بما أنك تقرأ هذا المقال فأنت حتمًا من متابعي السوشيال ميديا، وبالتالي يمكننا أن نفترض أنك في الآونة الأخيرة كنت طرفًا –أو حتى شاهدًا– في معركة دارت رحاها على الصفحات المهتمة بالفن حول مسلسل «سابع جار» الذي عرض مؤخرًا على الفضائيات، كان اللغط يدور حول الدراما العائلية التي ينتمي إليها المسلسل، وأخلاق الطبقة الوسطى التي تتنافى معها تصرفات الشخصيات، وكيف أن المسلسل يرسخ لعادات غريبة على المجتمع المصري وأن جرعة الفساد الأخلاقي المستتر تحت عباءة الواقعية عالية في المسلسل، للدرجة التي جعلت عرض المسلسل يتوقف عند الحلقة 47 دون أي أسباب واضحة، هذا بعد أن حصد في بدايات عرضه استحسان نفس الجمهور الذي انتقده بعد ذلك لأنه كان عودة للدراما العائلية الواقعية التي افتقدها التليفزيون كثيرًا.

حسنًا، ما علاقة الحديث عن مسلسل «سابع جار» ومشاكله ورأي الجمهور عنه بهذا المقال الذي من الواضح من عنوانه أنه يتعرض لمسلسل «أبو العروسة»؟ اتبعني قليلاً وسوف تعرف العلاقة.


الدراما العائلية تعود من جديد

منذ أكثر قليلاً من الأسبوعين بدأ عرض مسلسل «أبو العروسة» على إحدى الفضائيات بعد أن أغرقت التنويهات عنه فواصل القناة، وبعد أن احتلت شخصيات المسلسل الكثير من اللافتات الدعائية في أكثر طرق القاهرة حيوية، وبعد أن قفزت أغنية «بنتي» على حائط فيسبوك أمامك عددًا لا نهائي من المرات.

المسلسل يحكي عن أسرة مصرية بسيطة من الطبقة الوسطى، أب وأم وخمسة من الأبناء، يتعرض جميعهم لشتى مواقف الحياة التي تجعل من دوائرهم مادة لا تنفد من المواقف التي تنتظر أن تعرض على الشاشة. باختصار المسلسل يستكمل رحلة الدراما العائلية/الواقعية التي يحاول التليفزيون العودة لها مؤخرًا من خلال مسلسل «سابع جار»، ثم «الطوفان»، ثم الآن «أبو العروسة».

تدور أحداث المسلسل في حي «مصر الجديدة» حيث مجموعة من الأسر من الطبقة المتوسطة من خلال الحدوتة الأساسية لزينة، الطبيبة الشابة ابنة الأستاذ عبد الحميد الموظف بالسجل المدني، التي يقع في غرامها شاب ثري من ساكني الكومباوندات، وكفاح أسرتها لتزويجها، مع الحواديت الجانبية لدوائر الأبطال الرئيسيين.


بين سابع جار وأبو العروسة

بعد المشاكل التي أثيرت حول مسلسل سابع جار، يمكنك أن تقرأ الموقف بسهولة وترى أن مسلسل أبو العروسة راهن على كونه نقيض سابع جار في كل شيء رغم أنه يشبهه في كونه يتعرض للطبقة الوسطى وأنه دراما واقعية وتصلح للمشاهدة العائلية.

جاء أبو العروسة ليعيد للأذهان أخلاقيات الطبقة الوسطى التي هتف الجميع أن سابع جار أهانها، فكل شخصيات أبو العروسة شخصيات مثالية، أسرة الأستاذ عبد الحميد أسرة بسيطة، أب وأم يعملون موظفين لدى هيئات حكومية، أبناء مثاليون تمامًا، لا أخطاء من أي نوع تحدث، حتى الابنة المراهقة تبكي ندمًا عندما تخرج دون علم أهلها لمرة وحيدة مع صديق شاب ليس بينها وبينه ما يشين، عائلة مترابطة بلا ضغائن.

اقرأ أيضًا:مسلسل «سابع جار»: كيف نشفى من حب «الستات»؟

الوحدة الوطنية حاضرة أيضًا، حيث إن أعز أصدقاء الأستاذ عبد الحميد هو «ملاك»، الشاب المسيحي المكافح الذي يتحمل مسئولية إخوته، المخدرات منبوذة يتكاتف كل من بالمسلسل للقضاء عليها ومساعدة مينا الشاب الطائش الذي وجد فيها مَهربًا، الشاب الثري يقف أمام أمه الرافضة لزواجه من حبيبته الفقيرة، حبيبته الفقيرة تلك طبيبة لا يعيبها فقرها لأن أهلها كافحوا كي يعلموها هي وإخوتها، وقصة حب وليدة بين الابنة المراهقة وابن عمتها تباركها الأم في صمت.

تلك هي الطبقة الوسطى الكليشيهية التي صدم الجميع عندما لم يجدوها في شخصيات سابع جار، فجاء مسلسل أبو العروسة ليرضي تلك الحناجر ويطمئنها أن الطبقة الوسطى بخير، المشكلة الوحيدة أن المسلسل كاذب تمامًا.


الكدب مالوش رجلين

مشكلة مسلسل أبو العروسة أنه يعرض الطبقة المتوسطة كما يريد لها المجتمع أن تظهر لا كما هي في الحقيقة، المسلسل يعج بالأخطاء؛ فمثلاً منزل الأسرة المحورية في المسلسل مفروش فرشًا يليق بأرقى محلات الأثاث المودرن، رغم أنهم يفكرون أكثر من مرة عندما يجيئهم ضيف مفاجئ ويتطلب الأمر شراء دجاجة لطبخها له، تفصيلة صغيرة كمفرش كروشيه هاند ميد ملقى على ظهر كنبة في صالة المنزل كفيلة بنسف مصداقية المسلسل، وغرفة الفتيات الشبيهة بغرف باربي لا تليق حتمًا بأسرة تشتري لابنتها موبايل صيني وتطير به الفتاة فرحًا لأنه أفضل من هاتفها المسروق.

الطبقة الوسطى الحقيقية لا يستيقظون صباحًا ليفطروا ساندويشات فينو خاصة إذا كانوا أسرة مكونة من سبعة أفراد لأب وأم موظفين، الأم الموظفة من الطبقة الوسطى لا ترتدي جيبة قصيرة نسبيًا دون حجاب خاصة إذا كانت موظفة في وزارة الشئون الاجتماعية، الطبقة الوسطى الحقيقية يستحيل أن يكون كل أبنائها مثاليين لهذه الدرجة، حتى صديق الابن الذي يسرقه يومًا ما لا يفعل هذا سوى لأن أمه تحتاج جرعات كيماوي بشكل عاجل، الطبقة الوسطى أصلاً لا تستطيع علاج مرضاها المصابين بالسرطان على نفقتها الخاصة، هم إما يعالجون على نفقة الدولة أو يموتون في صمت.

«أبو العروسة» جاء ليصالح المجتمع على الطبقة الوسطى، ويسكت الأفواه ويطمئن الضمائر أن كل شيء تحت السيطرة، ففشل فشلاً ذريعًا في ذلك لأنه يكذب على طول الخط، وكأن المسلسل صنع على عجل ليصالح المجتمع الذي غضب من أخلاقيات سابع جار فجمع كل الكليشيهات الساذجة وحشرها مع بعضها حشرًا ليخرج لنا بمسلسل ركيك حسنته الوحيدة تمثيل سيد رجب المتقن لدور الأب.


جه يكحلها عماها

المشكلة هنا ليست في مسلسل أو اثنين أو خلافات على أخلاقيات مجتمع، المشكلة الأساسية أننا حملنا الفن دورًا ليس دوره في الأساس، فالفن وظيفته الأساسية والأولى هي الإمتاع ويمكن بعد ذلك أن يحمل رسالة ويرسخ أخلاقيات، ولكن تلك ليست وظيفته الأساسية، ولذلك بالتحديد لم يحظ أبو العروسة باستحسان الجمهور.

المسلسل عبارة عن كليشيهات تقترب كثيرًا من السذاجة، ويحاول بكل جهده أن يزيح أفكار سابع جار جانبًا حتى أنه نحت أشهر مشهد الذي ترقص فيه دلال عبد العزيز مع أبنائها على أنغام المهرجانات فجعلهم هنا يرقصون على أنغام أغنية دقوا المزاهر احتفالاً بخطبة الابنة.

كل هذا حدث لأن صناع المسلسل رأوا أن واجبهم الأول هو تصدير رسائل إيجابية للمجتمع عن الأسر التي تنتمي للطبقة الوسطى، لا أن يقدموا مسلسلاً جيدًا، وهذا بالتحديد هو ما لا يجب أن يفعله الفن، ولكن لا يوجد بيننا من يصغي سوى لصوت الفضيلة الزائفة والتي – قطعًا – ليس لها أي علاقة بالفن.