عبدالله السعيد: الأسطورة المضادة لأسطورة الأهلي
كانت تلك هي إجابة الكابتن رضا عبدالعال، في برنامج «البريمو»، عند سؤاله عن رأيه في تصريحات عبدالله السعيد لاعب نادي بيراميدز، ولاعب الأهلي السابق، لصحيفة «ذا أثليتك»، التي اتهم فيها عبدالله مسؤولي النادي الأهلي، بإصرارهم على «تدمير مستقبله».
رحل عبدالله السعيد عن النادي الأهلي منذ أكثر من 5 سنوات، وعلى الرغم من كل هذه السنوات لا تزال تطارده كوابيس هذا القرار حتى هذه اللحظة.
خمس سنوات لعب فيها السعيد لثلاثة أندية غير النادي الأهلي. مدة زمنية طويلة، وعدة تجارب كافية، حتى لا يعلق أي إنسان في شباك الماضي، مهما كانت درجة صعوبته. لكن حتى ولو تجاوزت أنت هذا الماضي، تحتاج لتتيقن أن هذا الماضي تجاوزك هو الآخر.
كثيرًا ما شاهدنا نجومًا غادروا النادي الأهلي من الباب الخلفي. تُروى قصصهم على لسان المنتمين للقلعة الحمراء، باعتبارها موعظة لكل من تُسَول له نفسه تكرار هذه الفعلة الشنيعة، وإلا سيلقى نفس مصيرهم. لا يخفى عليك أن الجميع يموت في نهاية هذه كل القصص، وينتصر النادي الأهلي دائمًا، وفقًا لرواية جماهيره.
المثير في قصة عبدالله السعيد أنها على عكس البقية، لم ينتصر فيها الأهلي في النهاية. ولا يمكننا الجزم بفوز السعيد أيضًا. لكن ما نستطيع الجزم به، أنه في ثنايا هذه القصة بالتحديد تكمن القصة الكاملة لعبدالله السعيد، لذا دعنا نخوضها معًا، ونرى.
خِريج مدرسة الإسماعيلي
في زمانٍ ليس ببعيد، كان اللعب لنادي الإسماعيلي، بمثابة ختم جودة لصاحبه. أنت تلعب في الإسماعيلي؛ إذًا من المُرَجح أنك تحمل جينات هويتهم الكروية. لقب برازيل مصر ليس فقط لتشابه الألوان، وإنما لتمتع معظم لاعبي الإسماعيلي طيلة تاريخه بالمهارة.
كان السعيد أحد هؤلاء الذين مروا من بوابة مدرسة الإسماعيلي. ابن محافظة الإسماعيلية، الذي وُلد عام 1985، وسرعان ما تجلت موهبته، فلم يخفَ عن أعين نادي الإسماعيلي، الذي يجاور بيته أصلاً في «شارع رضا».
تقدم عبدالله لاختبارات النادي عام 1991، وسُجل رسميًا في مدرسة الناشئين عام 1995، وهو ابن 10 سنوات فقط. منذ اليوم الأول، وكل الدلائل كانت تُشير أننا أمام قطعة فنية جديدة، من تلك التي كانت تجود بها مدرسة الإسماعيلي على الدوام.
ثلاث سنوات فقط، كانت كافية ليبدأ عبدالله اللَّعب لفريق الناشئين بالنادي عام 1998، وفي شهوره الأولى في الفريق، خرج أحد أهم أساطير الإسماعيلي على أبو جريشة ليتحدث في جريدة الأهرام عن عبدالله قائلاً:
أبوتريكة الصغير
لعب السعيد في مركز المهاجم الصريح طوال فترته مع فريق الشباب، وحتى بعد تصعيده للمشاركة مع الفريق الأول موسم 2003-2004. برعَ عبدالله حينها في تسجيل الأهداف بكلتا قدميه وبرأسه، لكن الهولندي «مارك فوتا»، رأى فيه أكثر من حصره في خانة تسجيله للأهداف، فقرر أن يلعب عبدالله في مركز صناعة اللعب، فكان من وجهة نظره، أبو تريكة الصغير.
كان تريكة مِلْءُ السمع والبصر حينها، وكانت تطمح كل الفرق، أن تمتلك تريكة الخاص بها، لكن عبدالله السعيد بالتحديد، لعبت قصة تشبيهه بتريكة دورًا محوريًا في حياته، كما هو الحال بالنسبة لقصته مع الأهلي، وكأنه هو المختار من ضمن كل المشبهين بتريكة، لتكتمل قصته، بعدما ضاعت ونُسيت كل القصص الأخرى، لنُكمل.
في الأهلي حيث يقطن النجوم، ولكن!
بالتأكيد أنك تتذكر هذه الفترة الذهبية في تاريخ الكرة المصرية من 2006 إلى 2010، التي يمكن التأريخ لها بشيئين، تألق منتخب مصر رفقة حسن شحاتة، وتألق النادي الأهلي محليًا وقاريًا وعالميًا رفقة المدرب البرتغالي «مانويل جوزيه».
كانت أقصر الطرق التي تؤدي باللاعب لحمل قميص المنتخب، هو لعبه للنادي الأهلي. وهو ما سعى إليه السعيد منذ سطوع نجمه مع الدراويش، وهو ما تلاقى مع سياسة الأهلي حينها، التي كان تسعى لاقتناص أي موهبة تلوح في الأفق، وبخاصة لو كانت من الإسماعيلي.
في صيف عام 2011، تحقق للسعيد مراده بتوقيعه للنادي الأهلي، لكنه لم يجد الطريق مفروشًا بالورود كما توقعه؛ لأنه من جهة وجد نفسه مضطرًا لمواجهة قدوته، وأهم لاعبي هذا الجيل -أبو تريكة- ومن أخرى كان أعزلًا بعدد دقائق لعب قليلة، وفي مركز غير مركزه الأساسي، في مجابهة جمهور الأهلي الذي ينتظر أن يرى ما سيقدمه تريكة الجديد.
هنا وعند هذه النقطة بالتحديد، انتهت مسيرة كُثر، قُورنوا بتريكة، ولم يجنوا من هذه المقارنة سوى شر الهزيمة، لكن عبدالله كان الوحيد الذي صمد حتى النهاية، متسلحًا بعقليته التي تحدث عنها محمد رضوان في التصريح أعلاه، بجانب موهبته.
أحسن لاعب في مصر
حتى نصل للعنوان الماضي، احتاج السعيد لهدوئه واتزان فكره كما كان يُوصَف. سلَّم عبدالله أولاً لفكرة أن تريكة لا يُقَارن، وأنه من حسن حظه لم يعد أمامه الكثير في الملاعب، وإلا بقي حبيس مقاعد البدلاء إلى الأبد.
والأهم من ذلك هو إيمانه بنفسه، برغم كل ما وُجَه إليه من انتقادات، من قِبل جمهور الأهلي؛ لذا دعنا نقول إن بداية عبدالله الحقيقة، كانت لحظة اعتزال تريكة.
تولى السعيد مهمة قيادة دفة صناعة اللعب في النادي الأهلي. في البداية لم يتفق عليه الغالبية العظمى من جمهور الفريق في البداية، وظل شبح تريكة يطارده لفترة، لكن ومع اعتزال نجوم الجيل الذهبي واحدًا تلو الآخر، ومع الانحدار العام لمستوى اللاعبين في مصر عامةً، كان عبدالله هو اللاعب الوحيد الذي يلعب بمستوى ثابت وبفارق كبير عن اللاعبين الحاليين.
لعب السعيد أربعة مواسم للأهلي بصفة أساسية وفي مركزه الأساسي -كصانع ألعاب- بعد اعتزال تريكة عام 2014، وحتى رحيله عن الفريق عام 2018، قدَّم فيهم كل شئ، فمن حيثُ الأرقام سجل 62 هدفًا، وصنع 54 آخرين، أسهموا في حصد الأهلي لأكثر من 9 بطولات مختلفة.
ومن حيثُ الشخصية، صار عبدالله مثالاً يُحتذى به، من حيث الالتزام وقيادته لزملائه، وللاعبين الصغار الذين ينظروا إليه كمثل أعلى. هنا نستطيع القول إن السعيد خرج من ظل تريكة أخيرًا، ونجا من فخ المقارنة، التي قتلت وستقتل أي شخص يقع في شباكها.
وحده في مواجهة شعب بأكمله
تخطى جمهور الأهلي أو شعب الأهلي، كما يطلقون على أنفسهم، هو الآخر فكرة مقارنة السعيد بتريكة، وآمن أن السعيد هو بطل عصره، وأنه يساعد الفريق على حصد الألقاب، وهو ما ترنو إليه هذه الجماهير.
ما لم يكن في حسبان جماهيرالأهلي، هي الأزمة التي اشتعلت بين عبدالله ومجلس إدارة النادي الأهلي، حينما أراد عبدالله تجديد عقده، ولم يتوصل إلى اتفاق معهم بشأن المقابل المادي، فقرر التوقيع لنادي الزمالك.
ومع انتشار الموضوع، تحول عبدالله من أسطورة إلى شيطان، وهو رد فعل طبيعي، عندما يخرج أهم لاعبي الفريق من النادي بهذه الطريقة، والأضل أنه سيرحل لنادي الزمالك.
في الحال أعدت جماهير الأهلي عُدتها، وبدأت في كتابة قصة الخائن الذي باع جنة الأهلي، وهي القصة التي يبرع شعب الأهلي في نسج خيوطها، وكانت الظروف حينها مواتية حتى تُصدق هذه القصة كسابقيها، بخاصة أن عبدالله وجد نفسه في الدوري الفنلندي، بعدما جدد الأهلي تعاقده بتدخل من المستشار تركي آل الشيخ، ثم أعلن مجلس إدارة الأهلي عدم استمراره في الفريق.
لكن كقصة تريكة بالضبط، لم تنته قصة السعيد مع الأهلي عند هذا الحد، مثلما انتهت قصص كثيرة، وهو ما تحدث عنه رضا عبدالعال في التصريح الذي استهللنا به الموضوع، على الرغم من الضغط هذه المرة كان أضاعفًا مضاعفة، لكن عبدالله يعرف كيف يخوض معاركه، حتى ولو كان وحيدًا في مواجهة شعب بأكمله.
خرج وعاد
خاض السعيد لمدة موسم ونصف تجربتين خارج مصر في الدوري الفنلندي، وفي نادي أهلي جدة في الدوري السعودي، ثم عاد إلى مصر من بوابة نادي بيراميدز، ليخوض التحدي الأهم في حياته.
مرة أخرى وجد عبدالله نفسه في المعركة وحيدًا، لكنه كالعادة اتكأ على صبره، واعتمد على موهبته كسبيل لعودته للحياة مرة أخرى، وهو ما تحقق، بعد حصوله على لقب هداف الدوري المصري في أول مواسمه مع نادي بيراميدز 2019-2020، ودخوله لنادي المئة، وتخطي عدد صناعته للأهداف لأكثر من 100، وهي أرقام قابلة للزيادة.
لن يعترف جمهور النادي الأهلي بأسطورية مسيرة السعيد حتى ولو اعترفوا بها في وقت سابق؛ لأن اعترافهم بها الآن يصيب مضمون فزاعة قصصهم عن مطاريد النادي الأهلي التي يتبنونها في مقتل.
لكن بغض النظر عن اعترافهم من عدمه، سيقف التاريخ الرياضي كثيرًا عند عبدالله السعيد، ليس فقط لأسطورية مسيرته الرياضية، فهو أحد اللاعبين المصريين النادرين الذين سجلوا أكثر من 100 هدف، وصنعوا أكثر من 100 هدف أيضًا، ولكن لكونه القصة الوحيدة التي نجت من فخ شباك أسطورة مطاريد النادي الأهلي، وتَصلُح لتُحكى على أنها الأسطورة الوحيدة المضادة لهذه الأساطير حتى الآن.