عدلي القيعي: من اشترى كل شيء وفقد ظله
يولد طفل في أوائل التسعينيات بمصر، يكبر يومًا بعد يوم ليصبح مهتمًا بكرة القدم كمعظم أقرانه، يشجع النادي الأهلي ويرتبط بلاعبيه ورموزه الذين حتى لم يرهم، يزداد في العمر فيزداد فهمًا وإدراكًا للأمور، يدرك أن هناك من هم بقيمة اللاعبين، ولكنه لا يراهم. أحدهم يتردد اسمه في الإعلام بكثرة تحت مسمى «مهندس الصفقات»، المهندس الزراعي عدلي القيعي.
يزداد صيت المهندس بشدة ويُروج له إعلاميًا على أنه الرجل الذي لا يخسر في التفاوض، يستطيع جلب أي من يكون ليلعب بالقميص الأحمر في منتصف الألفية الثانية، استطاع خطف معظم نجوم الصف الأول، كبركات والنحاس وأبو تريكة، مباشرة من نادي الزمالك، كان يزداد تقدير ذلك الشاب للمهندس عدلي.
يمر فريق الكرة بانتصارات كبيرة، فيرتبط بها اسم المهندس عدلي في معظم الأحيان، وانكسارات كثيرة يتصدر فيها الشخص ذاته المشهد ليدافع عن الأهلي بقلبه قبل لسانه لمرحلة تصل بالشاب لوضع القيعي كصورة لحسابه الشخصي على موقع فيسبوك للاستنجاد به في أحد أكثر الأوقات صعوبة على فريق الكرة، ليتحول التقدير إلى حب وشعور بالعرفان، ولكن ماذا حدث مؤخرًا؟
عاش عدلي حياته كأي رجل وطأت قدماه الأرض، فترات زهو وانتصار ثم مراحل تيه وسقوط، هنا نشرح المنحنى الكامل لشخصية المهندس عدلي القيعي.
بداية المنحنى: حب جارف وظلم بيّن
لن نتطرق لتاريخ عدلي القيعي مع النادي الأهلي رغم أن الجميع لا يعلم عنه سوى صفقات لاعبي الكرة، سرعة البديهة والنشاط والتفكير خارج الصندوق مدعومة بحب الأهلي، كانت تلك مقومات القيعي. بالتأكيد لا يعلم الكثيرون أن عدلي كان سكرتير لعبة تنس الطاولة في النادي فقط بعمر الرابعة والعشرين وبعد سنتين فقط من عضويته بالنادي!
برهن عدلي على حبه للأهلي قبل أي شيء عندما أسس مجلة الأهلي في السبعينيات كأول نادٍ مصري وعربي يفعلها، وكذلك عندما سافر على نفقته الخاصة إلى كندا وهو بدون صفة في النادي ليحضر طاهر الشيخ ليلعب في الأهلي.
عدلي القيعي دون مبالغة صاحب فضل على الكرة المصرية، فهو أول من فكر في عقود الرعاية بشكلها الحالي وأول من أسس إدارة تسويق رياضية لجلب أعلى سعر، وكان ذلك في منتصف التسعينيات. مليونا جنيه وقتها كان رقمًا مذهلًا! من الظلم أن ينسب فضل عدلي القيعي في جلب اللاعبين فقط، فعل أهم من ذلك بكثير.
هل كان هذا غير مدفوع الأجر؟ هل كان يعمل عدلي للأهلي وللأهلي فقط؟ لا بالطبع، فوفقًا لروايته كان يتقاضى أجرًا مقابل عمله كمدير للنادي 2500 جنيه أوائل التسعينيات، في حين كان أجر أعلى موظف بالنادي وقتها 900 جنيه. هل هذا يدين القيعي؟ لا أيضًا، فمهما كان يحب الأهلي فليس من المنطقي أن يعمل دون أجر، هل يفعلها أحد منكم؟
الصالحاوية: دراويش يقودهم القيعي
أُطلق مصطلح الصالحاوية نهاية الثمانينيات وأوائل التسعينيات على أتباع صالح سليم خصوصًا بعد سحب الثقة من مجلس المرحوم عبده صالح الوحش. الصالحاوية هم من يحبون صالح بشدة ويقتدون بأفعاله ويجالسونه دومًا، كان القيعي يتصدرهم دومًا، القيعي وياسر أيوب وغيرهما وهنا بدأت المشكلة الكبرى.
ظل صالح سليم رئيسًا للأهلي حتى وفاته في مطلع الألفية، وتولى حسن حمدي الرئاسة من بعده، وظل القيعي وفيًا للتقاليد التي حافظ عليها حسن حمدي والخطيب من بعد صالح سليم، فهما صالحاوية بالأساس. لم تظهر مشكلة عدلي هنا، بل كانت تكبر فقط، إنجازات هو شريك كبير بها، تعاقدات مدوية وزخم إعلامي كبير، عقود رعاية خرافية يجلبها للأهلي حتى جاء بند الـ 8 سنوات ليخرب كل شيء.
حان وقت عدم ترشح آخر الصالحاوية لرئاسة مجلس إدارة الأهلي وتولى محمود طاهر القيادة. بالمناسبة، طاهر صالحاوي قديم، ولكنه صالحاوي فقط، لم ينضم للدراويش بقيادة القيعي، ولم يسر على نفس النهج. لا أحد على صواب أو خطأ دومًا، ولكن هنا شعر عدلي بالسن والغربة، شعر وكأنما عمره كله قد ضاع حينما فاز طاهر برئاسة النادي.
الرجل الذي فقد ظله
«النادي الأهلي مخترق مخترق» من أكثر الجمل التي كررها القيعي في فترة طاهر، لأن الجميع كان يرى ما يحدث وقتها، قرارات مجلس الإدارة كانت على الهواء مباشرة وتسريبات الأخبار تملأ الصحف والمواقع. كان القيعي يرى أن هذا بسبب أن طاهر محاط بعدد كبير من كارهي الأهلي الذين يشكلون إعلام الأهلي ويلمعون طاهر بتشويه الجميع عداه هو، القيعي كان يرى أن هيبة الأهلي ضاعت.
قد يكون هذا يحتمل جزءًا من الصحة، ولكن اختزال هيبة الأهلي في منع تسريبات الأخبار ضيق أفق. أين هيبة الأهلي يا سيد عدلي في نهائي دوري أبطال أفريقيا 2018 وفي خماسية مباراة صن داونز في جنوب أفريقيا؟
تتناسى هزيمة تاريخية ولكن تغضب لمهاجمة مجلس الإدارة؟ عدلي الآن في مشكلة غير مشكلة فقدانه الأب الروحي الذي طالما تحدث عن دوره بحياته أكثر من والده، والذي لم يشعر بفقدانه بسبب تواجد الخطيب وحسن حمدي دومًا في الإدارة يمثلان نهجًا صالحًا من وجهة نظره، فعدلي الآن يعاني من تقدم السن الذي أفقده البديهة السريعة والذهن الحاضر والقدرة على مراوغة الصحفيين.
يبرر القيعي الآن أشياء ما كان ليفعلها أبدًا من 15 عامًا مضت، مثل أن الأهلي قد ظلم في مباراة صن داونز وتعرض لاعبوه لوضع مخدرات في الطعام. عدلي يحب الخطيب جدًا، وعودته بالنسبة له تمثل طرد الغربة من ذهنه وعودة الشكل المعتاد الذي يراه دومًا ويريح أعصابه، لذلك أصبح حديثه مثارًا لسخرية الأهلاوية قبل غيرهم بعدما كان بطلًا شعبيًا عندهم.
قدم القيعي للأهلي ما لا ينكره سوى حاقد، ففي مجال الإعلام أنشأ مجلة الأهلي، وكان من مؤسسي القناة، وفي مجال الرعاية والتسويق هو الرائد في مصر بجانب دفاعه الدائم عن الأهلي في ملك وكتابة ليشكل جبهة مضادة لكل ما هو غير أهلاوي. نحن هنا لم نتطرق إلى نجوم مصر الذي استطاع بمهارة ومكر جلبهم للفريق الأحمر من أنياب الخصوم، ولكنه فقد ظله، فلم يعد لديه الجديد ليقدمه حتى في مجال التعاقدات، فالمعادلة تغيرت الآن وظهرت أموال المنافسين وتبدلت عقليات اللاعبين.
يتحدث كثيرًا فيخطئ أكثر، يتذكر صالح دومًا وكأنه يريد أيامه أن تعود، يدافع عن الخطيب ومجلسه رغم أخطائهم لأنهم أمله الأخير في أن يقضي باقي عمره في الأهلي الذي يعرفه والذي قضى فيه ما يقارب 50 عامًا، ولكن وبأسى وحزن قد فقد المهندس كل شيء، فليحافظ على ذكراه الطيبة كأهلاوي بذل كل شيء في سبيل النادي.