ذئب أفريقيا المُخادِع
لطالما احترمت العرب شجاعة الذئب فقالوا: «إذا تمنَّيتَ فاستَكثِر، وإذا ذكَرْتَ الذئب فالتفِت»، وقالوا: «أَحْذَرُ مِن ذئب»، ولكن بشكل عام نال الذئب سوء سمعة وكراهية في التراث الإنساني، وهو بشكل كبير له مظلومية كبيرة في هذا الصدد، حتى إنه اُستخدمت أجزاؤه في السحر والحماية من الجن.
يُوصف الذئب بالغدر في الغالب؛ لأن البشر يتوقعون عند تربيته والتعامل معه تصرفات الكلب وسلوكه، بينما الذئب حيوان بري صعب الترويض، حتى لو ربيته منذ الصغر.
تنتشر الخرافات والأساطير حول هذا الحيوان، ربما أكثر من أي حيوان آخر، وتنتشر أيضًا المعلومات المغلوطة عنه، وهذا هو محور هذا المقال.
لا ذئاب في أفريقيا
ساد الاعتقاد أن قارة أفريقيا خالية من الذئاب، رغم أنها مهد البشرية ومهد فصائل كثيرة من الحيوانات. وهنا نراجع سريعًا قائمة «الكلبيات» في أفريقيا، وهو مصطلح تم إطلاقه على الذئاب والثعالب وبنات آوى، وما شابهها:
1. الكلب البري الأفريقي Lycaon.
2. الذئب الإثيوبي Canis simensis.
3. ابن آوى أسود الظهر Canis mesomelas.
4. ابن آوى مخطط الجانب Canis adustus.
5. ابن آوى الذهبي Canis aureus.
ويمكن اعتبار «ابن آوى» حيوانًا منفصلًا عن الذئاب والثعالب، ولكنه على قرابة بهما، فالكلب هو فصيلة من الذئاب، حسب معظم التصنيفات العلمية التكسانومية.
ونجد أن اسمي ابن آوى أسود الظهر ومخطط الجانب يعبران عن شكليهما، حيث يوجد فرق واضح في الشكل ونمط اللون، وبين الشكل المعروف للذئب أو حتى الكلب وبين شكليهما.
وابن آوى الذهبي أقرب منهما لشكل الكلب والذئب، وهذه هي المشكلة كما سنعرف.
اكتشافات جديدة
كان الاعتقاد السائد منذ مئات السنين أن ابن آوى الذهبي المتواجد في أفريقيا هو امتداد لتواجد حيوان ابن آوى الآسيوي والأوروبي، ساهم في ذلك التشابه القوي شكلًا بينهم.
لفت الاختلاف الطفيف في الشكل بين هذا الحيوان وابن آوى الآسيوي انتباه الباحثين، ولكن لم تكن هناك طرق أخرى لإثبات هذا الاختلاف، لكن مع ثورة دراسات الـ DNA، أُلقِي الضوء تدريجيًّا على هذا الحيوان وأصوله.
ظهرت أول دراسة قائمة على الحمض النووي لهذا الحيوان عام 2011، وأثبتت أنه حيوان منفصل عن ابن آوى الآسيوي.
وقد أثبتت دراسة منشورة لباحثين من مركز التركيب البيئي والتطوري بقسم الأحياء بجامعة أوسلو، عن طريق دراسات الـ mitochondrial DNA، وجود عينات للذئب الأفريقي في إثيوبيا في مكانين متفرقين. واختلفت هذه العينات والعينات المصرية عن العينات من فلسطين والشام (ابن آوى الآسيوي)، والمدة الزمنية منذ تفرع الذئب الذهبي وابن آوى الآسيوي هي حوالي مليون سنة، وهي مدة كافية جدًّا لاعتبارهما نوعين منفصلين.
التطور المتوازي
هو ما حدث لابن آوى الذهبي المتواجد في أفريقيا وابن آوى الآسيوي، حيث تشابه الشكل وربما بعض السلوكيات نتيجة لوجود كلا الحيوانين في بيئة متشابهة، فالحيوانان يواجهان تحديات وظروفًا بيئية متشابهة، ليكون النموذج الأمثل للتعايش في هذه البيئات هو نموذج متشابه في الحالتين.
نموذج آخر لذلك هو الضبع، الذي يبدو أقرب للكلبيات شكلًا، لكن في الواقع وحسب الحمض النووي الخاص به هو أقرب للقطط، حتى إنه يمتلك مخالب قابلة للثني مثل الأسود والنمور.
وقد توالت الدراسات بعد ذلك بعينات أكبر تغطي مساحة جغرافية أوسع لتؤكد نتائج الدراسة الأولى، وتوضح أن الذئب الأفريقي الذهبي (كما اصطلح المجتمع العلمي على تسميته، ولكن ليس رسميًّا حتى الآن) حيوان منفصل حتى عن الذئب الرمادي، وربما أقدم منه حتى.
الذئب الرمادي Canis Lupus
الذئب الرمادي هو الصورة التقليدية التي تتبادر للذهن عن الذئب، ألوان تميل إلى الرمادي، فراء كثيف، أعين بنية تميل للصفرة، ارتفاعه حوالي 70 سنتيمترًا، وطوله من متر إلى متر ونصف، بالإضافة إلى الذيل.
يصطاد في جماعات أغلب أفرادها من نفس العائلة، ذكر وأنثى بالإضافة إلى أبنائهما من أجيال متعاقبة.
يختبر الذئب الرمادي فرائسه ذهابًا وإيابًا حتى يختار أحدها، في كثير من الأحيان تكون ضعيفة أو مريضة، لذلك تُفيد الذئاب البيئة من حولها وفرائسها بالتخلص من الأفراد الضعيفة والمريضة.
يُعرَف عن الذئب الرمادي اعتياده اصطياد فرائس أكبر حجمًا منه، يكون هذا من الممكن مع أسلوب الصيد الجماعي للذئب الرمادي.
من أنواعه: ذئب التندرا، وذئب ألاسكا، والذئب العربي، والذئب الهندي.
الذئب الذهبي Canis lupaster
يتشابه كثيرًا في الشكل العام مع الذئب الرمادي مع اختلافات، مثل صغر حجمه وقصر فرائه وطول أذنيه. كل هذه صفات تختلف بها معظم الحيوانات التي تعيش في المناطق الصحراوية الحارة عن نظيرتها في الأماكن الباردة.
فهو شعر قصير حتى يتحمل درجة الحرارة العالية، وأذنه طويلة لتسريب الحرارة وزيادة تجميع الأصوات مع العيش في الكهوف الصحراوية وشبه الصحراوية.
يتواجد الذئب الذهبي غالبًا في أزواج مع الأبناء ولكن في جماعة صغيرة، وعلى عكس الرمادي فإن أغلب فرائسه من الزواحف والثدييات الصغيرة، وربما يضطر لتناول الخضراوات من المزارع القريبة كما يحدث في واحات مصر وقراها.
فُرِّق بين حوالي سبع تحت أنواع من الذئب الذهبي حتى الآن، وتمتد منطقة وجوده من البحر الأحمر شرقًا حتى سواحل موريتانيا غربًا، ومن مصر شمالًا حتى إثيوبيا جنوبًا، ويشمل ذلك سهول جبال أطلس شمال غرب أفريقيا.
آخر الدراسات على جينوم الذئب الذهبي تقول بأن جميع عينات هذا الحيوان تنحدر من أسلاف، هذه الأسلاف هي عبارة عن مزيج بين الذئب الرمادي وحيوان آخر من كلبيات أفريقيا هو «الذئب الإثيوبي»، الذي ربما نتحدث عنه في مقال قادم.
إن الذئاب في شمال أفريقيا وفي مصر تحديدًا تتعرض للصيد، وفي بعض الأحيان للصيد الجائر والبيع في الأسواق السوداء، رغم الأهمية العلمية الكبيرة لهذا الحيوان المُحيِّر، الذي يحاول الباحثون من مختلف أنحاء العالم دراسته.