الرجل الأبو ريدة: قوة مطلقة غامضة
فقط حاول في البداية أن تصدق أن أحمد شوبير يتحدث بتلك الطريقة عن شخص ما. شوبير الذي قام بضرب أحمد الطيب على الهواء أمام الملايين، وهو نفسه شوبير الذي خاض حربًا هي الأبرز في الوسط الرياضي بالألفية الجديدة أمام شخص بشراسة وعنف مرتضى منصور.
لكن الشخص الذي يتحدث عنه شوبير بتلك الطريقة، ويقبل أن يكن له مساحة كافية من الاحترام برغم أنه لا يبادله الشعور ذاته، هو هاني أبو ريدة، الرئيس السابق لاتحاد كرة القدم المصري والذي سيكون على الأغلب رئيسه القادم.
الجميع لا يعلم السبب
في تقرير ميداني قامت به قناة «إم بي سي مصر» في منطقة وسط البلد بالقاهرة، سأل المراسل 12 فردًا من الجمهور عن توقعهم للفائز في انتخابات اتحاد كرة القدم المصري القادمة: هاني أبو ريدة أم أحمد شوبير؟
أحد عشر فردًا توقع فوز هاني أبو ريدة بكل تأكيد، بينما توقع فرد واحد فقط فوز شوبير.
تلك القناعة لم تكن خاصة بجمهور الشارع وعضو اتحاد كرة القدم المصري السابق فقط، بل يشاركهم فيها الصحفي المصري المقرب من الاتحاد أحمد عبد الباسط، والذي أكّد هو الآخر أن الأمر محسوم لأبو ريدة.
في أغلب الظن وأنك قبل أن تقرأ تلك الفقرة، تترسخ لديك القناعة ذاتها بشكل غير مبرر. نجح أبوريدة في إقناعنا جميعًا بكونه الرجل الأول للكرة المصرية وصرنا نتعامل مع الأمر كالمسلمات دون أي سبب منطقي!
أتفهم تمامًا أن الأمر لا يمثل لك الكثير، ولكن بالنسبة لأشخاص رأس مالهم هو الانتخابات وما تجلبه لهم من شهرة فالأمر يختلف بكل تأكيد.
قوة مجهولة المصدر
إذا حاولت البحث عن تفاصيل حياة هاني أبو ريدة فإنك لن تصل إلى شيء على منصات الأخبار، فقط المقدمة ذاتها التي تسبق أي حوار له على شاشات التلفزيون.
رجل بورسعيدي، يجيد البيع ولا يفضل الشراء، تخرج من كلية الهندسة جامعة بورسعيد. يبدو ذلك منطقيًا من تخطيطه المحكم للانتقال من رئاسة منطقة بورسعيد لعضوية اتحاد كرة القدم المصري مباشرة عام 1991 في خطوة كبيرة ومفاجئة للجميع.
قوة مريبة وغير مفهومة لرجل يبدو بكامل هدوئه في أي ظهور إعلامي له. هاني الذي لا يتمتع بلباقة كبيرة في الحوار -لدرجة أنه صرح بخوفه الدائم من مرتضى منصور ولكنه يعرف كيف يسيطر عليه- ومع ذلك يتحدث معه كافة مقدمي البرامج الرياضية بقدر كبير من الحرص والقلق الواضح على شاشات التلفاز.
سطوة مطلقة على مؤسسة تعج بنجوم رياضيين سابقين وهو رجل بتاريخ رياضي منعدم، مع ذلك يهابونه ويرضخون له. هم يرضون بأبو ريدة كبيرًا لهم دون إبداء أي امتعاض أو مقاومة. فكيف أقنعهم بذلك؟
قوة وصلت به إلى الاستعانة برجل مجهول من صعيد مصر اسمه جمال علام لرئاسة اتحاد كرة القدم المصري تحت إشرافه، بعد الإطاحة به في أول انتخابات بعد ثورة 25 يناير المجيدة، والتي تم الإطاحة فيها بكافة رموز النظام السابق. المفاجأة أن جمال علام انتصر بالفعل! فقط لأنه رجل أبو ريدة.
لم يكتفِ أبو ريدة بكل ذلك، بل قرر أن يأخذ اللعبة لمستوى جديد: إقليميًا ودوليًا.
أهلًا بك في زيوريخ
في عام 2003 وبعد 3 دورات كاملة قضاها أبو ريدة في الجبلاية، دخل اللجنة التنفيذية للاتحاد الأفريقي لكرة القدم. لن نتحدث في تفاصيل عمله كثيرًا، ثمة مشهد صغير يجب الانتباه إليه.
في حواره مع شبكة CNN، وبعد سقوط عيسى حياتو ونجاح أحمد أحمد، أكد أبو ريدة أن أعضاء المكتب التنفيذي جميعهم رحلوا بعد سقوط عيسى حياتو؛ لأن أعضاء الجمعية تجرؤوا عليهم على حد وصفه. احفظ ذلك المشهد في ذاكرتك قليلًا وسنعود له.
في عام 2009، دخل أبو ريدة المكتب التنفيذي للاتحاد الدولي لكرة القدم FIFA. ظل أبو ريدة في منصبه ضمن لجنة تضم 24 فردًا حتى رحيل رئيس الاتحاد الدولي جوزيف بلاتر في قضية الفساد الشهيرة، ورحل معه جميع أعضاء المكتب التنفيذي.
ترى الآن تشابهًا كبيرًا بين المشهدين وهما رحيل المكتب التنفيذي بالكامل ورحيل رئيس المنظومة، لكن مشهدًا آخر يجب أن تنتبه له، وهو أن العضو الوحيد الذي استمر في كلا المشهدين بعد سقوط الرأس الكبرى هو هاني أبو ريدة.
أبو ريدة هو الوحيد من المكتب التنفيذي الذي أكمل المسيرة مع جياني إنفانتينو وأحمد أحمد بعد قدومهما. قدرات غريبة ومتميزة بلعبة العلاقات الجيدة مع أصحاب الأصوات والقرارات، موهبة خاصة للرجل البورسعيدي!
سألت صديقًا لي عن رأيه في ذلك الأمر، فأخبرني أن الفساد المصري له مذاق مختلف وفريد عن نظيره الإفريقي والأوروبي!
الفاسد المصري يهتم بتحسين صورته الاجتماعية أمام الجميع قبل كل شئ. ربما يهتم بذلك أكثر من اهتمامه بتحقيق هدفه الأصلي الذي رضخ للفساد من أجله بالأساس، ويرى في ذلك إنجازًا هامًا له وإشباعًا لشعور ما بداخله يحبه المجتمع المصري. فالشعب المصري يكره السارق ولكنه يحب النصاب «الفهلوي» ويقدره.
أبو ريدة أم أبو صلاح؟
بالطبع قراره بالترشح نهائي، واحتمالات فوزه بالكرسي كبيرة للغاية، لكن خدمة الكرة المصرية هي آخر نقطة يمكن أن يسجلها أبو ريدة وقائمته في برنامجهم الانتخابي -في حالة أنهم اهتموا بصنع برنامج انتخابي من الأساس.
الدائرة مغلقة وواضحة، أعضاء جمعية عمومية سينتخبون الشخص ذاته الذي نجح في ترويضهم بطريقة أو بأخرى، أيًا كان المقابل دون النظر لتطوير الكرة المصرية من عدمها. هل كنت تتخيل أن لجنة عمرو الجنايني الخماسية تستشعر الناس بمجهوداتها خلال شهور، مقابل من مكث بين جدران الجبلاية لسنوات دون أي إضافة تُذكر، عدا ما يسمى بـ «تربيطات الانتخابات»؟
الصدام القادم والذي قد يؤرق أبو ريدة في دورته القادمة سيكون جديدًا وتجربة لم يمر بها أبو ريدة من قبل؛ لأنه لن يكون مع أحد الناخبين، بل معركة مع نجم المنتخب الأعلى قيمة تسويقية عبر تاريخه محمد صلاح.
صلاح الذي سخر عبر الإنستجرام من فوز الاتحاد المصري لكرة القدم بجائزة الأفضل في أفريقيا منذ شهور، بعد فضيحة الخروج من كأس الأمم الأفريقية على إستاد القاهرة. أزمة تعود أصولها إلى مشكلة صورة الطائرة الشهيرة.
يصر أبو ريدة أنه لا توجد أزمة من الأساس، هذا طبيعي، فهاني لم يكن يومًا عدائيًا في تصريحاته الإعلامية ضد أي شخص في المجال الرياضي بمصر، فما بالك بنجم منتخب مصر الأول والأهم الآن؟
لكن حازم إمام -والمعروف بمصداقيته العالية- يؤكد أن الأزمة امتدت بعد ذلك لتكون أزمة شخصية بين أبو ريدة وصلاح في برنامج أقر وأعترف مع أحمد شوبير.
سيعود أبو ريدة على رأس الاتحاد خلال شهور في أغلب الظن، ولكنها ستكون تجربة جديدة عليه بكل تأكيد، ليست كمثيلاتها. فهل يعتبرها معركة انتخابية جديدة من التي يبرع في تربيطاتها، أم سيفشل هذه المرة؟ أسمعك عزيزي القارئ وأنت تسألني: وهل نجح من قبل في شيء غير الانتخابات؟ معك كل الحق، الإجابة: لا، بكل تأكيد.