أكشن: لا صوت يعلو فوق صوت المنتِج
الكثير من الجثث، دماء هنا وهناك، جسم رياضي متناسق، مطاردات وعربات تنقلب، والكثير من الزجاج المتناثر والرصاص المتطاير، مع أسلحة من جميع الأنواع، هكذا أصبح الحال في أغلب الأفلام والمسلسلات المصرية وفي الغالب لايكون هذا انعكاسًا للواقع.
ففي مصر العربات تنقلب بالفعل ولكن ليس بسبب المطاردات وإنما في الغالب بسبب الطرق أو السائق الذي لا يخلو جيبه من المخدرات، وما جعل تلك النوعية من الأفلام تنتشر بشدة هو رؤية المنتج أن هذا النوع يأتي بثماره فتمتلئ خزينته، ولو على حساب النص أو على حساب إفساد الذوق العام.
فالأكشن في حد ذاته غير مرفوض بل إن هوليود – على سبيل المثال – تعتمد في المقام الأول على أفلام الأكشن وتميزت في إنتاجها الضخم في ذلك المجال، لكن المشكلة أصبحت أن المنتج حاليًا يريد تقديم أكشن من أجل الأكشن!
في الأجيال السابقة رأينا أفلامًا تُصنف أكشن من فنانين كبار أمثال «فريد شوقي» و«محمود المليجي» و«رشدي أباظة» و«توفيق الدقن»، لكنه كان إلى حد كبير يعكس الواقع؛ فكنا نرى «العركة» تقام على سبيل المثال داخل القهوة أو في الشارع وطريقة الضرب رغم أنها كانت تحمل في بعض الأحيان بعض الكوميديا إلا أنها كانت مناسبة لدور البطل ومنطقية.
كان الفضل في ذلك يرجع بالطبع لمخرجي تلك الفترة وبالأخص «عاطف سالم»، «حسن الصيفي»، «حسام الدين مصطفى»، «نيازي مصطفى»، و«هنري بركات». ورغم أنهم كانوا مطلعين على الثقافة الغربية، إلا أنهم لم يقوموا بتقليدهم كما نرى هذه الفترة، حيث أصبحت هناك مشاهد تنقل بالكامل من السينما الأمريكية ليتم توظيفها بشكل غير منطقي مصريًا.
وحتى نكون منصفين فإن الأفلام الآن أفضل من الناحية التقنية ومن ناحية الصورة، ويمكننا إرجاع الفضل في ذلك إلى اتجاه «أحمد السقا» لأفلام الأكشن، و«السقا» رغم موهبته المتواضعة إلا أنه فنان ذكي تعلم من جيل «عادل إمام» و«نور الشريف» و«أحمد زكي»، فقصد أن يتعامل مع مؤلفين لهم بصمة في المجال مثل «مدحت العدل» في «شورت وفانلة وكاب» و«الديلر»، و«محمد حفظي» في «تيتو» الذي شاركه الكتابة المخرج «طارق العريان» مخرج العمل، كما تعامل مع مخرجين مميزين مثل «شريف عرفة» الذي قدمه باللهجة الصعيدي في «الجزيرة» بجزئيه الأول والثاني، و«ساندرا نشأت» في فيلم «المصلحة»، و«مروان حامد» في فيلم «إبراهيم الأبيض».
تلا السقا في تقديم تلك النوعية الفنان الموهوب «كريم عبد العزيز» في أفلام مثل «خارج عن القانون»، «واحد من الناس» و«أبو علي»، حيث تعاون في تلك الأفلام مع المخرج «أحمد نادر جلال» والكاتب «بلال فضل». كما قدم أيضًا الفنان «أحمد عز» أفلامًا ذات مستوى جيد مثل «الرهينة» لـ«ساندرا نشأت» التي أخرجت له أيضًا فيلم «ملاكي إسكندرية» و«مسجون ترانزيت»، كما تعامل مع المخرج «عمرو عرفة» في فيلم «الشبح»، ومؤخرًا مع المخرج المميز «طارق العريان» في فيلم «الخلية».
وربما هؤلاء الفنانون قدّموا إلى حد كبير الشكل الجيد للأكشن من ناحية الكتابة والإخراج وفريق العمل، ونظرًا لنجاح تلك الأعمال وجدنا الباقي يتجه للأكشن رغبة في النجاح والانتشار فقط مثل «محمد رجب» الذي حاول كثيرًا وما زال يظهر كنجم أكشن حتى وإن كان الفيلم يطبع عليه طابع الكوميديا مثلما فعل في «كلاشنكوف» مع المخرج «رامي إمام» وفيلم «سالم أبو أخته» مع المخرج «محمد حمدي»، وهي تجارب لم تلقَ النجاح المنتظر.
بالطبع سبق هؤلاء «محمد رمضان» الذي لا يستطيع أحد أن ينكر أنه نجم شباك ونجم أكشن أيضًا، لكنه يعتبر هو من فتح الطريق للأكشن من أجل الأكشن دون اهتمام بالقصة أو بما يُقدم، خاصة في فيلميه «قلب الأسد» للمخرج «كريم السبكي» و«الألماني» للمخرج «علاء الشريف» الذي قام بكتابة الفيلم أيضًا. ولم يكتفِ «رمضان» بأن يقدم الأكشن في السينما فقط بل امتد للتليفزيون أيضًا خاصة حين قدم «الأسطورة» للمخرج «محمد سامي»، ومؤخرًا «نسر الصعيد» الذي قُدم بشكل سيئ للغاية نظرًا لاستعانته بمخرج الكليبات «ياسر سامي» ليقوم بإخراجه.
في الدراما التليفزيونية حدث ولا حرج، فقد أصبح الأكشن الكارت الرابح وأصبح المتحكم في الأمر هو المنتِج، وأصبحت تلك النوعية تصنع نجومًا فرأينا «طارق لطفي» يزدهر في «بعد البداية» مع المخرج الشاب المميز «أحمد خالد موسى»، ورغم أنه قدم شخصية صحفي عادي مثلنا جميعًا إلا أنه لضرورات البطولة ليس أكثر قدم الكثير من الأكشن، وهو ما حدث أيضًا مع «ياسر جلال» في أول بطولة له من خلال مسلسل «ظل الرئيس» للمخرج «أحمد سمير فرج» ومؤخرًا مسلسل «رحيم» مع المخرج «محمد سلامة».
الغريب في الأمر أن هؤلاء النجوم بالرغم من تكوينهم الجسماني المميز ومداومتهم على التمرينات في صالات الجيم إلا أن بعضهم قدم أفلامًا أقل من المستوى الذي قدمه.
على سبيل المثال الزعيم «عادل إمام» في أفلامه، رغم كونه لم يكن يعتمد على تكوينه الجسماني قدر اعتماده على الحركة وتعبيرات الوجه والحبكة الدرامية، وهي العناصر التي يرجع الفضل فيها لصناع تلك الأفلام، حيث تعاون مع عظماء سواء في مجال الكتابة أو الإخراج.
ففي مجال الكتابة على سبيل المثال، تعاون مع «وحيد حامد»، «لينين الرملي»، «بسيوني عثمان»، و«إبراهيم الموجي» وآخرين، وفي الإخراج كانت أسماء العديد من الكوادر مثل «شريف عرفة»، «محمد خان»، «سمير سيف»، «نادر جلال» و«محمد عبد العزيز».
كان نفس الحال أيضًا مع نور الشريف، فلم يكن يمتلك أيضًا التكوين الجسماني الضخم لكنه كان يمتلك الموهبة الضخمة وحسن الاختيار وإيمانه بضرورة وجود نص محترم ومخرج واعٍ يستطيع إدارة موهبته، فكان دائمًا يرفض أن يتعاون مع مخرج في أول عمل له، لكنه يُرحب بالمؤلف في أولى تجاربه حيث يستطيع أن يحكم عليه من الورق، أما المخرج فلا توجد له سابقة أعمال، فكان تعاونه مع مخرجين كبار أمثال «سمير سيف»، «عاطف الطيب»، «نيازي مصطفى» و«علي عبد الخالق».
وهنا الفارق الجوهري، فمعظم من يعتقدون في أنفسهم أنهم نجوم نسوا أنهم فنانون وبعضهم يقصد أن يكون المخرج جديدًا وبلا شخصية؛ ليقوم هو بتوجيهه بدلًا من أن يقوم المخرج بدوره الطبيعي في ذلك، وهو ماحدث على سبيل المثال مع «نضال الشافعي» الذي لا أعلم من أبلغه أن يقوم بعمل بطولة مطلقة حيث استعان في فيلمه «عمر الأزرق» بالمخرج القادم من عالم الكليبات «إيهاب عبد اللطيف» ليقدم لنا بعض المطاردات اللامنطقية والانفجارات التي بلا داعٍ.
ربما هذه كانت خطوة ليست في مصلحة الشافعي الذي يملك مقومات جيدة كممثل لكن ليس في الصف الأول على الأقل في الوقت الحالي، أيضًا استعان محمد رمضان في رمضان الماضي بمخرج الكليبات «ياسر سامي» وبالطبع كان يبدو على طاقم العمل أنهم يقومون بأداء المشاهد دون توجيه ودون تمثيل.
الجميع اعتمد على موهبته فقط وهو أمر غير صحي للموهوب، فالموهبة الجيدة تحتاج إلى مخرج قدير يستطيع توجيهها، لذا نتمنى أن يعود المنتج الفنان الذي يملك موهبة وفنًا ليقوم بترشيح مخرج جيد حتى نستطيع أن نشاهد أفلامًا جيدة سواء في الأكشن أو باقي التصنيفات الأخرى.