أبو الغيط أمينًا للجامعة: الدبلوماسية المباركية تعود في ثوب جديد
أعلنت جامعة الدول العربية في دورتها غير العادية برئاسة البحرين، في 10 مارس/آذار 2016، موافقة مجلس وزراء الخارجية العرب على أن يكون الوزير الأسبق للخارجية المصرية، أحمد أبو الغيط، الأمين العام للجامعة بداية من يونيو/تموز 2016، بعد إعلان نبيل العربي، الأمين الحالي، عدم رغبته في تجديد ولايته، لتنتهى بذلك مدة أبو الغيط في يونيو/تموز 2021.
منصب أمين عام الجامعة
بدأت جامعة الدول العربية في العمل بعام 1945 بعضوية 6 دول؛ هم: مصر والعراق وسوريا ولبنان والسعودية والأردن، وتضم حاليًا 21 دولة إلى جانب عضوية سوريا المجمدة بعام 2013.
عجزت الجامع على مدى تاريخها، عن حسم موقف مؤثر تجاه الاستحاقات المتتالية بداية من النزاع العربي-الإسرائيلي القائم منذ عشرات السنين، إلى الوضع المتأزم بسوريا منذ عام 2011؛ حيث ظلت رهينة النزاعات العربية-العربية، وخاضعة لأحكام الأمر الواقع الذي يقرره توازن القوى التي لم تستطع أن تكون من بينها؛ أي كان دورها على الضد من الدور المحوري المفترض أن تلعبه الجامعة وأمينها العام، خاضعة في ظل وضع عربي متأزم كالذي نمر به.
ويُعد أبو الغيط الأمين العام المصري الثامن للجامعة، وواحدًا من السبعة المصريين الذين تولوا المنصب من قبله، فلم يخرج المنصب عن مصر سوى بعد نقل المقر إلى تونس، فشغل المنصب الشاذلي القبيلي، إثر توقيع مصر لمعاهدة السلام مع إسرائيل بعام 1979، وعاد المقر إلى القاهرة بعدها بأربع سنوات.
وحدثت أزمات طفيفة بالجامعة بسبب إصرار مصر على احتفاظها بالمنصب، حيث سحبت مصر في عام 2011 ترشيحها لمصطفي الفقى كرئيس للجامعة بعد معارضة الدول الأعضاء له، ودفعت بنبيل العربي كبديل. كما جاء انتخاب أبو الغيط في ظل جلسات عدة للتشاور والتفاوض بعد أن أكدت قطر تحفظها على اختياره معللة ذلك بشخص ومواقف أبو الغيط العدائية ضد الدوحة وليس بسبب اعتراضه لكونه مصريًا، حُسم الأمر لصالح أبو الغيط بموافقة كل الدول الأعضاء.
أبو الغيط والخارجية المصرية
التحق أبو الغيط -البالغ من العمر 74 عامًا- بوزارة الخارجية المصرية عام 1965 بعد حصوله على بكالوريوس تجارة من جامعة عين شمس قبلها بعام، وتدرج في المناصب الإدارية والدبلوماسية المختلفة حتى أصبح وزيرًا للخارجية المصرية عام 2004، ليكون آخر وزراء خارجية عهد الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك. وأقيل أبو الغيط من منصبه بعد أسابيع من تنحى مبارك في مارس/آذار 2011، حيث قُوبلت حكومة أحمد شفيق آنذاك بالرفض الشعبي والتظاهرات المطالبة بإقالتها، معتبرينها جزءًا أساسيًا من نظام مبارك الذى قامت الثورة ضده.
وشهدت فترة تولى أبو الغيط الخارجية المصرية تهميشًا لدور تلك الوزارة، لتصبح أداة تنفيذية في يد الرئيس الحاكم، مثلما أوضح أبو الغيط في كتابه «شهادتي، السياسة الخارجية المصرية 2004-2011» الذي نقل فيه شهادته كوزير الخارجية حول كيفية إدارة مبارك للبلاد خاصة فيما يخص علاقات مصر الخارجية مع الدول المختلفة، باعتبارها أمورًا راجعة إلى رئيس الدولة وقرارته منذ عصر جمال عبد الناصر، مرورًا بأنور السادات وإلى مبارك.
وبالرغم من قضاء أبو الغيط أربعة عقود في الدبلوماسية المصرية؛ إلا أنه لم يستطع لفت النظر وإن بتصريحات قوية أو شخصية جذابة، مثلما كان الوضع مع أسلافه عمرو موسى ومراد غالب. واتسم أبو الغيط بنموذج الدبلوماسى الكلاسيكى في توخيه الحذر لكل كلمة يُصرح بها أو في تعامله مع القضايا الحساسة بالنسبة لمصر، إلا إنه في مرات عدة قد خرج عن دبلوماسيته وأغضب الكثير من الشعوب العربية والمصريين.
مواقف عربية
كانت سياسات مبارك الخارجية مهتمة بتقديم مصر كقوة استقرار وسط المشاكل والقضايا العاصفة الخاصة بالمنطقة العربية، خاصة في فترة تولي أبو الغيط للخارجية المصرية، فكانت مصر تتجنب المواجهات والصراعات مُعيرة اهتمامها للساحة السياسية الداخلية ومشروع التوريث، فبدأ جمال مبارك في ظهوره الخاص بشكل واضح في المشهد السياسى المصري ليخلف حكم أبوه.
كما شهدت العلاقات المصرية الإسرائيلية تقاربا ملحوظا، بداية من إفراج السلطات المصرية عن الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام قبل انتهاء مدة عقوبته، مرورًا باتفاقية «الكويز» للمناطق التجارية المؤهلة بين البلدين، ووصولًا إلى مد الغاز الطبيعى من مصر إلى إسرائيل بأسعار أقل من السعر العالمي، ولم يجنِ الوطن العربي ثمارًا لذلك التعاون سوى حرب ضد لبنان بعام 2006، وأخرى ضد غزة بعام 2008.
استبعد أبو الغيط بعام 2006 قطع العلاقات المصرية الإسرائيلية أو تجميد معاهدة السلام، حسبما طالبت المعارضة المصرية للضغط على إسرائيل لوقف حربها على لبنان. وعبر أبو الغيط قائلًا: «قطع العلاقات مع إسرائيل ليس بالسياسة الحكيمة»، وعبّر عن أن مصر تحترم إلتزاماتها تجاه إسرائيل. كما هاجم أبو الغيط «حزب الله» اللبنانى مشيرًا إلى تعاونه مع إيران والعمل لصالحها مما تسبب في حرب إسرائيل على لبنان.
ولم يختلف الوضع بالنسبة لغزة فألقت مصر اللوم على حماس باعتبارها المتسبب في الحرب على غزة بعام 2008، حيث أصبحت إيران والأصولية الإسلامية والمنظمات الإرهابية هى العامل المهدد للمنطقة العربية بالنسبة لمصر، وليس إسرائيل ومماطلتها في تحقيق تسوية للصراع العربي-الإسرائيلي.
اعتبرت الحكومة المصرية تعاملها مع حماس ملفا أمنيا وحولته للمخابرات المصرية
كما واجه أبو الغيط انتقادات لاذعة بسبب إعلان وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة، تسيبي ليفني، الحرب على غزة بعام 2008 من خلال مؤتمر صحفي معه، وهو الأمر الذى لم يتخذ ضده أبو الغيط أى موقف كرد لكرامة العرب، بل على العكس اُلتُقطت لهما الصور معًا في مواقف ودية؛ وهو الأمر الذى استفز مشاعر الجمهور العربي.
وفي موقف عدائى آخر ضد القضية الفلسطنية، وبعد لجوء الفلسطينيين إلى معبر رفح راغبين في الدخول إلى مصر هربًا من حصار الاحتلال الإسرائيلي بعام 2008، صرح أبو الغيط أن مصر ستكسر قدم من يحاولون اقتحام الحدود، ليستكمل استفزازه لشعور الشعوب العربية. ومنذ عام 2009، وبدأت مصر بشن حملة ضد الأنفاق الواصلة بين مصر وقطاع غزة والتى تستخدم في نقل السلاح والعلاج إلى الفلسطينيين، وعبر أبو الغيط عن الرفض التام لفتح معبر رفح الحدودى، في موقف عدائى تمثل في رفض مصر لحكومة حماس وتحول التعامل معاها إلى المخابرات المصرية باعتباره ملفا أمنيا.
كما اعترف أبو الغيط بالعام ذاته في برنامج تلفزيونى، أن مصر هى السبب من وراء إفشال القمة العربية التى استضافتها الدوحة لإنهاء الحرب على غزة، في موقف يتنافي مع موقعه الدبلوماسى، معللًا بأن القمة لم يكن هدفها حماية غزة، وأن القمة لا يمكن أن تنعقد إلا بإذن الرئيس مبارك.
كانت مواقف وتصريحات أبو الغيط متماشية مع طبيعة سياسة مصر غير المعنية بشؤون الدول العربية خاصة فيما يخص الصراع العربي-الإسرائيلي، والرفض التام لمعاونة حماس في مقاومتها للاحتلال، بالإضافة إلى الخوف من استعداء إسرائيل وأمريكا مما يشكل خطرًا على مشروع التوريث.
التعامل مع أفريقيا
لم تشذ العلاقات المصرية الأفريقية عن سياسات مبارك الخارجية، حيث أصابها التهميش وعدم الاهتمام (خاصة بعد محاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا أثناء حضوره القمة الأفريقية عام 1995) على عكس ما سعت إليه إسرائيل وقتذاك في توطيد علاقتها مع إفريقيا، وخاصة مع دول حوض النيل؛ إثيوبيا وكينيا وأوغندا، لتضمن زيادة حصتها في مياه نهر النيل.
وفي عام 2009، قام وزير الخارجية الإسرئيلى إفيدجور ليبرمان بزيارة لعدد من دول حوض النيل، مما أثار حالة من القلق المصري حول محاولات الوصول إلى اتفاق حول مبادرة حوض النيل لتحقيق التعاون الإقليمى من خلال تحديد المشاريع المختلفة للاستفادة من مياه نهر النيل وتحديد حصص كل دولة من المياه. أتى القلق بسبب علاقة إسرائيل التى بدأت أن تتخذ مسارا قويا من التعاون خاصة مع دولة إثيوبيا؛ فسلحت إسرائيل تلك الأنظمة وقدمت لهم المساعدات السياسية والاقتصادية.
أنكر أبو الغيط في عام 2009 أن يكون هناك خوف على حصة مصر من مياه النيل
بينما أنكر أبو الغيط وقتذاك، أى قلق من تلك العلاقات التى تجمع إفريقيا بإسرائيل قائلًا: «أننا غير معنيين بهذا الأمر»، وتواصل الإنكار إلى حد نفي الخوف على حصة مصر من مياة النيل، وهو الأمر الذى استنكره حينها عدد من السياسيين والخبراء، ليظهر لاحقا أنه كان إنكارا كارثيا على الأمن القومي المصري. فلم يكن هناك اكتراث بالعلاقات المصرية الأفريقية، ولم يعط الملف الأفريقى الأهمية المطلوبة باعتباره يمثل تهديدًا للأمن القومى المصري حيث أهمية حصة مصر بنهر النيل، وهى الأزمة التى برزت مُنذ عام 2012، حيث بناء إثيوبيا لسد النهضة.
موقفه من الثورة
لم تمر تصريحات أبو الغيط الخاصة بثورة يناير/كانون الثانى 2011 مرورًا كريمًا بعد عودته إلى المشهد الدبلوماسى المصري والعربي، حيث استبعد أبو الغيط أثناء كونه وزيرًا للخارجية في ظل حكم مبارك، أن يتكرر بمصر ما حدث في تونس، قائلًا: مصر مش تونس.
كما كانت له رؤيته الخاصة في أن أمريكا أعدت للثورة المصرية بداية من عام 2005، إستعدادًا للتخلص من مبارك بعد خلافات بينها وبين مصر من خلال تمويلها لمؤسسات المجتمع المدنى.
وفي حواره بعام 2014 صرح أن الثورة كانت “تدميرا عربيا وليس ربيعا عربيا” معبرًا عن عدائه للثورة المصرية، مما أثار غضب الكثير من المصريين خاصة بعد اختيار أبو الغيط أمنينًا للجامعة، رافضين استعادة وجوه وسياسات نظام مبارك للمشهد السياسى.
مستقبل جامعة الدول العربية
تأتي رئاسة أبو الغيط لجامعة الدول العربية في فترة حرجة تعانى فيها المنطقة العربية من الكثير من النزاعات وعدم الاستقرار، فعليه التعامل مع ملفات عدة؛ أهمها الصراع القائم بين السلطة الشيعية بإيران والسلطة السنية بالسعودية، والتى تُأثر على الوضع بسوريا واليمن والعراق ولبنان. وفي سياق متصل تمت الموافقة على تصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية بقرار من جامعة الدول العربية في 11 مارس/آذار 2016، بعد طلب تقديم السعودية طلبًا لذلك، مع تحفظ من العراق ولبنان، باعتبار القرار مخالفًا للمعاهدة العربية لمكافحة الإرهاب.
لن تكون مواقف أبو الغيط كرئيس لجامعة الدول مغايرة عن مواقفه عندما كان رئيسًا للخارجية المصرية من عام 2004 إلى عام 2011، فالجامعة غالبا ستبدي تأييدًا واضحًا لدول الخليج ضد إيران ومن يتعاون معها؛ خاصة وأن «أبو الغيط»، كان قد عبّر في برنامج تلفزيونى في عام 2009، عن أن مصر على أتم الاستعداد لمعاونة السعودية ضد إيران، رافضًا تدخلات إيران في سياسات دول الخليج.
هذا بالإضافة إلى تصريحاته المتفرقه عن استخدام إيران لحزب الله وغيرها من التنظيمات كورقة ضغط على إسرائيل وأمريكا لحماية مصالحها النووية، رافضًا أن يكون لإيران مشروع نووي باعتبار مصر والسعودية هما القوتان العظمتان بالمنطقة ولا يجب أن تكون إيران منافسًا لهما.
لن يكون اختيار أبو الغيط أو غيره كأمين عام لجامعة الدول العربية ذا قيمة حقيقة، حيث أن قرارات الجامعة تتشكل بناءً على التشاور والتوافق ودائمًا ما تفرض الدول ذات النفوذ الأكبر بالمنطقة آراءها، إلا أن آراء وسياسات أبو الغيط المعلن عنها منذ كونه وزيرًا للخارجية المصرية وبعد إقالته هى الأقرب لحكومات الدول ذات النفوذ الأكبر بالمنطقة حاليًا. فلن تكون الجامعة إلا استمرارًا لسياسات تلك الحكومات الخارجية، وأبرزهم الحكومة السعودية.
- Egypt nominates Mubarak-era foreign minister for Arab League post
- رغم تحفظ قطر.. أحمد أبو الغيط أمينا عاما للجامعة العربية
- PROFILE Egypt's ex-foreign minister returns to diplomacy at critical time
- Egypt lays blame on Hamas
- السياسة الخارجية المصرية بين جمال عبد الناصر وأنور السادات ومحمد حسني مبارك
- أسس ومرتكزات السياسة الخارجية المصرية في عهد مبارك
- أبو الغيط أمينًا عامًا لجامعة الدول العربية
- الانتكاسة: الدور المصري في الحرب الإسرائيلية على غزة
- أبو الغيط عقود بالظل وسنوات فوق الحبال