جمالية العنف: الموت الفلسطيني وإعادة إنتاج الذات
كيف يغير التحليل الذي يأخذ دالة الموت الفلسطيني بعين الاعتبار العلوم الاجتماعية الفلسطينية؟، يختلف الفلسطينيون حول ماهية خصوصيتهم بالرغم من إقرارهم بوجودها، وليس ذلك يعود إلى اختلاف الأنظمة المعرفية فحسب، بل لأن إنتاج المعرفة، بعد قيام السلطة الفلسطينية، أصبح صنعة تستوحي المنفعة المادية أكثر مما تستهدف الأغراض الأكاديمية كما يقول سليم تماري. وبالتالي انفصالها عن شغف الحقيقة أو المعرفة النافعة لسياقها؛ ما جعل مقولة الخصوصية ليس أكثر من ادعاء وابتذال خاصة عندما يصاحبها الإخفاق في زحزحة النظام الدلالي، وحين تصبح متواطئة على إدخال الواقع الفلسطيني في أبستمولوجيا معولمة. إن اليساري الذي يرى الخصوصية في عدم تبلور الطبقات الاجتماعية (رغم أنه لا يوجد مجتمع، في سياق رأسمالي، بلا طبقات)، والليبرالي الذي يمحورها في ثنائية الثورة/الدولة، يخفقان في الغوص إلى عمق البنية المشكِّلة للجماعة الفلسطينية. نعم إن سؤال العلوم الاجتماعية مطروح في العالم العربي منذ دخول الحداثة الرأسمالية، غير أنه في السياق الفلسطيني أكثر تعقيدًا، ويستدعي من ناحية معرفية تمايزًا عن المجتمعات العربية الأخرى.
معنى الخصوصية فلسطينيًّا
في بحثه عن تاريخ خاص للأهالي في فلسطين، لإدخالهم كفاعل في التاريخ، كما تفعل جماعة (دراسات التابع Subaltern Studies)، يرى المؤرخ بشارة دوماني أن كثيرًا من المؤسسات والممارسات التي يفترض أنها من نتاج تحول رأسمالي مفروض من الخارج، كانت قائمة في فلسطين قبل الهيمنة الأوروبية، فالملامح التي تترابط عادة ما يسمى التحديث مثل الزراعة التجارية، والاقتصاد النقدي في المناطق الريفية، والتمايز بين الفلاحين، وتحويل الأرض إلى سلعة، والروابط بالسوق العالمية، كانت قائمة في فلسطين قبل أن يُفترض أنه تم إدخالها من الخارج. لذلك فإن ربط الباحث الفلسطيني الجاد إسماعيل ناشف، بين المجتمع الفلسطيني قبل نكبة 1948 وإمكان وجود علوم اجتماعية، يغدو مبرّرًا، وهو يرى أن المجتمع الفلسطيني حافظ آنذاك على بنية زمانية- فضائية مركزية هي تحوير محدد على بنية مجتمع قومية؛ كيان سياسي، حيث كان بمقدورنا حتى ذلك التاريخ فحص ملامحه الأساس بطرائق متبعة في بحث المجتمعات الأخرى. لكن منذ تشتته وتهجيره وتدمير بنيته الزمانية–الفضائية والمادية المركزية، ما عاد بمقدورنا استخدام المفاهيم ذاتها الشائعة في دراسة المجتمعات الأخرى. من هنا تعود أهمية كتابه الموسوم بـ«صور موت الفلسطيني» الصادر مؤخرًا، في تأطير المعرفة حول فلسطين.
فالنكبة بوصفها حدثًا مؤسِّسًا تمثل لحظة مفصلية في التاريخ الفلسطيني، غير أن ناشف لا يقرأ النكبة كفعل حكمت بموجبه الصهيونية على الفلسطيني بالموت فقط، فهذه قراءة منحازة لمفهوم غربي للموت بوصفه نهاية. بل، وكما يرى ناشف، كحدث مولّد للجماعة الفلسطينية، فالنظام الاستعماري الصهيوني استطاع أن يحتكر ممارسة موت الفلسطيني وشؤونه، وهي كذلك لحظة مؤسسة للنظام الصهيوني. إن لحظة موت الفلسطيني هي ذاتها لحظة التجسيد العملي للصهيونية في فلسطين، ووجود النظام الاستعماري الصهيوني يحتم موت الجماعة الفلسطينية، غير أن الدلالة الأعمق تكمن في الوقت الذي قتلت الصهيونية الجسد الإنتاجي الفلسطيني، وفككت وحدته الاجتماعية، أسست في اللحظة ذاتها ولادة الجماعة الفلسطينية معرفة في لحظة تدمير/موت المجتمع الفلسطيني؛ أي كان فقدانًا مولدًا. ومن هنا يقول ناشف ما معناه: كان لا بد من أن يجري تداول الفقدان وصيانته البنيوية باحتكار النظام الصهيوني له، والسعي الفلسطيني إلى تحرير إدارة شؤون الموت الفلسطيني من قبضة الاحتكار الصهيونية الحديدية.
هنا الإجابة على سؤال خصوصية الفلسطيني تكمن في الأساس في موته الذي يفرض تمايزًا عن التأطير المنهجي العالمي، وهو ما تلتقطه الباحثة الفلسطينية سهاد ضاهر ناشف لتقوم بترتيب مادة العلوم الاجتماعية من مدخل سياسات الاعتقال الإداري للجثامين الفلسطينية، التي تهدف إلى تعليق الموت وتجميده، وبالتالي الحاجة لإنتاج معرفة اجتماعية بديلة ووحدات تحليلية تختلف عن تلك المستخدمة في العلوم الاجتماعية الغربية حيال الموت وبيْنِيّته. ويرى إسماعيل ناشف أن طرائق الموت تتيح إمكانية دراسة المجتمع الفلسطيني، وفهمه من خلال دراسة أنماط الموت السائدة والمنتجة فيه.
في نص أدبي يتداول لحظات التاريخ الفلسطيني إبان الانتفاضة الثانية واصفًا موت الفلسطيني بـ «الموت المجاني»، ويرتب أحداث الرواية كأحداث لم تلملم في سردية تنصف الدال. فما يصفه بـ «الموت المجاني» ليس سوى ورطة كولونيالية تغذي رواية مهيمنة برد الفلسطيني إلى الضحية، كما أن الامتناع عن طباعة صور الشهداء وتعليقها على الجدران، كما جاء في النص، يجري تفسيره من داخل ذات راديغم الضحية خشية على مشاعر المحبين «كلما رأوها تنكأ جراحهم»، فيما يخفق، مرة أخرى، في اكتشاف أهمية حضور الشهيد الذي تخشاه السلطة الاستعمارية كما سيتبين معنا. بينما ما يراه «موتًا مجانًا» هو إعادة إنتاج ذاتي للجماعة الوطنية، وتعليق صور الشهداء على الجدران هو امتلاك الفضاء العام؛ سلطة حضور تنفي رمزيًا سلطة النظام الاستعماري.
على كل حال، يمثل إسماعيل ناشف إضافة نوعية في الكتابة عن فلسطين، وأكثر المنظرين الفلسطينيين عمقًا وأصالةً معرفية؛ فهو لا ينجرّ وراء دعاة الخصوصية الفارغة التي هي تحوير على الحداثة الرأسمالية في نهاية المطاف، بل لا يجد حرجًا في توسل أدوات معرفية عالمية لا يمكن تجاوزها، وذلك عندما يرى أن صناعة البضاعة هي قاعدة انطلاق البنية الرأسمالية التي تتحقق من خلال البضاعة، وهي أنموذج يجري تبعًا له إعادة تشكيل سائر المجالات الاجتماعية. ومن هنا يحلل ناشف المنطق الرأسمالي في صناعة الموت في السياق الاستعماري، على قاعدة أن النظام الاستعماري جهاز مبني على العنف التفكيكي والإحلالي، وأن «هذه الطبيعة نابعة مباشرة من كونه اشتقاقًا للنظام الرأسمالي الأم وامتدادًا له»، و«صناعة الموت هي في لبّ صناعة البضاعة، وليست خارجة عنها و/أو عن منطقها، بل هي قاعدة انطلاق البنية الرأسمالية التي نراها تتحقق من خلال البضاعة». من هنا ترى سهاد ضاهر ناشف أن المنطق الرأسمالي في الحالة الاستعمارية الإسرائيلية يتجلى في تكديس الجثامين بهدف المقايضة والضغط، وهذا المنطق كان واضحًا في جملة أحد الضباط الإسرائيليين في تعليقه على احتجاز الجثامين الأخير بقوله: مع الوقت بات هناك «سوق جثامين» وتستخدمه وسيلة للمقايضة والمبادلة، وتطالب بدفع كفالة مالية في بعض الأحيان للإفراج عن جثامين الشهداء.
يموت الفلسطيني ليحيا، ولن يحيا إلا بموته
منذ أواسط القرن التاسع عشر، يتعرض المجتمع الفلسطيني بذاته لممارسات متتالية من التفكيك أقدم عليها النظام الاستعماري الغربي بصوره المختلفة، تمثل الصهيونية آخرها التي تستهدف محاولات الفلسطينيين في تشكيل جماعة فلسطينية فاعلة في التاريخ. مقابل عمليات التفكيك هذه، ما زال الفلسطينيون يقومون بالعمل على إنتاج ذواتهم من خلال أشكال مختلفة من الوجود الاجتماعي الاقتصادي، وتشكل سياسات الموت في هذا السياق، وحدة علاقات القوة (سيطرة/مقاومة). وهي بمثابة استعادة السيطرة الذاتية على الحق في الحياة والموت بانتزاعها من النظام الاستعماري الذي يحتكر سلطة النيكروبوليتكس (Necropolitics)؛ أي قدرة السلطة على منح الحياة و/أو الموت للأجساد. ومن هنا يشتق موت الفلسطيني مدلوله. لا ينفي، كما يرى ناشف، تاريخ الموت في الحياة، وهو المعنى الغائب في الفكر المهيمن حيث يرى الموت نفيًا للحياة وعدم وجوده أصلًا. بينما خصوصية موت الفلسطيني تتأتى بوصفه موتًا أو فقدانًا مولدًا، حسب ناشف. هكذا يكون الموت ليس غيابًا أو عدمًا غير موجود وإنما هو حضور مولد حياة الفلسطيني. إن الغوص في عمق البنية الاجتماعية لجزء محدد من المجتمع الفلسطيني وأساليب تعبيره عن ذاته الجماعية، على اختلاف تجلياتها من مقاومة وانتكاس ومراجعة واتكاء وما إلى ذلك، تؤدي إلى أن نرى بنية الفقدان المولِّد يعيد إنتاج الجماعة، تشكيلة الولادات الفلسطينية. وهكذا، لا يكتفي ناشف بالنظر إلى الجماعة الفلسطينية عبر مسرح الحياة، لينظر إلى منصة الموت فيها وعن الشق التشكيلي للموت في الحياة الفلسطينية.
وهل أبتعد بالمعنى إن قلت من زاوية مقابلة إن تحول الذات اليهودية الصهيونية إلى كيان قومي-سياسي بُعيْد النكبة كلحظة ولادة هو موت في ذات الوقت؟؛ أي وقف الإمكانيات عند حد، وقطعها عند درجة، بمعنى انتهاء الإمكانيات وبلوغها ذروة تناقضاتها الذاتية، وبالتالي استنفاد إمكانيات نموها، كما يقول عبد الرحمن بدوي في تأملاته حول الموت، وبوصول المغامرة الصهيونية إلى نهايتها في فلسطين كما يقول خالد عوده الله، هي ذاتها لحظة موتها كإمكان معلق في لحظة ما.
يعمل النظام الاستعماري الصهيوني على احتكار ممارسة موت الفلسطيني وشؤونه حتى أصبح هذا الملف الأساس المؤسّس في الإجراء النظامي. وهذا بحسب ناشف يحتم على الفلسطيني إدارة تداول الفقدان وصيانته البنيوية وتحريرها من قبضة الاحتكار الصهيونية لها. لذا يرى ناشف بالعودة تلك التشكيلة من الولادات التاريخية التي يمارسها الفلسطيني، وهي تحوير لإدارة شؤون الموت من قبضة الصهيونية، وكذلك المقاومة المسلحة كآلية عينية في إنتاج الفلسطيني لذاته الجماعية، وهي تنبع من البنية العنيفة للحظة النكبة كمنطق تشكيلي في مبنى لإدارة النظام الصهيوني شؤون الموت الفلسطينية. كما أن حتمية المقاومة المسلحة تنبثق من عملية العودة الساعية إلى تقويض إدارة شؤون الموت الفلسطينية على يد النظام القائم على منطق العنف التشكيلي، وهكذا يتبين محورية الموت في التشكيل السياسي الفلسطيني.
وليس ما سلف تلخيصًا يسعى إلى الاحتفاء بالموت من خلال التغني بأشكال لغته وذائقته الحسية وبمنظوره الجمالي، وإنما ما قصده ناشف هو الإشارة إلى عمق تجذر بنية الموت كقاعدة تشكيل للحياة الفلسطينية. فالطبيعة الشمولية للموت، بعمله كمعيار في تعريف شكل الحياة، إذ من خلال فحص طبيعة منصة الموت الفلسطيني وتاريخها، تمكنَّا، كما يرى ناشف، من تحديد الميزة الأساس للنظام الاستعماري في فلسطين، إدارة شؤون الموت الجماعي الفلسطيني باتجاه غيابهم؛ أي خروجهم كجماعة من مسرح التاريخ الحديث، ويجري إنتاج بنية ثنائية لإدارة شؤون الموت الجماعي الفلسطيني. فمن جهة هنالك هيئة غياب فعلية للجماعة الفلسطينية، بصورتها الوطنية وبصورها الأخرى، ومن جانب آخر، هنالك هيئة حضور تشكل من خلال احتفائها بالغياب على أنه حضور.
صور الموت الفلسطيني
إن هيئات الموت: الضحية، الشهيد، الاستشهادي، تعمل على إعادة إنتاج الفلسطيني لذاته، ماديًا وبيولوجيًا، اجتماعيًا وثقافيًا، يرهن هذا الإنتاج في صراعه لاسترداد سيطرته على إدارة شؤون الموت الجماعي الفلسطيني، وانتزاعها من يد النظام الاستعماري على تجلياته المؤسساتية المختلفة. فالاستشهادي لا يسعى إلى امتلاك شؤون الموت الجماعي فحسب، ما يميزه إلى جانب هذا هو سعيه في امتلاك شؤون موت جماعة المستعمِرين ونظامها. وهو لم يستهدف ممثلي النظام الاستعماري من عسكر واقتصاد، بل سعى إلى رد حلبة الصراع إلى الأجساد البيولوجية الاستعمارية بما هي الحامل العيني للنظام.
وأرى أن هذا التفسير للاستشهادي له دلالته العميقة ونتائج بالغة الأهمية قد أحسن ناشف التقاطها، وتشكل ردًا بليغًا على المفهوم المخاتل الذي يقول بوجود «مدنيين إسرائيليين»، فالعلاقة بين الشكل (الدولة الاستعمارية) والمحتوى (المجتمع الاستعماري) متداخلة وأي فصل هو للهذر أقرب. فكيف يمكن التأثير في الشكل بدون لمس المحتوى الذي يعيد إنتاج الشكل؟!.
جثامين الشهداء وانقلاب ثنائية سلطة/مقاومة
في نص آخر حول جثامين الشهداء يمثل إضافة نوعية ينطلق من ذات المنظور للباحثة الجادة سهاد ضاهر ناشف، تسعى سهاد إلى تحليل وتفكيك بَيْنية جثمان الفلسطيني/ة المعتقل/ة في معتقلات الموت الإسرائيلية، أو المثاوي الموقتة المعروفة باسم مقابر الأرقام السرية، أو في ثلاجات الأَسْر الإسرائيلية، وتركز على الفترة التي تلي إعلان الموت/القتل، والتي إمّا تنتهي بوصول جسد الميت/ة الفلسطيني/ة إلى مثواه/ها الأخير، وإمّا لا تنتهي وتعلق/تمد إلى أجل غير مسمى في معتقلات جثامين الفلسطينيين/ات الإسرائيلية.
وترى سهاد أنه من خلال فعل التجميد والدفن المؤقت، تقوم إسرائيل بما سمّاه هومي بابا «وَسْم» الجسد بخطابها الاستعماري، وباستخدام القوة المباشرة على الجسد المادي، وهذا أحد تجليات منطق إنتاجها للموت الفلسطيني، والذي رفضه الاستشهادي أولاً بخروجه من منطقة الضحية المفعول بها إلى منطقة الفاعل الذي «يدير شؤون موته»، بحيث يتحول الجسد إلى «مكشوف» لممارسات السلطة. هنا موت الفلسطيني هو «موت مكشوف» تفعل به المؤسسة ما تشاء، بينما يقوم الخطاب الفلسطيني على المطالب بالحصول على جثمان الشهداء بعدم تشريحها.
ومن خلال فرض طقوس الموت هذه، فإن إسرائيل تفرض على الفلسطيني/ة بُنية موته/ها، وتحاول أن تشكل طقوس فقدانه/ها، مؤكدة بهذا استعمارها حتى لبنية العاطفة الفلسطينية، من خلال تشكيل تشييعه وجنازته أيضًا كمُغيَّب، كميت «آخر» لا «يستحق الحزن. وهكذا، تحاول إسرائيل موضعة الشهيد/ة في هامش حيز الموت الفلسطيني وزمنه، وليس في مركزه، كما هو متّبع في المجتمع الفلسطيني.
لكن لماذا تعتقل إسرائيل جثامين الشهداء وتحتفظ بها في «مقابر الأرقام السرية»، أو في «ثلاجات الأَسْر الإسرائيلية»؟ ترى سهاد أن الخطاب الإسرائيلي يدّعي أن الهدف من ذلك هو منع تحوّل الجنازات إلى تظاهرات تكريم للشهداء وإشادة بالهجمات ضد إسرائيل، كما أنها تشترط لتسليم جثامين الشهداء أن يكون التسليم والدفن ليلاً، وتحديد عدد المشاركين في التشييع، حتى لا يُحتفى بالشهيد كبطل قومي يواجه الاستعمار الإسرائيلي.
وأرى أن هذا الفهم يفتح أفقًا أبعد من منطق البضاعة قابلة التداول الرأسمالي إذا نظرنا إليه من الزاوية المقابلة، لنكشف عن فعالية الجثامين من حيث تبدل المواقع: من موقع مقاومة انقلب إلى سلطة تخترق الجسد الاستعماري، تنتظم وتتخثر وتتوطد إستراتيجيًا بلغة فوكو. وبالتالي قلب ثنائية السلطة/المقاومة، من حيث أنها اخترقت جسد السلطة الاستعمارية، بينما انقلب الأخير إلى موقف دفاعي تجاه سلطة الجثامين يعمل على منع تحول جنازات الشهداء إلى حضور في الفضاء العام وإلى تظاهرات تكريم للشهداء وإشادة بالهجمات ضد إسرائيل وتحول الشهداء إلى أبطال قوميين. وما يزعج السلطة الاستعمارية أن ذلك يعيد إنتاج الذات الفلسطينية كفاعل في مواجهتها، وهي بالتالي تخفق في هندسته واحتواء حدود علاقاته بما يتلاءم والنظام الاستعماري، وهذا يعيدنا لقراءة إسماعيل ناشف كيف أن موت الفلسطيني ولادة وإعادة إنتاج ذاتي للجماعة وليس نهاية حسب المقاربات الشائعة.