دوري السوبر الأفريقي: حلم دفع موتسيبي للعب دور خنزير غينيا
البطولة هي دوري السوبر الأفريقي، المقترح الذي يتبناه الاتحاد القارّي بمباركة من الاتحاد الدولي لكرة القدم. والمفارقة هي أنّ هذه البطولة المقترحة لم تُثِر غضَب «جياني إنفانتينو»، رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا»، على الرغم من كونها بطولة مُغلقة تمامًا مثل دوري السوبر الأوروبي؛ قادمةً لشَلّ صغار القارة، ومكافأة كبارها. فلماذا لا يشعر أحد بالقلق؟
ربما يجب أن نبدأ بطرح الأسئلة البديهية: أسئلة عن هويّة المشاركين في البطولة، كيفية اختيارهم، مدى احتياج أفريقيا كقارّة لهذا النوع من البطولات.
لكن ذلك لا يهم. السؤال الأكثر أهمية هو لماذا يُتوقّع أن تنجح أفريقيا في إطلاق «دوري السوبر» على الرغم من فشل تطبيق نفس الفكرة في أوروبا؟
«الحاجة أم الاختراع»
كان تمويل بطولة السوبر الأفريقي أزمة حقيقية في الأساس. خلف الكواليس، عرض البعض دفع الأندية العشرين المتوقّع مشاركتها لمقابل اشتراك -مجتمعين- يقدَّر بـ20 مليون دولار سنويًا لمدة خمسة أعوام، مع وعود خيالية بأن عوائد المشاركة في البطولة التي تتضمن الجوائز، والرعاية، وصفقات البث سوف تدر على الأندية أرباحًا تفوق هذا الرقم. بالطبع تبدو فكرة ساذجة؛ أكثر من 90% من أندية أفريقيا لا تمتلك رفاهية التضحية بمليون دولار سنويًا من الأساس.
في مايو/آيار 2023، نشرت «جارديان» البريطانية تفاصيل محادثات سعودية أفريقية لحل هذه الأزمة. والصفقة باختصار هي رعاية المملكة العربية السعودية للبطولة انطلاقًا من موسم 2024/2025 بعقد قد يصل لـ200 مليون يورو سنويًا، مقابل حصول المملكة على دعم قارة أفريقيا لأي ملف سعودي قادم للحصول على شرف تنظيم كأس العالم.
تبدو القصة برمتها غير منطقية بالفعل. لماذا يرغب الاتحاد الأفريقي في إنشاء بطولة جديدة، لا يمتلك القدرة الاقتصادية على إطلاقها؟ الإجابة المنطقية هي مبدأ «الكنس تحت السجادة».
في 2019، أنهى الاتحاد الأفريقي عقد الرعاية المشبوه الذي أبرمه «عيسى حياتو» في 2016 مع شركة «Lagardere TV» الفرنسية للتسويق، بسبب انتهاكه لحقوق المنافسة العادلة. بالتالي، فقد الاتحاد الأفريقي أحد أهم روافد العوائد المالية الخاصة به.
في أغسطس/ آب 2022، اطلعت هيئة الإذاعة البريطانية «BBC» على حسابات الكاف المدققة في محاولة لفهم الدافع خلف إطلاق دوري السوبر الأفريقي. واتضح أن الكاف يعاني منذ إلغاء عقد الرعاية أعلاه من أزمة اقتصادية حقيقية، حيث حقق خسائر موسم 2020/2021 تقترب من 45 مليون دولار.
لذا، ربما رأى باتريس موتسيبي أن «كنس» هذه الأزمة عبر إطلاق بطولة جديدة أكثر إبهارًا من البطولات القارّية التي لا تحقق أرباحًا مجزية فكرة سديدة. لكنّها تحتاج فقط لإطار شرعي، حتى لا ينتهي بها الحال كفكرة إطلاق «السوبر ليج الأوروبي».
دمية الفيفا
الآن يمكننا الوصول لجزءٍ من الحقيقة، لم يعارض رئيس الفيفا فكرة السوبر الأوروبي من مُنطلق الحرص على مصلحة كرة القدم الأوروبية؛ لأن دوري السوبر الإفريقي، الذي يحظى بدعمه، لا يختلف كثيرًا من حيث المبدأ.
لكن الاختلاف الوحيد هو أن «باتريس موتسيبي» رجُل يمكن أن يثق به رئيس الاتحاد الدولي، أو بالأحرى دُمية يمكنه تحريكها كما يشاء، وهذه هي القصة الأهم.
وصل ملياردير التعدين الجنوب أفريقي«باتريس موتسيبي» لرئاسة الاتحاد الأفريقي عام 2021 بدعم شبه مطلق من رئيس الفيفا. طبقا لـ«دويتش فيله» الألمانية، أثناء الانتخابات على المقعد الأهم في كرة القدم الأفريقية، سحب منافسو موتسيبيه على منصب رئيس الاتحاد الإفريقي أوراق ترشحهم بعد وعود مباشرة من إنفانتينو بمناصب مهمة داخل الكاف.
وبالفعل، أصبح «أوغستين سنغور» من السنغال و«أحمد ولد يحيى» من موريتانيا نائبين لرئيس الاتحاد الأفريقي لكرة القدم، في حين ارتضى «جاك أنوما» من كوت ديفوار بمنصب كبير مستشاري موتسيبي. مما حوَّل الانتخابات التي انعقدت بالرباط عام 2021 مجرّد إجراء شكلي.
للوهلة الأولى، يبدو موتسيبي، الرئيس السابق لنادي «صنداونز» الجنوب أفريقي، اختيارًا مثاليًا لعدة أسباب؛ لأنّه رجل ثري للغاية، بل تاسع أثرى رجال أفريقيا، شقيقته «تشيبو» هي زوجة الرئيس الجنوب أفريقي «سيريل رامافوسا»، وشقيقته الأخرى «بريدجيت» هي زوجة وزير الطاقة الجنوب أفريقي.
هذا النفوذ الذي قاده لأن يصبح «رجل دولة»، ربما دفع رئيس الفيفا لوضعه في هذا المنصب الحساس، عقب سنوات من صداع الفساد الذي اخترق مكاتب الكاف. لكن ذلك يعني أيضًا، أن «موتسيبي» دون شكٍ سيدفع ثمن هذه المجاملة عاجلًا أم آجلًا، باعتباره رجل إنفانتينو في أفريقيا.
في مارس/ آذار 2021 نشرت مجلة «Josimar Football» الاستقصائية تقريرًا اتضحت من خلاله علاقة جياني إنفانتينو بموتسيبي، التي تعود لما قبل عام 2017، والأهم الخطة التي حاكها رئيس الفيفا لتوصيل دميته لرئاسة الكاف.
طبقًا لأحد التفسيرات، التي قد تفيدنا لاحقًا، سعي موتسيبي للوصول لرئاسة الكاف حال من مُنطلق حرصه على حصد قدر لا بأس من الشهرة، والاحتكاك بمزيد من رؤساء الدول وكبار موظفي الخدمات المدنية عن طريق كرة القدم؛ لأن طموحه الأكبر غير المعلن هو خلافة «رامافوسا»، الرئيس الحالي لجنوب أفريقيا.
لست قلقًا
نعتذر أولًا عن الابتعاد عن القضية الرئيسية، وهي دوري السوبر اﻷفريقي. لكن كان ذلك لسبب وجيه، وهو أن البطولة نفسها من بنات أفكار رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم. وهذه ليست مفاجأة، بل بتصريحات موثقة للرجل الذي بدا مقتنعًا بالفعل بأهمية إنشاء بطولة مغلقة كتلك، ويسوق نفس المبررات التي ساقها من وُصفوا بأعداء كرة القدم من قبل. والمبرر الوحيد لاختلاف وجهة نظره لا يمكن أن يكون سوى غضبه من تهميش قادة «مشروع السوبر ليج الأوروبي» له ولليويفا.
هل سمعت من قبل عن «خنزير غينيا»؟ هذا الكائن يتم اختبار أي تجربة خطرة عليه، حين يرفُض أي إنسان عاقل أن يعرض نفسه لقدر هائل من المخاطرة.
هذا بالتحديد ما يريده إنفانتينو من موتسيبي، أن يحوّل كرة القدم الأفريقية لخنزيز غيني، يخضع لتجربة الدوري المُغلق الساذجة. إذا نجحت التجربة، وهو أمر مستبعد، يحصُل على الرصيد الذي يستحقه، وإذا فشلت، لا توجد أي مشكلة، فقد ماتت من قبل ملايين الخنازير الغينية في تجارب مماثلة.
في المقابل، تبدو هذه الصفقة مثالية لموتسيبي، الذي يبدو أن طموحاته تتخطى تصريحاته المعلنة برغبته في تطوير كرة القدم الإفريقية من جهة، والأهم أنّها بمثابة رَد الدَين للرجُل الذي ساعده على الوصول لرأس الهرم الإداري لكرة القدم الإفريقية، الذي ربما يكون أول خطواته الحقيقية في رحلة تحقيق طموحه الأكبر.