أفلام عيد الأضحى: من الفائز في حرب الإيرادات؟
عدد أقل من أصابع اليدين من مشاهدي فيلم «بيكيا»يخرجون من قاعة عرضه في سينما رينيسانس عماد الدين في عرض الساعة السابعة. في الأيام السابقة، بداية من أول أيام العيد، كانوا سيقابلون صعوبة للمرور من جمهور ينتظر خلو إحدى القاعات لمشاهدة فيلم نجمهم المفضل محمد رمضان. لكن في ليلة الثلاثاء تلك، كان الرصيف خالياً إلا من عمال السينما وهم يجهزون ملصقاً دعائياً ضخماً لفيلم «تراب الماس».
كان هذا يعني نهاية معركة إيرادات اشتعلت خلال عيد أضحى أغسطسي حار تمحورت حول فيلمي النجمين رمضان وتامر حسني لإثبات أيهما الأنجح، وهي حرب أعادت الذاكرة لمعارك قديمة بين الموزعين ودور العرض، كما أنها أضعفت مصداقية آليات إحصاء الإيرادات عند جميع المصادر.
لتتبع مسار الإيرادات خلال العيد تم الاعتماد على كل المصادر المتاحة والمستمرة في مرحلتي التوزيع والعرض، بينما تم الاعتماد على موقع «السينما.كوم» ووحدة الأبحاث بشركة «MAD Solutions» في بيانات الإيرادات للأعوام السابقة. في النهاية، سيجيب هذا التقرير عن أي الفيلمين تفوق بالفعل، والأهم هو كيف أثرت الركلات الخشنة تحت المائدة بين الشركات للتأثير في قرارات الجمهور وبالتالي مسار الإيرادات.
وقفة من أجل العيد الكبير
حتى عام 2015 كان عيد الفطر هو الموسم الكبير في السينما المصرية، فهو بطبعه يأتي بعد شهر من الصيام السينمائي خلال شهر رمضان، وفي نهاية شهر يوليو/تموز بعد تعافي الجمهور من آثار امتحانات الثانوية العامة.
لهذا كانت أفلام النجوم تتحمل التنافس الثلاثي وأحياناً الرباعي خلال عيد الفطر الذي التحم هكذا بشهري أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول في موسم صيفي متوسط الطول، بينما كان عيد الأضحى هو موسم مفضل لأنواع مختلفة من الأفلام التي تعتمد على عوامل جذب غير حاسمة، ليس من بينها أسماء كبار النجوم.
الجدول السابق يوضح كيف تطورات إيرادات العيدين (بالمليون جنيه) في آخر 5 سنوات، الأرقام في تصاعد مستمر فيما عدا 2015 الذي تجلت به آثار استمرار إغلاق دور العرض، حيث انخفض عدد الشاشات بنسبة 6% عن العام السابق ووصل لمعدلات أقل حتى من 2007 (ما قبل الأزمة المالية العالمية).
اقرأ أيضا: أفلام عيد الأضحى: الموسم الذي انتظرناه طويلًا
لكن العودة في 2016 شهدت انقلاباً لصالح الأضحى، لا يمكننا تحميل الفضل لقرار تعويم سعر الصرف لأنه جاء بعد أضحى 2016 بشهرين كاملين، الأمر فقط أن أرباح الأعوام السابقة أقنعت مستثمرين بجدوى تأسيس دور عرض عوضت الخسارات السابقة، والشاشات الجديدة الأحدث بررت رفع أسعار التذاكر.
عامل آخر رجّح كفة الأضحى، فعيد الفطر أصبح سابقاً لامتحانات الثانوية العامة أو خلالها، مما دمر الأسابيع اللاحقة له، بينما أمام أفلام عيد الأضحى فرصة للتمدد بحرية حتى نهاية العام.
أصبح عيد الأضحى بمثابة العالم الجديد للسينما التجارية، حيث لا تستمر سطوة أحد النجوم لموسمين متتاليين، وكذلك لشركات الإنتاج. أصبح هناك نظام كراسي موسيقية جديد يتيح الفرص للجميع. الجدول التالي يظهر إيرادات أيام العيد للفيلم الأول بالنجم وشركة الإنتاج والتوزيع خلال الأربع سنوات السابقة.
رمضان وحسني 2: الديزل والبدلة
في 2018 يشهد عيد الأضحى عودة اثنين من نجوم الأعياد: تامر حسني بفيلمه «البدلة»من إنتاج «الإخوة المتحدين للسينما»، وهي أيضاً شركة توزيع وتمتلك عدة دور عرض أهمها كوزموس في وسط البلد، في مواجهة محمد رمضان بفيلم «الديزل»ومنتجه «أحمد السبكي»، وتوزيع الشركة العربية التي تدير سينمات رينيسانس، وأهمهم بالنسبة للفيلم هما رينيسانس عماد الدين، ومترو وسط البلد.
آخر مواجهة بين النجمين كانت في عيد فطر 2017 وانتهت بشكل مؤلم لرمضان، فرغم تفوق رمضان بفيلمه «جواب اعتقال»في أسبوع العيد بفارق ضئيل على فيلم تامر «تصبح على خير»، أنهى تامر السباق متفوقاً بعشرة ملايين عن رمضان الذي توقف عند 16.4 مليون فقط، وحل الاثنان بالمركزين الثاني والثالث بفارق كبير عن «هروب اضطراري» الذي جمع 55.6 مليون.
اقرأ أيضا: لهذه الأسباب تصدر فيلم «البدلة» عيد الأضحى
رغم أن الصراع في عيد الأضحى 2018 يبدو كمعركة بين نجمين، إلا أن ما حدث كان معركة بين شركتي التوزيع بالأساس، وفي عدد محدود من دور العرض يقع معظمها بمنطقة وسط البلد. الشركة العربيةبتحالفها مع السبكي اعتادت على استراتيجية هجومية لخنق الأفلام المنافسة.
فلم تسمح بعرض فيلم «البدلة»في رينيسانس عماد الدين ومترو، واستمرت بعرض فيلمي «حرب كرموز»،و«قلب أمه»من عيد الفطر لكي تتظاهر بشغل شاشاتها، بينما في الحقيقة يتم تشغيلها لصالح «الديزل»، حتى أن الراغبين في مشاهدة «كرموز»كان يتم توجيههم إلى «الديزل»من شباك التذاكر بحجة امتلاء قاعة «كرموز»،مع الاحتفاظ بقاعة متوسطة لفيلم «بيكيا»، نفس القاعة التي عُرض فيها «قلب أمه»بعيد الفطر، مع اختلاف أن «بيكيا»لم ينجح أبداً في ملء ربعها.
بنفس الرصيف، وعلى بعد أمتار قليلة، تقع سينما كوزموس لشركة الإخوة المتحدين، وكما هو متوقع فقد امتنعت عن عرض فيلمي السبكي، ولها فيلم آخر هو «بني آدم»، لكن سياستها الأقل هجومية أتاحت لها علاقة تعاونية إلى حد ما مع شركات التوزيع الأخرى (أوسكار بفيلم «سوق الجمعة» ونيوسينشري بفيلم «تراب الماس»وأفلام مصر العالمية بفيلم «الكويسين»).
احتكار من العالم الآخر
بهذا الوضع أعادت الشركة العربيةذكرى سيئة من السنوات الأولى بالألفية، عندما أثارت سياستها التوسعية خوف باقي المنتجين والموزعين، مما أدى إلى تكتلهم ضدها تحت الاسم المشهور «الثلاثي»، أو المجموعة الفنية المتحدة: النصر – أوسكار – الماسة، ولاحقاً في 2007 تطور الاستقطاب بينهما إلى عدم إتاحة دور العرض لأي أفلام تخص الجبهة الأخرى حتى مع خلوها، ثم تطورت الحالة إلى معاقبة دور العرض التي تتعامل مع الخصوم.
في 2010 أحال جهاز حماية المنافسة قضية احتكار لوزير الصناعة بعد شكوى تقدم بها «عمرو عثمان» بسبب سياسات الثلاثي العقابية ضده لأنه يعرض أفلام الشركة العربية. كانت هذه حالة الاحتكار الوحيدة المسجلة في تاريخ السينما المصرية، وحدثت في أكثر فتراتها انتعاشاً بالنصف قرن الأخير.
موزع لا تحتمل خفته
خلال أيام العيد لم يظهر أن الصراع بين شركتي التوزيع، بالفعل كان هناك تراشق فيسبوكي بين وليد منصور منتج «البدلة»،ومحمد رمضان ومحاميه من جهة أخرى، لكن تمزيق الملابس وطحن العظام كان بين «الشركة العربية»،و«دولار فيلم»وعبر بياناتهما اليومية للإيرادات.
الصراع خلال أيام العيد استمد عنفه من نظرية قديمة عن اتجاه الجمهور للفيلم الذي يبدو أضخم ويثير ضجة أعلى، وهي نظرية كتبها محمد السبكي بنفسه عبر أفلامه الشعبية الرخيصة، ولهذا كلما بدا الفيلم ناجحاً، فإنه سيجذب الجمهور الشعبي الذي لن يقارن تعليقات مستخدمي المواقع لترجيح اختياره للفيلم، ويزداد وزن هذه النظرية مع ارتفاع التكاليف المصاحبة لفسحة السينما مثل المواصلات والطعام.
اقرأ أيضا: فيلم «تراب الماس»: ما فعله الروائي بالسيناريو
هكذا تمتلك «الشركة العربية»دوافع قوية لهزهزة إيرادات «البدلة»قليلاً ليبدو «الديزل»أفضل، وكان يقابلها في الجهة الأخرى بيانات الإيرادات من شركة التوزيع «دولار فيلم»، وهي الشركة الأم لشركة الإنتاج «نيوسينشري»، وهذا الكيان هو الأكبر في عدد شاشات العرض حالياً (81 شاشة)، حتى «الشركة العربية»تظل بحاجة لـ«دولار».
كانت بيانات العربية تضع «الديزل»فوق «البدلة»بفارق ضئيل في أول يومين، وهو ادعاء سيقانه مثل المكرونة الاسبجايتي، وبداية من اليوم الثالث اعترفت بتفوق «البدلة»لكن مع استمرار الإجمالي لصالح «الديزل» بنسبة أقل من 5% فقط، ثم توقفت بياناتها تماماً، بينما أطاحت بيانات «دولار»برمضان من اليوم الأول، بفارق كبير بنسبة الثلث على الأقل لصالح «البدلة».
بعد نهاية المولد ارتفع بوستر «تراب الماس»فوق سينما رينيسانس عماد الدين التي كانت محرمة عليه، وفي المقابل سينال رمضان فرصة غير مؤثرة بسينمات الضواحي ليخرج بخسائر أقل، لكنه لم يعد «نامبر وان»كما هو واضح، مفارقة قدرية أن حملة الفيديو كليب الدعائي المستفز ستصبح علامة مؤلمة لرمضان رغم جودة الفيلم نفسه.
رمضان فوق البركان
ماذا كان على رمضان أن يفعله لكي يستعيد قمة موسمه المفضل في العيد؟ تحقق هذا لمرة واحدة في عيد أضحى 2012 بفيلمه «عبده موته» (22.4 مليون جنيه)، ثم اضطر بعدها لتقديم أدوار أكثر أخلاقية وأقل عنفاً منذ بداية فترة تجنيده، وها هو الآن يقدم أفضل أفلامه من حيث الأداء ومستوى الترفيه، حتى أنه يسخر من نفسه في بداية الفيلم.
اقرأ أيضا: أغنية أنا الملك: معارك «محمد رمضان» الخيالية وجنون العظمة
بالمقابل، تامر لم يعد قادراً على حمل الفيلم وحده، ولهذا قفز لمتن الفيلم «أكرم حسني»بإفيهاته الإسفنجية التي تمتص الحكاية في أي موقف، ويصبح على تامر أن يلعب دور العاقل الذي يعيد الدراما لنصابها، لدرجة أن إزالة شخصية أكرم بالكامل لن تؤدي لتغير في الحكاية بالضرورة، تامر كما هو يستخدم إفيهات السخرية من الإناث التي تبدو ناجحة مع مراهقات الطبقة الوسطى، لكن الفيلم بالكامل يبدو بالكاد مرضياً لهن، ربما لأنه لم يقدم به غير أغنية واحدة فقط.
وقد يشعر رمضان أن جمهوره خانه، أو أن شيئاً ما مثل الوضع الاقتصادي يحول بين الجمهور وفيلمه. الوضع الاقتصادي مؤثر، ولكن ليس من جهة جمهور رمضان، ما حدث هو أن تأثير هذا الجمهور يقل مع انتقال الوزن النسبي إلى دور عرض الضواحي الفاخرة والغالية والتي قد لا تكون متاحة من الأساس لجمهور رمضان، وسياسة شركة التوزيع الهجومية حرمتها من الوصول بشكل واسع لهذه المناطق، وضجة وسط البلد الشعبية تظل مجرد ضجة.