في القوة، ومضاد له في الاتجاه. فبين من يبررون كل شيء حتى ولو كان خطأ، ومن يهاجمون كل شيء حتى لو كان صوابًا، تضيع الحقائق، ويغيب صوت المنطق، ويتسلط هوى النفس، ونزداد غرقًا في بحر الرمال المتحركة، ونحن نظن أننا نحلق نحو القمم.
حين ينفصل هدفك عن هدف صفك الذي انتخبك وقدمك كوكيل عنه، فعليك أن تتنحى ليختار الصف وكيلًا آخر يحقق أهدافه المرحلية، أو تنجح في إقناع الصف بأن أهدافك هي الأولوية التي تستحق. لكن أن تظن أن أعظم إنجازاتك هو إقناع بعض الحكومات الغربية بعدم وضع الجماعة على قائمة الإرهاب، بينما يرى الصف أن أولويتك هي إنهاء الانقلاب العسكري، أو على الأقل تقليل الخسائر في مواجهته، والاستفادة من التضحيات التي تمت من أجل تحقيق الهدف، أو الاستقرار على رؤية لكيف يدار وينتهي الصراع الحالي في مصر؛ فسيظل كلا الطرفين يتحدثان ولا يسمع أي منهما للآخر، فيتأجج الغضب ويستمر نزيف الفرقة والانقسام.
ما يؤلم الناس ليس عظم التضحيات، ولكن إهدار التضحيات والاكتفاء بالتغني بها في المحافل وعلى المنصات، فكما يصبر الصف على التضحية في سبيل الله. على القيادة الرشيدة أن تضن بدماء وأعمار أبنائها إلا في موضع يرجى منه تحقيق النصر، فالتضحية ليست في حد ذاتها غاية، وما كانت الشهادة إلا سبيلًا للنصر، فاحذروا العبث بأجيال ائتمنتكم على أعمارها لرفعة دين الله.
احذر أن تقع فيما تنتقده وتحاربه وقدمت في سبيله الكثير من التضحيات، فحينما نقنع الصف أن هدف كل ناقد أو معارض هو هدم الجماعة وتنحية قيادتها العظيمة الباسلة (فلان وفلان)، فما أشبه اليوم بالبارحة، حين احتُلت غزة والضفة والجولان وسيناء، ولكن بقي «عبدالناصر». وحين تباع مصر اليوم وتحترق أراضيها ويجف نيلها ويموت شعبها جوعًا ولكن المهم أن يبقى «السيسي».. الحذر الحذر يا كرام.
وللحديث بقية..