في البداية نعدكم هنا برحلة إلى أبعاد متخيلة تكشف لنا الروعة الحقيقية للفن التصويري المسمى السينما؛ أو الفن السابع.

أهم العناصر التي تميز الرسوم المتحركة عن القصص المُصورة، هي أولاً، الصوتيات، وثانياً، العنصر المتجلي في المصطلح نفسه؛ متحركة ومصورة. العنصر المقصود هنا هو الحركة، وخاصة الحركة القتالية والتدميرية، أو بالمصطلح الدارج (الأكشن The Action).

رافقت الحركة صناعة السينما قبل وجود الصوت، ومع مرور عقود من الزمن على السينما والتلفزيون، والتطورات المختلفة لصناعة الأكشن، وصولاً إلى الرسوم المتحركة والإبداع البصري الذي تقدمه الآن. لم يعد هناك الكثير من الإبداع نظراً لضمور المخيلة، ونفاد الأفكار.

وسوف نعرض في سلسلة من المقالات للأنماط الحركية/القتالية الأشهر في التاريخ. ونبدأ في هذا المقال بـ«الرقص في السماء». وهي تلك الحركات القتالية البهلوانية، التي يقوم بها أشخاص لا يملكون القدرة على الطيران، ولكنهم يطيرون –غالباً- بين المباني باستخدام القفز والتسلق والتزحلق.

وفي الآتي سبعة نماذج من هذا النمط الذي سوف يمتع بصرك ويجذب انتباهك ويشحذ تفكيركم للبحث عن المزيد من اللوحات السينمائية الرائعة في مجال الحركة والقتال.

1. سبايدرمان Spider-man

المركز الأول من نصيب السلاسل السينمائية الثلاثة التي قدمت شخصية سبايدرمان إلى الشاشة الذهبية في القرن الحادي والعشرين. بالمشاركة مع أفلام ومسلسلات الأنمي التي عرضت شخصية سبايدرمان. الشخصية الأشهر في عالم الكوميكس بالتنافس مع سوبرمان وباتمان.

تُعد ثلاثية سام رايمي Sam Raimi هي أول سلسلة تقدم سبايدرمان إلى الشاشة الذهبية، وهي أنجح سلسلة قامت بتناول حياة البطل الخارق الصغير بيتر باركر، أو بالاسم الرسمي للبطولة؛ الرجل العنكبوت.

إلا أن الجانب المعني بتناوله من هذا العمل السينمائي في مقالنا، هو الجانب الإخراجي. وخاصة المشاهد القتالية والحركية (The Action)، والتي أبدع في صنعها المخرج سام رايمي بالتعاون مع جون ديكسترا John Dykstra، باستخدام المؤثرات الخاصة التي توفرت بصورة متطورة في بدايات القرن الحادي والعشرين، مع تواجد الحاسوب إلى جوار الكاميرا، وتأثير ذلك على التصوير بشكل عام، وعلى المدخلات والمؤثرات بشكل خاص.

وقد أبدع هذا الثنائي بصورة خاصة في صنع تلك المشاهد المعقدة للتأرجح بين المباني، وقد رفعت هذه المشاهد الميزانية المبدئية للفيلم من 70 مليون دولار إلى 100 مليون دولار، بفارق 30 مليون دولار. إلا أنها كانت من عوامل نجاح العمل حيث أسهمت هذه المشاهد في ترشيح الفيلم للمنافسة في حفل توزيع جوائز الأوسكار الخامس والسبعين على جائزة أفضل مؤثرات بصرية.

التأرجح بين المباني أو الرقص في السماء، أو كما أطلق عليها جون ديكسترا «باليه في السماء»، تم توظيفه بعناية في المشاهد الحركية والقتالية للرجل العنكبوت. وفي كلتا الحالتين، النتيجة هي أن (العنكبوت يرقص الباليه في السماء). وما يترتب على ذلك من متعة بصرية.

وبالحديث عن المتعة البصرية فإن شخصية الرجل العنكبوت من أفضل وأكثر الشخصيات التي تملك رصيداً كبيراً من المتعة البصرية العالية في قتالاتها وتحركاتها على الشاشة الذهبية. تلك القتالات والتحركات المنتمية إلى نمط (التأرجح بين المباني) في حالة العنكبوت، أو نمط (الرقص في السماء) بصورة عامة.

وقد أبدع سام رايمي في هذا النمط بثلاثية الرجل العنكبوت، وبلغ ذروة إبداعه فيه بالجزء الثاني، في عرض فانتازي رائع لنمط الرقص في السماء، واختيار موفق وعلى درجة عالية من الاحترافية في انتقاء الأماكن التي دارت فيها المعارك، والذي خدم الأكشن ومنحه درجات عالية جداً من المتعة البصرية. تلك الأماكن هي الـ(البنك، والبرج، والقطار). وهي أهم الأماكن التي حدث فيها القتالات بين متسلقي الجدران (العنكبوت والأخطبوط). وطبيعة حركتهم وسير الأحداث وتغير الأماكن، كل هذا جعل المتلقي يتجاوز عن حقيقة أن نصف القتال عبارة عن قذف الأشياء وتبادل اللكمات، ولا يُصاب بالملل، خاصة مع تصاعد ضراوة القتال. ويزيد على ذلك أن النصف الثاني للقتال كان من نمط آخر؛ وهو التأرجح بين المباني. وكل هذا أدخل العمل ضمن أعظم 100 فيلم حركي (The Action) في التاريخ.

بدأت ثلاثية سام رايمي عام 2002، وتم استكمالها عامي 2004 و2007. وتبع ذلك عدد من الأعمال التالية على درجة عالية أيضاً في الجودة البصرية، ومن أبرزها:

  • ثنائية الرجل العنكبوت المذهل – The Amazing Spider Man (2012).
  • ثنائية الرجل العنكبوت: العودة للمنزل – Spider-Man: Homecoming (2017).
  • الرجل العنكبوت داخل عالم العنكبوت – Spider-Man: Into the Spider-Verse (2018).

متع عينيك بالمعركة بين الرجل العنكبوت ودكتور أخطبوط:

2. هجوم العمالقة Attack on Titan

قد يحدث جدل حول كونه أعظم مسلسل أنمي في التاريخ، ولكن لا شك أنه من أعظمها. فاليابان هي أرض الساموراي، وهي أرض الأنمي، والذي يعكس جزءاً من ثقافتهم، حيث يعرض لنا تنوعات مختلفة ورائعة من فنون القتال بالسيف.

وفي مسلسل الأنمي هذا يسود نمط القتال بالسيف في الهواء. وإطلاق كلمة نمط على هذا الأسلوب في تصميم معارك الأكشن ليس إلا لغرض تصنيفي. بينما لا يتسم هذا الطراز بأي من نمطيات الحركة/الأكشن التي استهلكت في وسائط بصرية مثل السينما.

في هجوم العمالقة تتجلى الفكرة الأخّاذة لهذا النمط القتالي/الحركي، وهي المتمثلة في طيران كائن لا يطير، معتمداً على القفز والتسلق والتزحلق وحتى السقوط الذي يعد من عناصر الجذب البصرية. وتزداد جاذبية هذا اللون من الأكشن كلما قل اعتماد هذا الكائن على أي قدرات تتيح له صلاحيات شبيهة بالطيران. وهو بالضبط ما يتوفر في هجوم العمالقة حيث اعتماد المقاتلين بالكامل على عدة آليات مكونة من ثلاث مجموعات أساسية هي أنابيب الهواء، والسيوف متعددة النصال، ومطلقات السهام الوترية.

الرقص في السماء يعد من أهم وأقوى سبعة أنماط قتالية/حركية في تاريخ السرديات التصويرية، حيث يوفر للمشاهد متعة بصرية ونفسية لا نظير لها، ويمكن تحليل عناصر الجذب والمتعة في هذا النمط لكونها ترجع للعوامل الآتية:

  • لو أن شخصية مثل سوبرمان أو Green Lantern أرادت الانتقال بين طرفي المدينة فسيحدث انتقالها من النقط «أ» إلى النقطة «ب» دون أي عوائق بواسطة وسيلة الطيران أو في الطريق الذي يسلكونه، والمتعة هنا تكون خافتة. بينما شخصية أخرى مثل سبايدرمان أو ليفاي أكرمان Levi Ackerman سيكون انتقالها بين النقطة «أ» والنقطة «ب» مروراً بجميع النقاط في الطريق مثل النقطة «ج» والنقطة «د» والنقطة «هـ». أي أنهم قد يقابلون العديد من العوائق التي يجب تجاوزها للوصول إلى مقصدهم.
  • على الرغم أن الوسيلة المستخدمة للانتقال والحركة تفرض على الشخصية التحرك في نطاق معين، فإنها تتيح لها عدداً هائلاً من الخيارات في تحركاتها وقتالاتها، مما يضفي مزيداً من المتعة.
  • هالة الخطر المحيطة بالشخصية تضيف المزيد من الإثارة، فمثلاً سوبرمان لن يسقط وهو يطير، بينما ليفاي أو إيرين معرضين لخطر السقوط.

ويزيد على ذلك العرض الرائع للقتال بين البشر والعمالقة، تطوره إلى مراحل غير متخيلة في الأحداث القادمة وأرك مارلي Marley Arc.

متع عينيك بالمعركة بين ليفاي وكيني:

3. باتمان Batman

الحق أنه يمكن وضعه في المرتبة الثانية بالتنافس مع سبايدرمان، وليس تالياً بعده. السبب الوحيد لتواجده بعد المرتبة الأولى والثانية، هو ألا يوجد أي عمل من الأعمال العديدة التي تناولت الشخصية -بالرغم من روعة تلك الأعمال- قدمت باتمان كما ينبغي من الجانب الحركي. هناك أعمال سينمائية عديدة قامت بتصوير شخصية باتمان Batman إلا أنه لم يتم عرض النمط الحركي والمتعة البصرية المصاحبة له، كما ينبغي في أي من تلك الأعمال سواء على الشاشة الكبيرة أو الصغيرة. إلا لقطات ومشاهد هنا وهناك بالكاد مرضية.

يمكن أن تشاهد سلسلة الأفلام القصيرة «باتمان: فارس جوثام Batman: Gotham Knight» (2008):

https://www.youtube.com/watch?v=XOJS-nCkXCY&list=PL3v_FnrZ_mwnl4jLYSzX_j7ng_v1LAocX&index=1

4. كابانيري الحصن الحديدي Kabaneri of the Iron

مع الأنمي الثاني في القائمة لنفس المخرج المبدع «تيتسورو أراكي Tetsuro Araki» الذي أخرج روائع مثل «مفكرة الموت Death Note» و«هجوم العمالقة Attack on Titan» و«كابانيري الحصن الحديدي Kabaneri of the Iron».

سوف يُصدَم المشاهد من أوجه التشابه بين العملين، كابانيري وهجوم العمالقة في أشياء تعد من أكثر العناصر التي تميز عالم هجوم العمالقة، وهي الجوانب المعمارية (الجدران) والميكانيكية (الأسلحة) وحتى العمالقة. بل وحتى عشاق ميكاسا Mikasa سيجدون هنا مقابلاً لها مُتمثلاً في موميي Mumei.

ومن يتلهفون لمشاهد حركية/قتالية من نوعية الرقص في السماء سيجدها تكاد تتطابق مع نفس النموذج المقدم في هجوم العمالقة. يزيد عليه دخول عناصر لم تكن متواجداً في مشاهد الأكشن بـهجوم العمالقة مثل القطارات والجبال.

وهذا مقطع يجمع بعض المشاهد القتالية من الأنمي:

5. إله الحرب God of War

هذه المرة ليس عملاً أنميً أو أنيميشن، ولا حتى سينمائياً أو تلفزيونياً. بل ننتقل إلى عالم ألعاب الفيديو، ولعبة تعد من أقوى ألعاب الفيديو في التاريخ وأكثرها حدة ودموية. لعبة يتواجد بها الثلاثي الأسود المحظور المكون من الـ(عنف – جنس – تجديف).

لعبة إله الحروب God of War المستندة على الميثولوجيا الإغريقية، وذلك جلي في اسمها المأخوذ عن آريس Ares إله الحروب عن اليونانيين. امتدت سلسلة الألعاب هذه لتتجاوز الأساطير اليونانية إلى الأساطير الشمالية في جزئها الرابع. والظاهر أن بطل اللعبة المحارب الغاضب كريتوس Kratos بعد أن تخلص من جميع آلهة الأوليمب ذهب ليبحث عن المزيد.

هذه المرة نجد شخصية مختلفة تماماً في تقديمها لنمط الرقص في السماء، فهي لا تعتمد على قذف الخيوط مثل سبايدرمان، أو قذف الأسلاك من الآلات مثلما في حالات باتمان وهجوم العمالقة وكابانيري. بل على قوة يديه الأسطورية في قذف سلاحه المسمى بـشفرات خاوس أو نصال الفوضى Blades of Chaos، والمتمثل في سيفين مربوطين إلى ذراعيه القويتين بسلاسل حديدية. واللعبة تتيح لك أسلحة أخرى متنوعة لكنها لا تعطي نفس السحر القتالي الذي يتيحه استخدام هذين السلاحين. للأسف في الجزء الأخير تم التخلي عن هذا السلاح الرائع واستبداله بفأس سحري.

في الأجزاء الثلاثة الأولى سوف يتاح للمشاهد واللاعب رؤية نمط الرقص في السماء مع عمالقة بحجم الجبال والأبراج والقلاع، بل وأضخم من ذلك بكثير.

وأخيراً لا ننسى أن اللعبة -أي لعبة- تقدم تجربة تختلف عن الوسائط الأخرى مثل السينما أو المانجا.

6. ميراكيولوس Miraculous

وننتقل من الأنمي الشرقي إلى الأنمي الغربي، وبشكل أكثر تحديداً مسلسلات الأنيميشن الأمريكية. وكل ما يمكن قوله حول هذا العمل إنه يضيف بعداً طفولياً وكارتونياً جذاباً لهذا النمط الحركي القتالي.

7. أسطورة كورا Avatar The Legned of Korra

سلسلة مسلسلات الرسوم المتحركة المعنونة باسم «أفاتار» هي عمل تحيرت في أمره، هل ينتمي إلى الأنمي الياباني أم الأنيميشن الأمريكي، ثم استقريت على كونه ينتمي إلى النوع الأخير. بالرغم من شهرته في العالم العربي بصفته أنمي.

وعامة ربما هو أضعف من قدّم هذا النموذج الحركي في المذكورين بالقائمة رغم فرادة هذا النمط القتالي.