أبراموفيتش وبوتين: علاقة مشبوهة قادت إلى شراء تشيلسي
في خضم الحدث الجلل الذي يعيشه العالم بعد اجتياح القوات الروسية الأراضي الأوكرانية، طلت علينا كرة القدم عبر عدد من الأخبار الهامشية، التي لم يعبأ بها الكثيرون. فنحن نتحدث عن حرب وضحايا، ومسئولو كرة القدم لا يملكون سوى الشجب، ونقل نهائي دوري أبطال أوروبا من ملعب سان بطرسبرج بالعاصمة موسكو إلى ملعب فرنسا.
بالطبع، كلٌّ يتصرف حسب المتاح، واتخاذ الموقف في حد ذاته أمر إيجابي، لكن في وسط هذه الأخبار، كشفت شبكة «سكاي سبورتس» عن حث نواب في البرلمان الإنجليزي على فرض عقوبات على «رومان أبراموفيتش» مالك نادي تشيلسي ومساهم أرسنال السابق «أليشر عثمانوف» بسبب علاقتهما بالرئيس الروسي؛ «فلاديمير بوتين».
ليتفاعل «أبراموفيتش» سريعًا ويقرر عبر بيان رسمي، منح الثقة لمجلس أمناء مؤسسة تشيلسي الخيرية من أجل إدارة النادي ورعايته خلال الفترة الحالية (نقل الإدارة وليس الملكية). وهو ما يبدو تمهيدًا للعقوبات المنتظرة. لكن يظل السؤال، هل «أبراموفيتش» حقًا أحد رجالات «بوتين»، أم أن الأمر مجرد مبالغة؟ إليك المشاهد الثلاثة التالية لتخبرك.
مشهد (1): باع شريكه من أجل بوتين
رغم الغموض المحيط ببداية تكوين ثروته، شق «أبراموفيتش» طريقه كأحد أبرز رجال الأعمال في روسيا، حتى أتى عام 1993، ليحظى بفرصة الانضمام إلى اجتماع هام لعدد من رجال المال الروس الساعين لتقسيم الكعكة في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي.
تم الاجتماع في يخت بجزر الكاريبي، وهناك التقى «رومان» برجل الأعمال وشريكه المستقبلي «بوريس بيريزوفسكي»، حيث تم الاتفاق على اقتحام مجال النفط. وعقب إعادة انتخاب الرئيس «بوريس يلتسين» في عام 1996، استحوذ الثنائي على شركة «Sibneft» مقابل 100 مليون دولار فقط، رغم الاعتقاد بأنها كانت تقدر بثلاثة بلايين دولار.
هنا، كان مفترق الطرق بين الشريكين، حيث كان لـ«بيريزوفسكي» أطماعه السياسية التي منعته من تقدير نفوذ بوتين كما تستحق، في حين اختار «أبراموفيتش» تقديم فروض الولاء والطاعة للرئيس الجديد. وهو المشهد الذي جعل «ريتشارد ساكوا» أستاذ السياسة الروسية والأوروبية يصف الثنائي برجال العصابات، لكن أحدهما كان أذكى من الآخر.
تحول الشريكان إلى عدوين، بعد أن اضطر «بيريزوفسكي» في عام 2000 لبيع حصته في شركة «Sibneft» إلى شريكه (باعها رومان في 2015 إلى شركة Gazprom بـ 13 مليار دولار)، قبل نفيه إلى لندن. ثم دخل الثنائي صراعًا قضائيًا في عام 2012، عندما طالب «بيريزوفسكي» بالحصول على تعويض من «أبراموفيتش»، باعتبار الأخير كان جزءًا من مؤامرة «بوتين» لتجريده من ثروته، بالأخص قناة «ORT» التلفزيونية.
فاز «أبراموفيتش» بالصراع القضائي، لكنه اضطر في أثناء المحاكمة للاعتراف بالمحرك الرئيسي وراء كل ما حدث، عندما قال: «معارضة بوتين كانت خطرًا على إدارة الأعمال، ومن يديرها». أما شريكه فقد مات في العام التالي فيما بدا وكأنه عملية انتحار.
مشهد (2): دفع ثمن سياسة بوتين
عرف جمهور كرة القدم «رومان أبراموفيتش» عبر تشيلسي، إذ قاد الرجل ثورة في النادي اللندني، مكنته من مناطحة قطبي إنجلترا في ذلك الوقت؛ مانشستر يونايتد وأرسنال، ثم الاستمرار في مناطحة كبار العهد الجديد؛ مانشستر سيتي وليفربول.
كان مألوفًا لجماهير تشيلسي أن ترى مالكها بين الحين والآخر في المقصورة الرئيسية لملعب «ستامفورد بريدج»، من أجل مؤازرة الفريق. لكن فجأة وبدون مقدمات، لم يعد الرئيس يظهر. كان غياب «أبراموفيتش» عن نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي 2018 (عندما تغلب تشيلسي كونتي على مانشستر يونايتد 1-0 بفضل ركلة جزاء إيدن هازارد) هو ما نبه العالم إلى غرابة ما يحدث.
تبين فيما بعد أن سبب الغياب هو انتهاء صلاحية التأشيرة الخاصة بدخوله إنجلترا، وقد تقدم بطلب إلى وزارة الداخلية لإعادة إصدارها، لكنه انتظر طويلاً رد السلطات ولم يُعرض عليه أي تفسير لاستغراق العملية وقتًا أطول من المعتاد.
في تقرير لها، أوضحت شبكة «The Athletic» أن رجال الأعمال والمستثمرين كأبراموفيتش يحصلون على تأشيرة من الدرجة الأولى «Tier One (investor) visa» وقد تم إنشاؤها في عام 2008، لتشجيع المستثمرين من خارج الاتحاد الأوروبي على الاستثمار في الدولة.
ثم في أبريل 2015، استحدثت السلطات إجراءات جديدة من أجل التحقيق في كيفية الحصول على الأموال المقترحة للاستثمار، لتفادي عمليات غسيل الأموال، لتصبح عملية تقديم الطلبات أكثر صرامة، وينخفض عدد المتقدمين.
في 2018، وهو نفس العام الذي شهد اختفاء «رومان» من المدرجات، نشرت صحيفة «The Sun» تقريرًا يفيد باتهام السلطات السويسرية مالك تشيلسي بالضلوع في جرائم منظمة وغسيل الأموال، على خلفية طلبه الحصول على تصريح إقامة داخل سويسرا.
لكن رغم تلك المزاعم، كان الأمر مختلفًا في إنجلترا، حيث قيل إن وزارة الداخلية تعاني نقصًا في عدد الموظفين، وهو ما عطل الاجراءات. لكن السبب الآخر غير المعلن كان أكثر إثارة، وكان يدور حول عمل انتقامي استهدف الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» في أعقاب تسميم الجاسوس «سيرجي سكريبال» وابنته «يوليا» في بلدة «سالزبوري» الإنجليزية في مارس 2018.
نفى الكرملين باستمرار أي تورط له، لكن ذلك لم يمنع تصاعد التوترات السياسية بين البلدين في أعقاب الحادث، وقد ترتب على ذلك غياب الميلياردير الروسي عن حضور مباريات البلوز داخل إنجلترا حتى نوفمبر 2021.
مشهد (3): اشترى تشيلسي لعيون بوتين!
في الوقت الحالي، شئنا أم أبينا، فإن الرياضة قد أصبحت واحدة من أدوات السياسة، رغم مطالبة كل المنتفعين بضرورة الفصل بينهما. فرأينا أندية مملوكة لدول، وقوانين إنفاق يتم التحايل عليها، لأن الاستثمار الباحث عن الربح قد ولى، والاستثمار الحقيقي اليوم صار يهدف لغسيل السمعة.
وبما أن الحديث عن روسيا، فإننا سنمر على شركة «Gazprom»؛ الراعي الرئيسي لقمصان أندية: زينيت سان بطرسبرج الروسي، شالكه الألماني (قبل أن يقرر إزالة شعار الشركة من على واجهة القميص بعد الهجوم على أوكرانيا)، ريد ستار بلجراد الصربي، فضلاً عن كونها واحدة من رعاة دوري أبطال أوروبا. ولأنها شركة غاز طبيعي، كان الهدف الخفي سهل الكشف، لأنها بالتأكيد لا تسعى لإقناع سكان العالم بشراء الغاز الطبيعي.
لكن هل طرأ على ذهنك التفكير بنفس الطريقة عن عملية شراء «أبراموفيتش» لتشيلسي؟ لا أظن، والسبب قد يكون تناثر الروايات حول سبب شراء الميلياردير الروسي للنادي. قيل إنه قد شعر بالملل ليقرر الاستثمار في أحد الأندية، وقيل أيضًا إنه قرر اختيار تشيلسي وليس ليفربول بعد نجاح الأول في التأهل لدوري الأبطال في موسم 2002/2003، وفي رواية ثالثة، قيل إن المدرب «سفين جوران إريكسن» نصحه بشراء تشيلسي وليس توتنهام.
لكن في عام 2020، ظهر سبب جديد، وهو أوامر بوتين. في كتاب «كيف استعاد KGB (المخابرات) روسيا ثم استولى على الغرب؟» تروي الصحفية البريطانية «كاثرين بيلتون» صعود «بوتين» إلى السلطة وعدد من زملائه من أجهزة التجسس السوفييتية السابقة الذين ارتقوا إلى مناصب الثروة والنفوذ بعد أن تولى المنصب الأعلى في الكرملين في عام 1999.
روج الكتاب إلى أن الكرملين استغل شراء نادي تشيلسي لكسب القبول والتأثير لروسيا في المملكة المتحدة. ليس هذا وحسب، بل إن أبراموفيتش قد أرسل إلى الولايات المتحدة من قبل بوتين للتأثير على عائلة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب نيابة عن روسيا، وهي الادعاءات التي اعترض عليها مالك تشيلسي، وقرر فورًا الاحتكام إلى القضاء.
كانت مزاعم الصحفية «كاثرين بيلتون» تدور حول كون «أبراموفيتش» أداة من ضمن أدوات الحكومة الروسية وأن ثروته كانت دائمًا تحت الطلب، وهو ما يبدو متفقًا مع مقولته السابقة بأن معارضة «بوتين» كانت أمرًا خطيرًا على إدارة الأعمال.
في الأخير، حدث ما هو متوقع، حيث نشب صراع قضائي غير متكافئ بين ميلياردير واسع النفوذ ضد دار نشر وصحفية، انتهى باعتذار رسمي من الأخيرين، نشره موقع تشيلسي الرسمي، والذي أوضح الاتفاق على تعديل المقاطع المختلَف عليها، مع عدم مطالبة الدار بأي تعويضات، وعوضًا عن ذلك، فقد طُلب منها التبرع لصالح مؤسسة خيرية، لتنتهي قصة الكتاب، ويظل ما ورد فيه مجرد شكوك في عقول الجماهير.
اقرأ أيضًا: قمصان الأندية: كيف تستغلك حكومات العالم لدعم سياساتها؟