أبراهام: من أوصلته سيارة دروجبا لصدارة هدافي البريميرليج
ذهب الطفل ذو الثامنة من عمره إلى ناديه الجديد، تشيلسي، والذي يقع على حدود منطقة فولام بمدينة لندن، بعدما اعتاد الذهاب إلى منطقة هولوواي والتي تقع شمالًا عندما كان يلعب في نادي أرسنال. لكن على أية حال، فمهما كانت صعوبة الطريق إلى النادي، فهو أحب إلى الطفل الصغير من ملل المدرسة، والتي لم يكن يحبذ الذهاب إليها، كعادة الأطفال في هذا العمر.
كان الجو باردًا، والطريق ما زال طويلًا بعض الشيء، إلا أنه لم يعبأ بتلك الأمور، إذ يعلم أنه الآن في أول خطوات حلمه، والذي جاء إلى النادي الجديد من أجله، يحلم أن يصبح لاعبًا مشهورًا مثل ديديه دروجبا، مهاجم الفريق الأول في ذلك الوقت.
وفي هذه الأثناء حدثت المفأجاة: ديديه دروجبا يقف بسيارته ويأخذه معه إلى ملاعب التدريب، نظرًا لبرودة الجو، لينزل إلى الملعب هائمًا، يبحث عن زملائه في الفريق لإخبارهم بما حدث، ويقول لهم: «إنه ديديه، إنه دروجبا»، ولكن لسوء الحظ لم يرَ أحدًا.
هذا الطفل، هو اللاعب الإنجليزي الشاب، تامي أبراهام، والذي أصبح بعد 14 عامًا من تلك القصة، مهاجمًا لنادي تشيلسي الأول، وهدافًا للبريميرليج حتى الآن، برصيد 8 أهداف.
رهان جديد
كان هذا رد رومان أبراموفيتش مالك نادي تشيلسي، حينما عرض عليه جوزيه مورينيو مدرب الفريق وقتها، فكرة جلب دروجبا إلى النادي. لم يكن الفيل الإيفواري اسمًا كبيرًا في أوروبا، حيث يلعب صاحب الـ 26 في نادي مارسيليا الفرنسي، وبالتالي لم يكن رومان مقتنعًا بالأساس بهذه الصفقة، كان يرى ضرورة التعاقد مع اسم أكبر كمهاجم.
ومع تمسك مورينيو بتلك الصفقة، رضخ الملياردير الروسي لقراره، في صفقة كلفت النادي 24 مليون يورو كأغلى صفقة انتقال لمهاجم في البريميرليج، ليقضي الإيفواري 9 سنوات داخل أسوار النادي، كانت كافية لكسب السبيشال وان الرهان مع مالك النادي.
الآن، ومع قرار حرمان الفريق من أي تعاقدات لمدة فترتي انتقالات، ومع سياسة المالك الروسي الجديدة في تقليل النفقات، ورحيل نجم الفريق الأول إيدين هازارد، أصبح الملاذ الوحيد هذا الموسم هو الاعتماد على شباب الفريق سواء المعارين، أو الصاعدين لصفوف الفريق الأول.
وجود مدرب يقبل العمل في ظل هذه الظروف هو أمر بالغ الصعوبة، المنطق يقول إن التجربة أقرب إلى الفشل منها إلى النجاح، ولكن رومان حل تلك المعضلة بتعاقده مع فرانك لمبارد، مدرب ديربي كاونتي السابق.
فبالرغم من خبرته القليلة في التدريب، إلا أنه يتمتع بمؤهلات أخرى تناسب الفريق في هذا الوقت، أحد أساطير النادي، وبالتالي سيلقى الدعم، والصبر الكافي من الجماهير في ستامفورد بريدج، كما أنه يجيد استخدام لاعبيه الشباب، والاعتماد عليهم بشكل أساسي، ولعل هذه هي نقطة الالتقاء الأبرز لفرانك، مع وضعية النادي الجديدة.
تواجد أبراهام بصفة أساسية في تشكيل البلوز هو رهان جديد، ولكن بظروف مختلفة عن دروجبا، إذ لايملك أبراموفيتش رفاهية التعاقد مع مهاجم أكبر هذه المرة، ويلعب مع مدرب يُفضل الشباب، ولكن تواجده على حساب أوليفيه جيرو هداف الدوري الأوروبي الموسم السابق، وميشي باتشواي اللاعب الذي لا يضيع أي فرصة للتألق، فهذا هو الرهان الأكبر والذي يكسبه لمبارد حتى الآن.
فلاش باك
نحن الآن قبل بداية موسم 2016/2017، حيث يبلغ الشاب الإنجليزي من العمر 19 عامًا، ويتطلع لبدء خطوة مصيرية نحو تحقيق حلمه الذي ما زال يراوده منذ أن كان في سيارة ديديه دروجبا، ألا وهي تصعيده لصفوف الفريق الأول، الخطوة التي أجلها المدرب الإيطالي أنطونيو كونتي موسمين، فيما تكفل مواطنه ماروسيو ساري بالموسم الثالث.
لم يجد أبراهام بُدًا من الخروج من ستامفورد بريدج ولو على سبيل الإعارة، فذهب إلى بريستول سيتي في التشمابينوشيب، ليقضي موسمًا أكثر من رائع، سجل خلاله 26 هدفًا وصناعة 4 في 48 مباراة له مع الفريق، كانت كفيلة بإعادته مرة أخرى إلى البريميرليج، وهذه المرة عبر بوابة سوانزي سيتي، والذي استطاع معه تسجيل 8 أهداف وصناعة 5 في 39 مباراة لعبها مع الفريق.
أما في موسم 2018/2019، لم يتغير الوضع كثيرًا، حيث اضطر تامي للخروج مرة ثالثة، وهذه المرة عبر بوابة أستون فيلا ليعود للبطولة المحببة لديه، التشمابينوشيب. لم يخيب الفتى الذهبي ظن مسئولي الفريق، إذ انفجر مرة أخرى وسجل 26 هدفًا، قادت الفريق إلى العودة مرة أخرى إلى البريميرليج.
ما وراء الأرقام
رقميًا، واصل أبراهام تألقه تحت قيادة فرانك لمبارد، وظهر بشكل لافت في أول 8 لقاءات له مع تشيلسي في البريميرليج، حيث سجل 8 أهداف احتل بهم صدارة هدافي الدوري.
لكن يبقى السؤال: هل قيمة المهاجم الإنجليزي الشاب الفنية تكمن في أرقامه الكبيرة فقط حتى الآن، أم هناك أدوارًا وراء تلك الأرقام؟
أحد محللي الأداء من أمريكا جاوب على هذا السؤال، في فيديو تحليلي أعده خصيصًا لأداء أبراهام خلال الجولات الأولى من البريميرليج، والذي أظهر الأدوار الخفية التي يقوم بها، من تحرك بدون كرة، وسحب المدافعين، ليفتح المساحات لزملائه القادمين من الخلف، وأيضًا اللعب بين الخطوط (Link Up)، بالإضافة لدوره الفعال كلاعب محطة (Target Man)، والذي دائمًا ما يستطيع الحفاظ على الكرة تحت ضغط، وبالتالي يعطي أفضلية لفريقه في الاستحواذ.
في الصورة السابقة، تستطيع أن ترى بوضوح الدور الذي يقوم به المهاجم الواعد، إذ يتحرك للأمام ساحبًا معه ليندلوف، ويترك وراءه مساحة كبيرة يستطيع القادم من الخلف أن يتحرك فيها، ثم يتبع هذا التحرك تحرك عبقري آخر من بيدرو الذي بدوره يجبر ماجوير على ترك مكانه فارغًا، ليجد مونت نفسه وحيدًا في اتجاه المرمى.
هذه اللعبة تكررت بأشكال مختلفة في مباراة مانشستر يونايتد، وأيضًا في مباريات تشيلسي الأخرى في البريميرليج، ودائمًا تكون البداية من تحرك تامي أبراهام أمام قلبي الدفاع بنفس الطريقة.
لعل تلك الأمور تفسر سبب اعتماد فرانك لمبارد على اللاعب الشاب بشكل أساسي، في ظل وجود لاعبين أكثر خبرة في الفريق، ولكن في نفس الوقت يفسر سبب استدعائه لقائمة المنتخب الإنجليزي الأخيرة، والتي شاركت في تصفيات أمم أوروبا 2020 أمام التشيك وبلغاريا.
هل يندم على اللعب لإنجلترا؟
رغم مشاركته لمدة ثلاث دقائق فقط في مباراة التشيك، حيث دفع به المدرب الإنجليزي بديلاً لقائد الفريق هاري كين، وغم أنها لم تكن كافية لإنقاذ الأسود الثلاثة من الهزيمة بهدفين لهدف وحيد، إلا أنها كانت ذات أهمية أخرى، إذ أغلقت الباب أمام تامي في تمثيل منتخب أصوله، نيجيريا، بعد المشاركة الدولية الأولى له مع إنجلترا.
وكان أبراهام قد أثار الجدل قبل الاستدعاء الأخير للمنتخب الإنجليزي، إذ أعلن أنه لم يقرر بعد إذا كان سيلعب لمنتخب إنجلترا مكان مولده، أم نيجيريا موطن والده، مفضلًا التركيز مع تشيلسي في ذلك الوقت، ولكنه في النهاية اتخذ قراره الأخير، قرارًا من شأنه أن يضع أبراهام في تحدٍ جديد في مسيرته الكروية، إذ يطمح في حجز مكان أساسي له في تشكيلة الأسود الثلاثة.
فهل يستطيع مواصلة كسب التحديات وتحقيق الأحلام التي بدأت من سيارة ديديه دروجبا، أم يندم على قرار تمثيل المنتخب الإنجليزي، في ظل منافسة شرسة مع هاري كين، الهداف التاريخي لويمبلي؟