عن انتفاضتي 68: الصدمة الشعبية الأولى لنظام يوليو
تتغيَّا هذه المقالة تسليط الضوء على انتفاضتي الطلاَّب المصريين في فبراير ونوفمبر 1968م، باعتبارهما أول خروج عفوي على تقاليد القفص الحديدي الذي وُضعت فيه البلاد منذ الانتصار النهائي للضباط، عبد الناصر تحديدًا، على جميع مناوئيهم في 1954م. وقد ظلت البلاد طيلة الـ 12 عامًا التالية حبيسة قفص التجارب الذي وضعها فيه النظام الناصري، فتغيَّر نظامها السياسي 3 مرات تقريبًا. وكذلك كان نظامها الاقتصادي أيضًا عُرضة للتجربة والتغيير عدة مرات. ولا يمنع هذا أنها كانت كلها تغيُّرات جزئية هبطت من أعلى إلى أسفل، ولعبت على نفس الوتر السلطوي لتدعم وتؤبد حكم الفرد المؤله. كان لابد لهذه القضبان أن تهتز ولهذه القبضة أن ترتخي بعد الهزيمة العسكرية القاسية التي مُني بها الجيش المصري صبيحة الخامس من يونيو 1967 . وسواء كان الخروج الجماهيري يومي 9 و 10 يونيو 1967م مدبرًا أو عفويًا، إلا أن الشاهد أنه خرج مؤيدًا لنظام تلقى هذه الهزيمة العسكرية النكراء، وبدلاً من المطالبة بمحاسبة وعقاب قادته وأولهم الزعيم المؤله؛ رُفضت استقالته ومُنح شكلاً من أشكال الثقة بتفويض شعبي مشهدي مباشر كزعيم قَبَلي لا كمسئول سياسي رفيع في دولة حديثة. وكان هذا دالاً على طبيعة الممارسة السياسية في المرحلة التي سبقت الهزيمة.
إلا أن التحدي الحقيقي الأول لحكم عبد الناصر بعد انتصاره النهائي في 1954م، كان انتفاضتي الطلاب في فبراير ونوفمبر 1968م، اعتراضًا على الأحكام المخففة التي حصل عليها قادة الطيران المتسببون الرئيسيون في الهزيمة من وجهة النظر الشعبية آنذاك. لذلك فإن تسليط الضوء على هاتين الانتفاضتين العفويتين لا تقتصر فائدته فقط على تأريخ أشكال المقاومة التي واجهت هذا النظام، بل تستهدف أصلاً تبيان كيفية تعامله معاها واحتوائه إياها وصولاً إلى إظهار الكيفية التي ظلت السياسة تُصنع من خلالها في مصر خلال العقود الستة الماضية. وعلى ذلك فالأحداث والوقائع المذكورة في هذا المقال حقيقية تمامًا وأي تشابه بينها وبين الواقع الحالي، رغم مرور ما يقرب من نصف قرن على حدوثها، يرجع إلى أن المُخرِج ما زال واحدًا.
أما عن تفاصيل ووقائع هاتين الانتفاضتين فإننا نعتمد في ذلك بشكل شبه كامل على القصة الكاملة التي تتبعها الدكتور أحمد عبد الله رزة بدأب مدهش، ثم رواها في كتابه التأسيسي عن تاريخ الحركة الطلابية في مصر [1].
وسينقسم المقال إلى جزئين؛ أستعرض في أولهما باختصار غير مُخِل طبيعة النظام السياسي وقتها مع عرض أحداث الانتفاضتين، أما الجزء الثاني إن شاء الله فسيتعرض أكثر لمصادر شرعية هذا النظام وقبوله العام وآثار ذلك على قدرته على احتواء الانتفاضتين، والأدوات التي استخدمها في تحقيق ذلك الانتصار.
الصدمة الأولى
صبيحة الثاني عشر من يناير عام 1966م، اجتمع جمال عبد الناصر بأعضاء اللجنة السياسية للاتحاد الاشتراكي العربي، وهو الاجتماع الذي اعترف فيه صراحة بفشل التنظيم في تحقيق أهدافه والآمال المعقودة عليه لانفصال هياكله عن الجماهير، وتحوله إلى جهاز آخر من الأجهزة البيرقراطية للدولة.
قفص التجارب الناصري
لم يكن الاتحاد الاشتراكي هو التنظيم السياسي الأول الذي اعتمد عليه عبد الناصر في تحشيد الجماهير وإيجاد إطار للمشاركة السياسية بعد الإجهاز على مبدأ التعددية الحزبية، فقد سبقه تأسيس هيئة التحرير في 1953م، ثم حُلَّت وتأسس بدلاَ منها الاتحاد القومي في مايو 1957م لنفس الهدف المتعلِّق بتحشيد الجماهير خلف قيادة النظام، ثم حُّل الاتحاد القومي وتأسس بدلاً منه الاتحاد الاشتراكي العربي في عام 1962م. وبعد ذلك بعام واحد فقط بلغ عدد منتسبي التنظيم ما يقرب من 5 مليون، ورغم أنه أُسِّس لتحقيق نفس الهدف الذي أُسِّس التنظيمين السابقين من أجله إلا أن الاتحاد الاشتراكي تميَّز ببناء هرمي صلب مؤسس على مجموعة من الخلايا العنقودية، ولم يقتصر الهدف من وجوده على حشد الجماهير فقط بل والدعاية والترويج لسياسات النظام وآرائه الأيديولوجية، لذا كانت قياداته مجموعة من المجندين الذين يدينون بالولاء الكامل للنظام، وقد ضمنت التركيبة الهيراركية [التراتبية] للتنظيم التحكم الكامل لأعلى هرمه الإداري -اللجنة المركزية- في تعيينات القيادات الوسيطة والصغرى بحيث خرج ككتلة صلبة واحدة في خدمة النظام، وكان هذا تحديدًا مصدر فشله.
لم يكن الاعتراف الذي اعترفه عبد الناصر في اجتماعه مع اللجنة هو الإنذار الأول الذي وجهه النظام لتنظيمه السياسي الأوحد، فقبل هذا بعام واحد في 2 يناير 1965م وجَّه اللسان غير الرسمي لعبد الناصر؛ محمد حسنين هيكل، في مقالته بالأهرام رسالة إلى قيادات الاتحاد الاشتراكي العربي لخَّص فيها أسباب سوء الأداء، والفشل في تحقيق الديمقراطية المنشودة في: بناء السلطة السياسية على نمط الأجهزة البيروقراطية، وتحول قاعات الاتحاد الاشتراكي لحلقات نقاش فلسفي بيزنطي مجرد.[2] أما عن شرعية النظام فقد استعاض عبد الناصر عن فكرة التمثيل الشعبي في جهاز رقابي منتخب باستعراضات إظهار الولاء وتجديد البيعة، وابتُدعت بدعة الـ 99.9% مع اعتماد استراتيجية تقوم على الظهور المكثَّف لشخصه لتحقيق اتصال مباشر بالجماهير يلغي الحاجة تمامًا لقواعد تمثيل ورقابة صارمة.[3]
كان هذا هو الوضع للعام للنظام السياسي في مصر صبيحة الخامس من يونيو عام 1967م. وقد تعرض كل ذلك البناء المكون من الرطانة السياسية والاستعراض والفشل الاقتصادي – رغم دعاوى التقشُّف- لهزة عنيفة مع الهزيمة العسكرية التي مُني بها الجيش المصري –عمود النظام– في يونيو 1967م. ولكن رد الفعل الشعبي الناقم انتظر أقل من عام، إلى فبراير من العام التالي، لينفجر إثر الأحكام العسكرية المخفَّفة التي نالها قادة سلاح الطيران. بدأت الانتفاضة التي مثَّلت أول خروج رسمي على تقاليد النظام من عمَّال المصانع في حلوان الذين سرعان ما اصطدموا بالشرطة ما أدى إلى إصابة العشرات منهم.
العمّال والطلاب؛ صدمة الخروج من القفص
تحولت الاحتجاجات العمَّالية إلى انتفاضة جماهيرية واسعة بعد أن تصادف أن يوم خروجها كان 21 فبراير وهو يوم الطالب المصري الذي يحتفل به الطلاب في ذكرى الخميس الدامي عام 1946. خرج الطلبة من أسوار جامعة القاهرة للمرة الأولى منذ 1954 جنبًا إلى جنب مع عمَّال مصانع حلوان والمناطق الصناعية الأخرى في المدينة حيث تصادموا مع الشرطة على مدى عدة أيام حتى الـ 27 من فبراير وأسفرت المصادمات عن سقوط قتلى وجرحى ومعتقلين في صفوف العمَّال والطلبة.
لم تقتصر الانتفاضة الطلابية على طلاب جامعة القاهرة فحسب ولكن شارك فيها الآلاف من طلاب الجامعات في القاهرة والإسكندرية؛ لكن الدور الأكبر اضطلع به طلبة كلية الهندسة بجامعة القاهرة حيث كانوا في قلب الأحداث يوم 24 فبراير حين تقرَّر تكوين وفد من الطلبة لمقابلة رئيس مجلس الأمة أنور السادات، وحين أبدى الطلبة خوفهم من الاعتقال حين طُلب منهم تسجيل أسمائهم طمأنهم السادات، وحين عادوا إلى منازلهم تم اعتقالهم.
استشاط طلبة الهندسة الذين قبض على زملائهم غضبًا وقرروا الاعتصام في الجامعة لحين الإفراج عن زملائهم بعد أن قررت الدولة إيقاف الدراسة يوم 25 فبراير؛ ورغم أن الانتفاضة كانت قد بدأت في الأفول خارج الجامعة إلا أن الطلبة استمروا في اعتصامهم ثلاثة أيام اصطدموا في أولها بالشرطة التي حاصرت الجامعة ثم انسحبت الشرطة للسماح للحكومة باستخدام أدوات ضغط أخرى كأولياء أمور الطلبة وقد نجح التكتيك الجديد في تخفيض عدد المعتصمين من 500 طالب إلى 180 فقط، اضطرت الحكومة إلى عقد تسوية معهم تقضي بنقلهم جميعًا إلى مجلس الأمة لمناقشة المسئولين، وقد عقد هذا الاجتماع العاصف مساء 28 فبراير حيث استهزأ الطلبة بالوزراء وأغلظوا لهم القول في واقعة هي الأولى من نوعها منذ عام 1954.
لم تكن الانتفاضة التي بدأها العمَّال وقادها الطلبة انتفاضة فئوية ولا نابعة من الغضب بعد الأحكام المخففة التي نالها قادة الطيران، رغم إصرار النظام على حصرها في هذا الإطار خوفًا من توسعها واكتسابها مزيدًا من القبول والمشاركة الشعبية، بل كانت مطالبها وشعاراتها كلها موجهة لمثالب النظام الأساسية. فمن مجموع ثمانية مطالب قدمها الطلبة لمسئولي الحكومة كان ثلاثة منها يدور حول المسألة الديمقراطية (حرية الرأي والصحافة – مجلس حر يمارس الحياة النيابية السليمة – إلغاء القوانين المقيدة للحريات ووقف العمل بها) وتدور ثلاثة مطالب أخرى حول الديمقراطية في الجامعة تحديدًا (الإفراج عن زملائهم المعتقلين – إبعاد المباحث والمخابرات عن الجامعات – التحقيق في انتهاك حرمة الجامعات واعتداء الشرطة على الطلبة) ويدور المطلبان الأخيران حول قضية أحكام الطيران (التحقيق الجدي في حادث العمال في حلوان – توضيح المسألة في قضية الطيران).
وكانت شعارات الانتفاضة التي ينادي بها الطلبة أو التي كتبوها على جدران كلية الهندسة مكرسة بالكامل لنقد مثالب النظام الأساسية، شعارات مثل (تسقط دولة المباحث – تسقط صحافة هيكل الكاذبة – القضية ليست قضية الطيران بل قضية الحريات).
ولمَّا كانت الانتفاضة قد اكتسبت زخمًا شعبيًا وطلابيًا أوسع فقد استغل المؤتمر الطلابي الذي عقد بكلية الصيدلة جامعة الإسكندرية الفرصة وخرج ببيان يدلل على الوجهة الحقيقية للانتفاضة الطلابية. فمن ضمن الـ 8 قرارات التي انتهى إليها المؤتمر ارتكز 4 منها على ضرورة تحقيق الديمقراطية في عموم البلاد، وواحد على الديمقراطية داخل الجامعات، واثنان حول أحكام قضية الطيران والانتفاضة العمالية، وواحد موجه لعبد الناصر شخصيًا ويقضي بضرورة تنحية شقيقه الليثي عبد الناصر مسئول الإتحاد الاشتراكي بالإسكندرية. وكانت شعاراتها كذلك موحية بمطالبها الحقيقية وموجهة للنظام نفسه مثل: (تسقط دولة المباحث – تسقط دولة العسكريين – هيكل هيكل يا كدَّاب.. بطَّل كدب يا نصَّاب – يا جمال للصبر حدود .. عشرة يونيو مش هتعود).
انتفاضة الطلاب الثانية
أما الانتفاضة الطلابية الثانية فقد جرت أحداثها في نوفمبر من نفس العام، وكان سببها قانون التعليم الجديد الذي نشر في الجرائد الرسمية يوم 19 نوفمبر. وكان القانون الجديد يحد من العرف القائم الذي يسمح لطلاب المدارس الثانوية بدخول الامتحانات لعدد لا نهائي من المرات، ويضمن للطالب النجاح العام برغم رسوبه في مادتين (الرياضيات واللغات الأجنبية عادة). كما رفع القانون درجة النجاح الصغرى في عدد من المواد بالمرحلة الثانوية، وأنهى الانتقال الآلي من صف دراسي إلى آخر في المرحلة الابتدائية، ووضع حدًا أدنى من الدرجات للالتحاق بالمرحلة الإعدادية، وفرض على الطلاب الحصول على مستوى معين من الدرجات كحدٍ أدنى في كل المواد الدراسية حتى يحققوا النسبة العامة للنجاح في امتحاناتهم. وبالتأكيد كان هذا تطويرًا جيدًا للعملية التعليمية لكنه كان عائقًا أمام من يبحثون عن مؤهلات دراسية للترقي الاجتماعي بأي شكل، طبقًا للدعاية التي قدمتها الدولة عن المساواة.
بدأت أحدث الانتفاضة من مدينة المنصورة حيث تظاهر طلاب المدارس الثانوية احتجاجًا على القانون، وحاول محافظ الدقهلية في اجتماع مع نخبة منهم إقناعهم بأن القانون لن يُطبَّق بآثر رجعي، وأن الدولة ستوفر بعض التيسيرات بالنسبة للطلبة الذين كانوا مقيدين بالمدارس وقت إعلان هذا القانون. إلا أن المظاهرات سرعان ما اشتعلت في اليوم التالي، 21 نوفمبر، بخروج طلبة المعهد الديني الأزهري البالغ عددهم ألفي طالب. ورغم أن طلاب المعاهد الأزهرية كانوا يقعون خارج نطاق هذا القانون إلا أنهم خشوا من أنهم ربما يتأثرون به. وتوجهت المظاهرات إلى مديرية الأمن حيث أطلقت الشرطة الرصاص الحي على المتظاهرين فقتلت 3 طلبة وفلاحًا، وجُرِح اثنان وثلاثون أخرين، وأصيب للشرطة تسعة ضباط وأربعة عشر من ضباط الصف والعساكر.
سقوط قتلى في التظاهرات سرعان ما نقل شرارة الغضب من شوارع المنصورة إلى حرم جامعة الإسكندرية حيث يدرس بها العديد من الطلبة الذين ينتمون إلى محافظة الدقهلية. بدأ نشاط التظاهر من كلية الهندسة التي كانت تضم كوادر طلابية نشطة وخرج الطلاب من الجامعة ليحدث الاصطدام الحتمي بينهم وبين الشرطة وهو ما أسفر عن إصابة 30 طالبًا. وألقي القبض على ثلاثة من قادة الاتحاد وهم يتفاوضون مع البوليس ونقلوا إلى مديرية أمن الإسكندرية فعاد الطلبة إلى كلية الهندسة.
قرر أحمد كامل محافظ الإسكندرية وقتها التدخل وذهب إلى الطلبة بنفسه وحاول إقناعهم بعدم جدوى تصعيد الطلبة، إلا أنهم التفوا حوله وحاصروه في حجرة الحرس وقطعوا أسلاك التليفون، ولم يسمحوا للمحافظ بالخروج إلا بعد الإفراج عن زملائهم المقبوض عليهم. أُفرج عن الطلبة المقبوض عليهم في ساعتها وسُمح للمحافظ بعقد مؤتمر طلابي في كلية الهندسة جوبه بسخرية شديدة من الطلبة؛ وفي الجملة فشل في إقناع الطلبة بما أراد إقناعهم به؛ إلا أنه اتفق مع قادة الاتحاد على عقد لقاء مع وفد منهم في مكتبه مساء نفس اليوم. وقبل أن يُغادر المحافظ كلية الهندسة سلَّمه قادة الاتحاد نسخة خطية من مطالب الاتحاد التي تضمَّنت إقالة شعراوي جمعة وزير الداخلية، ومحاكمة المسئولين عن أحداث المنصورة، والإفراج عن الطلبة المعتقلين، ورفع الرقابة عن الصحف، وإقرار سيادة القانون. انتهى الاجتماع الذي عُقِد بمكتب المحافظ إلى طريق مسدود، وكان بعض الطلبة قد بدأوا اعتصامًا في كلية الهندسة وعززوا موقفهم بالاستيلاء على ماكينة طباعة الرونيو الخاصة بالكلية، وبدأوا في كتابة سلسلة من البيانات وُزِّعت على نطاق واسع في المدينة، وأعلنوا كلية الهندسة مقرًا دائمًا للاعتصام.
ولا حيلة إلا القمع
في اليوم التالي قرر مجلس الوزراء إغلاق الجامعات، فانضم كثير من الطلاب إلى الاعتصام وبدأ طلاب المدارس المحيطة بالجامعة في التظاهر. وفي 25 نوفمبر حدث إضراب بالإسكندرية وشهدت المدينة مظاهرات ضخمة انتهت بصدام دموي مع الشرطة. ويدلل حجم الخسائر البشرية والمادية الذي نتج عن إضراب وتظاهرات ذلك اليوم أن الطلبة لم يكونوا وحدهم الجسم الرئيسي للمتظاهرين، إذ لقي 16 شخصًا مصرعهم (3 طلاب و 12 من الأهالي، وطفل صغير دُهِس تحت الأقدام) وأصيب 167 من الأهالي، وأُلقي القبض على 462 شخصًا، وتحطم 50 أتوبيسًا و116 إشارة مرور، و29 كشك مرور، وزجاج 11 محلاً تجاريًا منهم جمعية استهلاكية نُهبت جميع محتوياتها، وحُرِق أثاث نادي موظفي المحافظة.
أما طلبة الاعتصام في كلية الهندسة فقد فضُّوا اعتصامهم في ذلك المساء لأسباب عملية كان أولها انسحاب رئيس الاتحاد من الاعتصام ورفضه إرسال وجبات إفطار إلى المعتصمين وكان الاعتصام في شهر رمضان. بالإضافة إلى ضغط أولياء الأمور، والأمطار الغزيرة التي تسببت في قطع التيار الكهربائي، وتهديد مباشر وجهه لهم المحافظ باستخدام القوة في فض الاعتصام والترتيبات الفعلية التي اتخذها في سبيل تحقيق ذلك.
لم تنتهِ قصة الانتفاضتين عند هذا الحد فقد واجههما النظام بعدة تكتيكات تكشف عن طبيعته وأدواته في مواجهة الانتفاضات الشعبية، وقد أسَّست هذه الاستراتيجيات لنمط احتواء النظام لأي انتفاضة شعبية تلت هاتين الانتفاضتين. وفي الجزء الثاني إن شاء الله سنستعرض كيفية وأدوات عمل ونجاح النظام في هذه الفترة بغية الوصول لتوصيف شامل لطبيعته ومصادر شرعيته وقبوله العام.
[1] أحمد عبد الله، الطلبة والسياسة في مصر، ترجمة: إكرام يوسف، سينا للنشر، القاهرة 1991.
[2] مايسة الجمل، النخبة السياسية في مصر.. دراسة حالة للنخبة الوزارية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1998.
[3] يضم موقع جمال عبد الناصر على الشبكة العنكبوتية 1360 خطبة تغطي الفترة من 1952 إلى 1970. أي بمعدل خطبة كل ثلاثة أو أربعة أيام تقريبًا.