عبد الصمد باتوبارا وقصة «تسونامي المؤمنين» في ماليزيا
ضجة كبيرة رافقت زيارة الداعية الإندونيسي عبد الصمد باتوبارا لماليزيا في 13 يوليو/تموز 2023، نتيجة الاستقبال رفيع المستوى الذي حظي به هناك، بدءًا من توجهه من المطار مباشرة للقاء رئيس الوزراء، أنور إبراهيم، حيث نشر على وسائل التواصل الاجتماعي كيف أمضى معه ساعة تقريبًا في مكتبه بالعاصمة الإدارية بوتراجايا، والتقى كبار الشخصيات وعلية القوم.
واجتهد أصحاب الأقلام في تقييم أثر هذه الزيارة على مستقبل الحكومة الماليزية ودورها في حشد أو انفضاض الجماهير عن رئيس الوزراء، بشكل لا يحدث مع كثير من رؤساء الدول.
يأتي ذلك في الوقت الذي تمنع حكومات دول أخرى هذا الداعية من زيارتها مثل سنغافورة وبريطانيا وألمانيا وسويسرا وهونغ كونغ وتيمور الشرقية.
الأستاذ عبد الصمد
يُشار إلى هذا الرجل الأربعيني غالبًا باسم الأستاذ عبد الصمد (أو UAS)، ويحظى باحترام وإعجاب الملايين في شرق آسيا خصوصًا في بلده إندونيسيا، فلديه حوالي 8 ملايين متابع على إنستجرام، و 3.79 مليون مشترك في قناته على اليوتيوب، وتنتشر مقاطعه المصورة على عدد لا حصر له من القنوات، وعلى الفيسبوك هناك أكثر من صفحة تنشر محاضراته عليها مئات الآلاف من المتابعين.
يشتهر الرجل بشخصية جذابة، ويوصف بأنه يوصل رسائله بذكاء مغلفة بروح الدعابة إلى جانب اتساع نطاق المعرفة الدينية التي يمتلكها، والقدرة على الجدال والنقاش مع استحضار قوي للمراجع العلمية والنصوص الدينية، وهو إذ يحاضر في المدن الكبرى بدعوة من كبار المسؤولين، فإنه يذهب أيضًا إلى القرى النائية بدعوة من الناس العاديين الذين يحضرون بأعداد غفيرة دروسه المليئة بالآيات والأحاديث التي ينطقها بلسان عربي مبين ويترجمها مباشرة جملة بجملة وكلمة بكلمة بشكل متقن، ويفسر معانيها ويضرب عليها أمثلة من واقع الحياة اليومية للناس.
درس العلوم الدينية خلال تنقله ما بين الأزهر في مصر ودار الحديث في المغرب والجامعة الإسلامية في السودان وتم تعيينه أستاذًا بجامعة السلطان شريف علي الإسلامية، وقد منحته طلاقته في اللغة العربية مكانة كبيرة فاق بها كثيرًا من الدعاة الآخرين.
يعيش عبد الصمد في منطقة رياو بسومطرة غرب إندونيسيا، ويستغل مهاراته الخطابية في نشر الدعوة واللغة العربية بين الجماهير في المساجد، وترافقه الكاميرات أينما حل وارتحل، حتى امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بمواعظه، وله آراء سياسية معلنة مثل تأييده المرشح الرئاسي برابوو سوبيانتو، في انتخابات عام 2019.
المعارك الإعلامية
تلقى عبد الصمد كثيرًا من الانتقادات ولاحقته التهم في وسائل الإعلام المحلية والعالمية؛ حيث وُصف دائمًا كمتطرف ينشر أفكار التشدد والإرهاب بين الشباب بسبب دعمه للمقاومة الفلسطينية وتأييده العمليات الاستشهادية/الانتحارية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما برره قائلًا إن الفلسطينيين لا يملكون أي وسائل أخرى للرد على الهجمات الإسرائيلية.
كما انتُقد بشدة لاستخدامه مصطلح «الكفار» لوصف غير المسلمين، وهو ما تمسك به معتبرًا أنه من المستحيل إزالة المصطلح لأنه موجود بالفعل ومذكور في القرآن الكريم والأحاديث النبوية، وأن الكفر يعني الإنكار وأن من لا يعتقد أن النبي محمد رسول الله فهو كافر به، وأنه -أي عبد الصمد- شخصيًا «كافر بالشيطان» أي لا يؤمن به، مبينًا أن المصطلحات الدينية لا تُختار على أساس تفضيلات غير المؤمنين بها.
واتُهم بازدراء المسيحية بسبب مقاطع فيديو انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، حذر فيها من وجود صلبان في غرف المرضى بالمستشفيات، مطالبًا بتغطيتها، معتبرًا أن رمز الصليب الأحمر على سيارات الإسعاف «من رموز الكفار»، ولما توترت الأمور وصارت تصريحاته مثار جدل إعلامي كبير منذ بضعة أعوام، دافع قائلًا إن مقطع الفيديو مأخوذ من محاضرة ألقاها قبل ثلاث سنوات أثناء إجابته على أسئلة موجهة من المصلين في المسجد، قائلًا: «كمواطن صالح لن أهرب، ولن أشكو، ولن أخاف لأنني لا أشعر بالذنب ولا أريد أن أضر بوحدة وسلامة الأمة»، ورد على اتهامه بإثارة الجدل والفتنة ومطالبته بالاعتذار، قائلًا: «شرحت معتقداتي الدينية وسط المسلمين في مكان عبادتي (المسجد)، ثم هناك من يسيء إلى شرحي، فهل أعتذر؟» مبينًا أنه لا يملك إجبار جمهوره على تعطيل هواتفهم المحمولة أثناء الوعظ.
واستدعى الأمر تدخل نائب رئيس الجمهورية، يوسف كالا، ودعوته جميع القادة الدينيين لتوخي الحذر واحترام الأديان الأخرى في تقديم دعوتهم لأن الشعب الإندونيسي يعتنق ديانات مختلفة، كما حث الرئيس العام لمجلس العلماء الإندونيسي، جميع الأطراف على ممارسة ضبط النفس وعدم إثارة الاضطرابات في المجتمع، داعيًا جميع الأطراف للحذر والنضج في ردودهم.
كما أثارت فتاوى عبد الصمد وآراؤه انتقادات حادة عندما طالب بمقاطعة مقاهي «ستاربكس» الأمريكية، ومهاجمته للمثليين وتحذيراته من مشاهدة الدراما الكورية، والدعوة لتطبيق الحدود الشرعية، ومنع التهنئة بعيد الميلاد أو غيره من الأعياد غير الإسلامية، ورفض التقريب بين السنة والشيعة، وهي مواقف اشتهر بها على صفحات مواقع الإنترنت وصارت مقترنة باسمه.
وفي منتصف مايو/أيار 2022 توجه في زيارة إلى سنغافورة المجاورة لجزيرة سومطرة، فتم ترحيله هو ومن معه ومنعهم من دخول الدولة بسبب آرائه التي اعتبرتها السلطات السنغافورية تهدد أمن مجتمعها، فانطلقت التظاهرات للتنديد بالحادث أمام قنصلية سنغافورة في مدينة ميدان بسومطرة، وأمام مبنى سفارتها في العاصمة جاكرتا، وكتب أنصاره إلى مختلف المسؤولين الحكوميين، بمن في ذلك الرئيسة السنغافورية المسلمة، حليمة يعقوب، واشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي بالانتقادات وصلت إلى حد المطالبة بإعادة سنغافورة إلى السيادة الإسلامية الملايوية، وأنها كيان مصطنع أسسته القوى الاستعمارية الغربية على أرض تنتمي إلى الملايو، وأن معظم السنغافوريين مهاجرين أجانب وليسوا من السكان الأصليين.
«تسونامي المؤمنين»
أثار الاستقبال الحافل والترحيب الحار الذي تلقاه عبد الصمد عند زيارته لماليزيا الشهر الماضي تفاعلًا كبيرًا على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أظهر مريدوه في إندونيسيا الأسف لكون شيخهم يعامل بالاحترام والإكبار اللائق خارج بلاده، بينما لا يلقى داخلها إلا الانتقادات والتشويه.
فلم يقتصر الأمر في ماليزيا على لقائه برئيس الوزراء، بل ألقى محاضرة في ولاية سيلانجور، حضرتها تنغكو بيرمايسوري حاجه نوراشيكين، زوجة السلطان، وتلقى مكالمة ترحيبية من محافظ ولاية ملقا.
وعند حضوره احتفال بمناسبة العام الهجري الجديد، قيل في الإعلام إن وجوده تسبب في حدوث «تسونامي المؤمنين»، وهو مصطلح يُطلق على الأمواج العاتية التي تهجم بسبب تحرك مساحة كبيرة من المياه، حيث تدفقت أمواج بشرية كبيرة تم تقديرها بنحو 50 ألف شخص للاستماع إليه، لكن ما يقلق خصومه ليس هذا التسونامي المؤقت بل الشعبية الجارفة التي تتزايد يومًا بعد يوم في بلاد عُرفت شعوبها دومًا بالتسامح الديني الشديد والبعد النسبي عن التأثيرات السلفية العربية.