أفغانستان: فقراء يعيشون فوق «الكنز المدفون»
مع انسحاب القوات الأمريكية وحلفائها الأجانب من أفغانستان توجهت الأنظار إلى تلك الدولة التي يعاني أهلها من الفقر ويعيشون فوق بحر من الكنوز الضخمة من المعادن النادرة والثروات البكر التي لم تصل إليها يد إنسان حتى الآن، يمكنها أن تغير الوضع الأفغاني بشكل جذري إذا أمكن استغلالها بشكل صحيح.
الكنز المدفون
بإمكان أفغانستان أن تصبح أحد أهم مراكز التعدين في العالم، بصورة تضاهي مكانة المملكة العربية السعودية في إنتاج البترول، فالأفغان يقولون، إنه إن كانت السعودية عاصمة النفط فإن بلادهم ستصبح عاصمة الليثيوم.
فهذا المعدن يتمتع بقيمة إستراتيجية عالية للغاية؛ إذ يستخدم في تطوير الطاقة النظيفة فيدخل في صنع السيارات الكهربائية وتقنيات تخزين الطاقة الشمسية، وصناعة بطاريات الأجهزة الإلكترونية وفي مجال الفضاء، كما أن له استخدامات عسكرية مهمة.
وتوجد رواسب الليثيوم في البلاد خصوصاً في قاع البحيرات الجافة في ولاية هرات الغربية، وفي غزنة في الجزء الشرقي الأوسط، وفي المحافظات الشمالية الشرقية كبدخشان وننجرهار ونورستان وأوروزجان.
ومن المتوقع بحلول عام 2040 أن يتضاعف الطلب العالمي على هذا المعدن 40 مرة فوق مستويات الطلب عام 2020 وفقا لتقديرات الوكالة الدولية للطاقة.
أما في مجال النفط، فقد تم اكتشاف احتياطيات تقدر بـ1.8 مليار برميل تتركز بشكل أساسي في منطقة ممتدة بين ولايتي بلخ وجوزجان المجاورتين، وهناك تقديرات أخرى تقارب ضعف هذه الكمية، كما تحتوي أراضي البلاد على نحو 444 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي.
كما تضم ولاية لوجار وحدها ثاني أكبر رواسب نحاس في العالم بقيمة تقدر بـ88 مليار دولار تم اكتشافها في السنوات الأخيرة، وتعد تلك الولاية أيضاً التي تقع إلى جنوب العاصمة كابل من أهم المواقع الأثرية في البلاد، وتضم منطقة حاجيجاك بولاية باميان أشهر وأكبر مناطق تعدين الحديد في أفغانستان، كما يوجد عدد كبير من مناجم الذهب خصوصاً ولايتي هلمند وغزنة، حيث تقدر احتياطيات الذهب بنحو 50 مليار دولار.
وتوجد الأحجار الكريمة بوفرة وتشمل الزبرجد والزمرد عالي الجودة والعقيق والكونزيت والياقوت والياقوت الأزرق واللازورد والتوباز والتورمالين والفلوريت والكوارتز، ووفقًا لإحصاءات وزارة المناجم والبترول الأفغانية، يوجد حاليًا أكثر من 1400 معدن في البلاد، وفي حين تشير تقديرات دولية إلى أن قيمتها تبلغ 3 تريليونات دولار، تقول مصادر أفغانية، إن قيمتها الحقيقية أضعاف ذلك بكثير.
تحديات
نظرًا لظروف الحرب التي لم تهدأ منذ عقود لم تُتح لأي حكومة استغلال تلك الثروات، لذا فإن توفُر درجة معقولة من الاستقرار ربما يغير الوضع إلى الأفضل وهذا مرهون بقدرة حركة طالبان على كبح نشاط تنظيم داعش ومنع وقوع أي اضطرابات.
كما أن عدم وجود تقنيات حديثة للتنقيب والتعدين منع استغلال معظم الثروة المعدنية، فمع أن أفغانستان لديها بالفعل صناعة تعدين واسعة النطاق وعدد لا يحصى من المناجم التي تستخرج الأحجار الكريمة وغيرها، لكن عدم استخدام التكنولوجيا الحديثة أو إدارة الأمر بشكل منظم يجعل البلاد تخسر معظم الإيرادات، فعلى سبيل المثال تقدر قيمة الصادرات الحالية للرخام الأفغاني بنحو 15 مليون دولار سنويًا، لكن تقديرات خبراء الاقتصاد تقول، إن تحسين طرق التعدين والمعالجة والبنية التحتية والاستثمار، يمكن أن ترفع إيرادات الرخام إلى 450 مليون دولار، وهو فارق هائل.
فالعديد من الفرص المعدنية تقع في جبال نائية أو مناطق وعرة تفتقر إلى البنية التحتية والطاقة والقوى العاملة المدربة، لذا فإن تخريج جيل من الفنيين المحليين والاستعانة بالخبرات الأجنبية على الأقل في البداية ضروري لاستغلال تلك الثروات المدفونة، لكن هذه الأمور ليس من المتوقع أن يتم إنجازها قريباً.
ومن دون إيجاد حلول سريعة للأزمة الاقتصادية في أفغانستان قد تضطرب الأمور، فحكومة طالبان تواجه معضلة لا يمكن حلها بسهولة، لأن زراعة الأفيون مصدر دخل عدد كبير من سكان البلد الفقير الذي مزقته الحرب، ومنع زراعته بشكل مفاجئ من دون توفير بدائل من شأنه أن يحرم العديد من سكان الريف من كسب المال، وغني عن البيان أن مثل هذا القرار من شأنه أن يؤجج الاستياء وربما الاضطرابات في سياق اقتصادي شكلته تكاليف الغذاء المتزايدة، ومن ناحية أخرى قد يؤدي التغاضي عن الأمر إلى توترات مع القوى الإقليمية المتضررة من تجارة الأفيون.
التنافس الجيواقتصادي العالمي
تحتل أفغانستان موقعًا حساسًا في خريطة التنافس الجيواقتصادي العالمي، فالقوى الكبرى تلجأ للوسائل الاقتصادية لتحقيق المصالح الاستراتيجية، وتتنافس الصين مع الولايات المتحدة على القيادة الجيواقتصادية العالمية، التي تعتمد على امتلاك ناصية التكنولوجيا بشقيها المدني والعسكري في إطار ما يسمى «الثورة الصناعية الرابعة».
فإذا نجحت بكين في الفوز بكعكة المناجم الأفغانية ستقع الولايات المتحدة تحت ضغوط كبيرة لمسابقة الصينيين في مجالات التكنولوجيا ومصادر الطاقة الجديدة والفضاء، وإلا ستفقد تدريجياً ريادتها في مختلف المجالات.
ولا يقتصر الأمر على الموارد المعدنية بل تحتل أفغانستان موقعاً جغرافياً بالغ الأهمية في خريطة الطاقة في آسيا الوسطى، فمن جهة الشمال تحدها تركمانستان وأوزبكستان وطاجيكستان، وفي الجنوب الشرقي باكستان، وفي الغرب إيران، فهي تربط بين وسط آسيا وجنوبها وغربها، وهي الممر المفترض لنفط الخليج إلى آسيا الوسطى وممر غاز تلك المنطقة إلى دول جنوب آسيا كالهند وباكستان.
وتشكل كذلك فرصة وتحدياً للصين في آن واحد، فالأخيرة تخشى من دعم أقلية الإيجور المسلمة عبر الحدود وتغذية نزعتها الانفصالية، وهذا يجعل الصينيين مستعدين لتقديم حوافز اقتصادية لطالبان لربط مصالحها بالصين وجعلها مأمونة الجانب.
ويمكن لأفغانستان أن تلعب دورًا محوريًا في المشاريع الجارية للترابط العابر للحدود التي تديرها بكين ضمن مبادرة الحزام والطريق، فتربط الصين بإيران، وتوفر طريقاً بديلة في حال اندلعت الاضطرابات في باكستان بخاصة في إقليم بلوشستان الجنوبي.
وتضع بكين عينها على المعادن الأفغانية النادرة منذ وقت طويل فعلى مدار العقدين الماضيين تجولت الوفود الصينية في أنحاء البلاد بشكل متكرر، لذلك من المحتمل أن يكون لدى الصينيين تصور واضح عن تلك الثروات وكيفية استغلالها، ومن شأن الوصول إلى تلك المعادن وموارد الطاقة أن يعزز القوة التنافسية للشركات الصينية.
وهناك معلومة يجب أخذها في الاعتبار وهي أن كابل عضو بالفعل في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية الذي أنشأته بكين عام 2014، ويمكن لأمواله أن تغذي الأنشطة الاقتصادية في الدول الأعضاء، ولا يوجد دولة في عالم اليوم أشد احتياجاً لهذا الدعم الخارجي من أفغانستان.