مسلسل «أبو العروسة 2»: هل حياتنا سخيفة حقًا؟
انطلق منذ 8 حلقات الجزء الثاني من مسلسل «أبو العروسة»٬ والذي صدر الجزء الأول منه في النصف الأول من العام الماضي٬ من بطولة سيد رجب، وسوسن بدر، ونرمين الفقي، ومدحت صالح، ورانيا فريد شوقي، ومجموعة كبيرة من الممثلين. ويدور المسلسل حول مجموعة من الأسر من الطبقة المتوسطة٬ يستعرض حياتهم وأحلامهم وإخفاقاتهم٬ مشاعرهم وطموحاتهم وقصصهم وأسرارهم٬ أفراحهم وأحزانهم وكيفية مواجهتهم لكل ذلك بالتفصيل.
المسلسل اجتماعي درامي يدور في إطار خفيف٬ الشخوص في المسلسل ليس لديهم قصة محددة بانتهائها ينتهي المسلسل٬ هو أشبه بالحياة٬ مستمر إذا ما دارت الكاميرا وصورت أو لم يحدث٬ لذلك كان من المفهوم أن يكون للمسلسل جزء ثان٬ خاصة مع ردود الفعل الواسعة التي لاقاها الجزء الأول من المسلسل٬ سواء بالسلب أو الإيجاب٬ فلفت النظر في حد ذاته نجاح.
«روح للناس يا حب»
كانت عقدة الجزء الأول الذي تدور حولها كل قصص المسلسل تقريباً في الجزء الأول هي قصة حب طارق وزينة. الكثير من الرومانسية والمواقف اللطيفة والتمسك الأسطوري من طارق بالزواج من زينة ومحاربته لوالدته في سبيل ذلك.
زينة نفسها نشأت في أسرة متحابة فأبوها وأمها تجمعهما قصة حب طويلة تتسم بالواقعية أكثر وفيها الكثير من العشرة والأبناء. كل الشخوص في المسلسل يحبون بعضهم البعض بغض النظر عن الرومانسية٬ الأصدقاء والأقارب وزملاء العمل٬ المسلمين والمسيحيين والأغنياء والفقراء٬ المسلسل يعج بالحب في الحقيقة.
في الجزء الثاني، يستمر الحب في التدفق عبر الشاشة٬ المشكلة أن الأمر أصبح أكثر من اللازم٬ في الجزء الأول كان رواد السوشيال ميديا يسخرون من رومانسية طارق وزينة المفرطة٬ في هذا الجزء أصبح الجميع رومانسيون بطريقة تثير الضحك أحياناً. المشاهد الرومانسية بين مينا (أخو ملاك) وحبيبته في كافيه مفتوح وهو يغني لها «دة لو اتساب» بصوت مرتفع دون أن يستدير أي من رواد المقهى وكأنه مشهد متكرر يثير الملل. وانحناء طارق ليمسح حذاء زينة بعد أن داس قدمها بالخطأ٬ بل وذهابه لأقرب طاولة كي يستعير منديلًا يمسح به الحذاء.
عايدة التي تجامل عبد الحميد بحب ونظرة متدلهة طوال الوقت٬ في المطبخ أو وهي تغزل خيوط الكروشيه٬ أو وهي تستعد للذهاب للعمل. أكرم الذي ينادي كل الفتيات في المسلسل بكلمة حبيبتي٬ أخته وأمه وزوجة عمه وصديقته وحبيبته وأي شعر طويل مار من أمام الكاميرا.
اقرأ أيضًا:«أبو العروسة»: كليشيهات الطبقة الوسطى تعود من جديد
كل الناس تحب كل الناس في المسلسل٬ حتى صفاء الطوخي تحولت فجأة لملاك هادئ تحب زوجها وتعامله برقة وتتبادل معه الحديث الودي٬ لا يعرف أحد بالضبط لماذا انفجرت ماسورة الحب في المسلسل فجأة٬ مفهوم أننا نتحدث عن الطبقة المتوسطة التي يوصف أهلها بالطيبة والتسامح والحب٬ ولكن السذاجة المفرطة التي يحب بها ممثلو المسلسل تثير العجب فعلاً.
«إضحك كركر إوعى تفكر»
المسلسل اجتماعي خفيف٬ يتميز بخفة الدم التي يتميز بها المصريون ويحاول المسلسل إبرازها كميزة من مميزات الشعب المصري والطبقة المتوسطة بالتحديد. جرعة الكوميديا تخفف بالتأكيد من حدة الدراما والمشاكل التي يتعرض لها المسلسل ويستعرضها٬ خاصة أن الكوميديا والإفيهات بالفعل جزء أصيل من حياتنا كمصريين، وتحاول الطبقة المتوسطة فعلاً التغلب على مشاكلها بالسخرية منها.
في هذا الجزء من المسلسل أصبحت جرعة الكوميديا أكثر من المقبول٬ مواقف لا تثير الضحك ولا تستلزم إلقاء إفيه ولكن صناع المسلسل يصرون على هذا٬ طارق يضحك طوال الوقت وهو يخبر زينة بحبه٬ ملاك يلقي الإفيهات في كل المشاهد حتى لو ذهب إلى قسم البوليس لزيارة صديق٬ ثم هذا الصديق نفسه الذي يواجه أزمة كبيرة أدخلته السجن يستقبل الزوار في القسم بابتسامة واسعة وإفيهات كثيرة متلاحقة كلها قديمة ولا تثير الضحك.
مينا الذي يعمل في أعياد الميلاد ويرتدي بدلة ميكي ماوس يكتشف خيانة حبيبته فيقف في مواجهة الكاميرا منكساً رأسه ويمسح دموع عن وجه ميكي الضخم. نصف حلقة تقريباً يدور حول هاجر التي تحاول صنع الكيك فتفشل وتحاول غسل الغسيل فيبهت وأمها تصرخ وأخواتها يضحكن.
إفيهات ومواقف قديمة لا تثير الضحك، وليس لها لزوم٬ ليست مفيدة درامياً ولا مفيدة في تقديم مفاهيم اجتماعية يحاول المسلسل ترسيخها٬ كوميديا ساذجة طغت على روح المسلسل الذي لم يكن مسلسلاً قوياً جداً من الأساس٬ ولكنه كان دافئاً بشكل ما حتى لو دفء ساذج٬ المبالغة في الكوميديا أفقدته حتى هذا الدفء.
«بينقلب ضده»
المبالغات في المسلسل في هذا الجزء وصلت مداها٬ المبالغة في إظهار الطبقة المتوسطة سعيدة جداً وتنجح في التغلب على كل المشكلات بسلاحي الحب والضحك٬ جعلت الأمر يبدو سخيفاً وكأن هؤلاء الأشخاص على الشاشة فقدوا عقولهم فجأة.
المبالغة في التأصيل للطيبة والمبادئ الأسرية والصداقة والقيم العائلية جعلت المسلسل مهلهلاً تقريباً٬ سبع حلقات لا يحدث فيها أي شيء تقريباً سوى عائلات متماسكة يتظاهرون بالسعادة٬ في كل المشكلات ولا يفقدون أعصابهم أبداً٬ يلجئون لله في كل المشكلات، لا يعترضون ولا يتعرضون للشك أبداً٬ مستقرون يعرفون أن كل شيء سيئ سيمر ما داموا يضحكون بحب.
الحياة الحقيقية، خاصة حياة الطبقة المتوسطة، لا تشبه الحياة التي يعرضونها في المسلسل٬ وإذا كان المقصود بذلك هو تعليم الطبقة المتوسطة كيف تعيش وكيف تتغلب على الحياة٬ فهي طريقة تشبه البرامج التعليمية ولا تتسرب لعقل المشاهد لأنها تبدو ساذجة جداً أمام الحياة الحقيقية.
المسلسل لم يكن عظيماً جداً من البداية٬ وكان معروفاً أنه يحاول استعادة مبادئ الحياة البسيطة التي لم تعد تصلح لمجتمع الآن٬ ولكن مستوى المسلسل كان مقبولاً٬ أما في جزئه الجديد لم يعد المستوى يصلح ليعرض هذا المسلسل في 2019 خاصة مع المتغيرات الاقتصادية والسياسية التي يمر بها المجتمع المصري٬ والطبقة المتوسطة التي تتأثر أكبر تأثر بهذه المتغيرات٬ كل هذا جعل مسلسل «أبو العروسة» الجزء الثاني ليس أفضل افتتاحية لهذا العام على المستوى الدرامي.