حول جدلية كتابة «الأسماء الأجنبية» باللغة العربية
لا يكاد الجدل ينتهي بين العاملين في الصحافة أو الترجمة أو الخدمات التحريرية بشكل عام حول كيفية كتابة الأسماء الأجنبية باللغة العربية، حيث يصل الأمر أحيانًا إلى ما يشبه المناظرة، التي يحاول كل طرف فيها أن يأتي ببرهان ساطع على صحة مذهبه، دون إدراك للقضية الأساسية، وهي غياب القاعدة الحاكمة.
ولا شك أن الكتابة -والبيان بشكل عام- تعتبر من الآداب التي إذا جاز اعتبارها علمًا فهي ستكون علمًا اجتماعيًّا، أي إنها ليست مقيدة بقوانين صارمة كالكيمياء أو الفيزياء أو الرياضيات. صحيح أن هناك قواعد عامة في الإملاء والنحو والصرف، ولكنك لا تنبذ مَنْ يقول إن القراءات تختلف بما ينعكس على الإملاء، وإن الكلمة الواحدة قد يكون لها أكثر من وجه إعرابي بما يؤثر على ضبطها.
ويمكن اختزال مشكلة التعامل مع «الأسماء الأجنبية» بالعربية إلى صراع ثنائي بين مدرسة التزام النطق الأصلي، ومدرسة مجاراة الشائع والعمل بما يُستساغ وتقتضيه عناصر السياق من موضوع وطبيعة جمهور وحس لغوي وغيرها.
وتواجه المدرستان معًا مشكلات مشتركة، مثل تلك التي تتعلق بالحروف غير ذات المقابل العربي الصريح، مثل G الذي يقابله المصريون واليمنيون والعُمانيون في أغلب الأحيان بـ «جيمهم الخرساء»، ويقابله الشوام وغيرهم في نفس الحالات بـ «الغين» باعتبارها حرفًا نادرًا في الأسماء الأجنبية، فيمكن أن يُفهَم من استخدامه أن الصوت المقصود هو G وليس J التي يعتبرونها حكرًا على الجيم المعطشة.
وربما كان العرب سيستريحون من الالتفاف حول صوت G لو استعاروا من الفارسية مثلًا حرف «گ» الذي يمكن أن يحل هذه الأزمة ببساطة كما هو متبع أحيانًا في المغرب، ولكنهم آثروا التقريب تمامًا كما فعلوا مع حرف V الذين يجد نفسه «فاءً»، وحرف P الذي يصير بالعربية «باءً»، إلا أن هذه المشكلة المشتركة بين المدرستين ليست موضوع هذه السطور.
مدرسة النطق الأصلي
يتصدر هذه المدرسة في العادة الأكاديميون ممَّن حصلوا على درجات عليا في دراسة لغة أجنبية ما، وتعمَّقوا في آدابها وتبحَّروا في لهجاتها المختلفة إلى درجة أن بعضًا منهم صار يفكِّر بها أحيانًا، وحين يكتب خواطره أو ملاحظاته يلجأ إليها، وعندما يشتري هاتفًا جديدًا فإنه يختارها كلغة للواجهة والتطبيقات.
يرى أنصار هذه المدرسة أن الاسم الأجنبي ينبغي أن يُكتب بالعربية تمامًا كما يُنطق بلغته الأصلية دون تعديل أو تحريف، فالنطق الأصلي حسب رأيهم هو وحده الصحيح، فمثلًا اسم مثل اسم الرئيس الفنزويلي الراحل Hugo Chávez يكتبونه بالعربية «أوغو تشابِث» عملًا بالنطق الإسباني الفصيح بالنظر إلى تحدث فنزويلا اللغة الإسبانية، وهو أمر يتكرر مثلًا مع لاعب الكرة الأرجنتيني Carlos Tévez الذي يكتبون اسمه «كارلوس تيبيث» تغليبًا للإسبانية الفصحى نفسها، دون التفات للهجات اللاتينية المتنوعة.
وبشكل ما يُعتبر هذا التوجه محل اتفاق حين يتعلق الأمر بأسماء الأدباء الكبار مثل الروائي الكولومبي «غابرييل غارثيا ماركيث»، أو الساسة المعروفين مثل الرئيس التشيكي الراحل «فاتسلاف هافيل»، فاسمه الأول يُكتب Vaclav ولكن الحيطة في التعامل معه ببروتوكول رسمي استوجبت التحقق من أن حرف C ينطق بالتشيكية «تسـ» وليس «كافًا» كما هو الحال لو كانت الكلمة إنجليزية أو فرنسية مثلًا.
ولا يقنع رواد هذه المدرسة بتعميم النطق الأصلي في التعامل مع أسماء الساسة أو الأدباء، بل يرون ضرورة ضبط كل الأسماء حتى المتداول منها في الصحافة أو على ألسنة الجماهير الرياضية بنفس الطريقة، ولكنهم لم يحددوا آلية للضبط، فكيف يعرف الجمهور أو الصحفي غير المختص النطق الأصلي لاسم ما لم يبلغ بعد من الشهرة ما بلغ؟ هل يرفع مذكرة إلى مجلس أعلى لكهنة الأسماء الأجنبية وينتظر حتى يردوا عليه بالنطق الصحيح؟ ربما.
مدرسة الاستساغة
الغالبية الكاسحة من أنصار هذا التوجه يعملون بالصحافة، ويرون أنه من العبث مثلًا أن يكون رياضيًّا مثل Tévez السابق ذكره قد اشتهر باسم «تيفيز» بين الجماهير ثم تبدأ الصحف الآن تتحدث عن «تيبيث» مما قد يسبب ارتباكًا يعصف برسالة الوضوح التي تعتبر من أهداف أي مادة صحفية، كما أن النطق الأصلي قد يسبب تلعثمًا لدى القارئ العربي وهو يحاول نقله من مرحلة البصر إلى مرحلة الصوت.
نفس المدرسة ترى أن الرئيس الفنزويلي الراحل اسمه «شافيز» وليس «تشابث»، فعجلة الزمن في هذه الأمور لا تدور إلى الخلف، خصوصًا أن السياسي المذكور كسب شهرة واسعة بسبب مواقفه المؤيدة للقضايا العربية قبل أن تأتي النشرات البروتوكولية لتعمم طريقة نطق اسمه بالإسبانية، فصارت العودة إلى الوراء مستحيلة.
ويحتج رواد هذه المدرسة على خصومهم بأن النطق الأصلي ليس مُلزمًا في أسماء الدول، فنحن نقول «ألمانيا» ولا نقول «دويتشلاند»، وحتى في التعامل مع الشخصيات الدينية الكبرى مثل الجالس على الكرسي الرسولي في الفاتيكان فإن اسمه يُترجم إلى مقابله العربي، فالبابا الراحل «يوحنا بولس الثاني» لم يكن هذا اسمه بالإيطالية، وهي اللغة الرسمية للدويلة، بل كان «جيوفاني باولو»، وكان يُترجَم مثلًا إلى الإنجليزية «جون بول»، وإلى الإسبانية «خوان بابلو» وهكذا، وبالتالي فإن التعامل بتصرف مع الأسماء الأجنبية ليس جريمة من حيث المبدأ.
والمشكلة هنا أن الاستساغة لا تستند إلى قاعدة ثابتة، فهي متروكة لذوق المحرر وتفهمه لطبيعة القارئ، فهو مثلًا يتوقع أن القارئ لن يجد مشكلة في اعتماد اسم المطرب الإسباني Julio Iglesias تمامًا كما هو نطقه الأصلي «خوليو إغليسياس»، ولكنه يتخوف من تأفف القارئ العربي من النطق الأصلي لاسم اللاعب الفرنسي السابق Thierry Henry فيقول «تييري هنري» بدلًا من «تييري أونري» الذي لا يراه مستساغًا، وهذه طريقة تقشعر لها أبدان رواد مدرسة النطق الأصلي.
حتمية الخلاف
ولحسن الحظ أن الجدل الشائع بين رواد المدرستين ينحصر حول الأسماء التي تكتب بالأبجدية اللاتينية أكثر من غيرها، فالأمر لم يكن يحتمل سجالًا حول كيفية نطق الصينيين لاسم كذا، أو الكوريين لمقطع كذا.
وغاية ما يُراد من عرض الاختلاف بين المدرستين هو أن لكل فريق حججه التي تتسق مع أهدافه، فمن يريد نشر النطق الأصلي للغة من خلال الأسماء يحرص كل الحرص على التزام الخط الأول، بينما من يريد إيصال معلومة خبرية واضحة دون تشويش فيسير في الطريق الأخرى.
وإذا سلَّمنا أن لكل فريق حججه فستخف حدة الجدل البيزنطي بين أبناء المدرستين، بل يمكن أن يستخدم أحدهم نمطًا في حالة ما، والنمط الآخر المضاد في حالة مختلفة، فالأمر لا يستدعي أن يكون الخلاف فيه كما كان بين الكوفيين والبصريين في اللغة العربية نفسها قبل قرون بعيدة، فالأحرى أن تُقبَلَ وجهات النظر وأن تُلجَمَ شهوات السجال.