«طائر أزرق نادر يحلق معي»: هل يمكنه أن يحلق معي أنا أيضًا؟
أربعٌ وعشرون ساعة، من الساعة الثامنة مساءً، للساعة الثامنة مساءً في اليوم التالي، يُحلق فيها يوسف فاضل بروايته «طائر أزرق نادر يحلق معي»، يأخذنا في رحلةٍ إلى الماضي عبر ذكريات الأشخاص، حيث محاولة اغتيال الملك المغربي عام 1972.
إن لم تكن من أهل المغرب، فإن قراءة الرواية ستؤثر في فهمك للأحداث، وتعاطفك مع الوضع العام بها، لكن هناك العديد من الرمزيات التي تناولتها الرواية، وفي هذا المقال أقدم مراجعتي الأدبية للرواية.
طائر أزرق نادر يحلق معي
أثارت الرواية العديد من الأفكار، من بينها بعض من اعتقادات زينة حول الأمل وقناعتها أنها سوف تعثر على عزيز في يوم من الأيام، وأنها تحب رؤية نفسها منتصرة. لكن هذا ما يمكننا تسميته بالأمل الزائف، لأنها لم تكن تتحرك بجديّة ناحيته، لم تبذل خطوات حقيقية من أجل الوصول إلى ما تريد، وكأنها كالغريق الذي يتعلق بخيطٍ واهٍ، دون إمكانية واضحة للنجاة، رغم أنه يجيد السباحة، ولكن يخشى فقط المحاولة.
توضح الرواية معاناة فئة كبيرة من المجتمع، ما بين خضوع البعض لكل ما يحدث معه، كمعظم عائلة زينة ومن حولها من الأشخاص. وما بين من يطبق ما يُطلب منه رغم أنه خطأ، ويقول إن الله سوف يغفر له لأنه مضطر لفعل ذلك، كما في موقف حرّاس السجن بنغازي وبابا علي.
تشعر كذلك من خلال قراءة أحداث الرواية أن الجميع يخشى الجميع من حوله، المجتمع يسيطر على الكل في أفعالهم وتصرفاتهم، حتى أنك تجد أحد الشخصيات يقول: «وحده سبحانه وتعالى يعرف العمل الذي قمت به لإعادتها إلى البيت تجنبًا للقيل والقال»، وكأن الدافع الوحيد الذي يحرّك الأفراد ها هنا هو الخوف من الناس وما يمكنهم أن يقولوه.
الكلبة هندة والإطالة في الوصف
في رأيي أحببت جدًا الطريقة التي استخدمها الكاتب في الانتقال بين الشخصيات، وكيف تتولى كل شخصية رواية الأحداث في فترةٍ ما، والأجمل من ذلك هو الاختلاف بين الشخصيات التي تقوم بالسرد، بدءًا من زينة التي تبحث عن عزيز، مرورًا بأختها وعزيز ذاته، وحرّاس السجن بنغازي وبابا علي، وختامًا بالكلبة هندة، وأيضًا وجود الطائر فرج في الأحداث.
هذا التنوع يساعد على رؤية الأحداث والوقائع من وجهات نظر مختلفة، وذلك ما جعلني أشعر بالحب الشديد ناحية الكلبة هندة، فعلى الرغم من أنك قد تشعر أن الأمر غير منطقيّ أن تقوم كلبة بسرد الأحداث. لكن ما قامت به كان رائعًا جدًا، فهي عندما تتحدث عن نفسها، وعن معاناتها في الحياة، أجدني أتعايش مع هذه الظروف، وأتعاطف مع تلك المعاناة.
كما أنها وصّفت وحشية البشر وكراهيتها لما يقومون به من أفعال، كشيءٍ يجعلك تشعر بالضيق الشديد وتتأكد أن الحيوان قد يكون أكثر رحمةً بك من البشر. بالنسبة لي الكلبة هندة كانت أفضل شيء حدث في هذه الرواية.
أعجبني جدًا الاختيار الرائع لاسم الرواية «طائر أزرق نادر يحلق معي»، حيث إنه في كل كلمة هناك رمزية معينة، فالطائر الأزرق يرمز إلى الحرية، وكلمة نادر، تؤكد مدى صعوبة الحصول على الحرية في مجتمعات الظلم، ويحلق معي، تصف كيف أننا جميعًا نملك ذلك الطائر الذي نتمنى أن يحلق معنا.
على الناحية الأخرى هناك بعض الأشياء التي لم تعجبني، مثلًا لم أرَ سببًا لخضوع الشخصيات في الرواية، فعزيز الذي يحب التحليق في السماء طوال الوقت، عندما يتعرض للقبض عليه، فإنه لا يحرّك ساكنًا، لا توجد أي مقاومة منه، وكأنه مقدرٌ له أن يحدث ذلك، وأن استسلامه شيء منطقي. لا أعلم هل ذلك له علاقة برغبة الكاتب في توصيف وضع معين كان موجودًا سابقًا، لكن هكذا بدا لي الأمر.
كذلك محاولات زينة للعثور على زوجها، هي محاولات تائهة وبائسة طوال الوقت، خاضعةٌ لأن زوجها لم يعد هناك، تبحث بلا بحث، كشخصيةٍ أخرى لم تعجبني في أفعالها وتصرفاتها، حتى أنها كثيرًا ما كانت تتساءل إن كانت محاولاتها التي تقوم بها، ترغب من خلالها في الوصول إلى عزيز بالفعل، أم أنها تحافظ على أملٍ وهميّ في داخلها.
شيء آخر لم يعجبني في الرواية هو الإطالة الشديدة في السرد. في رأيي، الكاتب يجيد السرد بطريقة رائعة جدًا، وينجح في الغوص في داخل الشخصيات بصورة مميزة، لكن مع ذلك كان هناك قدر شديد من الإطالة في السرد، وهو ما جعلني أشعر بالملل والضيق في بعض الأحيان، وأظن أن القارئ الذي يبحث عن السرعة في حركة الشخصيات، والانتقال بين الأحداث، لن يفضل قراءة هذه الرواية.
أيها الطائر الأزرق: هل يمكنك أن تحلق معي أنا أيضًا؟
لكل منّا في حياته أحلام وطموحات، نسعى إلى تحقيقها، وتقابلنا العديد من الصعوبات حيث نسير.
كلٌ منّا يبحث دائمًا عن «فرج» ليمده بالأمل، كما كان يفعل مع عزيز في الرواية.
كلٌ منا يعرف أن الرحلة تحتاج إلى هذا الطائر الأزرق، وأن وجوده وتحليقه معنا، هو ما يخبرنا أن الأمور قد تكون بخير في يومٍ من الأيام، وأن الحرية، وإن كانت نادرة، لكنها ستظل موجودة دائمًا، والأمر يتوقف على محاولاتنا للحصول عليها.
كلٌ منا يؤمن برمزية الأشياء من حوله، وكيف أن وجود الأمل الذي يمكن لأرواحنا أن تتغذى عليه لتحيا هو شيء مهم جدًا، على شرط أن يكون هذا الأمل حقيقيٌ لا مجرد خيال في أذهاننا.
فيا أيها الطائر الأزرق: هل يمكنك أن تحلق معي أنا أيضًا؟